الفصل الخامس عشر

عندما أخبر عبد الرحمن والدته وأخواته بما حدث، جن جنونهم، اعترضت والدته بشدة، وأخته الكبرى علياء والصغيرة عدن، ولكنه أخبرهم بأن الأمر حدث فجأة وهو نفسه لم يتوقع ذلك، أخبرهم بأنه كان معجب بتلك الفتاة وعندما رآها في القرية لم يصدق، لذلك فضل أن يتم عقد القران، وهو في الحقيقة لم يكن يريد أن تحدث أي ضجة في زواجه، اعترضت عدن وقالت له: بل سوف تحدث ضجة كبيرة...
في الأسبوعين قبل الزواج بدأت طقوس الاهتمام بالفتاة، أجبرتها جدتها على أن تأكل كميات كبيرة من الطعام، روتين العناية بالبشرة، كانت فاطمة مستسلمة تماماً، وتشعر بقليل من الأمل، ففكرة أنها سوف تغادر هذه العائلة ومعها أختها، كانت فكرة مريحة بالنسبة إليها، لا تعرف ماذا ينتظرها، في مدينة كبيرة وعائلة جديدة، وزوج لا تعرف عنه أي شيء، كان ذلك الموقف يتردد في ذاكرتها من وقت لآخر، عندما رأته يضم خطيبه أخاه، كان هذا الموقف كافياً لتصنفه بأنه رجل أسوأ من السيئ، ولكنه حديثه معها كان يدل على العكس تماماً، كانت مشوشة ولكن حدث ما حدث، لم يعد بيدها شيء، فوضت أمرها إلى ربها، ودعت كثيراً بأن ييسر لها ما فيه الخير..
أخبرتها جدتها بأن أختها لن تذهب معها، بل سوف تلحقها بعد فترة من الزمن، عارضت جداً، ولكن جدتها اصرت على موقفها وقالت لها: ماذا سيقول أهل زوجك والناس، أنتما زوجان جديدان، لذلك أختك سوف تبقى هنا هذه الفترة..
مرت الأيام بسرعة، تحسنت صحة فاطمة قليلاً، قلت الهالات حول عينيها ولكنها لم تختفي لأنها ما زالت لا تستطيع النوم وترى كوابيس كثيرة..
جاء اليوم الموعود، جهزو لها كل أغراضها، حضر عبد الرحمن بسيارة صغيرة معه أخاه علي وأخته الكبرى علياء..
كان منزل عائلة فاطمة هادي جداً، لم تحدث أي ضجة، كان العرس محصور على العائلة فقط وبعض صديقات فاطمة، عكس عائلة عبد الرحمن..
كان لدى عبد الرحمن شقة لوحده، في نفس الحي الذي تسكن فيه عائلته، تم تجهيزها وتريينها لهم..
ارتدت فاطمة ثوباً جميلا، فضفاضا وساتراً، ارتدت حجابها كاملا، ولكن الثوب كان أنيقا ويظهر أن عروس جديدة، وضعت لها إحدى صديقاتها بعض مستحضرات التجميل على وجهها رغم أنها رفضت في البداية ولكنها وافقت تحت الالحاح، وضعت مكياجاً خفيفا، ارتدت اكسسوارات اشترتها لها جدتها، وكعب عالي رغم أنها لم ترتده في حياتها ولكن أيضاً ارتدته تحت الاصرار لأنها قصيرة..
عندما وصلو قالت علياء متعجبة: غريب! هل هذا منزل يقام فيه فرح اليوم!
رد عبد الرحمن: فرحهم ليس اليوم، اقاموه قبل فترة
أومأت برأسها متفهمة
استقبلهم الجميع في الخارج، ذهب عبد الرحمن وعلي مع أعمام فاطمة إلى مكان الرجال، وذهبت علياء مع خالاتها إلى مكان النساء..
تناولو وجبة الغداء، ثم قال عبد الرحمن: أعتذر ولكن علينا الذهاب، الطريق طويل وسفر الليل صعب
رد جعفر ضاحكاً: نعم، هيا لتأخذ زوجتك
كان عبد الرحمن أنيقاً جداً، سعيد بما يفعله، ويتمنى أن تكون في هذه الصدفه سعادته، دعا الله كثيراً واستخار، وفوض أمره إلى ربه..
دخل إلى الغرفة التي تجلس فيها فاطمة، نظر إليها، كان تبدو جميلة جداً، عيناها اللوزيتين مع الكحل، عالم لوحده، تقدم نحوها، امسك يدها فاقشعر كل جسدها، لم يمسك رجلاً يدها من قبل، وكذلك عبد الرحمن، هو شاب ملتزم جداً، ولا يصافح النساء، فأيضاً عندما أمسك يدها شعر بشعور غريب، نظرت إليه بتعجب، فاقترب من أذنها وهمس قائلا: لا نريد أن يشعر أحد بشيء..
كان منظرهما يبدو جميلاً، تهامسن النساء من حولهما وهن يضحكن، أخذها من يدها وخرج..
أطلقت جدتها زغرودة لكي تشعر فاطمة بأنها عروس، مثلها مثل بقية الفتيات، وكذلك شاركنها خالاتها وعماتها..
بدأت طقوس الوداع، ضمتها جدتها وقد سالت العبرات على خدها، أم فاطمة فلم تبدي أي رد فعل، نظرت إلى عبد الرحمن وقالت له: هذه فلذة كبد ولدي الغالي، حافظ عليها، والله إنها جوهرة هذه الفتاة، وأنت محظوظ جداً بها..
ابتسم عبد الرحمن ثم قال: سأضعها في عيوني يا أمي
كانت فاطمة قد شرحت لأختها بأنها سوف تذهب وتأتي لأخذها بعد فترة قصيرة..
ألقت نظرة أخيرة على هذا المنزل الذي شهد سعادتها وعذابها معاً، ثم ركبت في السيارة وركب عبد الرحمن بجانبها..
ظل علي يتحدث طول الطريق ويمزح، تشاركه علياء وأحيانا عبد الرحمن، أما فاطمة فظلت صامتة، تشعر بالتوتر، تفرك يديها ببعضهما، وتفكر في ما ستؤول إليه حياتها..
قال علي موجها حديثه إلى فاطمة: شاركينا قليلاً يا زوجة أخي
نظرت إليه بارتباك فقالت علياء ضاحكة: هي متوترة الآن دعها وشأنها
علياء لطيفة جداً وواعية، هي أختهم الكبرى، والصديقة الأقرب لعبد الرحمن..
وصلو إلى منزل عائلة عبد الرحمن، ذلك المنزل الذي كانت تنظر إليه دائما من نافذة غرفتها في السكن، لم تتوقع يوماً أن يكون هذا منزل زوجها في يوم..
نزلت من السيارة فكان الاستقبال رائع، لم تتوقع ذلك، كان المنزل عامر بالفرح، الفرح الذي غاب عن حياتها منذ زمن طويل، جلست متوترة، وجلس عبد الرحمن بقربها، تجمهر الناس حولهما يقدمون لهم التهاني، ويدعون لهم بالسعادة
تقدمت عدن، والتي كانت في عمر فاطمة، فتحت فمها مندهشة وقالت: هل أنتِ فاطمة زوجة أخي، لا أصدق!
نظر إليها عبد الرحمن باهتمام فتابعت: أنا فخورة بك يا أخي، هل تعرف أن هذه فاطمة عبد الله
رد ضاحكاً: نعم أعرف، وهل هناك من لا يعرف اسم زوجته
ردت قائلة: غليظ! أقصد أنها مشهورة في المدرسة، كانت من الأوائل، وقد تم تكريمها عدة مرات
قال: حقا!
ثم تابع بثقة: وهل كان لديك شك في اختيار أخوك؟
كانت فاطمة تتجاهل كلماته، وتدعي أنها لم تسمع شيء، تنظر نحو الأرض فقط
قالت عدن لفاطمة: هل تذكرينني؟ لقد طلبت منك مرة أن تشرحين لي درساً في الفيزياء، وشرحته لي وإلى الآن لم انسه
نظرت إليها فاطمة بحرج وقبل أن ترد قال عبد الرحمن: هل هذا يوم للحديث عن الفيزياء؟
ضحكت عدن، أما فاطمة فقد كانت ترسم ابتسامات قسرية على شفتيها من حين لآخر..
التقت بكل عائلته، والدته وأخواته وكل العائلة، كان يبدو عليهم اللطف الشديد
بعد ذلك قال عبد الرحمن: هل يمكننا الذهاب الآن؟
في تلك اللحظة كان الجميع ينظرون إلى بعضهم بنظرات خبيثة وضحكات مكتومة
قالت والدته: نعم يا بني، اذهبا الآن، سوف تكونان متعبان من السفر والطريق الطويل
أومأ برأسه موافقاً، أمسك فاطمة من يدها وخرجا من المنزل، فتح لها باب السيارة، ركبت وتوجها إلى منزل عبد الرحمن..
لم يكن الطريق طويل، وصلا بسرعة، يبدو المنزل من الخارج جميل جداً، به حديقة خلفية منسقة بعناية، فتح الباب، كانت فاطمة تمشي بصعوبة، ثم في النهاية خلعت الحذاء ذو الكعب ومشت حافية، نظر إليها عبد الرحمن بابتسامة، دخلت وعاد هو لإخراج الحقائب من السيارة..
جالت ببصرها في أرجاء المنزل، كان تنسيق المنزل جميلاً، وألوانه هادئة مريحة، قالت في نفسها: ذوقه جميل
عاد بالحقائب، أخذ حقيبتها واشار إليها بأن تتبعه، كانت خائفة منه ومتوترة جداً، فجأة وجدت نفسها مع شخص يدعى زوجها في منزل لوحدهما..
فتح إحدى الغرف، قال لها بابتسامة: هذه غرفتك، وغرفتي مجاورة لها، إن احتجتي لأي شيء فلا تترددي
أومأت برأسها موافقة
اقترب منها ثم قال لها: كوني على ثقة بأنني لن أخون وعدي لك مهما حدث، وأريد أن يكون هذا المنزل هو أمان وملاذ بالنسبة إليك، تصبحين على خير..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي