الفصل التاسع عشر

البارت التاسع عشر..
غفران..
✍️نسمة مالك✍️..

قلب موجوع!!..

"وعد"..
تستمع لحديث "فاتن" اللازع وكلماتها الجاده الصارمه تقول..
"مافيش اي مبرر ليكي يا دكتوره انك تسيبي بنتك وتهربي باخواتها.. تقدري تقوليلي ليه سبتيها هنا لوحدها ومختهاش معاكو؟!.. سبتيها بتحاول تموت نفسها بكل الطرق من حزنها وقهرة قلبها عليكو، وفي الاخر لما تظهري تاني في حياتها عايزه تجرحي قلبها وتبعديها عن جوزها!! .. مش لما تشوفي الأول بنتك هتتقبلك في حياتها تاني اصلاً ولا لا"..

صكت "وعد" علي اسنانها بغيظ، وهي تقول بغضب..
" انتي اتجننتي إزاي تسمحي لنفسك تتكلمي معايا كده؟!"..

قاطعتها" فاتن" بصوتها الصارم.. " اسمي المهندسه فاتن، ولما تتكلمي معايا تتكلمي بأدب وإلا هعرفك انا الأدب اللي شكله ممرش علي عتبة بيتكم"..

ليطبق السكون من طرفها على الفور، بينما تستطرد بغلظةٍ..
"اسمعيني كويس يا مدام وعد.. انا للأسف الشديد عرفت انك كنتي عامله بنتك طعم هنا لعدوكم اللي كان عايز يموت ولادكم الصبيان زي ما جوزك اتسبب في موت ابنه، وانتي خوفتي علي ولادك وهربتي بيهم وسبتي البنت لوحدها بحجه انها متهوره ومتسرعه وممكن تكشف وجودكم بتهورها"..

ضحكت" وعد" بسخريه وهي تقول بنبره مرتجفه من شدة توترها..
" وانتي ابنك متعود يحكيلك كل اسرار شغله كده يا مهندسه فاتن؟!"..

صمتت" فاتن" لتلتقط أنفاسها قليلًا.. وبتعقل تحدثت غير مباليه لسخريتها..
"انا بقول تحاولي تصلحي غلطك في حق بنتك وتشوفي ازاي هترجعيها لحضنك.. مش تبعديها عن اكتر انسان حبها في الدنيا دي يمكن اكتر منك انتي ووالدها كمان.. ومعندوش مانع أبداً يضحي بروحه وعمره كله علشانها"..

حديثها فتح اعين "وعد" علي حقيقه كانت تتهرب منها.. بدأت تبكي بصمت حين ادركت حجم خطأها بحق ابنتها الوحيده.. بكائها وصل لسمع" فاتن" فبتسمت برتياح واغلقت الهاتف دون قول المزيد..

لتنسحب "شهد" لخارج الغرفه بحذر ظناً منها ان
"فاتن" لم تشعر بوجودها..
"لو عايزه تحفري قبرك بإيدك يا شهد خرجي حرف واحد من الكلام اللي سمعتيه دا"..
قالتها "فاتن" من فوق كتفيها جعلت "شهد" تقفز بفزع..

"اطمني يا طنط انا عقلت أوي وبقيت شهد تانيه خالص"..
هتفت بها "شهد" بابتسامه مصطنعه، وهي ترمقها بنظرات حاقده..
...............................
"عهد"..

تلكم "غفران" بقوه علي صدره مردده بصراخ..
"ابعد عني متلمسنيش"..
يحاول السيطره علي حركتها الهستريه.. حتي قام بتقيد كلتا يدها بيده، وحاوط جسدها بجسده بأحكام، وبهدوء صارم قال، وهم يمسح عبراتها بحنان..
"هو دا اللي بقولك اسمعيني وافهميني يا عهد؟!"..

"عهد" ببكاء.. "اسمع ايه وافهم ايه، وانت مش عايز تخلف مني يا غفران.. طبعاً ما انا مجرد شغل بالنسبالك مش اكتر، ولما بابي يرجع هترجعني ليه وتروح انت لمراتك وتعيش حياتك وتنساني"..

حاولت ابعاده عنها، ولكنها فشلت فشل ذريع.. فتابعت بصعوبه من بين شهقاتها..
"ابعد عني انا بكرهك، وروح لمراتك الحربايه خليها تنفعك"..

حديثها جعله يفقد أعصابه.. لكم الأرض بجوارها بعنف مردداً بصوت غاضب..
"انتي دماااااغك دي اييييه.. بتفهمي ازااااي.. بلاش بتفهمي ازاي.. بتحسي بااااايه يا عهد.. دا احساسك من نحيتي، ونظرتك فيا؟!"..

انكمشت علي نفسها بخوف، وبهمس قالت..
" غفران انا دايخه"..
بلهفه كان اعتدل جالساً، وجذبها لداخل حضنه اجلسها علي ساقيه، وبدأ يفحصها بتمعن وهو يقول..
" دايخه إزاي.. انا اكلتك كويس"..
تحسس جبهتها بقبضة يده، واقترب بوجهه من وجنتيها يتحسس حرارتها مستفسراً..
"حاسه بأيه يا عهد؟!"..

تباطأت دقات قلبها، وتناثرت حبات العرق علي جبهتها، وشحب لونها فجأه وبدأ يجتاحها دوار قوي فمالت برأسها علي كتفه، وبدأ جسدها يرتجف، وبضعف همست..
"حاسه ان قلبي مش سليم يا غفران"..

رفعت عينيها الباكيه ونظرت له مكمله بنبره متألمه..
"قلبي موجوع أوي"..

"سلامة قلبك من الوجع.. يتوجع قلبي انا وانتي لاء يا عهد"..
قالها "غفران" وهو يضمها لصدره بلهفه وعشق شديد، وأسرع بحملها وهب واقفاً بها، ووضعها بحرص علي إحدي الارائك ولف لها حجابها..
"هوديكي المستشفى"..

أمسكت يده ووضعتها علي موضع قلبها بوهن وبهمس قالت..
"حبي ليك الحاجه الوحيده اللي مخلياني عايشه"..

نظر" غفران" لعينيها بعشق، وبتوسل قال.. "حبيبتي علشان خاطري بلاش تسيئ الظن فيا.. انا عمري ابتدي من يوم ما شوفتك يا عهد"..

حملها بين يديه، وسار بها مسرعاً نحو الخارج..
"خليني اطمن عليكي الأول"..
............................
"هادي"..
بابتسامه عاشقه عاد الي منزله.. قلب يغلفه الشوق لزوجته الحبيبه..هم بفتح الباب ليتراجع سريعاً، وتتلاشي ابتسامته حين تذكر معامله "رغد" له مؤخراً..

أصبحت تتعمد الابتعاد عنه.. تدعي النوم بمعظم الأوقات.. دائما صامته، وعينيها باكيه حزينه..
لا تنظر بعينيه وهذا اكثر ما يؤلمه..

تنهد بشتياق محدثاً نفسه..
"مالك يا رغد؟ فيكي ايه يا حبيبتي؟!"..
فتح الباب وخطي للداخل يبحث عنها بلهفه حتي وقعت عينيه عليها تجلس شارده كعادتها..

اقترب منها وجلس جوارها وبصوت هادئ همس بأذنها قائلاً..
"رغدتي"..
شهقت بقوه واضعه يدها علي صدرها كمحاوله منها لتهدائه دقات قلبها، وهي تقول ببوادر غضب..
" ايييه يا هادي فزعتني.. مش تعمل صوت وانت داخل"..

بابتسامه باهته قال "هادي".. "انا دايماً بدخل عليكي كده من وقت ما اتجوزنا يا رغد، وانتي كنتي بتشمي ريحتي، وتحسي بيا من قبل ما أدخل البيت حتى.. ايه اللي اتغير"..

احتضن وجهها بين كفيه مكملاً..
"ايه اللي مغيرك؟!"..

" فوقت"..
هتفت بها "رغد" بملامح جامده رغم عينيها التي ترقرقت بها العبرات.. عقد "هادي" حاجبيه مكرراً كلمتها بذهول..
" فوقتي!!"..

بكت" رغد" وهي تقول مأكده..
" اه يا هادي فوقت، وعرفت ان جوازنا دا كان غلط، احنا مكناش لبعض.. انت كان لزمك واحده بنت لوا او وزير زي اللي اتجوزها اخوك على أختي"..

اعتلت ملامح "هادي" الغضب وقال مستفسراً..
"انتي بتقولي ايه؟ رغد انتي واعيه لكلامك دا؟"..

هبت واقفه وعقدت ذراعيها أمام صدرها تحتضن نفسها لعلها تسيطر علي انتفاض جسدها، وتهدأه قلبها النابض بأسم زوجها..
" هادي متعملش نفسك مستغرب كلامي دا.. انت عارف انه صح"..

ابتلعت غصه مريره وتابعت بأسف..
"انا كل لحظه بشوف الندم في عنيك علشان كنت السبب في جوازة اخوك من أختي لحد مامبقتش قادره ابص في عنيك لشوف ندمك علي جوازك مني انا كمان"..

هب واقفاً هو أيضاً، وامسك كتفيها بكلتا يده، وبرجاء قال..
" متقرنيش نفسك ب شهد يا رغد..انتي غيرها في كل حاجه لدرجة اني أوقات بشك انك تكوني مش اختها أصلاً"..

استدارت ونظرت له بابتسامه زائفه، وبأسف قالت..
"لا هي أختي بس من أمي ودي حاجه انا لسه عرفاها قريب.. وعرفت كمان ان جوازنا مكتوبله ينتهي لحد كده"..
صمتت لبرهه وببكاء حاد اكملت..
"طلقني يا هادي"..
......................

قاسي!!..

.. فلاش باااااااااااك..
"اختك ناويه على الشر مع الكل يا رغد خدي بالك يا بنتي"..
هتفت بها "سعديه" بأسف وهي تربت علي ظهر ابنتها برفق..

ابتسمت "رغد" ابتسامه باهته تخفي بها عبراتها التي ملئت عينيها، وبغصه قالت..
"بنتك ناويه على الشر معايا انا وجوزي أول ناس يا ماما"..

اطبقت "سعديه" جفنيها بشدة، وقد أدركت ان ابنتها على علم بما يدور بذهن شقيقتها من افكار مشينه.. إرتفع صوت نشيجها وتابعت بصعوبه من بين شهقاتها..
"بنتك كل همها انها تفرقني عن جوزي بأي طريقه، وطول ما انا مع هادي النار اللي في قلبها مش هتهدي.. وانا مستحيل اسبها تأذيه يا ماما"..

نظرت لها بعتاب مكمله..
"مش عارفه انتي ازاي سبتينا نتجوز ناس مستواهم أعلى مننا رغم انك اتجوزتي زكريا الغني دا وبهدلك، ورجعتي لمكانك تاني واتجوزتي ابويا اللي من توبك..
ازاي بس سبتيني اتجوز هادي بعد ما عرفتي ان الجواز من النوع دا مبيستمرش"..

اجابتها "سعديه" بتعقل..
"يابنتي استهدي بالله.. الناس مش زي بعضها وجوزك واخوه مش زي زكريا أبداً دول متربين ومحترمين، وقبل اي حاجه الجواز نصيب ومقدر ومكتوب يا حبيبتي"..

اجهشت "رغد" بالبكاء بنحيب وهي تقول..
"وبنتك مرضيتش بنصيبها، وعينيها من جوزي وانا كنت بكدب نفسي واقول مستحيل اختي تعمل كده.. بس طريقة جوزي اتغيرت معاها بعد ما فهم اللي في دماغها، وبقيت اشوف نظرته ليها نظرة قرف، ومرعوبه يظن فيا ظن سوء في يوم ويفكرني زيها يا ماما.. علشان كده انا خت قرار ومش هرجع فيه"..

صمتت لبرهه وتابعت بألم..
"انا هطلب الطلاق من هادي"..
.. نهاية الفلاش بااااك..

" عايزه ايه يا رغد؟!"..
قالها "هادي" بصدمه، وهو يقترب منها بهدوء خطر، ويميل برأسه عليها قليلاً واضعاً أذنه أمام شفاتيها مكملاً بتساؤل..

" سمعيني بتقولي ايه تاني كده"..

تراجعت للخلف بتوتر، وتنحنحت كمحاوله لإيجاد صوتها، وبجمود مصطنع قالت..
"عايزه اطلق يا هادي"..

نظر لها بأعين متسعه شديدة الاحمرار تظهر بها مدي غضبه، وبابتسامه زائفه قال..
"يعني انا سمعت صح!.. عايزه تطلقي يا رغد؟!"..

سيطرت علي بكائها ورسمت ابتسامه علي محياها وهي تقول..
"اححم ايوه احنا مكناش لبعض اصلاً يا هادي، وجوازنا غلطه ولازم نصلحها، وانا ارجع لحياتي واسيبك انت لحياتك"..

مسدت علي بطنها المنتفخه مكمله..
"ولو علي ابنك اطمن انا مستحيل امنعه عنك؟!"..

قاطعت حديثها وشهقت بقوه حين جذبها من خصرها فجأه لداخل حضنه، وتحدث بغضب وغيظ شديد من أسفل أسنانه قائلاً..
"انتي تؤمري يا رغدتي"..

انهمرت عبراتها بغزاره، ونظرت له بصدمه وقد شحب وجهها، وهمست بشفاه مرتجفه بعدما ازدردت لعابها بهلع..
" قصدك ايه؟!.. هطلقني يا هادي؟"..

ابتسم لها بصطناع مردداً..
"انتي عارفه اني عمري ما رفضتلك طلب، ولو انتي عايزه تطلقي مستحيل أجبرك اننا نكمل مع بعض"..

مسح عبراتها بأنامله وهمس مستفسراً..
"بس قوليلي الأول مين اللي لعب في دماغك الحلوه دي وخلاكي تطلبي مني الطلاق"..

اجابته "رغد" ببكاء طفولي.. " انا اللي بطلبه لوحدي علشان خايفه عليك"..
دفعته بعيداً عنها بضعف..
"وانت كأنك ما صدقت"..

ضمها إليه أكثر مستنداً بحبهته علي جبهتها، وبعتاب همس..
"قلبك طاوعك تقوليها!!.. بقي عايزاني اطلقك يا رغد؟"..

دون أرادتها حركت رأسها بالنفي، وبلهفه قالت..
"انا خايفه عليك، وخايفه منك في نفس الوقت لتندم علي جوازك مني في يوم من الأيام يا هادي"..

" انا بحبك يا رغد، وواثق إني عمري ما هندم أبداً علي حبي ليكي، ولا جوازي منك يا حبيبتي.. ومقدرش استغني عنك لحظه واحده"..
قالها "هادي" من بين سيل قبلاته الرقيقه علي وجنتيها..

ارتمت داخل حضنه دافنه وجهها بين حنايا صدره تبكي بنحيب وتتحدث من بين شهقاتها بصوت مكتوم قائله..
" حقك عليا متزعلش مني..انا بحبك اكتر من نفسي والله يا حبيبي"..

ربت علي ظهرها بحميميه،وسار بها نحو غرفتهما وهو يقول بمكر..
"اممم بس برضو كلامك اللي قولتيه دا، وبعدك عني الأيام اللي فاتت زعلني منك و أوي كمان، ولازم تعوضيني وتصلحيني حالاً"..
...............................
..صباح يوم جديد..

داخل إحدي المستشفيات العسكرية يجلس "غفران" بجوار "عهد" الغارقه بالنوم بعدما أصر علي مكوثهما حتي يتم عمل فحص شامل ليطمئن عليها ..

يتطلع لملامحها البريئه بنظرات عاشقه، وبين حين وآخر يلثم باطن يدها بعمق،ويتنهد بتعب محدثاً نفسه..
"مجنناني من يوم ما عرفتك يا عهوده، وبدعي ربنا تفضلي مجنناني دايماً.. انا راضي بجناني مدام معاكي.. بس مشوفش فيكي مكروه في يوم يا عمر غفران"..

تململت هي بنومها هامسه بأسمه..
"غفران"..
اقترب بوجهه منها واجابها علي الفور، وهو يقبل جبهتها قبله طويله..
"عيونه"..

فتحت عينيها ونظرت له نظره ناعسه وبصوت مبحوح همست..
" برضو منمتش"..
تحركت قليلاً بالفراش، وبخجل تابعت..
"تعالي جنبي"..

"اسمها تعالي في حضني"..
قالها وهو يهب واقفاً، وتمدد جوارها علي الفراش وجذب رأسها علي صدره مكملاً بحنو..
"نامي حبيبتي"..

اندست داخل حضنه متمسكه به بكلتا يدها.. دافنه وجهها بعنقه متمتمه بين النوم واليقظه..
"بحبك يا ظبوطه"..
حاوطها بذراعيه بحمايه، ونثر قبلاته الدافئه علي شعرها مستنشقاً عبيره بهيام، وبابتسامه قال..
"عمر الظبوطه الحلو أنتي يا عهد"..

لحظات وكانت غرقت في نوماً أمن مره اخرى بين يديه..
مد يده لطاوله صغيره بجانب السرير، وامسك هاتفه وطلب رقم والدته ليأتيه صوت "فاتن" سريعاً تتحدث بقلق..
"غفران طمني عهد عامله ايه؟"..

اجابها "غفران" بهمس حذر حتي لا يزعج معشوقته.. "الحمد لله بقت احسن والدوخه قلت بس مستني اشوف نتايج الإشاعات والتحاليل"..

"إن شاء الله هتبقي كويسه يا حبيبي اطمن، وانا هلبس واجيلكم المستشفى حالاً علشان تلحق انت مشوارك"..

نظر" غفران" بساعته وجدها تقترب علي الثامنه.. فتحدث برجاء قائلاً..
"متتاخريش عليا يا أم غفران، وهاتي مالك ومكه معاكي.. انا بعت رساله لشهد تجهزهم"..

"حاضر بمشيئة الله مش هتأخر.. مسافة السكه واكون عندك يا حبيبي.. يله اقفل خليني البس.. مع السلامه"..
قالتها وهي تتجه نحو خزانتها وتخرج ثيابها على عجل..

" هتسبني وتروح فين؟!"..
همست بها "عهد" دون ان تبتعد عنه انش واحد..
اجابها "غفران".. "هوصل مشوار مهم تبع الشغل وارجعلك.. بس لما ماما تيجي تقعد معاكي علشان متبقيش لوحدك"..

"لا متشغلش بالك بيا وروح مشوارك المهم.. انا متعوده ابقي لوحدي، ومش عارفه أصلاً انت بتعمل ايه هنا"..
قالتها "عهد" بغضب وهي تستدير مبتعده عنه حتي اصبح ظهرها مقابل صدره..

رفع حاجبيه بدهشه من غضبها المفاجئ.. لتسطرد هي دون اعطائه فرصه للرد..
"انت يا ظبوطه انت مش عايز تخلف من عهوده، وزعلتها وخليت قلبها يوجعها قاعد جنبها ليييه"..

اعتدلت ودفعته بكتفه بوهن..
" يله امشي من هنا مش عايزه اشوفك تاني، وروح لمراتك اللي انت مخلف منها ما هي رجعت بيتك امبارح صحيح، وانا مجرد شغل بالنسبالك، وطبعاً انت هتروحلها جري وتبعتلي مامتك وولادك علشان تعرف تخوني معاها براحتك يا ظبوطه يا خاااين"..

كور قبضة يده بعنف، وجاهد بصعوبه حتي لا يلكمها بكل قوته، ورفع يده مسح على وجهه كمحاوله منه ليهدأ وتيرة غضبه منها قليلاً..

"ياااا الله علي الجناااااااان"..
قالها "غفران" بصوت عالِ للغايه، ونظر لها بذهول مكملاً..
"بتقلبي في لحظه ليييييه يا عهد.. دا انتي حالاً لسه بتقوليلي بحبك !! ودلوقتي بقيت خاين؟!"..

انكمشت على نفسها من هيئته التي افزعت قلبها، وترقرقت عينيها بالعبرات وبعتاب همست قائله..
" بتزعقلي وانا عيانه"..
جذب خصلات شعره بعصبيه و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، ثم قال بصوتٍ أجش..

"عهد انا لحد الآن بعاملك زي ما بعامل مكه بنتي اللي عندها 3سنين،ومش راضي اقسي عليكي"..

هبت واقفه على الفراش فجأه واضعه يدها بخصرها  وتحدثت بغضب طفولي جعل شبه ابتسامه تعتلي ملامح غفران قمعها سريعاً، وحل مكانها الدهشه..
"هتقسي عليا ازاي يا ظبوطه هااا.. قولي.. فرجني كده هتقسي إزاي"..

عقد زراعيه أمام صدره ونظر لها كالاسد الذي يستعد للانقضاض علي فريسته.. لتزيد هي من استفزازه حين قالت بسخريه..
"بس قبل ما تقسي عليا ابقي قولي علشان اعمل حسابي واغنيلك الاغنيه بتاعة القاسي"..

هندمت ثوب المستشفى واخذت وضع الاستعداد، ودون سابق انظار بدأت تتمايل بخصرها، وصدرها بحركات بهلوانيه مردده..
"قاسي قاسي قاسي وجرح احساسي راح اسيبه يقاسي وهبكي عنيه"..

لهنا ولم يعد قادر يسيطر على ضحكاته.. انفجر بالضحك حتي ادمعت عينيه،واقترب منها وحملها من خصرها لداخل حضنه بالإجبار، وبيقين قال، وهو يداعب وجنتيها بأنفه..
"ورب الكون ما طبيعيه..عهوده انتي مجنونه بامتياز مع مرتبة الشرف"..

وضعها علي الفراش، وبلفهه تابع..
"ممكن ترتاحي علشان مدخيش تاني"..
أنهى جملته ودثرها بالغطاء جيداً، وضمها لصدره، ويده تربت على ظهرها برفق..
عبست بملامحها وهمت بابعاده عنها، ولكن طرقات علي باب جعلتها تهدأ وتنظر تجاه الباب بفضول..

"ادخل".. قالها غفران بصرامته المعتاده.. فتح الباب وخطت منه طبيبه حامله بيدها مجموعه من الإشاعات والتحاليل الخاصه ب عهد..

اقتربت منهما وتحدثت بابتسامة..
"صباح الخير يا مدام عهد"..
جملتها جعلت "عهد" تضيق عينيها، وتنظر ل "غفران" وبهمس قالت بإذنه..
"يعني اقوم اجبها من سامعتها واقولها ان عهوده مازلت انسه يا ظبوطه، ولا تقولها انت"..

صك علي أسنانه وهمس بإذنها قائلاً.. "لا انا ولا انتي هنقولها، واتكتمي بدل ما والله ادخل عليكي الليله وهنا في المستشفى يا عهد"..

حديثه الجاد جعلها تلتزم الصمت، وقد اشتعلت وجنتيها بحمرة الخجل، والطبيه ايضاً تنحنحت وبعمليه وتحدثت، وهي تنظر بنتائج الفحص..
" نتايج التحاليل والاشاعات طلعت يا حضرة الظابط"..

تشنج جسد" غفران" وزاد من ضم عهد داخل صدره اكثر.. لتشعر هي بنبضات قلبه المتسارعه دليل علي شدة خوفه وقلقه عليها.. ليسود الصمت للحظات تقرأ خلالهم الطبيبه النتائج بتمعن، ودقه حتي انتهت، ورفعت يدها خلعت نظرتها الطبيه، ونظرت لهما وتحدثت بابتسامه..
" الحمد لله الإشاعات كلها كويسه جداً،والتحاليل كمان بس في نسبه انيميا عاليه شويه هي اللي بتسبب الدوخه"..

التقط "غفران" أخيراً أنفاسه متمتماً بحمد الله في سره، وبتساؤل قال..
"والانيميا دي مش ليها علاج؟"..
الطبيه.. "ايوه طبعاً هكتبلها على محاليل حديد تاخدها بنتظام، وكمان لازم تتغذا كويس جداً"..

اقتربت من عهد وتابعت بعمليه..
"هعلقلها محلول دلوقتي ولما يخلص تقدر تروح"..
بلمح البصر كانت صعدت" عهد" علي قدم "غفران" وبكت بنحيب، وبطفوله قالت..
" لا انا مش عايزه حقنه تاني"..

الطبيبه بهدوء.. "متخفيش انا هركبلك المحلول في الكلونه"..
اجهشت" عهد" بالبكاء وبصعوبه قالت..
"انا مبحبش المستشفيات ولا الحقن، وعايزه امشي من هنا يا غفران"..
ربت" غفران" على ظهرها وهو يقول..
"عهد بطلي عياط، وأول ما تخلصي المحلول هنمشي"..

" عهوووووده"..
هتف بها الصغيران اللتان دفع باب الغرفه فجأه، وركضا نحو عهد التي فتحت ذراعيها لهما مردده بفرحه غامره اعتلت ملامحها الباكيه..
" ياروحي انتو واحشتوني"..

حملهما "غفران" واجلسهما علي قدميه بجوار مجنونته التي ضمتهما بحب شديد وقبلتهما مرات ومرات وهي تقول..
"حبايب قلب عهوده يا ناس"..

انسحبت الطبيبه للخارج تاركه لهم بعض الخصوصيه..

تطلع لهم غفران بابتسامه.. لترمقه عهد بنظره حارقه وبهمس قالت..
"الحمد لله انهم مطلعوش شبه مامتهم الحيه"..
نظرت للصغير.. "مالك كله عمه هادي".. وتوجهت بنظرها للصغيره.. "ومكه كلها نانا فاتن"..

"مين بيجيب في سيرتي"..
قالتها "فاتن" الواقفه على باب الغرفه تنظر لأبنها الذي يضم زوجته، وأبنائه لصدره، وكأنه يريد اخفائهم داخل قلبه بين ضلوعه، وبأمر قالت..
" يله روح انت مشوارك وانا هفضل مع عهوده لحد ما ترجع"..
...................................
"شهد"..
تسير داخل غرفتها ذهاباً وإياباً بتوتر شديد.. تنتظر رنين هاتفها برقم والدتها التي اخبرتها انها وصلت للسجن المتواجد به زكريا..

وأخيراً رن هاتفها، وهمت بالضغط على زر الفتح.. لكنها انتفضت.. بل صرخت بفزع حين استمعت لصوت "غفران" الذي خطي فجأه داخل الغرفه، وتحدث بأمر قائلاً..
"خمس دقايق وتكوني جاهزه يا شهد هانم"..

"هنروح فين؟"..
قالتها بخوف ظاهر بصوتها المرتجف..
ابتسم لها ابتسامه زائفه مغمغماً..
"هوديكي تزوري والدك بنفسك"..

شحب وجه "شهد" وظهر الزعر علي ملامحها..

تلاشت ابتسامته وحل مكانها غضب عارم وتابع بنبره ساخره..
"وبما انه محضرش فرحنا.. يبقي على الأقل يحضر طلاقنا"..

انتهى البارت..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي