الفصل الخامس

البارت الخامس..
غفران..
✍️نسمة مالك✍️..

قلب حاقد!!..

"شهد"..

تجلس بغرفتها ممسكه بهاتفها تطلع به بعيون غارقة بالعبرات، تشاهد كل ما يحدث بغرفة شقيقتها عبر كاميرا صغيره دثتها لها دون علمها، وبغضب شديد تمتمت بسرها..
"ااااه يا رغد يا حيوانه يا قذره جبتي الخبره دي كلها منين يابت!؟"..

صكت علي أسنانها بغيظ وتابعت بحقد..
"اكيد جبتها من الأستاذ الخبير اللي بتتمرمغ في حضنه"..
القت الهاتف بعنف، وهبت واقفه تدور حول نفسها كالاسد الحبيس،وبوعيد قالت..
"انا هولع فيكي يارغد،مبقاش انا شهد لو محرقتش قلبك ودمرت حياتك يا بنت سعديه"..

ارتدت ثيابها علي عجل، واندفعت نحو الخارج قاصده غرفة شقيقتها، وقفت امام الباب وطرقت عليه بقوة وبمرح زائف وضحكة مصطنعة قالت..
"انتي لسه نايمه ولا ايه يا رغوده، الظهر هيأذن يا بنتي اخرجي نفطر سوا"..

أنهت جملتها وطرقت بقوة أكبر مكمله..
" قومي يا خوم نوم عارفه نومك تقيل ومبتصحيش بسهوله"..
اندفعت فاتن حماتها نحوها وامسكت يدها توقفها عن الطرق وبغضب قالت..
"انتي بتستهبلي، ايه قلة الزوق بتاعتك دي بتخبطي عليهم كده ليه يا شهد؟! "..

نظرت لها شهد ببراءه مصطنعه وببرود قالت..
"انا بصحي اختي يا طنط"..
" اختك مع جوزها وميصحش تخبطي علي راجل ومراته بالطريقه دي ابداً"..
تصنعت شهد الذهول قائله..
"هو هادي لسه مرحش الشغل؟! دا انا فكرته نزل من بدري"..

جذبتها فاتن بعيدا عن الغرفه وقالت بحدة..
"لا منزلش واخر مره تخبطي عليهم بالطريقه دي حتي لو جوز اختك مش موجود يا شهد، واعتبري كلامي تهديد ليكي، واعملي حسابك لو عملتيها تاني هقول لغفران مراتك بتتعمد تزعج أخوك ومراته وهما نايمين"..

رمقتها بنظرة ناريه، وتركتها وسارت لغرفتها غالقه الباب بوجهها..
ابتسمت شهد بنتصار، وركضت نحو غرفتها هي الأخرى، وامسكت هاتفها بلهفه تشاهد رد فعل شقيقتها وزوجها، لتتهلل اساريرها حين لمحت هادي يقف داخل غرفته ويبدو عليه الغضب الشديد، ويتحدث لزوجته الجالسه علي الفراش بوجه كساه الحزن قائلاً..

"انا مش عارف اتلم عليكي يارغد؟! كل ما اكون معاكي اختك تخبط علينا بالشكل دا وتفصلنا كأنها متعمدة ولا بتشم اننا مع بعض وهيحصل حاجه بنا"..
مسح علي شعره، ووجهه بقوه مكملاً..
"تبقي مراتي وفي حضني جوه بيتي ومش عارف أشبع منك يا رغد!!!"..

سحبت رغد الغطاء واحكمته حولها وهبت واقفه واقتربت منه تضمه لها بقوة ظهره مقابل صدرها، وبصوت متحشرج بالبكاء قالت..
" طيب اهدي يا حبيبي وتعالي نسافر يومين نغير جو في اي مكان"..

"مينفعش انتي نسيتي انك حامل والحركة الكتير غلط عليكي".. تفوه بها هادي بأسف وهو يلتفت لها ويجذبها داخل صدره وبتنهيده تابع..
"متزعليش نفسك هسأل دكتورك لو ينفع و نطلع اسكندريه بالقطر حتي"..

ابتسمت رغد بسعادة، وبحب قبلت وجنتيه وهي تقول..
" حبيبي ربنا ميحرمنيش منك ابدا"..
بادلها الابتسامة بأخرى عاشقه، وبهمس قال..
"ولا منك يا رغدتي"..

بينما شهد تحترق، وتشتعل غيظاً حتي كادت ان تتفحم، وبضحكه ساخرة قالت..
" قال تروحو اسكندريه قال هه دا علي حثتي"..

..................................................
"غفران"..

اعتلي وجهه التوتر بعدما استمع لجملة "هالة" بأنها تعلم كل شئ عن زوجته، رغم انه علي علم انها تخفي الكثير عنه خلف بكائها المستمر، وطريقتها المريبه معه..

ولكنه يتغاضي عن كافة شئ لأجل صغيريه،تشنج جسده بشدة، وضيق عينيه وهو يردد جملة ازعاجته كثيرا..
"مخدتش أخلاق والدتها؟!"..
سب بسره بلفظ بذئ مكملاً" امال خدت أخلاق مين!؟"
رفع أنامله علي سماعة أذنه وبتمعن بدأ ينصت لحديثهما..

"يله يا لولو احكيلي كل اللي تعرفيه عن مرات الظبوطه اللي قرفني دا يمكن ألقي طريقه وأخلص منه"..
تفوهت بها "عهد" بغيظ شديد..
رمقتها"هالة" نظره متفحصه بحاجب مرفوع، وبشهقه قالت..
"بت يا عهوده انتي مهتمه بحكاية مرات الظبوطه بتاعك دا كده ليه؟"..

لكزتها بكلتا يدها برفق..
" لتكوني وقعتي علي بوزك يا منيله ههههه"..
شبه ابتسامة ظهرت علي ملامح غفران، وبلهفه دون ارادته انتظر ردها بفضول شديد..
لتدهشه "عهد" حين قالت..
"لا يا لولو مبقتش اقع من ساعة ما الظبوطه دا جه، وهو عامل زي العفريت بيطلعلي في كل حته يلحقني ويشلني بسرعه قبل ما أقع علي لوزي"..

ابتسم" غفران"بصطناع مردداً..
"تقعي علي لوزك؟!"..حرك رأسه بيأس وبثقه قال..
"طفله هبله والله"..

ضحكت" هالة"حتي ادمعت عينيها، وبصعوبه قالت..
"اسمها بوزي يا عهوده"..
غمزت لها مكمله.. "وتقعي هنا قصدي بيها حبيتي غفران؟"..
اتسعت أعين" عهد"علي أخرها وبذهول قالت..
" نوووووو طبعاً بقي انا عهوده أحب الظبوطه الهمجي دا؟!"..

صك "غفران"علي شفاتيه السفليه بعنف وبوعيد همس..
"الهمجي دا هيطلع عين اللي خلفوكي انهارده يا عهوده"..

بينما تابعت عهد بتعقل..
" وبعدين انتي نسيتي انه ظبوطه متجوز وعنده أولاد كمان
يعني لمستحيل ابصله ولا افكر فيه حتي يا لولو"..

أغمض غفران عينيه بعنف متمتماً بغضب من نفسه..
"أهي اللي بتقول عليها هبله طلعت أعقل منك يا غفران يلي عقلك طار من ساعة ما شفتها"..

"برافو عليكي يابت يا عهوده اهو أنتي كده بت مجدع بصحيح".. تفوهت بها هاله وهي تربت علي كتفها برفق..
ابتسمت عهد بفرحة بلهاء وبفضول قالت..
"طيب يله بقي احكيلي ايه حكاية شهد مرات الظبوطه دي"..

أخذت هاله نفس عميق وبتحذير قالت..
" عهد اوعي كلامنا دا تقوليه لأي حد، دا سر ولو حد عرفه هيبقي فيها موت وخراب بيوت"..
ارتعد قلب غفران وتعرق جبينه بشدة وهو يستمع لحديثهما،
عبست عهد بملامحها وبعتاب قالت..
" معقول أنتي لسه مش عرفاني كويس يا هاله، وانا اللي بقول عليكي صحبتي الوحيده"..

"انا والله مقصدتش أزعلك يا عهوده، وربنا يعلم أني بعتبرك اختي وحبيبتي مش بس صحبتي"..
ترقرقت عينيها بالعبرات وبابتسامة ممتنه تابعت..
"كفايه انك الوحيده اللي وقفت جنبي وساعدتني ومونتيلي مشروع البقاله بتاعي لولاكي كان زماني بشحت يا عهد"..

رمقتها عهد بنظرة منذهله وبلهفه قالت..
" انتي بتقولي ايه بس يا هاله دا انا مهما عملت عمري ما هقدر ارد جميلك انتي وجوزك اللي انقذني من اللي كانو عايزين يغتصبوني، واحد غير علي لو معندوش اخلاق ودين كان اغتصبني معاهم"..

صعق غفران مما تفوهت به عهد، وبدهشه قال..
"لدرجاتي انتي مستهدفه يا عهد!!"..
نفخ بضيق وبفضول تابع..
" طيب كملي يا هاله انتي كلامك قبل أنا ما اتشل، وبعدين انا هبقي اعرف بمصادري حكاية اغتصابك دي يا عهوده هانم"..

هبطت دمعه حارقه علي وجنتي هاله وبرجاء قالت..
" ادعي لعلي من قلبك ياعهد ربنا يشفيه ويفوق من غيبوبته اللي طولت اوي دي"..

"خليني اسفره بره مصر يا هاله يمكن يكون في علاج لحالته هناك".. قالتها عهد ببكاء لبكاء صديقتها..
ابتسمت لها هاله ابتسامة حزينه، وبأسف قالت..
"ما الدكتور الأجنبي اللي انتي جبتيه يشوفه قال ان شفاه بأيد ربنا، وسواء جوا مصر او بره مصر هيحطوه علي أجهزه ومسأله انه يفوق من غيبوبته دي في علم الغيب، فخليه هنا جنبي وفي حضني انا أولي برعايته لحد ما ربنا يشفهولي، املي في ربنا كبير، وبإذن الله علي هيخف ويرجعلي بس ادعيله انتي من قلبك النقي يا عهد"..

رفعت عهد كلتا يدها وبتوسل وألحاح دعت من صميم قلبها..
" يااارب عبدك علي دافع عني وحافظ علي شرفي وهو ميعرفنيش ياارب اجعل وقفته جنبي ودفاعه عني سبب من اسباب شفاءه"..
دعائها العفوي جعل غفران يبتسم علي برائتها ونقاء قلبها بأعجاب، بل بنبهار..
أمنت هاله علي دعائها، وبثقه قالت..
"اما انا بقي هأكلك احلي سندوتشات كبده وسجق هتاكليها في حياتك من علي عربية الكبده بتاعت اخو مرات الظبوطه بتاعك يا بت يا عهوده هتاكلي صوابعك وراها"..

عض غفران قبضة يده بعنف وهمس بذهول مقارب للجنون..
"كبده وسجق اايييييييه اللي هتأكليهم لعهوده يا اسمك ايييه أنتي !!! "

ظهرت الدهشه علي وجه عهد وبذهول قالت..
"اخو مرات غفران بيبيع كبده؟!"..
"ايوه يا بنتي أصلا شهد دي من عايله علي اد حالهم اوي،بس هي شايفه نفسها وكأنها بنت بارم ديلو، لكن الشهاده لله احمد أخوها دا مش زيها خااالص دا من أجدع شباب المنطقه"..
ارتدت إسدال لصلاه ولفت حجابها، وسارت نحو الشرفه وتابعت بحماس..
" استني هنزل السبت لحد من العيال اللي بيلعبو في الشارع واخليهم يجبولنا واحكيلك واحنا بناكل"..

التمعت برأس عهد فكرة وحسمت أمرها بتنفيذها، فاسرعت بالركض نحو هاله وامسكت السبت من يدها وبشقاوه قالت..
"قوليلي فين مكان احمد بتاع الكبده دا وانا هروح مع الظبوطه نجيب من عنده واجيلك"..

تمعنت هاله النظر بأعين عهد، وضحكت بعلو صوتها حين فهمت ما يدور بعقلها، وبمزاح قالت..
"بلاش يا عهوده لاحمد يشوفك مع غفران ويقول للقرشانه شهد وتبقي عملتي مشاكل للراجل"..
"ايوه فعلاً هو دا قصدي بالظبط اني اعمله مشاكل فيغيب من الشغل واهرب انا براحتي"..
تفوهت بها عهد بابتسامة متسعه تظهر جميع أسنانها وفرت مسرعه للخارج وهي تقول..
"ادخلي انتي لجوزك اطمني عليه علي ما اجيب انا الأكل واجيلك تحكيلي بالتفصيل يا لولو"..

هبطت الدرج بسرعة البرق، واندفعت خارج المنزل لتوقفها يد غفران التي جذبتها بلهفه قبل ان تصدمها دراجه بخاريه وبغضب عارم قال..
"في حد يخرج زي الطلقه كده سيادك"..
لكزته عهد بغيظ قائله..
" انت بتنقذني ليه كنت سبها تخبطني يمكن كنت مت وروحت لمامي يوم عيد ميلادي يا ظبوطه يا غلس انت"..

أنهت جملتها وسارت من أمامه بخطوات غاضبه وهي تقول بندفاع..
"وديني عند اخو مراتك بتاع الكبده علشان يشوفنا مع بعض يا ظبوطه"..
سيطر غفران علي ضحكاته بصعوبه، وبجديه مصطنعه قال..
" بلاش سيادتك ليجيلك تسمم انتي مش واخده علي اكل الشارع"..

استدارت ونظرت له بحاجب مرفوع ووضعت يدها بخصرها، وبعناد قالت..
"انا عايزه اتسمم، اتفضل وديني اجيب الساندوتشات علشان متاخرش علي لولو وارجعلها بسرعه علشان تقولي الحكايه"..

اشار لها غفران بيده على الطريق وبابتسامة مزيفه قال..
" قدامي سيادك"
سارت عهد أمامه بغرور وهي لا تعلم انها ذاهبه بقدمها لشخص سيغير مجري حياتها بأكملها..

......................................

إتفاق !!..

.. "عهد"..

تسير أمام غفران بخطوات واثقه، تتمايل بعبائتها السوداء بميوعه ناعمه جعلت غفران يعتلي وجهه الدهشه،يتابعها بنظرات منذهلة، وتقدم بالسير ومال علي أذنها وبهمس من أسفل أسنانه قال..
"أمشى عدل سيادتك بدل ما أخدك مقص تنزلي علي رقبتك تنكسر"..

"متقدرتش".. قالتها عهد بثقه بعدما رمقته بنظره ساخرة جعلته يبتسم بصطناع وبلحظه كان مد إحدي قدميه أمامها فصتدمت هي بها وكادت أن تسقط علي وجهها أرضاً، ولكن يد غفران التي قبضت علي رسغها منعتها من السقوط..

تطلعت به بنظرات ناريه، بادلها هو النظرة ببرود تام، وفجأه ابتسم ابتسامة عريضه، وصوت من خلف عهد قال بترحيب..
"يا الف مرحب بأبو نسب".. قالها أحمد وهو يقترب منه ويعانقه بحراره مكملاً..
"ليك واحشه والله يا غفران يا غالي"..

تتابعهم عهد بأعين منبهره وابتسامة هادئه تزين وجهها البرئ..

"أنت أكتر يا ابو حميد، عامل أيه ووالدتك أخبارها أيه؟"..
قالها غفران بود، فأجابه أحمد بتنهيده..
"الحمد لله علي كل حال احنا تمام والحاجة ام شهد زي الفل مش ناقصنا غير شوفتكم"..
تأمل هيئته وبثقه قال..
"بس انت شكلك كده جاي هنا في شغل"..

"ايوه يا أبو حميد جاي في شغل بس قولت اعدي اسلم عليك"..قالها غفران وهو يربت علي كتفه، ليسرع احمد بجلب إحدي المقاعد وبترحيب قال..
" دا انت نورتنا انهارده يا غالي، اتفضل اقعد وقعد الجماعه اللي معاك وانا هعملكم أحلى اكل لأجدع جوز اختي"..

" احنا أصلا جاين ناخد سندوتشات كبده وسجقأت من عندك يا ابو حموده"..
قالتها عهد برقتها وابتسامتها الرائعه..
عاد غفران كلمتها بسره بصدمه..
"سجقأت؟!، وابو حموده!! ".. صك علي أسنانه متمتماً..
" يااارب انا عمري ما مديت أيدي علي وحده في حياتي علشان يبقي عندي رغبه شديده بالشكل دا اني اكلها علقه"..

نظر لها احمد أخيراً نظره خاطفه فتابعت هي بعفويه..
"هااي انا عهوده".. مدت يدها له بالسلام ليظهر التوتر علي وجه احمد ونظر لغفران يستشف منه هل يلقي عليها التحيه باليد وهو يقول بابتسامه مجامله..
" يا مرحب يا ست البنات"..

جذبها غفران من مرفقها برفق واجلسها علي إحدي المقاعد، وبهمس قال..
"سيادتك هنا مافيش واحده بتسلم علي حد غير محارمها بالأيد يا زفوته هانم"..
"عهوده يا ظبوطه يا همجي أنت ".. همست بها عهد بغضب طفولي..

نظر غفران لأحمد وتنحنح قائلاً وهو يرمق عهد بنظرة تحذير حينما وجدها تنظر لأحمد المبتعد عنها بنظره متفحصه وابتسامه بلهاء..
"طيب يا ابو حميد لفلنا كام ساندوتش علي السريع من عمايل أيدك"..

" دا احنا عنينا".. قالها احمد بود شديد، وأسرع بتحضير الكثير من المؤكلات بمهاره عاليه أمام أعين عهد التي تطلع به بإعجاب قد أغضب غفران كثيراً..

لتزيد هي من غضبه حين قالت..
"هو في عندك هنا دليفري يا حموده؟"..
"أيوه عندي يا ست الكل، الواد زقله بيوصل الطلبات بعجلته حتي لو في المريخ"..
أخرجت عهد هاتفها من حقيبة يدها، وقالت بغنج..
" ممكن تقولي رقمك علشان أبقى اطلبك وقت ما أكون جعانه"..

"مش لما تدوقي الاكل ويعجبك الأول سيادتك"..
تفوه بها غفران بابتسامة مصطنعه..
ابتسمت عهد بحماس، وهبت واقفه، واقتربت من أحمد بخطوات راكضه، وقفت بجواره، وبدأت تتذوق كل ما يفعله، وتهمهم بستمتاع قائله..
"امممم، وااااو الأكل طعمه يجنن بجد"..

" بألف صحه علي قلبك".. قالها احمد بابتسامة باهته بعدما لمح النيران المندلعه من أعين غفران الذي يرمق عهد بنظرات حارقه..
....................................................
.. شهد..

تقف خلف باب غرفتها، ملتصقه بأذنها عليه تستمع للحوار الدائر بين رغد وزوجها أثناء مرورهما من أمام غرفتها..
"ترجعلي بألف سلامة يا حبيبي"..
تفوهت بها رغد بحب شديد، ليقبل هادي باطن يدها وهو يقول بعشق..
"حبيبة قلبي عايزاني اجبلها حاجة وانا راجع؟"..

أهدته ابتسامة جذابه وتأملت ملامحه بفتنان مردده..
"مش عايزه غيرك أنت يا هادي"..
عضت شهد علي شفتيها بغيظ شديد متمتمه..
"تنشلي يا رغد الكلب ولا تقوملك قومه تاني ابداً"..

ظلت رغد تتابع زوجها عبر الشرفه حتي اختفي عن عينيها، فأخذت نفس عميق وسارت نحو غرفة شقيقتها وهي تهمس بسرها..
"اروح اتكلم مع أختي وافهمها براحة ان مينفعش تخبط عليا انا وجوزي بالشكل دا بس علي الله متكونش بتعيط زي عوايدها"..

وقفت أمام غرفتها وطرقت الباب برفق، لتسرع شهد وتلقي نفسها علي الفراش دافنه وجهها بإحدى الوسائد، وتصنعت البكاء وهي تقول..
"ادخل يلي بتخبط"..

مطت رغد شفاتيها وبأسف قالت..
" بتعيط كالعاده"..
خطت للداخل غالقه الباب خلفها، واقتربت من شقيقتها جلست جوارها علي الفراش تربت بحنان علي ظهرها وهي تقول..
"بتعيطي ليه بس يا حبيبتي"..

"اوعي ابعدي عني واطلعي بره من هنا يله".. تفوهت بها شهد وهي تدفع يدها عنها بعنف دون ان تستدير لها، ترقرقت اعين رغد بالعبرات وبصوت تحشرج بالبكاء قالت..
"في ايه يا شهد، انا عملتلك حاجه؟!"..

اعتدلت جالسه وقد غرق وجهها بالدموع الكاذبه، وبنحيب قالت..
" خليتي ماما فاتن تبهدلني بسببك"..
أشارت رغد علي نفسها وبذهول قالت..
"بهدلتك علشاني انا؟!"..

اجابتها شهد بتقطع من بين شهقتها المزيفه..
"علشان خبطت عليكي بصحيكي تفطري معايا ومكنتش اعرف ان جوزك معاكي"..
ضمتها رغد لصدرها وربتت علي شعرها بحنان وهي تقول... "حقك عليا يا حبيبتي، ماما فاتن اكيد متقصدش انتي عارفه هي طيبه وبتحبنا اد أيه"..

ابتعدت عنها ونظرت لها بابتسامة صادقه وبحنو قالت..
"ولو علي الفطار يا ستي انا هقوم احضرلك أحلى فطار واجبهولك لحد عندك كمان"..
"وفي هدوم عايزه تتحط في الغساله وتتنشر، وكمان حضري حاجه الغدا وانا هاخد دش واجي وراكي"..

تعلم ان شقيقتها باوائل شهور حملها، والحركة الزائدة خطر عليها وتتعمد إجهادها عن قصد، تنهدت رغد بقلة حيله وبطاعة وطيبة شديدة قالت..
" حاضر يا شهد عنيا ليكي هعملك كل اللي انتي عيزاه بس بطلي عياط، مش عايزه أشوفك زعلانه يا حبيبتي"..
.....................................................
.. عهد..

تجلس بجوار هاله بشرفة منزلها بعدما انهو طعامهما تستمع لها بهتمام..

"واحده خبيثه وبألف وش وبتكره كل الناس ، وعندها قدرة جبارة تظلم و تطلع نفسها هي المظلومة وكل الناس هما اللي ظلموها"..
تفوهت بها هاله بأسف، بينما تجلس أمامها عهد تستمع لها بنتباه وعيون منذهله،بتنهيده تابعت هاله..

"اساليني انا علي الحية اللي اسمها شهد دي"..

عقدت عهد حاجبيها، وبستغراب قالت..
"ولما هي بالبشاعه دي ازاي الظبوطة بتاعي دا اتخدع فيها ومعرفش حقيقتها يا لولو؟!! المفروض يكون بيقرأ الناس وبيفهم في نوع البشر الوحش والحلو والبشع اللي زي الحيه مراته"..

"علشان أوقات بكون غبي يا عهد"..
قالها غفران بقلب ملتاع، لتدافع عنه هاله دون قصد حين قالت بابتسامة زائفه..
" يا عهوده شهد مش سهله وعرفت تعمل لنفسها سمعه كويسه جدا في المنطقه، وفي اي مكان بتروحه، انتي لو نزلتي الحته وقولتي شهد بنت سعديه هيحلفو بأخلاقها واد ايه

هي بنت مؤدبه وبتبوس رجل أمها قدام كل الناس، لكن في الحقيقه هي واحده قذره"..
ترقرقت عينيها بالعبرات وبغصه مريره تابعت..
" السافله لما عرفت اني كشفت كذبها ووشها الحقيقي هددتني برغد اللي تبقي أختها من لحمها ودمها قبل ما تبقي صاحبة عمري"..

ارتعد قلب غفران أكثر، وبدا يتنفس بصوت مسموع دليل علي شدة غضبه، وصدمته بما يسمعه عن أخلاق زوجته..

ظهرت الدهشه علي وجه عهد وبقلق قالت..
"هددتك بأختها ازاي يا هاله؟! "
اغمضت هاله عينيها بعنف وبخجل قالت..
" ورتني فيديوهات لرغد وهي نايمه مع جوزها، وقالتلي لو عرفت الظابط جوزها حقيقتها هتفضح رغد وهتنشر الفيديوهات دي علي النت؟؟"..

صدمة ألجمت غفران، وكادت أن تفقده وعيه، أيعقل من تزوجها استطاعت خداعه طيلة هذه السنوات؟!..
أبتسم ابتسامة زائفه مغمغماً بسخريه..
"بقي مصوره أخويا وبتهددي بفضحته وأنا اللي ضميري بيأنبني علي اللي عملته في حقك يا شهد!!!"..

مسح علي وجهه صعودا بجبهته، وجذب شعره بقبضة يده بعنف وهو يتذكر حديثه مع والد عهد..

.. فلاش بااااااااك..

"غفران"..

يقف أمام إحدي الغرف ينتظر الأذن بالدخول، ليأتيه صوت
عزت الذي يظهر عليه التعب قائلاً..
"أدخل يا غفران يا ابني"..

"صباح الخير سيادتك"..تفوه بها غفران، وهو يتقدم منه بخطواته الرازينه الواثقه..
تطلع به عزت بابتسامة وبتنهيده قال..
"صباح الخير يا حضرة الظابط، انا كنت لسه هبعتلك"..

نظر له غفران بتمعن، وبقلق قال..
"سيادتك كويس؟؟"..
"الحمد لله انا كويس يا ابني، كل الحكايه أني منمتش طول الليل"..تفوه بها عزت وهو ينظر له نظره مليئه بالحزن، وبصوت مرتجف تابع..
"عهد كويسه؟"..

"اطمن سيادك انسه عهد الحمد لله كويسه جداً"..
ترقرقت أعين عزت بالعبرات وهو يقول..
"انهارده عيد ميلادها يا غفران"..
أخذ نفس عميق مكملاً" انهارده بقي عندها 20سنه"..

" كل سنه وهي طيبه ساعدتك"..
قالها غفران وهو يربت علي كتفه وبقلق تابع..
"سيادتك باين عليك التعب تحب اطلبلك دكتور؟"..
حرك عزت رأسه بالنفي وبأسف قال..
"انا عندي طياره كمان ساعة يا غفران يعني لازم اتحرك حالاً"..

صمت لوهله وأعتلي وجهه الأحراج وبتوتر قال..
"غفران أنت عارف اني بعتبرك ابن ليا"..
"وحضرتك عارف أني بعتبرك في مأم والدي الله يرحمه، ودا يخليني استأذنك أعمل عيد ميلاد انسه عهد بالنيابه عنك لأني عارف ومقدر مشغوليات ساعدتك، وهبلغها أن معاليك اللي أمرت بكل حاجه هعملها"..

تهللت أسارير عزت وبحماس قال..
"كلامك دا بيحفظني أقولك اللي متردد اقولهولك يا ابني"..
اعطاه ورقه مطويه و أشار علي إحدي المقاعد..
" اقعد يا غفران أقرا الورقه دي واي أن كان رأيك انا هحترمه"..

فتح غفران الورقه وبدأ يقرأ المدون بها بأعين متسعه ونظرات منذهله حتي انتهي، وبعدم فهم نظر لعزت قائلاً..
" ايه دا سيادتك؟!"..

" دا عقد جواز يا غفران من عهد بنتي، عليه أمضتها وواقف علي أمضتك"..
قالها عزت بوجه كساه الألم الشديد وبأسف قال..
"غفران أنا احتمال 99٪ مرجعش من السفريه اللي طالعها دي"..
" بعد الشر علي معاليك، ان شاء الله ترجعلنا بألف سلامة"..تفوه بها غفران بلهفه..

اختنق صوت عزت بالبكاء وبصعوبه قال..
"لو جرالي حاجه عهد هتبقي لوحدها، مافيش حد هيقف جنبها ولا يسأل عنها حتي لا من أهلي ولا من أهل والدتها الله يرحمها، كله هيخاف علي نفسه وهيبعدو عنها علي اد ما يقدرو"..

هب واقفاً فأسرع غفران بالوقوف هو الأخر، نظر له عزت كالغريق الذي وجد منقذه أخيراً وتابع بنبره راجيه..
"علشان كده ملقتش غيرك أأمنه علي بنتي الوحيده يا غفران "..

فشل غفران لأول مره بأخفاء مشاعر الفرحة الغامرة التي ظهرت علي محياه، وبدهشه قال..
" بس انسه عهد وافقت علي جوازنا كده ومضت بسهوله، وهي عارفه اني متجوز وعندي طفلين؟! "..

"انا مضتها علي العقد من غير ما تاخد بالها، وجوازك من عهد هيبقي إتفاق بنا، اعتبره مهمه سريه مكلفك بيها يا غفران،يعني عهد متعرفش ومش هتعرف بجوازك منها نهائي إلا"..
قالها عزت بصرامة، وبأسف تابع..
" إلا لو انا مرجعتش، لكن لو رجعت هنقطع العقد وتبقي انتهت مهمتك يا حضرة الظابط"..

ساد الصمت لدقائق، ونظر غفران للعقد مره أخرى، لتتعالي نبضات قلبه وهو يتخيل تلك العهد زوجته، شبه ابتسامة ظهرت علي محياه حين تذكر أفعالها المجنونه التي تروقه كثيراً، ولكن تلاشت سريعاً بعدما تذكر شهد زوجته وكسرة قلبها إذا علمت بزواجه عليها..

صك علي أسنانه بعنف، ونظر لعزت الناظر له يستجديه ان يوافق وحرك رأسه بالنفي، لتعتلي خيبة الأمل وجه عزت، ولكن اتسعت عينيه بفرحة غامرة حين أظهر غفران قلم من جيب معطفه ومال مستنداً علي طاوله ووقع امضته وهو يقول..
"سيادتك عارف مقدرش أرفضلك طلب"..

أنهي توقيعه ومد يده بالعقد لعزت الذي خانته عبراته وهبطت ببطء علي وجنتيه،وبفخر قال..
"كنت واثق انك مش هتخذلني يا جوز بنتي"..
قالها وعانقه بحراره وبأمر تابع..
"شيله أنت بأيدك يا غفران ولو ربك أراد ورجعت هطلبه منك"..

حرك غفران رأسه بالإيجاب وبحماس قال..
"طيب يادوب ساعدتك تلحق طيارتك"..
ابتسم بعبث مكملاً..
"وانا الحق أحضر مفاجأة عيد ميلاد عهد"

تنهد بستمتاع وهو يقول..
"مراتي"..

.. نهاية الفلاش باااااااك..

انتبه من شروده علي صوت بكاء عهد وهاله بل صرخاتهما الشديدة، ليركض بسرعة البرق لداخل المنزل وصعد الدرج كل درجتين معاً وهو يصرخ بأسم مجنونته..
"عااااااااهد"..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي