الملاذ

Almalaz`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-02-18ضع على الرف
  • 20.2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

مسندة رأسها على نافذة الحافلة التي تصدر صوتاً مزعجاً، وتهتز بقوة على الطريق الوعر، ساهمة في الطريق، تنظر ولكنها لا ترى شيئا، شاردة في أحداث حياتها وما ستؤول إليه، هل ستكون على قدر المسئولية، وسترفع رأس أبيها!
التفتت يمينها، نظرت إلى والدها الجالس بجوارها، ويقط في نوم عميق، تأملت وجهه الذي ارتسمت عليه التجاعيد، والشيب الذي غزى معظم شعر رأسه وطغى على سواده، جسده النحيل، وعروق يديه البارزة، عمره الذي أفناه لكي يوفر لها هي وأختها كل احتياجاتهما
تزكرت حديثه مع ذلك الرجل في طريقهما، أثناء سيرهما إلى موقف الحافلات
كان يجر حقيبتها صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن رغم اجتهاده لتوفير كل ما تحتاج إليه
أوقفه الرجل، سلم عليه ببشاشة ثم قال بسخرية: ما الداعي لهذا يا عبد الله، لو تركت الفتاة تدرس مع أقرانها في القرية لكان أفضل، تريدها أن تدرس في مدرسة خاصة! لماذا تكلف نفسك كل هذا العناء! وماذا ستستفيد، غداً تتزوج وتتركك، هذا مصير الفتاة، لا فائدة منها
رد عليه عبد الله رداً مقتضباً: لا
كانت تراقب ملامح وجهه، لاحظت تلك الثقة التي بدت عليه عندما قال لا
رد مقتضب اختصره في حرفين، ولكنه كان يحمل في طياته الكثير من المعاني، والمشاعر
ابتسمت وهي تسترجع ما حدث، وتنظر إلى والدها ثم قالت بهمس: لا تهزم من تملك والداً يرى أنها أعظم انتصاراته، وعد مني يا والدي، لن أخذلك أبداً، سوف يظل رأسك مرفوع دائما، وعد مني يا حبيبي
-----
فاطمة، فتاة رقيقة، وقوية في آن واحد، سمراء قصيرة القامة، ذات عيون لوزية جميلة جداً، نشأت في الريف، بين عائلة فقيرة، في قرية بسيطة، يعمل معظم ساكنيها بالزراعة بما فيهم والدها
كانت بعمر الخامسة عندما توفت والدتها أثناء ولادة أختها الصغرى سارة، فتزوج والدها بخالتها لكي ترعاها هي وأختها، لم تقصر في حقهما، وكما يقولون: "الخالة بمثابة الأم" وبالطبع لا أحد يعوض مكانة الأم
كانت أحلامها عظيمة جداً، تريد أن تصبح طبيبة، تتخصص جراحة مخ وأعصاب أو جراحة قلب، علمها والدها أن تقف شامخة، عزيزة النفس، وأن تحلم دون قيود، وعلمها أن الفقر ليس عيباً، فمعظم العظماء، ومن كتبوا أسمائهم على كتب التاريخ، كانو فقراء، فالمعاناة تولد الأبداع.
استيقظ والدها عندما زادت الضوضاء، فأدرك أنهما وصلا إلى المدينة أخيراً.
توقفت الحافلة، وبدأ الركاب بالنزول، نهض من الكرسي ثم قال لها بابتسامة: لقد وصلنا يا حضرة الطبيبة
استقلا تاكسي ليأخذهما إلى الحي الذي توجد فيه المدرسة التي سوف تدرس فيها
قال لها والدها بابتسامة: سوف نذهب أولاً إلى السكن، بعدها إلى المدرسة،
أومأت برأسها موافقة، كانت مرتبكة قليلاً، ما زالت صغيرة، وسوف تنتقل لتعيش في المدينة وحدها، في سكن داخلي، بعيداً عن عائلتها، وعلى عاتقها مسئولية كبيرة
وصلا إلى السكن، كان عبارة عن عمارة مكونة من ثلاثة طوابق، مطلية بلون أحمر داكن، وباهت جداً.
دخلا إلى غرفة الإشراف، طلبت منه المشرفة أن يحضر شهادة قيد من المدرسة لكي تتم إجراءات تسجيلها
قال لها : انت انتظريني هنا يا ابنتي، المدرسة قريبة، سوف أذهب سريعاً، لأحضر المطلوب وأعود
جلست فاطمة على أحد المقاعد في غرفة الإشراف تنتظر والدها، تأخر قليلاً فشعرت بالملل، خرجت إلى الخارج تراقب الطريق، مرتا بجانبها فتاتان، تبدوان أكبر منها في العمر، قالت لها إحداهما بنظرة حادة: هل أنتِ معنا هنا في السكن؟
ردت فاطمة بارتباك: نعم، أنا جديدة هنا
ضحكتا الفتاتان بصوت عالي، ضحكة ساخرة، عندما لاحظتا ارتباكها، ثم ذهبتا في طريقهما
قالت فاطمة بتعجب: ما خطبهن! يبدو أنك يا فاطمة سوف ترين العجائب هنا، لكن لا تقلقي، أنتِ قوية، لن تخافي من فتاة مثلك، لو باللسان فلسانك أطول منك، ولو بالضرب، فلسنا مزارعين بلا فائدة
عادت إلى الداخل، وبعدها بقليل عاد والدها، تمت إجراءات تسجيلها، ثم ذهبت مع والدها إلى المدرسة، كانت قريبة من السكن، وكان اليوم هو اليوم الأول في العام الدراسي، أخبروها بأن تذهب وترتدي زيها، وتتابع بقية الدروس.
قالت لوالدها: يا أبي أنت تأخرت، الطريق طويل، ومواصلات واق الواق هذه صعبة ولا توجد بسهولة، عليك الذهاب
ضحك والدها ثم قال: دعيني أراك بزيك المدرسي الجديد بعدها سوف أغادر
ارتدت زيها المدرسي، وكان والدها ينظر إليها بفخر، قال لها بانتشاء: أتعلمين يا فاطمة، لا أحد يتم قبوله في هذه المدرسة بسهولة، انت قُبلت لأن تقديرك في الصف الثامن كان مشرف، ونتائجك في الصف الأول والثاني ثانوي كانت ممتازة، بسبب تقديرك هذا رسومك قليلة ، انت التحقتي بهذه المدرسة بسبب اجتهادك يا ابنتي، رغم سوء المدرسة في القرية، ولكنك كنت متوفقة، أنا فخور جداً بك
ثم تابع بحزن: تمنيت أن أحضرك إلى هنا منذ الصف الأول الثانوي، لكن الظروف!
قاطعته فاطمة: فعلت كل ما تستطيع فعله يا أبي، لم تقصر في حقي في يوم، ثقتك فيني بالدنيا، وأسأل الله أن يعينني لأرفع رأسك وأحقق أحلامنا، أسأل الله أن يوفقني وأحرز تقديراً عالياً
رد والدها بابتسامة: واثق من أنك تستطعين ذلك يا فتاتي، أسأل الله أن يوفقك وينور طريقك يا حبييتي
ضمها إليه بحنان ثم قال لها: وداعاً يا قلب أبيك،الآن عليك أن تذهبي لتلحقي بقية الدروس، انت ممتحنة الشهادة وليس من مصلحتك تضييع الحصص، احرصي على أن يكون هاتفك دائما بقربك، وإذا احتجتي إلى أي شيء، اتصلي فوراً، لا تنسي نصائحي، أنت الآن مسئولة عن نفسك يا فاطمة، خذي بالك جيداً.
قبلت كفه، ثم غادر وتركها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي