الفصل السابع

كانت فاطمة تجلس مع سحر تراجعان دروسهما، جاءت طيف مارة بجوارهما، قالت بسخرية: الحناء إذا لم نضعها مرتين، لا يصبح لونها غامقا وجميلا، وكذلك الصف الثالث..
قالت سحر بتعجب: تقصدين إعادة السنة؟
ردت طيف: أجل، بالعادة في السنة الأولى لن أحرز درجة عالية مهما اجتهدت، لذلك تصالحت مع فكرة أنني سوف أعيد السنة
قالت فاطمة: إذن هنيئا لك سنتك الثانية، أما بالنسبة إلينا فهي سنة واحدة فقط لا غير، سوف نحرز درجات عالية، ونذهب إلى الجامعة
نظرت إليها طيف بغضب فتابعت قائلة: لم أقصد أن أسخر منك، ولكن أنا أعرف أن المهزوم من الداخل، سوف يظل مهزوم مهما توافرت أسباب نجاحه، والمنتصر من الداخل سوف ينتصر مهما وجد من معرقلات!
أنت صدقتِ بأنك لن تنجحي في السنة الأولى، رغم أن هناك الكثير من الناس نجحو! فقط انظري إلى قائمة الشرف في مدرستنا هذه، جميعهن طالبات أحرزن نسب عالية جداً ومن أول سنة! من جد وجد ومن زرع حسد..
كانت طيف تنظر إليها ببلاهة، فتابعت قائلة: هل تعرفين أن سرعة العزال تبلغ تسعين كيلو متراً في الساعة، بينما سرعة الأسد تبلغ ثمانية وخمسين كيلو متراً في الساعة، ومع ذلك تقع الغزالة فريسة للأسد، لماذا يا ترى! بسبب الخوف والانهزام من الداخل..
ألم تسمعي بقصة الطبيب سقراط؟ عندما سمات الملك، الطبيب الأول، جاء طبيب آخر واعترض على هذا اللقب، وقال لماذا سقراط! فطلب منه الملك أن يثبت أنه الطبيب الأول بدلاً عن سقراط
فقال أنه كلاهما سيحضر سماً يشربه الآخر، ومن يعالج نفسه أولاَ، هو من يستحق لقب الطبيب الأول، فوافق سقراط
بدأ كلاهما بالتحضير، بدأ الطبيب بتحضير السم، وطلب سقراط من رجاله أن يدقو الماء على مسامع ذلك الطبيب لمدة أربعين يوماً، ظل أربعين يوماً يسمع صوت السم الذي يحضر له، وعندما جاء وقت التحدي، شرب سقراط السم الذي حضره له الطبيب، فأصفر وجهه، وأصابته الحمى وتعب ولكنه أستطاع معالجة نفسه بعد ساعة، أما الطبيب، فعندما شرب السم الذي حضره له سقراط وقع صريعاً على الفور..
قال سقراط للملك، لم يكن هذا سماً، بل هو ماء عذب، وسوف أشرب منه أمامك لأثبت لك ذلك، فشرب منه..
سأله الملك كيف حدث ذلك، فقال له: أنا لم أقتله، ولكن قتله وهمه وخوفه..
لذلك باختصار يا طيف، حاولي أن تغيري فكرتك هذه، لأنها ستقضي عليك..
قالت سحر بدهشة وهي تصفق: فخر العرب! من أين تتعلمين هذه الأفكار؟
ردت فاطمة بابتسامة: الحياة! أكبر معلم
نظرت إليها طيف بنظرة غير مفهمومة ثم غادرت دون أن تتفوه بكلمة…
كانت فاطمة شاردة، سألتها سحر: لا يعجبني وضعك هذه الأيام
قالت فاطمة: أخبرني والدي بأنه مريض، قال أنه مصاب بإلتهاب الدم، كان صوته متعباً جداً، لا أشعر بالارتياح، أريد رؤيته
ثم نزلت دموعها، ضمتها سحر ثم قالت: حسناً، اذهبي في عطلة نهاية الأسبوع
ردت فاطمة: سوف أذهب بالتأكيد، إن شاء الله، اشتقت إليهم جميعاً، مرت ثلاثة أسابيع، لم أرهم فيها
قالت سحر: الحمد لله على نعمة أن منزلي قريب، أسافر كل أسبوع، أو في نصف الأسبوع لا مشكلة أبداً، سآخذك معي في يوم، ما رأيك؟
ردت فاطمة: سنفكر في هذا الأمر لاحقاً، الآن دعينا نكمل حل هذا التمرين
-------
على جانب آخر:
كان أحمد جالساً بالقرب من عبد الله والد فاطمة، يبدو عليه الحزن، قال له عبد الله: أحمد يا ابني، أنت الوحيد الذي أثق فيه، فاطمة أمانة عندك، لا تتركها وحيدة، كنت أتمنى أن أزوجها لك بنفسي، لكن..
قاطعه أحمد قائلا: لا تقل هذا يا خالي، سوف تزوجها لي بنفسك، رجاء، لا تجعل هذا المرض يهزمك
ابتسم ثم قال: المهزوم حقاً هو من هزم من الداخل، أخبرتني فاطمة بحديث دار بينها وبين صديقتها، وفي الحقيقة، كنت أنا أكثر من يحتاج إليه.. لن أستسلم للمرض، ولكن سأفعل من علي، أريد أن تعيش ابنتي في أمان من بعدي إن مت..
-------
بعد أن خرج أحمد من عبد الله، ذهب إلى مكان بعيد، كان غاضباً ومتوتراً، ماذا سيفعل في هذه الورطة، عبد الله يريده أن يتزوج من فاطمة، ولكن في قلبه فتاة أخرى، تعرف عليها أثناء دراسته في الجامعة، ووعدها بأن يتزوجها، كان سيخبر عبد الله بذلك، ولكن المرض الذي باغته جعل موقفه صعباً جداً، لن يستطيع أن يخزل عبد الله، ولن يستطيع أن يترك فتاته، ماذا سيفعل! موقفه صعب..
ركل التراب بقدمه، وصرخ بأعلى صوته، مروءته وحبه، مع أي طرف سوف يقف، يعرف أن عبد الله إن قضى عليه المرض، فسوف تكثر الذئاب من حول فاطمة، ابنة خالته التي كان يحبها جداً، وإن تركها فلن يسامح نفسه أبداً، وفي نفس الوقت، ماذا بخصوص تلك الفتاة التي انتظرته كثيراً! كانت ترفض كل رجل يطلب الزواج منها، تنتظر أحمد لكي يعمل ويكون نفسه ثم يأتي ليطلبها من أبيها، لن يستطيع خذلانها هي الأخرى، كانت دوامة من الأفكار تنخر رأسه، ماذا ستفعل يا أحمد! وكيف ستختار بين أمرين أحلاهما مر!
------
في ذلك اليوم، ذهب الجميع وظلت فاطمة ماكثة في المدرسة حتى وقت متأخر لتدرس، فالمكان هادي بعد نهاية اليوم الدراسي، شعرت بالتعب الشديد والإعياء، فقررت أن تعود، أثناء سيرها بالقرب من الطريق العام، شعرت بدوار شديد، كل الأشياء من حولها تدور، فأغمضت عينيها بقوة، وجلست على الأرض في منتصف الطريق
سمعت صوت فتاة تتحدث معها، قائلة: هل أنتِ بخير؟
فتحت عينيها ببطء، كانت الرؤية مشوشة، نظرت إلى الفتاة، فوجدت الفتاة تنظر نحوها بقلق، قالت لها فاطمة: أشعر بالدوار، رأسي يؤلمني بشدة، وجسدي أيضاً
ساعدتها الفتاة على النهوض، استندت عليها حتى جلست على كرسي قريب تابع لبائعة شاي في الطريق، أحضرت لها عصيراً، فشربته وشعرت ببعض التحسن
كانت فتاة يبدو أنها في منتصف العشرينات، جميلة جداً، نحيفة وطويلة، ابتسامتها جذابة، ووجها مريح، قالت لفاطمة: هل تتعبين نفسك كثيراً في الدراسة؟
ردت فاطمة بصوت متعب: ليس كذلك، ولكنني لم أتناول طعاماً منذ الصباح
سألتها الفتاة: لماذا؟
ردت فاطمة: كنت مستاءة، أشعر بالقلق على والدي، هو مريض، قال أنه تحسن، ولكن قلبي يخبرني بغير ذلك، أريد رؤيته ولكنني لا أستطيع الآن، بسبب المدرسة والدراسة
قالت الفتاة بابتسامة: والدك لن يرضى عنك إن رأى حالتك هذه، سوف يزداد مرضاً، لذلك اهتمي بنفسك، لكي تحرزي معدلاً عالياً، وترفعين رأسه يا حضرة الطبيبة
ضحكت فاطمة، كانت هذه جملة والدها
قالت : اذهبي في عطلة نهاية الأسبوع، واطمئني عليه
ردت فاطمة: سوف أفعل، ولكن كيف سأصبر..
قالت مواسية: سوف يكون بخير، لا تقلقي
ثم تابعت بمرح: أنا شهد، مهندسة، أعمل في موقع قريبا من هنا، بما أنك وحيدة في هذه المدينة، ما رأيك أن تكوني أختي الصغيرة، ارتحت إليك، ما اسمك؟
فرحت فاطمة كثيراً، الفتاة لطيفة جداً، وملامحها هادئة ومريحة قالت: بالطبع، اسمي فاطمة
ردت شهد: تشرفنا يا فاطمة، كيف حال الدراسة معك؟
تحدثت معها حتى شعرت ببعض التحسن، تبادلتا أرقام الهواتف، ثم غادرت كل منهما إلى طريقها
-----
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي