الفصل التاسع كابوس من الماضي

أصابته الصدمة بالشلل لعدة لحظات، عندما سمع صوت غيث من خلفه، التفت إليه حمدان وهو ينظر إليه بخوف.

غيث بملامح وجه غير مقروءة، قال له بهدوء مميت:
ألن تهنئني بخطوبتي على الآنسة حور، يا معلم حمدان؟

قال له حمدان بنبرة متوترة:
مبروك يا غيث مبروك، معذرة يجب أن أذهب آلان.

أمسكه غيث بكلتا يديه من طوق الجلباب وقال بصوت غاضب:
حاول إزالة حور من عقلك تمامًا، ولا تحاول الاقتراب منها بإي شكل من الأشكال، وإذا فكرت فقط في إيذائها، سأقضي عليك من على وجه الأرض.

رد حمدان بخوف:
لن أفعل أي شيء لها، ويستحيل عليَّ أن أفكر في إيذائها.

قال غيث بنبرة قاسية:
بل فكرت يا معلم حمدان، فأنا علمت بأمر من النساء اللواتي دفعت لهن مقابل إيذاء حور.

حمدان من شدة صدمته، صمت عن الكلام لعدة ثواني، ثم قال:
كيف علمت بما فعلت؟
قطع كلامه مرة واحدة، عندما استوعب ماذا قال، ونظر إلى غيث برعب.

ضحك ساخرًا وقال:
حتى لسانك يتبرأ منك ويقول الحقيقة.

نظر إليه في خوف وقال:
لم يحدث ما تقول، أنا لم أفعل شيئًا ولا أستطيع فعل أي شيء، أنا مصدوم من هذا الكلام الذي تقوله يا سيد غيث.

هزه غيث بعنف، ثم همس بالقرب من أذنه:
احذر من شرّي، مجرد أنك تفكر فقط، أو يصل تفكيرك إلى هذا فسوف أجعلك تتمنى الموت، أحذرني يا حمدان فأنا لا أريد أن أكرر لك تحذيري مرة أخرى، وخذ حمامًا لأن راحتك أصبحت عفنة وكريهة.

في مكان آخر.
يجلس في أحد أفخم مطاعم البحر الأبيض المتوسط، نظر إلى باب الخروج وهو يشعر بالملل، ها هي زوجته تتركه للمرة الثالثة، وتتوجه إلى حمام المطعم لتعديل ملابسها الأنيقة، ومكياج وجهها، كما تفعل عادة في كل نزهة.

تنهد بحزن عندما نظر إلى الطاولات الأخرى في المطعم، حيث كان معظمهم عبارة عن عائلات صغيرة، أب وأم وأطفالهم، يتجاذبون أطراف الحديث أثناء تناول طعامهم، ويضحكون على تصرفات أطفالهم الصغار، وتحيط بهم هالة من الدفء الأسري الذي كان يتمناه دائمًا.

إنه يعلم في داخل قلبه أنه أخطأ، عندما ارتكب ذلك الاتفاق اللعين مع زوجته، مما جعله يحرم حتى الآن من هذا الدفء المنشود؛ ولذلك قرر اليوم إنهاء هذه الاتفاقية، وتمنى أن تتفق معه شريكة حياته في هذا القرار.

شم رائحة عطرها الفرنسي المميز، نظر أمامه ليجدها تقترب لجسدها الرائع، حيث تميزت بجسد نحيل يليق حقًا بفارسة.

جلست أمامه بظهر مشدود، وقالت بابتسامة:
"أعتذر حبيبي، هل تأخرت عليك؟"

ابتسم بسخرية، وتمتم بغضب:
لا تهتمي يا عزيزتي، هذه هي المرة الثالثة التي تركتني فيها وتذهبين لإصلاح مكياجك قبل حتى أن نطلب العشاء، لا اعرف لماذا كل هذا؟! فأنت جميلة دون كل هذه الألوان الصارخة التي تضعيها على وجهك.

نظرت إليه بملامح وجه متجمدة، ثم قالت له:
جلالتك، أنت تسخر مني! هل خطأي أنني أحافظ على مظهري، وما أفعله وهو أيضًا جزء من مظهرك أمام الناس؟

استنشق بعض الهواء، وزفر بهدوء؛ لتغيير مسار المحادثة فهو أرادها أن تستجيب لطلبه بهدوء، ثم قال لها بابتسامة:
أنت مثل القمر بدون أي شيء، ولست بحاجة إلى مكياج في المقام الأول.

ابتسمت قانعة عندما أشبع غرورها، وهتفت:
شكرًا حبيبي.

أشار بيده إلى النادل، وقال لها بهدوء:
ماذا تطلبين؟

أمسكت بالقائمة في يدها، ونظرت إليها بسرعة، ثم تركتها، وقالت له:
كل الطعام هنا دسم، كثير السعرات الحرارية، وأريد شيئًا صحيًا، أعني ربما حساء خضار وقطعة ستيك مشوي.

نظر ظافر إلى النادل وقال له ما يريدون، وبعد فترة عندما انتهوا من طعامهم.

تكلم بهدوء:
هل أحببت الطعام يا حبيبتي؟

قالت نادين وهي تبتسم له بهدوء:
نعم، أحببت الطعام وبشدة، أعتذر منك يا حبيبي سوف أذهب إلى المرحاض للمرة الأخيرة.

كادت أن تقف، لكن يده منعتها عندما أمسك بيدها، وقال لها بهدوء:
آسف يا نادين، اجلسي الآن، أريدك في أمر مهم.

نظرت إليه باهتمام وقالت:
حسنًا يا زيزو، ماذا تريد أن تقول لي؟

أغمض عينيه بشدة، ثم قال:
في البداية وقبل أن أقول ماذا أريد، لقد أخبرتك العديد من المرات ألا تناديني بهذا الاسم مرة، لا أحب هذا الاسم.

نادين بحزن اصطناعي:
حسنًا، ماذا علي أن أفعل، فأنا لا يمكنني العثور على أي أسم آخر غير هذا الاسم، أُدللك بيه.

قال بحدة:
ومن قال إنني أريد هذا الاسم لتدليل، هل تعرفين أين تكمن المشكلة يا نادين؟ نحن متزوجان منذ ثلاث سنوات، وحتى الآن تجهلين ما أحبه، ولا تعرفين ما يزعجني، أخبرتك من قبل أن اسمي يُقال كما هو.

شعرت بالملل من تلك المحاضرة التي تسمعها كلما أذل لسانها، وقالت بهذا الاسم، قالت منهية المناقشة:
هل هذا كل شيء، ظافر؟ أنا آسفة لأنني لا أستطيع سماع هذه المحاضرة كاملة، وقل لي ما الموضوع الذي جعلك تدعوني للعشاء اليوم، خاصة وإننا لم نخرج منذ فترة.

حرك إصبع السبابة والإبهام على جبهته عدة مرات، ثم نظر إليها بهدوء وقال:
أريد أن أصبح أبًا نادين، أعتقد أن الوقت قد حان لتكوين أسرة هادئة مليئة بالحب والحنان.

استراحت في وضعية جلوسها، وعقدت ذراعيها أمام صدرها، وقالت بنبرة حزن:
مرة أخرى ظافر، نفس الموضوع، لم تمل منه بعد؟! يفترض أن قرار تأجيل الإنجاب، كان بالإنفاق بيننا وكان قبل الزواج.

لا تنسى أن زواجنا كله كان على أساس العقل لا القلب والعاطفة، وكان هذا أساس الزواج بيننا.

أغمض عينيه لبضع ثوان، ثم نظر إليها وقال بهدوء:
لا، لم أنسى يا نادين، وأعتقد أنني لمدة ثلاث سنوات كنت زوجًا مثاليًا لك، وحاولت قدر المستطاع أن أعتني بك، اعتنيت بكل التفاصيل الخاصة بك.

وأعتقد أن الوقت قد حان، أريد أن ينشأ ابني في منزل واحد، منزل لا يوجد به أي مشاكل، ولهذا اخترتك بعقلي قبل قلبي، بالإضافة إلى جمالك وحنانك أيضًا.

حاولت إنهاء النقاش لصالحها، فقالت له:
حسنًا، مثلما أنت بطل فروسية، فأنا أيضًا بطلة ظافر، وأنا متأكدة من أنك لست من النوع الذي يمكن أن يحبط طموحي.

وأخشى أن يفقد جسدي رشاقته بعد الولادة، ولا أستطيع تحقيق البطولة التي أريدها، الفروسية هي من جمعتنا و جذبتك إلي، هل تتذكر أم نسيت؟

تجعد حاجبيه، وقال بضيق:
لا لم أنسى، لكني أفهم من كلامك هذا أنكِ لن تتراجعين عن كلامك إلا بعد حصولك على البطولة، بطول نسبة حصولك عليها ليست كبيرة، ولا أعلم إذ كنتِ سوف تأخذينها أم لا.

وإذا دخلت هذه البطولة وفشلت، هل سوف تستمرين سنة تلو الأخرى حتى تفوزي، وتأجيل الأمومة والإنجاب حتى تفوزين.

نادين بلهجة حازمة:
نعم، ليس لدي أدنى مشكلة، ومن ثم فإن الأطفال ليسوا كل شيء في الحياة، على العكس هم قيد على والديهم.

ضغط على يده بقوة، كلامه هذا جعله يعرف أنه أخطأ عندما قرر أن يثق بالأنثى مرة أخرى، كلهم متشابهون، كلهم قساة القلب.

كادت عينيه تشعل بالنار، وهو يقول لها:
الكلمات التي قلتها قبل الزواج أصبحت في طي النسيان، واتفقنا القديم انتهى، نحن اتفقنا على عامين، والآن مر ثلاثة أعوام.

قال ظافر وهو يقف ودون انتظار ردها، وقال ساخرًا:
هيا انهضي اذهبي إلى المرحاض، أصلحي مكياجك، ربما سيفيدك أحمر الشفاه عندما ينطق ويقول لك يا أمي، أنا ذاهب والسيارة مع السائق في الخارج في انتظارك، وأنا في انتظار قرارك النهائي.

ظلت تنظر إليه بعيون واسعة من الصدمة، حتى اختفى من أمامها، متسائلة بينها وبين نفسها:
هل هذا ظافر زوجها؟ الذي لم يحاول إزعاجها أبدًا، ودائمًا ما كان يعاملها بلطف ورفق معظم الوقت، إلا في الأوقات التي خرجت فيها من المنزل بدون إذنه وتأخرت فيها.

وباستثناء هذه المتاعب، كانت حياتهما معًا تسير بهدوء وسلاسة، أم أن هذا الوجه الآخر الذي لم تره من قبل ؟!

وفي مكان آخر.
عندما يحل الليل ويسود الهدوء، تنكشف حقيقة ما تخفيه القلوب، من نفوس مريضة وعاهرة.

استيقظت خائفة من نومها عندما سمعت أصواتا قادمة من الخارج، بدأت تنام كالقطط وتقطع نومها، وتستيقظ من أدنى صوت، وأصبح الخوف متأصلًا فيها، جلست على السرير في غرفتها، التي أصبحت باردة بعد مغادرة جميع أحبائها.

سحبت الغطاء فوق رأسها وفتحت عينيها، ولم تر شيئًا سوى الظلام، تنفست بحدة وهي تصلي أن يمضي الليل بهدوء دون أي مشاكل.

وفي الخارج، جلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، يتابع بشغف وتركيز المشاهد التي تمر أمام عينيه وهو يشرب من زجاجة النبيذ، وباليد الأخرى يحمل سيجارة حشيش، وتصاعدت أنفاسه المليئة بدخان الحشيش.

لم يعد قادرًا على التحكم في نفسه، صب جرعة كبيرة من النبيذ في فمه، ومسح برفق القطرات التي سقطت على ذقنه بذراعه، قبل أن ينهض ويذهب إلى غرفتها، انصدمت ساقه بالطاولة فسقط على الأرض ووقف مرة أخرى وهو يترنح، غائب العقل والوعي.

شعرت به وهو يرفع الغطاء عن جسدها، حبست أنفاسها منتظرة منه أن يعيد الغطاء كاملاً بعد أن رفعه لبضع لحظات، لكن الوقت كان طويلاً، فشعرت بالرعب لأنها شعرت أنه يلمسها، اتسعت عيناها تحت الغطاء، والتزمت الصمت.

ماذا تفعل في هذا الوضع؟ ولو تجرأت على الكلام لن يصدقها أحد، لأنه محترم ويدعي الفضيلة بين الناس الذين لا يعرفون حقيقته الملوثة.

صوت صدى داخلها يقول لها دافعي عن نفسك، زادت لمساته جرأة وهي لا تزال تلتزم الصمت، ثم أزال الغطاء عنها بالكامل، تفاجأ عندما وجد أنها كانت تنظر إليه، فأوحى له عقله المريض الغائب أنها توافق على ما يفعله بها.

قال بصوت هامس:
ابقي مطيعة يا سندس، وستكونين سعيدة جدًا معي.

رأت يديه تمتد بالقرب من خصرها، نظرت إليه برعب، أصابتها الصدمة بالشلل، اختنق صوتها داخل حلقها، حاولت الصراخ، لم تعرف متى سيخرج صوتها من سجنه، صرخت و صرخت.

حاول أن يكتم صراخها بوضع يديه على فمها، فغرست أسنانها في راحة يديه، وبمجرد أن أبعد يديه، بدأت بالصراخ بشكل هستيري.

ركضت حياة بسرعة إلى الشقة على صرخة سندس، وجدتها تصرخ وهي نائمة وكان جسدها يرتجف وهي نائمة على السرير.

حياة بنبرة يشوبها الكثير من الخوف والقلق عليها:
سندس، أستيقظي يا غالية.

فتحت سندس عينيها، ثم قالت بأنفاس متقطعة:
ماذا حدث؟

ردت عليها حياة:
كنت تصرخين وأنت نائمة يا سندس، ما بك هل كنت تعيشين كابوس؟

قالت لها بخفوت:
نعم، كابوس مرعب يا حياة.

قالت لها حياة:
لا تقصي الكابوس، لا نتحدث عنه لأحد إطلاقا، لأنه يتحقق ويحدث في حالة الحديث عنه.

هزت سندس رأسها وقالت بصوت يرتجف من الخوف:
هذا كابوسي الذي لا يريد أن يتركني، وما حدث اليوم أعاده إليَّ مرة أخرى، وهذا ليس كابوس، لأنه حدث لي في الماضي.

هزت حياة رأسها، عندما أدركت ما تعنيه بهذا الكلام، ثم قالت:
أنسى الماضي يا سندس.

قالت بصوت يرتجف:
حلمت به يا حياة، عادت كوابيسي مرة أخرى بعد أن نسيت.

سألتها حياة وهي تعرف الإجابة جيداً لكنها لم تجرؤ على الإجابة بنفسها:
بمن حلمت يا حياة؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي