الفصل الرابع عشر

بالنسبة لأحمد فقد جاءته فرصة عمل في المملكة ففر هارباً، لم ينفذ وصية عبد الله، لماذا عليه أن يتزوج من شبح فتاة، أصبحت مكتئبة لا تعرف كيف تبتسم، قال لنفسه بأن هذه فرصة عمل لا تضيع، ولكي يرضي ضميره لم يتزوج شهد أيضاً، ولم يتقدم إليها، قرر أن يهرب وحسب..
بعد أن غادر عبد الرحمن، نادى جعفر فاطمة، أخبرها أنها سوف تتزوج من عبد الرحمن وليس من حسن البدين، قال لها ضاحكاً: ضحك لك الحظ يا ابنة عبد الرحمن، لم تحظ أي فتاة من العائلة بمثل هذا الزواج
قالت جدتها: لأنكم ترمون بناتكم لاشباه الرجال، كأنهن أشياء تافهه لا قيمة الله
قال جعفر: لأنهن كذلك، لا يجلبن إلا العار، لو كان بيدي لما تمنيت أن يكون في العائلة فتاة واحدة، لكن لا بأس، على الأقل يقمن بأعمال المنزل..
قالت جدتها بحزن: لا أصدق أنك ابني، مات والدك ولكن آثاره تركها فيها، رحم الله عبد الله، ابني الحكيم والحنون
كانت فاطمة مندهشة، سوف تتزوج من عبد الرحمن! لماذا طلب أن يتزوجها، ماذا يريد منها، وأي حظ ذلك الذي ضحك لها، أن تتزوج من رجل يخون أخوه مع خطيبته! في تلك اللحظة ثار غضبها، شعرت بأنها استردت بعض من قوتها، قالت لعمها بانفعال: لن أتزوج من ذلك الرجل ولن اتزوج من غيره يا عمي، أتفهم
نظر إليها جعفر والشرر يتطاير من عينيه، لوى ذراعها بقوة، لم تتأوه وقالت بنفس الانفعال: اكسرها، وأحلف شعر رأسي، واضربني، وإن شئت اقتلني، ولكنني ان أتزوج من شخص لا أريده
كان متعجباً، من أين أتت هذه الفتاة اليائسة بكل هذه القوة لتحدثه بهذه الطريقة، كان مستسلمة تماماً
قالت جدتها موازرة لها: أجل يا ابنتي، لا تتزوجي من شخص لا تريدنه، كوني قوية كما رباك والدك
جرها من يدها وأدخلها في غرفة وحبسها فيها، قالت له: لن تفلح هذه المرة يا عمي..صفعها صفعة قوية رمتها على الأرض، ولكنها واصلت: لن أتزوجه وإن كان هذا على حساب حياتي
كان جعفر يفكر في طريقة يخرس بها هذه الفتاة، يعرف أنها كوالداها، عندما تصر على شيء فلن تتراجع مهما حدث، لذلك عليه أن يضربها في وترها الحساس، أي يمسكها من المكان الذي يوجعها، نقطة ضعفها
قال لها بهدوء وتهديد: أتعرفين ماذا سأفعل إن لم تنصاعي لأمري، سوف أحبس أختك سارة هنا، سأمنع عنها الطعام وحتى الماء، سوف أضربها ليلاً ونهار
ارتعبت جداً، وصمتت، فكري في الأمر، ثم خرج من الغرفة
لم تبكي أيضاَ، لم تستطع أن تبكي منذ أن توفى والدها، كانت تنهار من الداخل وحسب، قالت في نفسها: هل يعقل أن يكون هذا عمي! من لحمي ودمي، عمي سليمان ليس مثله، كان حنوناً كأبي، يعاملني كأبنته، ولكن لماذا ألوم عمي جعفر، إن كان يفعل ببنتانه مثل ما يفعل بي الآن، إنسان مجرد من المشاعر، عبارة عن حجر، بل هذه إهانة للحجر لأنه أقل ليناً من هذا الرجل..
ظلت محبوسة في تلك الغرفة، في اليوم التالي جاء عبد الرحمن إلى جعفر وطلب منه أن يتحدث مع فاطمة، قال له جعفر: فجأة الفتاة تمردت لذلك حبستها
نطر إليه عبد الرحمن بقرف وقال له: هل أنت حقاً ولي أمرها! خذني إليها
ارتدت حجابها، دخل إليها فوجدها في حالة يرثى لها، ملامحها متعبة جداً، وجسدها هزيل، لم يصدق بأنها تلك الفتاة التي رآها من قبل، ألقى عليها التحية، فلم ترد ولم تنظر إليه حتى..
خرج عمها وتركهما لوحدهما، رغم أن هذا لا يصح ولكن ماذا يتوقع من رجل مثله!
قال لها عبد الرحمن: كيف حالك يا فاطمة؟
ردت رداً ساخراً بانفعال: في أحسن حال كما ترى، لماذا تريد الزواج مني؟ لم أجد جواباً إلى الآن
أجابها بهدوء: لهذا جئت إلى هنا، لكي أوضح لك، لن أتزوجك بدون رضاك، أنا طلبت الزواج منك لأن فتاة صغيرة مثلك لا تستحق أن تعامل بهذه الطريقة السيئة، سوف أتزوج منك لأحررك من عمك، لكي تكملي دراستك، ولك الخيار بعد أن تذهبي معي، لن أغصبك علي، ولن أقربك، سبحان الله! الله أرحم بنا منا، أنا جئت في هذا الوقت بالذات للقرية، وجئت إلى منزلك، لكي أتزوجك في النهاية وتخرجي من هذا القفص، صدقيني يا فاطمة، إذا فوض الإنسان أمره لربه فلن يخزه أبداً، فوضي أمرك إلى الله، واستخيري، وصدقيني إن لم توافقين عليك فلن أتزوجك، فكما أخبرتك لن أغصبك، وتذكري إن لم تتزوجيني فقد تتزوجين من رجل أكبر من والدك في العمر، سيئ الخلق، يضيق عليك الحياة..
كانت فاطمة مندهشة من حديثه، هل لأجل هذا سوف يتزوجها؟ هل يريد أن يحررها من أسرها هذا؟ لم تستوعب شيء، وجدت نفسها تقول بلا وعي: موافقة
لا تعرف إن صادقاً أم لا، ولكنه على الأقل أحلى الأمرين، هناك احتمال بأن يكون صادق رغم أنها لا تتأمل كثيراً، ولكن أفضل من رجل بعمر أبيها نظرته تشعرها بالقرف..
قالت له بصوت متقطع: أختي، لا يمكنني تركها
رد بثقة: سوف نأخذها معنا، لا تقلقي..
خرج من عندها، قال لعمها بأنه يريد أن يأخذ أختها معهم فلم يمانع ولا قليلاً، وافق على الفور كأنه يريد أن يتخلص منها أيضاً.. قال له: أخرجها من الغرفة الآن، فهي موافقة وليس لديها مانع
كانت جدتها تنظر إليه بريبة، فهم نظرتها، اقترب منها ثم قال: أعرف أنك قلقة على ابنتك، ولكن وعد مني، سوف أكون لها نعم الزوج، ليس لدي أي نية سيئة تجاهها، ولا أريد لها إلا الخير..
أومأت برأسها ولم ترد، ولكنها شعرت ببعض الراحة، مظهره كان مطمئناً، أم ما بداخله ونواياه، فهذه أشياء لا يعلمها إلا الله..
أخبر عبد الرحمن والده بقراره، تعجب في بادي الأمر، ولكن يعرف أن ابنه واعي، ولن يتخذ أي قرار دون أن يفكر فيه جيداً، خاصة إن كان هذا القرار هو الزواج..
أخبره عبد الرحمن بالتفاصيل، ولكن طلب منه أن تظل هذه الأشياء بينهم، أرسل علي ليحضره هو وعمه، وسوف يتم عقد القران في نفس اليوم مساءاً..
وصل أبيه وعمه قبل صلاة المغرب بقليل، قال سليم مازحاً: أتى ليحضر زواجي ولكنه سوف بتزوج قبلي، سبحان الله
ضحك عمه ثم قال: لماذا الاستعجال يا بني، حتى أننا لم نخبر أحداً
قال عبد الرحمن: لأن هناك مستعجلون آخرون يريدون الزواج منها، لذلك قررت أن أحسم الأمر
ضحك الجميع، كان من يعرف القصة كاملة هم سليم وعلي ووالده وعائلة فاطمة، وطلب منهم عبد الرحمن أن يبقى الأمر بينهم، لأنه لا يريد أن يسبب أي حرج لفاطمة، لا هنا وعندما تذهب معه..
قال عمه مازحاً: لم نتوقع ذلك، أن توقعك فتاة بهذه السهولة لدرجة أن تتزوج بهذه السرعة
رد مازحاً: أنا نفسي لم أتوقع، ولكنه حدث!
ذهبو إلى منزل فاطمة، وتم العقد في المسجد بعد صلاة العشاء مباشرة، الغريب أن جعفر أكرمهم بصورة محترمة لم يتوقعها أحد منه…
كانت فاطمة جالسة بداخل الغرفة، لا تفكر في أي شيء، جالسة فقط، دخلت عليها جدتها، ضمتها إليها وهي تبكي، قالت لها: أصبحت زوجة رجل الآن يا ابنتي
كانت متبلدة المشاعر، لم تبدي أي رد فعل، تنظر إلى جدتها بلا مبالاة
قالت: يبدو أنه رجل حقيقي، أتمنى ألا تشقي معه يا ابنتي، وأن يسعدك
قالت فاطمة: السعادة غادرتني من زمن طويل يا أمي، لم أعد أعرفها
قالت جدتها: سوف تعود يا حبيبتي، سوف تعود
كان عرس سليم في اليوم التالي مباشرة، لذلك أصر على والد عبد الرحمن وعمه وأن يبقيا ويحضرا عرسه، فرافقا
طلبت جدة فاطمة من عبد الرحمن، أن يأتي ويأخذ زوجته بعد أسبوعين، لتعتني بها في هذه الفترة، فلا تريد أن يتحدث عليها أحد من عائلته
وافق على طلبها، وبعد أن تم زواج سليم، غادر هو وعلي ووالده وعمه إلى المدينة
قبل أن يغادر، ذهب لزيارة فاطمة، وجدها جالسة، لم تنظر إليه، ولم تتحدث، كان هو الذي يتحدث، وهي تستمع فقط، أخبرها بأنه لم يخبر أحداً عن السبب الحقيقي لزواجه، ولن يخبر عائلته، سوف يكون زواجهم أمام عائلته طبيعي، ووعدها بأن لن يقلل أحداً من قيمتها أبداً، قبل أن يخرج أخذ رقم هاتفه وأعطاها رقمه، لكي تحدثه إن احتاجت لأي شيء..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي