الفصل الرابع

رن الجرس معلناً عن وقت الإفطار، هرولت كل الفتيات إلى خارج الفصل ليلحقن بصف الإكل الطويل، وقفت فاطمة مع سحر في الصف ينتطرن دورهن، قالت فاطمة بمرح: في مدرستي السابقة لم يكن الأمر كذلك، كنا نذهب إلى المنزل، نتناول الإفطار ثم نعود مرة أخرى
قالت سحر متعجبة: حقا؟! أنا أيضاً أسكن في قرية، ولكن لا يفتح باب المدرسة إلى حين نهاية الدوام
قالت فاطمة: قد تكون قريتكم كبيرة، نحن قريتنا صغيرة جداً، وكل البيوت تعتبر قريبة من المدرسة، بالإضافة إلى أن الأهالي يدفعون بصعوبة رسوم الدراسة، فما بالك بثمن وجبة ثابتة كل يوم! ستغلق المدرسة بالتأكيد
ضحكت سحر ثم قالت: أظن أن قريتنا أقرب للمدينة، أهلها متمدنون جداً..
أخذت كل منهن طعامها، ثم جلستا حول طاولة، وبعد قليل انضمت لهما سمر وسعاد
قالت سعاد لفاطمة معاكسة: دعيني أجلس بقربك يا غصن الريحان
ردت فاطمة ضاحكة: يا ترى كم لقب سوف تطلقين عليّ خلال اليوم الواحد
قالت سعاد: ليس كذلك، في الصباح قلتي أنت زهرة، وأعرف أن زهرة الريحان قصيرة وجميلة ورائحتها زكية، ألا يعجبك؟
ردت فاطمة ضاحكة: لا بأس به، ولكن اسمي فاطمة
قالت سعاد مازحة: لن أناديك بفاطمة أبداً
كانت سمر شاردة، ثم قالت بحزن: هل كان درس الفيزياء صعباً، أم أنا وحدي شعرت بذلك
قالت سحر بانفعال: أعرف أنك تشعرين بالمسئولية يا سمر، ولكن لا تحملين نفسك فوق طاقتها، إذا كانت البداية هكذا، فكيف عندما تقترب الامتحانات
ردت فاطمة: لا بأس بذلك يا سحر، هي تشعر بذلك لأنها البداية، ونحن جميعنا جئنا إلى هنا من أجل الدراسة، المدرسة قوية! والنظام صعب! لذلك من الطبيعي أن تشعر بالخوف، ولا تنسي أننا في منافسة مع كل البلاد
أشارت سحر إلى فمهما بمعنى: حسناً، سوف أصمت
تابعت فاطمة: ما رأيكن بأن نشرح الدروس مرة أخرى معاً؟ كل واحدة تشرح ما فهمته، سوف نوفر على بعضنا وقتاً وجهداً
ردت سمر بحماس: أنا موافقة
وكذلك وافقت كل من سحر وسعاد...
انتهى اليوم الدراسي، وفتح باب المدرسة، كانت فاطمة تراقب المنظر بعينين متسعتين، أعداد هائلة من الطالبات، وعدد لا نهائي من السيارات التي لم ترى مثلها في حياتها! السيارات في قريتها تحسب بأصابع اليد، وعندما يأتي زائر بسيارة جديدة، يخرج الجميع من منازلهم ليراقبوه بدهشة، لن تنسى شعورها عندما وصلت إلى المدرسة في أول يوم، هذا البناء الشاهق، شعرت بالدوار، كانت تضع يدها على فمها للوهلة الأولى لكي لا يراها أحداً ويقول بأنها " قروية متخلفة" كما وصتها خالتها قائلة" تصرفي كأنك فتاة من الطبقة الراقية، ولا تفتحي فمك عندما تشعرين بالدهشة، تبدين كالبلهاء عندما تفعلين ذلك" ضحكت فاطمة على جملتها، ولم تعرها اهتمام، طبيعتها تغلب عليها، صحيح أنها تشعر بالدهشة عند كل مرة أولى، ولكنها سرعان ما تزول، لا تغريها المظاهر، وكما قالت أنها سريعة التأقلم
كانت تنظر إلى السيارات ثم قالت لنفسها بابتسامة: والله أن ركوبي خلف والدي على ظهر حماره، أجمل من كل هذا البزخ، لا أنكر أن الراحة جميلة، ولكن مفهوم الراحة يختلف في نظري، لا أحلم أن أملك سيارة، ولا منزلا ضخماً، ولا لقباً يجعلني مشهورة، بل أبحث عما هو أعظم من ذلك..
قاطعت أفكارها جملة سحر: لماذا تبتسمين وحدك كالبلهاء
ضحكت فاطمة ثم قالت: أتأمل المنظر، في مدرستي كنا لا نتجاوز المئتين طالبة
قالت سحر بتعجب: تشعرينني أنك قادمة من العصور الحجرية
قالت فاطمة ضاحكة: هذه المكان يشعرني بالدوار، دعينا نذهب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي