الفصل الثالث

ارتدت زيها المدرسي، كانت سعيدة جداً، قالت لها سعاد مازحة: يا قصيرة، من يراك يظنك في الصف الثالث الإبتدائي وليس الثانوي
ردت عليها فاطمة بثقة: كل ما هو قصير جميل! كالزهور بجانب النخيل، وعصفور الكناري بجانب البومة، أيكفي هذا؟
وقفت سمر وهي تصفق بيديها وقالت ضاحكة: رد صاروخي، أعجبني جداً
ردت فاطمة بمرح: هكذا كان يقول والدي لكل ما ينعتني بالقصيرة
قالت سعاد ضاحكة: ومع ذلك سوف أناديك بالقصيرة
ردت فاطمة بمرح ملوحة بيديها: لا أرى ذلك مزعجاً، ولكن أنا لدي اسم، ذبح كبشاً كبيراً من أجله، فلا تحاولي!
قالت سحر بانزعاج مقاطعة حديثهن: هيا، لقد تأخرنا
انصاع الجميع لجملتها، حملت كل واحدة حقيبتها ثم غادرن
كانت فاطمة سعيدة، لم تتوقع أن ينكسر الحاجز النفسي بينها وبينهن بهذه السرعة، فكرت لبرهه، لماذا سحر دائما منزعجة!..
وصلت إلى الفصل، كان خاص بكل الفتيات اللاتي ألتحقن بالمدرسة حديثاً
رأت تلك الفتاة التي رأتها خارجة من السكن في يومها الأول، رأتها الفتاة أيضاً فأطلقت ضحكة ساخرة
أثناء مرورها لتصل إلى مقعدها، حاولت الفتاة أن تسقطها أرضاً برجلها ولكنها استطاعت أن تنجو بأعجوبة، نظرت إليها فاطمة بدهشة، وقبل أن تصدر أي رد فعل، رأت سحر تضرب سطح مقعد الفتاة بيدها، ضربة قوية جعلت الفتاة تنتفض، قالت لها بصوت قوي: هي أنتِ، الزمي حدودك وإلا قطعت رجلك في المرة القادمة
احتقن وجه الفتاة بالدماء، فنهضت من كرسيها وأمسكت بحجاب سحر تشده بقوة وهي ضاغطة على أسنانها والشرر يتطاير من عينيها، استطاعت سحر أن تبعدها بصعوبة وفعلت هي الآخرى نفس الأمر، بدأت معركة قاسية بينهما، حاولت فاطمة إبعادهما ولكنها لم تستطع، تجمهر كل من الفصل حولهما، لم تتوقفا إلا عندما سمعتا صوت الأستاذ، كان غاضباً جداً، طلب منهما أن تذهبا معه إلى المديرة..
جلست فاطمة في مقعدها متوترة تنتظر قدوم سحر ولكنهم تأخرو، دخلتا الفتاتان بعد قليل وخلفهما الأستاذ، كانت كل واحدة ترمق الآخرى بنظرات غاضبة ومتوعدة
سألتها فاطمة بعد انتهاء الدرس عما حدث، فردت بلا مبالاة: أعطتني المديرة إنذاراً أولاً
قالت فاطمة بحزن: أنا آسفة، كان هذا بسببي
نظرت سحر نحو الفتاة والشرر يتطاير من عينيها: لا عليك، دعيها تحاول أن تتجاوز حدودها مرة أخرى، سأقتلها!
قالت فاطمة بارتباك: صدقيني ليست من مستواك! المرضى النفسيين في كل مكان
ردت سحر بانفعال: لا حبيبتي، ما ذنبنا نحن! المريض مكانه المستشفى، وإن اضطررت سأجعلها تذهب إلى هناك
صمتت قليلا ثم تابعت: والعجيب أن اسمها طيف! شتان ما بين الاسم والمسمى، لم أرى أثقل منها في حياتي!
حاولت فاطمة أن تكتم ضحكتها ولكنها لم تستطع، ضحكت بشدة، ضحكت سحر أيضاً إثر ضحكتها
قالت لها فاطمة برقة: ضحكتك ساحرة! لم أرك تضحكين منذ أن التقينا
ردت سحر بتنهيدة: نعم، تغيير البيئة يؤثر جداً على مزاجي، لم أترك أهلي منذ أن ولدت، أنا من الأشخاص الذين لا يتأقلمون بسرعة، غرفتي وسريري، بيتي وقريتي، تغير كل شيء، لذلك أحتاج بعض الوقت لكي أعتاد على وضعي الجديد
أومأت فاطمة برأسها علامة التفهم ثم قالت: معك حق
التفتت سحر نحوها ثم قالت: ولكنني لا أراك منزعجة!
ردت فاطمة بهدوء: في الحقيقة، منذ أن توفيت والدتي، اضطررت لأن أتأقلم مع أحداث كثيرة في حياتي، رغم أن والدي حاول جاهداً أن يجعلني لا أتأثر بكل تلك الأحداث..
نظرت إليها سحر بحزن وقبل أن تتحدث قالت فاطمة بابتسامة: ولكن كما تعلمنا، أمر المؤمن كله خير، تلك الأحداث جعلتني قوية وناضجة، وجعلت لدي مناعة وأستطيع التأقلم بسهولة
تابعت ضاحكة: ليس بسهولة جداً، لم أستطع النوم ليلة البارحة
ضحكت سحر، ثم قالت: لديك نظرة قوية وواثقة، جعلت منك فتاة جذابة جداً، أشك في أن الآنسة طيف تغار منك
قالت فاطمة بتعجب: وعلام! لا تعرفني من الأساس
ردت سحر ضاحكة: ولكن من اليوم أظننا أصحبنا عدوتيها اللدودتين، سوف أربيها من جديد تلك الحقيرة
قالت فاطمة: اهدئي قليلاً، ستوقعين نفسك في مشاكل أنت في غنى عنها، لا تنسي الإنذار
قالت لها سحر بمكر: ومن قال أنني سأفعل شيء يعرضني للإنذار
صمتت قليلا، فركت يديها ببعضهما ثم قالت: لا تحل كل المشاكل بالعراك، لدي أساليبي الخاصة!
نظرت إليها فاطمة وعلى وجهها علامات إستفهام وقالت لها: أي أساليب؟!
قالت سحر ضاحكة: أنت بريئة جداً، دعي كل شيء لأوانه..
قطع حديثهما دخول المعلم، وبدأ الدرس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي