الفصل الخامس و العشرون

" يعني البيريوت مش بتجيلي بسبب إني شلت الرحم؟! "..
قالتها "شهد" بصدمه وعبراتها تهبط على وجنتيها بغزاره..

" ايوه يا شهد، واحنا قولنالك ان الدكتور مديكي علاج يوقفها علشان جسمك يعوض النزيف اللي نزفتيه، وغفران أصر اننا نخبي عليكي علشان متتوجعيش.. لكن انتي وجعتينا كلنا"..
أردفت بها" فاتن" وهي ترمقها بنظرة خذلان جعلتها تبكي بمراره أكبر، وبعدم تصديق قالت..
"يعني انا مش هخلف تاني؟،وغفران استحملني واستحمل نكدي وعيشتي اللي تكفر، وخبي عني مرضي وانا ضيعته من ايدي؟! "..

" فاتن" بحده.. "ومستحيل يرجعلك تاني يا شهد.. فأحسنلك انسيه، وابعدي عن حياتنا خالص، ووافقي على"عاطف" السباك..اخوكي قالي انه راجل جدع وهو دا اللي يليق بيكي لأنك للأسف من النوع النمرود اللي مبيجيش غير بالدب على دماغه، وانا ابني بيعامل الست اللي معاه على انها ملكه، وانتي معرفتيش تعامليه على انه سلطانك، ولا قدرتي النعمه اللي انتي فيها"..

" هبوس رجله وجزمته كمان بس يرجعني على زمته تاني حتي لو هعيش خدامه ليه هو ومراته"..
قالتها" شهد" ببكاء وتوسل شديد، وهي تميل على يد" فاتن" تحاول تقبيلها.. لتسرع" فاتن" بابعاد يدها، وتحدث بصرامه قائله..
" انتي ختي بدل الفرصه الف فرصه وضيعتيهم كلهم.. مبقاش ينفع ياشهد.. انسي.. مستحيل نأمن ليكي بعد اللي عملتيه،ولو موفقتيش على جوازك من "عاطف" وفضلتي تحاولي ترجعي لابني..
يبقي هقول ل" غفران" انك اجهضتي نفسك وعيزاكي تتخيلي هو ساعتها هيعمل فيكي ايه لما يعرف انك قتلتي ابنه، ولا بنته من وراه"..

" طيب وولادي؟!".. قالتها "شهد" بخوف ظاهر على محياها من رد فعل" غفرانِ" إذا علم بفعلتها الشنعاء..
"فاتن".. "محدش هيمنعهم عنك.. هتشوفيهم وقت ما تحبي بس في وجودي"..

خفضت" شهد" وجهها الذي ظهر عليه الانكسار، والندم لأول مره، وتعالي صوت نشيجها وبتقطع قالت..
"م موافقه ا اتجوز عاطف بس متقوليش لغفران اني موت"..

نظرت ل "فاتن" نظره يملؤها الندم وتابعت بأسف..
" ابنه.. كان ولد"..
........................
حياه جديده!!..

.. بعد مرور أكثر من عام..

داخل منزل قديم..بالطابق الأرضي شقه صغيره مكونه من غرفتان ومطبخ وحمام..
بها أثاث بسيط للغايه لكنه نظيف و مرتب بدقه..

بإحدى الغرف.. تنام "شهد" بعمق بعد يوم طويل من التعب بتنظيف المنزل وإعداد الطعام لزوجها شديد الطباع، والتي تخشاه كثيراً..

تغص بالنوم من شدة تعبها حتي انها لم تشعر بباب الغرفه الذي فتح،وتلك الأقدام التي تقترب منها ببطء، والضحكات الشريره التي يصدع صداها بانحاء الغرفه..

وبدون سابق انظار كانت جذبتها يد أحدهم من شعرها الحريري بقوه وسحبتها من على الفراش القتها أرضاً.. همت بالصراخ، ولكنها شهقت بعنف حين انسكب فوقها دلو من الماء البارد وتحدثت صوت فتاه لم تكمل عامها الثامن عشر بحده قائله..
"جرا ايه يا مرات أبويا انتي هتفضلي نايمه لحد الضهر وتسيبي اللي وراكي ولا ايه؟"..

"ما انا صاحيه من الفجر وخلصت كل اللي ورايا يا فاطمه، والأكل كمان جاهز في المطبخ.. سبوني أنام شويه بقي حرام عليكو"..
هتفت بها "شهد" بصوت مرتجف، ومتحشرج بالبكاء لكن عبراتها تأبي الهبوط..

نظرت لها الفتاه الثانيه ذات الخمسة عشر ربيعاً بحاجب مرفوع ووضعت يدها بخصرها، وتحدثت بابتسامه ساخره..
"اممم حرام علينا؟!"..
مالت بجسدها عليها، ونظرت لها نظره جعلت
"شهد" تطبق جفنيها بعنف.. فتلك النظره تذكرها بنظرتها لشقيقتها الخلوقه "رغد" نظرة مملؤه بالكره والحقد الدفين، وتابعت بتساؤل قائله..
"انتي عملتي ايه في حياتك يا شهد علشان ربنا يوقعك في ايدي انا واختي؟! "..

أخذت "شهد" نفس عميق تحاول التحكم به بدموعها،وهبت واقفه ليظهر هزل جسدها، وضعفها الذي اصبح ظاهر بوضوح، وتحدثت بأسف قائله..
" عملت نفس اللي بتعملو معايا دا مع أقرب الناس ليا، وربنا بعتني ليكم تخلصو الذنب اللي عملته في حياتي على ايديكم.. علشان مافيش حاجه بتروح، وكله سلف ودين حتي المشي على الرجلين يا خديجه"..

نظرا الفتاتان لبعضهما، وعاود النظر لها، وبأمر قالو بصوت واحد..
"يبقي ارحمي نفسك مننا واطلقي من أبونا"..

حركت "شهد" رأسها بالنفي وهي تقول..
" أبوكم هو اللي مش راضي يطلقني، وانا مستحيل أطلب منه الطلاق تاني بعد العلقه اللي كلتها لما طلبته أول مره"..

صكت" فاطمه" على أسنانها وبوعيد قالت..
"يبقي تستحملي بقي اللي هتشوفيه مني انا وخديجه"..

"يله حضرلنا الفطار، وبعدين هاتي الطشت، وانجري على الحمام اغسلي هدوم أبويا واطلعي انشريها، ولما تنزلي تغسلي هدومي انا واختي لوحدهم على ما نشوف هنخليكي تعملي ايه تاني"..

ابتسمت "شهد" لهما ابتسامه زادت غيظهما أضعاف وبهدوء قالت.. "حاضر هغير هدومي المبلوله دي وهعملكم اللي عايزينه كله"..

" لا متغيريش.. خليكي زي ما انتي كده يمكن تعي وتموتي ونرتاح منك"..
قالتها "خديجه" بغضب، وهي تهم بالانقضاض عليها.. لتتراجع "شهد" مبتعده عنها بخوف.. ف"خديجه" رغم صغر سنها إلا انها تفوق "شهد" وحتي "فاطمه" بجسدها ووزنها الزائد..

حركت" شهد" رأسها بالايجاب، وبطاعه قالت..
" حاضر يا خديجه؟! "..
قطعت حديثها، واسرعت بوضع كف يدها على فمها حين وصل لانفها رائحة كريهه جعلتها على وشك التقئ، وصوت زوجها "عاطف" الصارم يعلن عن وصوله بنبرته الحاده ..
" بت يا شهد.. هاتيلي غيار على الحمام بسرعه إلا انا لسه طالع من حلة المجاري وريحتي تقرف"..

ابتلعت غصة مريره حين داهمتها رائحة "غفران" الأكثر من رائعه..

نظرت لها "فاطمه" بشمئزاز، وتحدثت بسخريه قائله..
"اللي يشوفك وانتي قرفانه يقول انك حامل، وانتي أرض بور مش هتطرح تاني أبداً"..

كلماتها السامه كانت كالخنجر الحاد الذي شق قلب"شهد" على حين غره، ولكنها تذكرت انها طيلة حياتها تعامل شقيقتها أسوء معامله وتعايرها بشكلها، وتلقبها بالخنفساء ولم تترك بها عيب واحد إلا ونعتتها به.. وها هي تحصد كل ما زرعت..

" الله يسامحك يا فاطمه"..
قالتها بصوت منكسر، واتجهت نحو الخزانه احضرت ثياب نظيفه لزوجها وسارت لخارج الغرفه، ووقفت أمام باب الحمام كعادتها..

فتح باب الحمام ومد "عاطف" يده واخذ منها ثيابه.. بينما ظلت هي واقفه تنتظر خروجه كما عودها هو..

لحظات،وخرج زوجها.. رجل اقترب علي عامه الاربعين، ولكن من يراه لا يعطيه اكثر من ثلاثون عام لوسامته الشديده .. ضخم الجثه بطوله الفارهه، وجسده الرياضي رغم انه لم يمارس الرياضه يوماً ولكن عمله الشاق كان وراء صنع تلك العضلات المثيره لجميع النساء التي تراه إلا تلك الواقفه أمامه خافضه رأسها تتعمد عدم النظر له، ولم تنطق اسمه لو مره واحده منذ زواجهم الذي قارب على العام..

"الله يرحمك يا سميره يا أم البنات".. تمتم بها "عاطف" بسره حين تذكر زوجته التي كانت تنظر له بأعين منبهره تصرخ بعشقه..

جفف شعره الحريري بقوه،ورمقها بنظره مشتعله بالغيظ لتجاهلها له.. لكنه تحدث بهدوء قائلاً..
"هتفضلي واقفه باصه في الأرض كدا؟"..
همت بالرد عليه.. لكنها صمتت حين اقتربت منه ابنته "فاطمه" وارتمت بحضه تضمه بحب مردده..
"بابا انا هاخد خديجه ونروح لخالتي" رضا" هناخدها و نروح الترب نزور أمنا، وهنرجع على بيت خالتي نقعد معاها شويه"..

قبل "عاطف" جبهة ابنته، وربت على ظهرها بحنان، ومد يده لابنته" خديجه" هي الأخرى يحثها على الاقتراب، وقبل جبهتها، وتحدث بحنو..
"تعيشو وتفتكرو يا حبايب ابوكي.. خلي بالكم من نفسكم وانا هاجي أخر النهار اخدكم"..

حركا رؤسهما بالايجاب، وسارو لخارج المنزل بعدما نظرا ل" شهد" نظره حارقه يخبروها بها ان تنفذ ما طلبوه منها قبل رجعوهما..

تابعهما "عاطف" بعينيه حتي اغلقت "خديجه" باب الشقه خلفهما، وعاد بنظره ل "شهد" وهم بالحديث.. لكنه انتبه لملابسها المبتله.. فمد يده وامسك يدها.. لتسرع "شهد" بإخفاء وجهها بفزع بيدها الأخرى ظناً منها انه سيضربها..

"متخفيش يا شهد انا مش هضربك من غير سبب، ولو كنت مديت ايدي عليكي قبل كده فدا كان بسبب عنادك ودماغك الناشفه واللي متنفعش معايا انا بالذات، وانتي اتعدلتي وبقيتي ماشيه زي الألف.. فطمني مش ناوي أمد ايدي عليكي تاني إلا لو جبرتيني انتي على كده"..
قالها "عاطف" بجديه لا تخلو من صرامته، وسحبها خلفه نحو غرفة نومهما مكملاً بتساؤل ..
" هدومك مبلوله من ايه؟ "..

التزمت الصمت كعادتها، ولم تجيبه ولا حتي نظرت له،وهذا أثار غضبه جعله يتحدث بصوت عالِ قائلاً..
" شاااااااهد.. انا بكلمك ردي على اللي خلفوني"..
ارتجف جسدها بخوف، وبصوت يكاد يسمع تحدثت دون النظر له ايضاً..
"كنت بشرب والميه وقعت عليا"..

ضيق عينيه وهو يتطلع لها يحاول قرأه ما يدور برأسها.. فهو على علم بأن ابنتيه هما من فعلن بها هذا، ولكنها أصبحت لا تشكي اليه منهما، وكأنها تقبلت ما يفعلوه بها..

"طيب غيري هدومك وحضرلنا لقمه ناكلها علشان انا باقي اليوم اجازه، وهاخدك ونروح مشوار"..
قالها "عاطف" بهدوء رغم غضبه منها..
"حاضر".. همست بها "شهد" وسحبت يدها من بين يده، وسارت نحو الخزانه اخرجت ثياب لها، وخلعت منامتها المبتله أمام أعين ذلك الواقف الذي اشتعل بقلبه نيران رغبه بها، وهي غير مباليه بنظرته، ودائماً تشعره برفضها له..

استدار موليها ظهره بعدما تعالت وتيرة أنفاسه، وأصبح صدره يعلو ويهبط بوضوح.. حاول السيطره على نفسه، وتحدث بصرامه قائلاً..
"اخوكي كلمني وقال ان ولادك جاين عنده انهارده لو حابه تشوفيهم"..

كانت تهم بارتداء منامه أخرى فوق قميصها النبيذي القصير الذي بالكاد يصل لبدايه فخذها.. لكنها سقطت من يدها، وركضت نحوه حتي وقفت أمامه مردفه بلهفه..
"بجد يا عاطف؟"..

ظهرت الدهشه على ملامحه.. لأول مره تنطق إسمه من بين شفتيها التي تثير جنونه، نطقها لاسمه،ونظرة عينيها لعينيه، وهيئتها المغريه افقدته صرامته، وبهمس اجابها..
"ايوه بجد يا شهد..انا عارف انك بقالك كتير مشوفتيش ولادك، واني منعتك من الخروج من ساعة ما اتجوزتك بس دا لأنك كنتي ناويه تهربي مني، ودا انا شوفته في عيونك، لكن دلوقتي انتي عقلتي واكيد شلتي فكره الهروب دي من دماغك.. صح يا شهد؟!"..

تأمله قليلاً لأول مره تري وسمته الشديده ، وهدوءه هذا معها.. كانت دوماً تري حنانه مع ابنتيه، ولكن الآن يعملها مثلهما.. هبطت دمعه حارقه على وجنتيها وبصعوبه همست..
" صح.. انا عقلت، وندمت كمان يا عاطف"..

أنهت جملتها والقت نفسها داخل حضنه تبكي بنهيار شديد.. ويرتعش جسدها بقوه مردده من بين شهقاتها..
"والله ندمت على كل حاجه وحشه عملتها في حياتي"..

رفع يده حولها، وضمها لصدره بقوه ويده تربت على ظهرها برفق متمتماً..
"قدامك فرصه تعيشي حياتك وتنسي الوحش، وتعملي الحلو بإيدك"..

"لو انا نسيت الزمن مش هينسي، واديني وقعت في ايد بناتك بيخلصو حق الناس مني"..
قالتها "شهد" بنبره شامته بنفسها..

"البنات بيغيرو على أبوهم منك يا شهد"..
قالها "عاطف" وهو يزيد من ضمها له ليري هل ستدفعه عنها كعادتها.. لكنها اذهلته حين اقتربت هي الأخرى منه حد الالتصاق.. بعثرت مشاعره، واطاحت بعقله، واعطته الضوء الأخضر حين رفعت رأسها ونظرت له بابتسامه من بين دموعها، وهمست قائله..
"عندهم حق يغيرو عليك يا عاطف"..

لهنا ولم يحتمل أكثر.. فمال عليها وتناول شفاها بقبله أتى بعدها الكثير والكثير استقبلته هي بكل ترحاب.. فقد رفعت راية الاستسلام ورضت به كزوج وبحياتها البسيطه معه رغم علمها انها ستظل تعاني من معامله ابنتيه طيله حياتها..
...............................................
"عهد"..

تقف أمام طاولة الزينه تنظر لهيئتها بالمرآه بابتسامه هادئه وعينيها تلتمع بسعاده وفرحه غامره..
ترتدي مئزر الحمام القصير، والذي يظهر انتفاخ بطنها بوضوح.. فهي بأخر شهر من حملها الأول..

تحمل بين احشائها بذرة عشقها من حبيب قلبها "غفران"..

رفعت يدها وبدأت تمسد على بروز بطنها.. تتحسس حركة جنينها بلهفه محدثه نفسها..
"يا حياة وفرحة قلب عهد يا روحي أنت"..

اتسعت ابتسامتها حين تذكرت تلك الليله التي أخبرت بها زوجها أنها تحمل طفلهما الأول..

.. فلاش باااااااااااك..

"غفران"..

شعر ببروده تجتاحه أثناء نومه جعلته ينتفض بفزع، ويبحث بعينيه عن معشوقته مردداً..
"عهد"..
غادر الفراش على عجل، وبدأ يبحث عنها بلهفه وخوف شديد.. طرق على باب الحمام فلم يأتيه رد.. فندفع نحو الداخل، ولكنه لم يجدها..

"غفران انا أهو".. همست بها بضعف وصل لقلبه قبل سمعه.. فتجه نحو شرفة الغرفه.. ليسقط قلبه أرضاً حين لمحها ترقد على اريكه صغيره بوجه شاحب..

سار نحوها بخطوات مهروله، وجثي على ركبتيه أمامها،ورفع يده واحتضن وجهها بين كفيه مغمغماً..
"قومتي من حضني ليه؟، وليه نايمه هنا؟..
مالك يا عهد؟.. انتي تعبانه يا حبيبتي ؟ "..

رفعت زراعيها وتعلقت بعنقه جذبته عليها وقبلت وجنتيه بعمق وهي تقول..
"اهدي انا كويسه .. بس مش جايلي نوم فقولت اقعد في الهوا شويه على ما انت تصحي"..

حملها بين يديه، وهب واقفاً بها، وسار نحو الداخل و جلس بها على الفراش، وتحدث بهدوء قائلاً..
"أول واخر مره تقومي من حضني مهما حصل حتي لو مش عايزه تنامي.. خليكي صاحيه في حضني"..

تأملته بوله، وابتسامه بلهاء تزين محياها للحظات
، واقتربت بشفتيها من وجنتيه وطبعت قبله ناعمه، وبصوت تحشرج بالبكاء همست..
"انا شاكة إني حامل منك يا غفران"..

جملتها كانت كفيله تجعله يتسمر لبرهه ومن ثم نظر لها بأعين تشع فرحه لا مثيل لها، وبتساؤل تحدث قائلاً..
"شاكه ازاي؟!.. قوليلي حاسه بأيه يا عهد"..

دمدمت بتفكير وهي تجيبه بطفوله..
"امممم حاسه إني دايخه، وعايزه أرجع بالذات أصبح بدري، وكمان؟!"..

عضت علي شفتيها السفليه بخجل، واقتربت من أذنه وهمست ببعض كلمات تهللت أساريره علي اثراها، وبعتاب تحدث..
"متأخره أسبوعين يا عهد،وساكته؟!!"..

زمت شفتيها، ومالت برأسها مستنده على كتفه، وبهمس قالت..
"ما هي كل شهر تتأخر يا غفران من ساعة ما تميت جوازك مني، ومواعدها اتلخبطت خالص، ومبقتش مظبوطه.. يعني ممكن تكون اتأخرت عادي رغم ان قلبي حاسس غير كده"..

رفعت رأسها ونظرت له بعشق شديد وتابعت..
"قلبي بيقولي إني حامل منك يا حبيبي"..

أمسكت يده ووضعتها على موضع قلبها، وتابعت بأنفاس تلفح بشرته تفقده صوابه..
"وانت عارف قلب عهد عمره ما كدب عليها"..

نظر" غفران" لعينيها بعمق يحاول تفسير نظرة الخوف الظاهره بهما.. طالت نظرته لها مما جعلها تعقد حاجبيها وتمتمت بتساؤل قائله..
" مالك يا غفران؟..بتبصلي كده ليه؟"..

"خايفه من ايه يا عهد؟".. قالها بجديه رغم نبرة صوته الحانيه..
ترقرقت العبرات بعينيها، وهمست بصعوبه بشفتيها المرتجفتين..
"خايفه على مالك ومكه"..

جملتها الجمته،جعلته يتطلع لها مذهولاً من ما تفوهت به.. لتكمل هي ببراءه خطفت بها نبض قلبه..
"انت عارف انهم بقو يحبوني اوي، وانا بحبهم أكتر علشان هما ولادك يا غفران، وخايفه يزعلو مني ويفتكرو اني هحب البيبي اللي هيجلنا أكتر منهم"..

رمقها بنظره يملؤها العشق..فهي تحمل هم صغيريه وتحبهما بصدق حتي اكثر من والدتهما.. التي تزوجت من رجل أخر عقب إنتهاء عدتها مباشرةً..

رفع يده وبعد شعرها عن عيونها، وبهمس تحدث قائلاً..
"انتي أحلى وأجمل حاجه حصلتلي في عمري كله يا عهد، واطمني مالك ومكه روحهم فيكي، وبيحبوكي اكتر مني كمان، وهيفرحو بالبيبي اللي هينور حياتنا علشان هتكوني انتي أمه "..
دست نفسها داخل حضنه.. ملتفه بكلتا يدها حول خصره، وبخجل قالت..
"وانت هتكون فرحان يا غفران؟"..

حاوطها بذراعيه، وضمها بقوه مغمغماً بتنهيده..
" انا مفرحتش غير لما حبيتك.. فرحتي هي؟! "..

وضع أنامله أسفل ذقنها جعلها تنظر له، وبابتسامه هائمه تابع..
"انتي يا عهد"..

ابتسمت له ابتسامتها الرائعه رغم عبراتها التي تهبط على وجنتيها ببطء.. يمسحها هو بلهفه، وببكاء قالت..
"ماما فاتن جابت امبارح اختبار حمل من الصيدليه، وخلتني اعمله بعد ما صلينا الفجر معها"..

انقطعت أنفاسه ونظر لها يستجديها بعينيه ان تكمل حديثها وترأف بحالة قلبه الذي يتمني ان تكن معشوقته حامل بطفلهما..

ضحكت هي حتي ظهرت غمزتها، واكملت بفرحه غامره..
"مبروك يا غفران..انا حامل منك يا حبيبي"..

عادت أنفاسه المقطوعه،وبلمح البصر كان خطفها داخل صدره بعناق محموم.. يقبل كتفها وعنقها مرات ومرات يعبر لها عن مدي فرحته بلمساته العاشقه لها فالحديث وحده الآن لن يعبر عن ما يشعر به من سعاده لا توصف بمجرد كلمات..

.. نهاية الفلاش بااااك..

فاقت من شرودها على ألم طفيف اجتاحها فجأه جعلها تتأوه بصوت خفيض.. لكن صوتها وصل لقلب زوجها الذي يقف أسفل المياه ينعم بحمام دافئ..

أسرع بغلق صنبور المياه، وجذب منشفه قطنيه لفها حول خصره وسار لخارج الحمام على عجل.. بحث بعينيه عنها حتي لمحها مستنده بكلتا يدها على الطاوله أمامها..

قطع المسافه بينهما بخطوتان، وبلحظه كان حملها بين يديه، وهو يقول بتساؤل ..
"حاسه بتعب تاني يا عهد؟"..

ارتخي جسدها علي صدره، وهمست بوهن..
"وجع بيروح ويجي يا غفران"..
"شكلك هتعمليها فيا وتولدي الليله يا عمر غفران"..
قالها وهو يضعها على الفراش بحذر، وجلس أمامها ينظر لها بقلق بادي على ملامحه فشل في إخفاءه..

دفعته بيدها الصغيره برفق متمتمه بلهفه..
"طيب البس حاجه الأول علشان ماما فاتن بتعملي حاجه دافيه اشربها، وهتخبط علينا دلوقتي"..
على مضض هب واقفاً وتحرك نحو غرفة الملابس، وارتدي ثيابه سريعاً المكونه من سروال رياضي أسود وكنزه بيضاء..

"ااااه غفران الحقني"..
أردفت بها "عهد" جعلت زوجها يركض بهروله نحوها.. ليتفاجئ بملامحها المشرقه التي تبدلت لأخرى شاحبه، وبصوت بالكاد يسمع قالت..
"انا بولد!! "..

"عهد حبيبتي خدي نفس.. متخفيش.. انا هلبسك هدومك وهوديكي المستشفي حالاً"..
قالها "غفران" بهدوء رغم شدة توتره..
لتحرك هي رأسها بالنفي، وامسكت كف يده ضغطت عليه بكل قوتها، وبدأ جسدها يتصبب بعرق غزير، وبأنفاس لاهثه قالت..
"مش هنلحق نروح المستشفى.. انا بولد بقولك"..

انتهي الفصل..
واستغفرو لعلها ساعة استجابة..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي