الفصل الثالث عشر

حضر عبد الرحمن وعلي إلى قرية فاطمة من أجل زواج صديق عبد الرحمن..
وصلا بصعوبة بالغة إلى القرية، قال علي: عندما أطلقت تلك الفتاة على قريتها واق الواق لم تخطي أبداً
ثم نظر إلى عبد الرحمن وقال له: هل تذكرها؟ تلك الفتاة صاحبة العيون الجميلة..
قال عبد الرحمن بلا مبالاة: نعم أذكرها
عندما وصلا أستقبلهما صديق عبد الرحمن الذي يسمى سليم وعائلتة ببشاشة، أعجبهم جو القرية والمحبة الظاهرة على وجوههم..
في أثناء جلستهم معاً، قال سليم: لم أذهب لأعزي عائلة عم عبد الله رحمه الله، حضرت بالأمس وكنت متعباً، أسأل الله أن يغفر له ويرحمه، كان رجلاً طيباً وشهما، بشوشاً لا تفارقه ابتسامته
قال أحد الشباب لسليم: هل تذكر حسن يا سليم، ذلك الرجل البدين ذو الكرش الكبير
قال سليم: هل تقصد ذلك الرجل ذو النظرات الخبيثة، الذي يشتري محاصيل القطن كل سنة، أذكره جيداً، لم أكره أحداً في حياتي كما كرهته
قال الشاب: تخيل أنه سوف يتزوج أبنة عبد الله، عمها الذي لا يخاف الله وافق عليه وسوف يزوجها له
وضع سليم يديه على رأسه ثم قال بانفعال: ما الذي تقوله يا رجل! لا حول ولا قوة إلا بالله، ذلك الرجل أكبر من والدها، والفتاة صغيرة، بالإضافة إلى أنها ذكية وأذكر أنها شرفت القرية كلها بتميزها في الدراسة، أتذكر عندما حضر الوالي من أجلها..تخيل يا عبد الرحمن ما يحدث في قريتنا، هل سمعت بتخلف ورجعية مثل هذا
قال عبد الرحمن متأثراً: لا حول ولا قوة إلا بالله، سوف تضيع الفتاة، سوف يسألهم الله مما سيفعلوه بها، ألا يوجد أحد في هذه القرية كلمته مسموعة يتحدث معه؟
رد سليم بحزن: لا أظن يا عبد الرحمن، أنا ذاهب لأعزيهم في وفاة عبد الله بعد قليل، هل تذهب معي؟ وأنت أيضاً يا علي، ربما يمكننا فعل شيء
قال عبد الرحمن: لنذهب إذن
وصلو إلى المنزل، وقبل أن يطرقو بابهم سمعو صوت الصراخ يتعالى بالداخل
قالت جدة فاطمة: صحيح أن والدها قد مات ولكنني لم أمت بعد، هل تريد أن تبيعها مقابل قطعة أرض من ذلك الرجل البدين ذو الكرش الضخم، هو أكبر من والدها ومنك، خاف الله يا جعفر، سوف يسألك الله من هذه الفتاة
رد عليها: يا أمي، لا تخالفي رأي، أنا أفعل ما هو مناسب، الآن كل ما عليك فعله هو أن تعتني بهذه الفتاة لكي نسلمها إلى زوجها، سوف يأتي بعد يومين ومعه المأذون، هو رآها ووافق وأنا وافقت وانتهى الأمر، لا يهم رأي النساء..
كان عبد الرحمن غاضبا جداً مما سمعه، ما طينة هؤلاء البشر، ألم يسمعو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفقاً بالقوارير" ألم يعلمو بأن آخر وصاياه كانت" استوصوا بالنساء خيراً" ! هل هكذا يعاملون النساء ويسيئون إليهم، ألا يعلمون أنه ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم..
قال عبد الرحمن: لا يصح أن نقف هكذا، إما أن نطرق الباب أو نغادر
بدأ بطرق الباب، ففتحه جعفر بعد قليل، قال وعلى وجهه ابتسامة واسعة: أهلا بالمغترب، حمد لله على سلامتك، كيف حالك يا سليم، تفضلو بالدخول
قال له سليم: أحسن الله عزائكم، البقاء لله
دخلو إلى الداخل، جلسو على كراسي في فناء المنزل، كان عبد الرحمن يهز رجليه بتوتر، أنزعج جداً من الحديث الذي سمعه، قال جعفر لطفل صغير، أذهب وأخبرهم بأن يحضروا شاياً
لم يعجبهم البقاء، ولكن سليم كان يفكر في طريقة يفتح فيها حديثاً معه بخصوص زواج فاطمة
قال جعفر لسليم: من هؤلاء، لم تعرفنا
ثم ضحك بصوت بشع
رد: هؤلاء أصدقائي، من مدينة…
على جانب آخر، كانت فاطمة متبلدة المشاعر، لم تتفاجأ كالبقية عندما رأت ذلك الرجل الذي طلب الزواج منها، كانت تتوقع من عمها كل شيء، كان صوتاً ما بداخلها يخبرها بأن هذه ليست فاطمة، لم تكن ضيعفة لهذه الدرجة، كانت دائما قوية، ولكن كل قوتها تلاشت الآن..
أخذت الشاي، وقفت على بعد مناسب من مكان جلوس الرجال، أشارت إلى عمها ولكنه اشار إليها بأن تتقدم
كان علي جالساً بالقرب من عمها مواجها لها، نظر إليها، كأنه يعرف هذا الوجه، ولكنه لم يتذكره، هذا الوجه مألوف
تقدمت فاطمة، ووضعت الشاي علي الطاولة ولكن قبل أن تغادر، قال علي مندهشاً: فاطمة
لم يعرف كيف خرجت منه تلك الكلمة، ولكن منظرها كان مرعباً، كانت عبارة عن ظل يتحرك، لم تكن تلك الفتاة الرقيقة ذات الابتسامة الجذابة، عيناها الجميلتين محاطتان بالسواد..
وقف جعفر وقال بصوت عالي: من أين تعرفها؟
أمسكها من شعرها ثم قال لها: من يكون؟ ومن أين تعرفيه
في تلك اللحظة انتفض عبد الرحمن من مكانه، أبعد يد عمها عنها، ووقف حائلا بينهما، قال له بحدة: إهدأ، دعك من أخي ألا تثق في ابنة أخاك؟ هذه الفتاة كانت تسكن في سكن بالقرب من منزلنا، وأخي كان يأتي إلى السكن كثيراً لذلك يعرفها
رد جعفر بانفعال: ولماذا يعرفها؟ لماذا يعرف اسمها؟ الله أعلم بما فعلت هذه الفتاة في تلك المدينة..
قال عبد الرحمن بانفعال: والله إنك لبلاء عظيم حل على هذه الفتاة، هل أنت عمها حقاً؟ أم عدوها؟
نظر جعفر إلى فاطمة والشرر بتطاير من عينيه، قال لها بصوت عالي: اذهبي إلى الداخل، سوف أحاسبك لاحقاً
نظرت إليه باحتقار ثم عادت إلى الداخل
قال بنفس الانفعال: اخرجو من منزلي الآن، لا أريد أن تحدث مشكلة..
قال عبد الرحمن موجها حديثه إلى سليم وعلي: أنتما اذهبان، أنا لدي حديث مع السيد جعفر
نظرا إليه باستغراب ولكنه أومأ براسه بمعنى أفعلا ما آقول
انصاعا لطلبه وغادرا وجلس هو مع جعفر الذي كان ينظر إليه بحدة
قال له عبد الرحمن وهو ينظر في عينيه: كم دفع إليك ذلك الرجل لتزوجه ابنة أخاك
انتفض جعفر من مكانه واقفاً، أراد أن ينفعل، ولكن عبد الرحمن قال: لا تجعل صوتك يعلو علي، لأنني لا أريد أن تحدث مشكلة، أنا أتحدث معك بالمنطق، لماذا تزوج فتاة صغيرة في العمر، لرجل أكبر منها بكثير، لم يفت الأوان عليها، ما زالت صغيرة، وقد تحظى بفرص زواج كثيرة، لماذا وافقت على زواجها منه؟ ما المقابل؟
جلس جعفر وقال بانفعال: ماذا تريد يا شاب، تحدث معي بوضوح
قال عبد الرحمن: باختصار أريد أن أطلب يد فاطمة، وسأعطيك أكثر مما أعطاك ذلك الرجل
ضحك جعفر بمكر وقال له: ماذا تملك أنت؟
ابتسم عبد الرحمن بسخرية وقال: أسأل عني بنفسك وسوف تعرف، لدي شركة في المدينة، وأملك أراضي كثيرة هناك إن أردت واحدة
مسح جعفر على كرشه الضخم ثم قال: حسناً، الفتاة لك، يبدو أن حظها جيد، أبوها دعا لها كثيراً قبل أن يموت
قال عبد الرحمن: قد سوف أرسل إلى والدي وعمي لكي يحضرا إلى هنا، لا أريد خطبة، سوف يتم عقد القرآن مباشرة، ولك ما تريد..
ضحك ثم قال: العريس مستعجل
رد: في الحقيقة، لا أضمنك
تابع: أريد رؤية فاطمة قبل أن يتم عقد القرآن، أنت أخبرها الليلة بما حدث، وسوف أرآها غداً إن شاء الله
رد جعفر: لك ذلك
بعد ذلك غادر عبد الرحمن
وجد علي وسليم ينتظرناه في الخارج، قص لهما ما حدث
قال علي بدهشة: لا أصدق! هل ستتزوجها
رد عبد الرحمن: أنا نفسي غير مصدق، لا أعرف كيف فعلت ذلك، ولكنني لا يمكنني رؤية فتاة تهان بهذه الطريقة، خصوصاً إن كنت أعرفها من قبل، أو رأيتها لمرة واحدة
..
قال سليم بتأثر: أنت رجل حقيقي يا عبد الرحمن، أنا فخور جداً لأنك صديقي، لا يستطيع أي شخص أن يفعل ما فعلته أنت الآن..
تنهد عبد الرحمن ثم قال: أسأل الله أن يوفقني لما فيه الخير
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي