الفصل الثاني

رن هاتفها منبهاً عن وقت صلاة الفجر، فتحت عينيها ببطء، ففزعت للوهلة الأولى وانقبض قلبها عندما وجدت المكان مختلف تماماً، تنهدت ببطء عندما تذكرت أنها الآن لوحدها، بعيدة عن والدها، وعن عائلتها وبيتها، عن سريرها الذي لم تفارقه منذ أن كانت بعمر الخامسة.
تذكرت آخر كلمات قالها لها والدها:"أنت الآن مسئولة عن نفسك يا فاطمة"
مسحت وجهها بيديها الصغيريتين، كانت تشعر بالثقل في عينيها لأنها نامت بصعوبة ليلة البارحة، فبعد أن كانت تنام في فناء منزلهم الواسع في قريتها الصغيرة، والهواء النقي يداعبها من كل جانب، والهدوء يعم كل أرجاء المكان، ها هي الآن تنام في غرفة صغيرة، في سكن قريب من الطريق العام، ضوضاء لا تنتهي، وأصوات سيارات لا تهدأ حتى منتصف الليل.
كانت الغرفة التي تسكن فيها في الدور الثاني، تتكون من سريرين، على كل سرير واحد من فوقه، أي أربع سرر، مطلية بلون بيج، ونافذتها عالية، تطل على فناء منزل كبير، جميل جداً، يتكون من أربع أدوار، يبدو أنه لعائلة ثرية، لم ترى منهم أحداً منذ أن جاءت، الأبواب مغلقة، إلا في المساء ترى ظلال أشخاص على المطبخ الذي تتكون نافذته الكبيرة من الزجاج، فمع الضوء، ترى كل ما بداخله ولكن ليس بوضوح .
تسكن معها في الغرفة ثلاث فتيات آخريات، سمر، وسحر، وسعاد، تبدأ أسمائهن بنفس الأحرف، وهن من نفس القرية، قالت في نفسها بابتسامة بعد أن تعرفت عليهن: لا بأس، أعتدت أن أكون الكلمة الشاذة.
ازاحت الغطاء عن جسدها ونزلت من على سريرها عن طريق السلم.
تفاجئت عندما وجدت سمر مستيقظة وتدرس، قالت لها سمر وعلى وجهها ابتسامة طفولية وبصوت رقيق: صباح الخير فطوم
ردت عليها بابتسامة: صباح النور، أراك مستيقظة مبكراً
قالت سمر وما زالت مبتسمة: أشعر بالمسئولية والرهبة والحماس في آن واحد، لم استطع النوم إلا قليلاً، صليت وبدأت أدرس للتوه
ردت فاطمة: معك حق، وأنا كذلك، أتمنى أن تظل شعلة حماسنا هذه متقدة حتى نهاية العام، فنحن في مرحلة حرجة، على بعد خطوة من مصير مستقبلنا الدراسي
تنهدت سمر بقوة ثم قالت: معك حق
ابتسمت لها فاطمة ثم توجهت نحو الخارج، تفاجائت عندما رأت كم الفتيات المستيقظات في هذا الوقت، قالت في نفسها بلهفة: جميل! في السابق اعتدت أن أكون المجتهدة الوحيدة، ولكن هنا الأمر مختلف تماما!
بدأت الحركة تزاداد بعد الفجر بقليل، تقريباً كل الفتيات قد استيقظن، قد يكون هذا حماس البدايات، لأنها كانت ليلتهن الأولى في السكن، وقد يكون بسبب الإحساس بالمسئولية…
بدأت فاطمة تتجول في المكان، توجهت نحو الجزء الخلفي من السكن، فتفاجأت بالزهور والأشجار التي يمتليء بهن المكان، انقرجت أساريرها، ها هي الآن قد وجدت ركنها التي ستهرب إليه عندما تشعر بالحزن أو السعادة أو القلق، أو أي شعور آخر، لفتت انتباها شجرة كبيرة، على مسافة بعيدة، توجهت نحوها بحماس، نظرت إليها بعينين متسعتين، فروعها المقوسة المرنة، تيجانها الدائرية الواسعة، جذوعها الصغيرة، أغصانها الممدودة والمعلقة على نحو فضفاض، وأوراقها الصغيرة.
قالت بلهفة: شجرة صفصاف!
مررت أصابعها برقة على أحد أوراقها، تنهدت بارتياح ثم قالت بهدوء: ستكونين ملاذي وصديقتي من اليوم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي