الفصل الرابع

البارت الرابع..

غفران..
✍️نسمة مالك✍️..

"حين تتمكن امرأة ما من التلون كالحرباء بكل الالوان فأعلم انها امرأة لا يستهان بها"

"شهد"..

أنتفضت بفزع كما لو لدغها عقرب مبتعده عن غفران حتي كادت تسقط من اعلي الفراش، ولكنها تمالكت نفسها بأخر لحظه، ابتلعت لعابها بهلع بعدما أدركت انها كانت علي وشك الاستسلام له ظناً منها انه من يمتلك قلبها وكادت أن تتفوه بأسمه من بين قبلاتهم،
ولكن الله رأف بقلب غفران واستعادت وعيها قبل فوات الأوان..

يرمقها غفران بنظرات مندهشه من رعبها البادي علي وجهها دون مبرر، وببوادر غضب قال..
"في ايه يا شهد؟!"..
شعرت انها علي وشك انكشاف أمرها فلجأت لعبراتها التي تخرجها من اي مأزق، خصتاً وهي علي علم ان زوجها تهدأ نوبة غضبه فور رؤية دموعها..

بلحظه كانت وجنتيها غارقه بعبراتها الزائفه، واقتربت من غفران مره أخرى والقت رأسها علي صدره تبكي بنحيب،

اغمض غفران عينيه بعنف وتنهد بضيق من بكائها الذي يزعجه كثيراً، لتذهله هي اكثر حين همست بصعوبه من بين شهقاتها..
"ا انا اسفه يا غفران، عارفه اني بقالي كتير بعيده عنك"..
رفعت عينيها ونظرت له وبخجل مصطنع تابعت..
"ب بس انا مش عايزه يحصل بنا كده تأدية واجب وخلاص"..

رسمت الحزن علي ملامحها..
"عايزاك يا غفران تكون معايا بقلبك قبل جسمك"..
ابتسمت بتألم زائف..
"عارفه انك محبتنيش كفايا علشان تبقي معايا بقلبك واني مش الوحده اللي تليق بمكانة حضرة الظابط غفران المصري، وعارفه ان هيجي اليوم اللي تلاقي في الوحدة اللي تخطف قلبك وتحبها وترميني انا للمكان اللي جبتني منه"..
انهت حديثها وأجهشت بالبكاء أكثر،
بينما يطلق سبة غاضبة بعد سماع كلامها و تصريحاتها الحمقاء، فهي حقاً غير قادرة علي تحريك قلبه، ولكنه يحتويها ويسعي دائماً لأرضائها..

وهي غير عابئه لكل ما يفعله لأجلها وتستمر بألقاء اللوم عليه، امسك كتفيها وابعدها عنه ونظر بعتاب قائلاً..
"انتي تتخيلي اني ممكن اعمل كده في يوم من الايام، ولا انا قصرت معاكي في ايه علشان تحسي بكل النقص دا يا شهد؟!"..

اجابته هي بشفاه مرتجفه..
"عمرك ما قصرت معايا في حاجه يا غفران"
ضيق عينيه مستفسراً..
"ولما انا مش مقصر، وانتي مش عايزاني المسك لبسه كده ليه؟! "..

اخفت ارتباكها بمهاره والتصقت به وبغنج قالت..
"واضح ان بقالنا كتير بعيد عن بعض لدرجة انك نسيت ان دا لبسي العادي جوه أوضتنا!!"..
"أوضتنا اللي بنام فيها لوحدي وانتي بقي نومك علي طول في اوضه الولاد".. قالها غفزان باقتضاب لا يخلو من الجمود و هو يدفعها للوراء قليلًا وهم بالقيام لتتمسك هي به اكثر وبهمس قالت..
"رايح فين؟! "..

اجابها بهدوء..
" هرجع شغلي"..
عقدت حاجبيها وبستغراب قالت..
"هترجع تاني ليه؟!"..
التفت بكلتا يدها حول رقبته تجذبه اليها وبهمس يكاد يسمع تابعت..
"خليك وانا هفضل هنا وانام في حضنك مش هروح أوضة الولاد انهارده"..

بعدها عنه برفق وهب واقفاً وأشار بعينيه علي مقعد وبابتسامة باهته قال..
" انا كنت جاي وجيبلك الاكل اللي بتحبيه، وبوكيه الورد دا علشان افرحك لو اعرف انك هتقوليلي اني مبحبكيش وانك مش ليقه عليا وكلامك الخايب اللي يحرق الدم دا مكنتش هاجي يا شهد"..

سار نحو الخارج ولكنه وقف مره اخرى وتابع دون الالتفات لها..
"عيزك تعرفي اني بخرج علي شغلي دا وانا مش عارف هرجع تاني ولا لاء،علشان كده علي اد ما اقدر بحاول امسك اعصابي علي عميلك دي ومزعلكيش مني"..
نظر لها بتحذير مكملاً..
" اتمني من ربنا ما يوريكي زعلي يا شهد"..

انهي حديثه وسار للخارج الغرفه ومن ثم المنزل بأكمله، ارتجل سيارته وقاد بسرعه عاليه متجه نحو تلك" العهد" التي لها القدره وحدها علي ان تفقده صوابه..

بينما "شهد" استرخت عضلات جسمها المتنشجة أخيرًا و ألقت بنفسها للخلف، تمددت مثبتة رأسها فوق الوسادة تبتسم براحة وانتصار ظناً منها انها تمكنت من اقناعه..

مر بعض الوقت وصل غفران لفيلا عزت البحيري، دار بالمكان يطمئن بنفسه ان كل شيء علي ما يرام،اشرقت الشمس بنورها معلنه عن بدء يوماً جديد..
ليبدأ القلق يزحف لقلبه ونظر تجاه غرفة عهد متمتماً بسره..

"غريبه حكاية نومها المتواصل دا، دي بتنام نوم السمك، وتفضل داخله خارجه علي البلكونه طول الليل"..
سار لداخل الفيلا بخطوات شبه راكضه حتي وصل لغرفتها، اقترب بإذنه منها وطرق الباب برفق، فلم يجد حليفه الا الصمت..

ارتعد قلبه وبسرعة البرق اقتحم الغرفه وخطي للداخل، لينصعق من هيئة عهد النائمة علي الفراش تشبه الاميرات بجمالهم وسحرهم الجذاب، تأملها بنبهار بفستانها الأكثر من رائع ووجهها التي اضافت له لمسات من مساحيق التجميل جعلتها بغاية الرقي..

انتبه علي حالته وهم بالسير نحو الخارج، ولكن جبهتها المتعرقه بشده جعلته قطع المسافه بينه وبينها بخطوه واحده ووضع قبضه يده علي وجهها يتفحص حرارتها قائلاً بلهفه ..
"عهد؟"..

بلمح البصر كانت عهد لكمته بركبتها ببطنه ودفعته بكل قوتها ليستلقي هو علي الفراش بظهره واعتدلت هي وجلست فوقه ملتفه بقدميها حوله، واضعه علي عنقه سكيناً وبابتسامة مصطنعه تحدثت..
"علشان تعرف ان عهوده مبتسبش حقها ياظبوطه"..
انهت جملتها وغمزت له بشقاوه، ليتذكر هو ما حدث بينهما ثاني يوم عمل له..

.. فلاش بااااك..
"عهد"..
تسير داخل غرفتها بخطوات غاضبه وهي تتمتم بغيظ..
"مش عارفه اهرب منك خالص يا غفران"..
صكت علي أسنانها وببكاء مصطنع تابعت..
"بيشوفني وهو مغمض كأنه بيشم ريحتي"..

اتسعت عيونها بحماس وابتسمت ببلاهه حين التمعت برأسها فكرة، فاسرعت نحو الشرفه تبحث عنه بلهفه،
لمحته يجلس ارضاً بمفرده مستنداً علي إحدى الأشجار بحديقة المنزل ينظر للسماء بشرود..

بسرعة البرق كانت ركضت لخارج غرفتها دون اكتراث لمنامتها القطنيه الحمراء التي تظهر جمال جسدها الممشوق، شعرها الحريري يتطاير حولها بهيئه تخطف الأنفاس..

تركض حافية القدمين حتي كادت ان تقترب منه،فجلست علي ركبتيها وسارت علي كلتا يدها وقدميها بحذر وحرص شديد، علي وجهها ابتسامة بلهاء متسعه تظهر جميع أسنانها وبهمس تحدث نفسها..
"الله هخضه اخليه يقوم يجري يروح بيتهم، او يغمي عليه واهرب انا براحتي"..

عبيرها المسكر استنشقه غفران بهيام مغمضاً عينيه يتمعن السمع لهمسها، وأنفاسها، وحتي نبضات قلبها،دون ارادته ابتسم علي شقاوتها وجنونها التي تغرقه بهما..

أوشكت هي علي الوصول اليه، كتمت أنفاسها حتي اصبحت خلفه مباشرة، رسم هو الجمود علي ملامحه وبمهاره شديده كان سحب سلاحه بيد والتفت لها فجأة ودفعها أرضاً لتسقط علي ظهرها..

بلمح البصر كان جذبها من قدميها نحوه ملتف حولها بجسده مقيداً كلتا يدها بيد واحده وثبتهما اعلي رأسها واضعا سلاحه علي عنقها، شدة صدمتها جعلتها كمن فقدت النطق، حاولت الصراخ ولكن لم يسعفها صوتها..

فقط تنتقل بنظرها بينه وبين سلاحه بنظرات ذاهله وبصوت مرتعش همست..
"ظبوطه انا عهوده انت نستني ولا ايه؟!"..
رمشت بعيونها اكثر من مرة كمحاوله منها لإخفاء عبراتها التي غزت عيونها من شدة خوفها..

لمح هو دموعها فاعتدل مبتعداً عنها وهو يقول بصرامة..
"سيادتك بلاش تعملي حركاتك دي تاني خصوصاً مع؟؟"..
قطع حديثه واتسعت عيناه بصدمة حين انتبه لمنامتها..

اشتعلت عيناه بغضب عارم وبلحظه كان حملها بين يديه وهب واقفاً بها، وسار بخطوات شبه راكضه متجهاً لغرفتها وهو يقول بدهشه..
"انتي ازاي تخرجي بالشكل دا قدام الحرس؟! "..

لم تتفوه عهد بكلمه، حتي انها لم تعترض علي حمله لها كعادتها، فما فعله معها قد افزعها وجعلها تبكي بصمت وهدوء ما قبل عاصفتها التي ستجتاحه بعنف هذه المره..

توعدت له واقسمت ان تلقنه دروساً وليس درساً واحداَ علي فعلته هذه..

.. باااااااك..

نظر لها غفران بجمود يخفي بهم رعبه، وفزعه عليها، تبادله هي النظره بتحدي، غافله عن وضعها وقربها الذي جعل قلب غفران أوشك علي مغادرة صدره من عنف دقاته..

وبطفوله ودون وعي منها مالت بجسدها عليه اكثر ويدها الصغيره تسير بالسكين علي رقبته صعوداً بلحيته وبتهديد قالت..
"اختار يا ظبوطه"..
رفعت يدها الأخرى وعدت علي اصابعها..
"اقتلك حالاً واقول انك حاولت تغتصبني، ولا اصرخ واقول انك اتهجمت عليا في اوضتي وبابي هو اللي يقتلك، ولا تسبني اخرج لوحدي وقت ما احب وارجع وقت ما احب؟؟"..

لم يستمع غفران لحرف واحد مما تفوهت به، غارق هو بقربها الذي جعله بعالم اخر، فستانها الذي يكشف جمال عنقها المرمري، ومقدمة صدرها بسخاء كان كالمغناطيس الذي جذب عينيه وتعلق بهما..

لمحت هي نظرته فشهقت بخجل واسرعت بوضع كف يدها علي مقدمة الفستان وبغضب طفولي قالت وهي تضغط بالسكين علي رقبته..
"انت طلعت ظبوطه قليل الأدب"..
تراقصت ابتسامة عابثه علي محياه وغمز لها بإيحاء قائلاً..
"يعني انتي عيزاني ابقي مؤدب ازاي بوضعك معايا دا!! ، دا حتي يبقي غلط علي سمعتي كراجل"..

انهي حديثه واشار لها بعينيه علي وضعهما..
اتسعت اعين عهد بصدمه وهمت بالابتعاد عنه ولكنه بلحظه عكس وضعهما وقد تبادلت ملامحه لاخري غاضبه وبصرامة قال..
"قولتلك بلاش جنانك دا معايا انا بالذات سيادتك"..

ترقرقت العبرات بعينيها وببكاء طفولي قالت..
" انهارده عيد ميلادي اتجنن علي اي حد براحتي، مش كفايه هقضيه لوحدي زي كل سنه وافضل اعيط لحد ما يغمي عليا زي امبارح ولا حد سأل عني ودخل يطمن عليا غيرك انت يا ظبوطه يا همجي"..

تعاد جملتها مراراً وتكراراً ليس بإذن "غفران" فقط بل اقتحمت قلبه، ابتعد عنها
ببطء وهب واقفاً أمامها يرمقها بجمود يخفي خلفه لهفته عليها التي لا يعلم لها سبب،او انه علي علم ولكنه ينهر نفسه ومشاعره التي تزداد كل لحظه وتنجرف نحوها بغزاره..

اعتدلت"عهد" جالسه ببعض الغضب ونظرت له بعبوس طفولي وبأمر قالت..
" اطلع بره يا ظبوطه وسبني لوحدي علشان عايزه اعيط"..

ظهرت الدهشه علي ملامحه وشبه ابتسامه علي عفويتها وبرائتها التي تأثره، واخذ نفس عميق وتحدث بلامبالاه مصطنعه..
"اممم تعيطي ويغمي عليكي تاني؟"..

تنهدت "عهد" بحزن وترقرقت العبرات بعينيها وبغصه مريره قالت..
"انا واخده علي كده، علشان مش باكل كويس وكمان قلبي مش مبسوط"..
صكت علي أسنانها بغيظ ورمقته بنظره ناريه مكمله..
"خصوصاً انك مخلتنيش ادخل عند هاله صحبتي ولا اكل الكشري المشطشط اللي كانت عملهولي"..

أنهت جملتها وهبت واقفه تدفعه بكلتا يدها بصدره لخارج الغرفه، وبصوت مختنق بالبكاء تابعت..
"أخرج بقي وسبني في حالي علشان دا يوم العياط العالمي بتاعي"..

تلكمه علي صدره، وتجاهد لإخفاء عبراتها التي خانتها وهبطت علي وجنتيها جعلت شفتيها ترتجف بوضوح، وجسدها ينتفض بشده، وتعالت شهقاتها وبوهن بدأت تهمس..
"اخرج سبني لوحدي مش عايزه اشوف مخلوق انهارده، ولو حد سأل عني"..
ازدادت حدة بكائها وبتأوه قالت..
" قولهم عهد ماتت"..

لم يتحرك "غفران" انش واحد من مكانه رغم انها تدفعه بقوه ممزوج بعنف، عينيه مثبته عليها يستشف مدي تألمها ووحدتها القاتله التي تشعر بها، ليشعر بنغزه قويه اعتصرت قلبه لهيئتها التي تشق القلوب..

بدأت"عهد" تفقد السيطره علي اعصابها أكثر، وببوادر انهيار صرخت..
"أطلع بره يا غفراااااان؟ "..

رسم "غفران" الغضب علي ملامحه جعل وتيرة غضبها تهدأ قليلاً بخوف من ملامحه الصارمه، ورفع كف يده مسح علي خصلات شعره الحريري ولحيته بعنف، ودار بعينيه بأنحاء الغرفه متعمد الأبتعاد بنظره عن عيونها الباكيه التي تشعل داخله رغبه قويه بضمها داخل صدره..

همت "عهد" بلكمه مره أخرى، ولكنه مال علي أذنها وتحدث بصوته الصارم قائلاً بتسائل..
"سيادتك عايزه تروحي لصحبتك؟"..

ضحكت "عهد" ضحكه مزيفه، ودموعها تهبط علي وجنتيها بغزاره، وبسخريه قالت..
"ايه هتسبني أروح لوحدي، وأقعد معاها براحتي يا حضرة الظبوطه؟!"..

استدار "غفران" موليها ظهره، وسار عدة خطوات نحو الخارج حتي وصل عند باب الغرفه وتحدث من فوق كتفه دون النظر لها..
"هوديكي ليها وهسيبك تقعدي معاها براحتك وأنا هبقي معاكي سيادتك"..

ضربت "عهد" الارض بقدمها بغيظ، وبغضب قالت..
" اقعد براحتي معاها ازاي وانت معايا يا ظبوطه يا حشري وأنت عارف انها مش هتسمحلك تدخل علشان جوزها مريض"..
ليفقدها غضبها وغيظها منه سيطرتها علي ما تتفوه به، وبتلقائيه تابعت..
"وبعدين لو قعدت معايا هاله مش هتعرف تحكيلي عرفت ان مراتك اسمها شهد بنت سعديه منين ؟"..

انتبهت علي ما تفوهت به، فقطعت حديثها وعضت علي شفتيها متمتمه لنفسها..
"اه يا عهوده يا نوتي"..

ابتسم" غفران"علي فضولها الطفولي ولكنه أخفي ابتسامته سريعاً، وبأمر قال.. "هطلعلك حد بالأكل حالاً ياريت تاكلي كويس لو عايزه لما نروح لصحبتك تقعدي معاها لوحدكم سيادتك"..

قفزت "عهد" فجأه وصفقت بكلتا يدها وهي تردد بفرحة غامرة رغم عبراتها التي تغرق وجهها الطفولي..
"هاكل كل أكلي يا ظبوطه بس تخليني اقعد مع صحبتي اطول وقت ممكن بليييييز"..

بملامح جامدة يخفي خلفها فرحته لفرحتها حرك "غفران" رأسه بالإيجاب، وأغلق باب غرفتها خلفه، وسار نحو غرفة والدها وهو يمتم بأسف..
"أكيد سيادة الوزير ناسي عيد ميلاد بنته الوحيدة، والبنت ليها حق تزعل وتنقهر بالشكل دا طبعاً"..
ابتسم بحماس بعدما خطر علي ذهنه فكرة يثق تماماً انها ستروقها كثيراً..

طرق علي باب الغرفه وقد حسم أمره بعرض فكرته علي والدها وهو علي يقين انه لن يمانع خصتاً أن ابنته ستغمرها السعادة بما سيفعله معها" غفران"..
..............................................................
.."هادي"..

شعر ببروده تلفح جسده ففتح عيناه يبحث عن زوجته بلهفه، بعدما تحسس الفراش بيده فلم يجد سوا الفراغ حليفه، ليجدها تقف بإحدى أركان الغرفه تصلي بخشوع..

فنهض بجزعه معتدلًا بالفراش يتأملها بابتسامة هائمه، وعيون تحمل لها الكثير من العشق،فقد أحسن هو الإختيار حين أصر عليها تكون هي زوجته، وشريكة حياته..

لتبهره هي بأخلاقها وقلبها النقي، واخلاصها، وحبها الشديد له، ولكن تلاشت ابتسامته حين تذكر شقيقتها "شهد" زوجة شقيقة التي تختلف عنها كلياً بأخلاقها وحتي قلبها..

عادت الابتسامة تزين محياه حين أخترق سمعه دعاء زوجته له من صميم قلبها مردده "رغد" بتوسل وبكاء..
"يارب احفظلي هادي جوزي، يارب انت عالم انا بحبه اد ايه، يارب متحرمنيش منه ابداً ولا توريني فيه مكروه"..

اغلق عينيه مستمتعاً بصوتها، ويأمن علي دعائها بسره، لتداهمه إحدى اجمل ذكرايته معها حين رآها اول مره..

"فلاش بااااااك..

بعدما قضي الليل بأكمله برفقة أصدقائه كعادته كل سنه بوقفة العيد، يقود سيارته بسرعه عاليه، يود أن يذهب لمنزله ليتوضأ ويبدل ثيابه ويذهب الي المسجد ليلحق بصلاة العيد في جماعة..

ولكن الطريق مزدحم بحشد هائل من المصلين يملؤن الطرقات أجبره علي صف سيارته بعيدا عن منزله وبدأ يغلق زجاجها وهو يتمتم..
"هاخد الباقي مشي بقي ولا حتي جري بس علي الله الحق الصلاة؟!"..

قطع حديثه وانتفض بفزع حين انفجرت إحدي الألعاب الناريه داخل السياره بجواره، صرخ هادي ببكاء مصطنع وتفحص المقعد بلهفه وهو يقول بغيظ شديد..
"عربيتااااااااي ولاد ال***"..

التفت حوله يبحث عن من يلقي تلك الألعاب، فلمح فتاه ترتدي فستان رقيق باللون الأسود به خطوط باللون الأبيض وحجاب نبيتي، تقف ظهرها له ممسكه بإحدى الألعاب وتقوم صديقتها بأشعالها لها لتلقيها هي من يدها سريعا وتغلق عينيها، وتضع أصابعها بأذنها بخوف ورعب بادي علي وجهها، ولكنها تضحك بفرحة غامرة، وبصوت عالِ للغايه تتحدث..
"فرقع ولا لسه يابت يا هاله افتح و اشيل ايدي من ودني ولا لسه؟"..

أجابتها هاله بصعوبه من بين ضحكاتها..
"اه يا رغد يا خوافه يا جبانه فرقع فتحي يا أختي"..
فتحت رغد عينيها بلهفه، وبرجاء قالت..
"وحياة أمك هاتي صاروخين من بتوعك افرقعهم علشان بتوعي خلصو يا لولو"..

قالت هاله ببشاشه..
" عيوني يا رغدتي".. أعطتها الكثير من الألعاب وبابتسامة تابعت.. "خدي يابت فرقعي دول مش خساره فيكي"..

ابتسمت "رغد" لها بحب وقفزت فجأه اكثر من مره امام اعين هادي التي تتابعها بدهشه والكثير من الغيظ،لتذهله رغد اكثر حين قالت بألحاح طفله..
"ولعهوملي ونبي يا لولو"..

اشعلتهم هاله لها، لتسرع رغد بقذفهم بعيداً عنهم غافله انها تقذفهم داخل سيارة هادي الذي يقفز بمقعده ليتفادي الاصابه من تلك الألعاب المؤذيه وبغضب عارم قال بصوت أشبه بالصراخ..
"انتي يا انسسسسه انتي وهي يلي بتفرقعو صواريخ"..

التفت رغد تجاه الصوت ووقعت عينيها عليه لمرتها الأولي،شاب يمتلك من الوسامة قدر كبير، فتح باب سيارته وهبط منها ليظهر طوله الفارهه، وجسده الرياضي الذي تظهره ثيابه المنمقه بعنايه..

سار نحوهم بخطوات شبه راكضه ووقف أمامهم وبغيظ قال..
" مش عيب تبقو انسات كبار كده وواقفين ترمو صواريخ علي خلق الله وتبوظولي كرسيي العربيه بالشكل دا؟"..
نظرا لبعضهما برتباك وباحترام قالت هاله..
"احنا اسفين يا كابتن مكنش قصدنا نرميها جوه عربيتك"..

عينيه ثابته علي رغد التي شحب وجهها للغايه من شدة خوفها، تحرك رأسها بالإيجاب تأيداً لحديث هاله دون النظر له، لتنتفض بفزع حين قال هادي بغضب..
"انتي يا انسه ابقي فتحي عنيكي وشوفي بتحدفي الصاروخ دا فين ولا علي مين بدل ما تعوري حد وتجيبي لنفسك نصيبه وتعيدي في السجن"..

تجمعت العبرات باعين رغد ونظرت لعينيه نظرتهم الاولي، ليزول غضب هادي حين وقعت عيناه علي وجهها البرئ وعيونها السوداء الكاحله، تطلعت رغد به بستحياء وبصوت متحشرج بالبكاء همست..
" انا متأسفه مكنش قصدي والله تيجي في حضرتك"..

رعبها الزائد جعل الاستغراب يعتلي وجه هادي، فبتسم بتسليه وبجديه مصطنعه قال..
"واسفك دا هيصلحلي الكرسيي اللي باظ؟"..
نظرت رغد لهاله تستجديها لتنقذها، فقالت هاله ببعض الخوف..
"يا كابتن احنا في عيد وكل سنه وحضرتك طيب"..

رسم" هادي" الجمود علي ملامحه وضيق عينيه وتأمل هيئتهم بتفحص وبفضول قال..
"انتو منين؟؟ وايه اللي مواقفكم في الشارع بدري كده؟! "..
اجابته"رغد" بتلقائيه..
"احنا رايحين نصلي العيد و"..
كادت ان تجيبه علي سؤاله الاخر، ولكن يد هاله التي جذبتها وسارت بها مبتعده عن هادي وهي تقول ببعض الحده..
"ما قولنا أسفين يا كابتن وخلصنا"..

أسرع "هادي"خلفهم وبجرائه أمسك يد رغد وسار بها نحو سيارته وهو يقول بغضب مصطنع..
"هستفاد انا أيه من أسفين دي يا انسه بعد اللي عملتيه في عربيتي"..
طريقته سيره بها نحو سيارته جعلت رغد تيقن أنه سيخطفها لا محاله،تملك الفزع من قلبها وانسحبت الدماء من عروقها تاركه اطرافها تغلفها البروده، شعر هادي بأنامله البارده بين قبضة يده فستدار ينظر لها بقلق..

ليتفاجئ بزدياد شحوب وجهها وتعرق جبهتها وبلحظه تهاوي جسدها واوشكت ان تسقط ارضاً لولا يد هادي التي تلقطها سريعاً قبل ان ترتطم بالأرض، وبصراخ قالت هاله أسمها الذي حفر بقلب هادي..
"رااااغد"..

.. نهايه الفلاش باااك..

انتبه من شروده حين انهت "رغد" فرضها ونظرت تجاهه وبابتسامة مشرقه قالت..
"صباح الخير يا حبيبي"..
رفع كلتا يده وأشار لها أن تأتيه إليه، فأسرعت بخلع أسدال صلاتها لتبقي بمنامة حريريه زهرية اللون ذات حماله واحدة وشورت قصير تظهر بطنها المنتفخه قليلاً اثر حملها..

منامتها الرقيقه جعلت بشرتها القمحيه تظهر برونق خاص يروق زوجها كثيراً..
اقتربت منه وطبعت قبله حانيه علي وجنته بعمق مردده..
"حبيبي يا هادي بحبك وانت صاحي"..
دثت نفسها داخل صدره ملتفه بكلتا يدها حول خصره..
"وبحبك وانت نايم".. رفعت رأسها ونظرت له بعشق وبهيام تابعت..
"بحبك اوووي"..

ترقرقت عينيها بالدموع وابتلعت غصه مريره وبستغراب مصطنع اكملت..
"ومش لقيه سبب يخليك تسيب كل البنات الحلوين اللي كانو هيموتو عليك وتتجوزني انا يا هادي؟"..
عدل هادي وضعها داخل حضنه ومال علي شفتيها وهمس قائلاً..
"علشان مافيش فيهم واحده عرفت تخطف قلبي وانفاسي غيرك انتي يا رغدتي"..
أنهي جملته ملتهم خاصيتها غارقاً معها بقاع بحور عشقهم..
........................................................
" عهد"..

تجلس أمام "هاله" ممسكة بيدها طبق كبير مملوء بحبات الفشار تأكل منه بشراهه، وتستمع لها بأهتمام شديد،وبرجاء قالت..
" احكيلي حكاية شهد بنت سعدية من البدايه يا لولو بلييييز"..

ابتسمت" هاله"علي فضول صديقتها وبتنهيده تحدثت..
" اسمعي يا ست عهوده، البدايه ان خاله سعديه دي امي كانت بتقولي انها من اجمل بنات المنطقه عندنا، وياما عرسان اشكال والوان وكلهم مراكز عاليه اتقدمولها من كتر جمالها، بس هي رفضتهم كلهم بعد ما حبت عم محمد بياع البطاطا ووافقت عليه لما اتقدملها واتجوزته في اوضه تحت بير السلم"..

ظهرت الدهشه علي وجه "عهد" وبعدم فهم قالت..
"يعني ايه بير السلم يا لولو؟"..

اجابتها هاله..
" أوضه صغيره اوي يا عهوده في دور أرضي، المهم خلفت منه بنتين وولد،الولد والبنت الصغيره خدو شكل أبوهم وأخلاق أمهم والبنت الكبيرة طلعت واخده جمال امها ويمكن احلي واجمل كمان بس للأسف الشديد مخدتش أخلاقها خالص وطلعت بنت جاحدة وبلوة اتبلت بيها خالتي سعديه ودي تبقي؟ "..

قطعتها"عهد" بذهول..
" تبقي شهد مرات ظبوطة غفران؟ !! "..
حركت هالة رأسها بالايجاب وبأسف قالت..
" ايوه يا اختي هي زفته مرات ظبوطة غفران اللي حكاية جوازه منها تفاصلها كلها"..
أشارت علي نفسها بغرور.." عند العبده لله"..

غافله عن غفران الواقف أمام المنزل يستمع لكافة شيء عن طريق المايك الذي دثه بملابس عهد دون أن تشعر..

أنتهي البارت..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي