16

الفصل السادس عشر:
( زواج الأسطورة كيم مولان)

كان قصر الكونت(إيرل شوانوو) يضم قصراً كبيراً وقلعة منفصلة تبعد عنه عشرين ميلاً من مدينة شوانوو، لذا لم يتواجدا في قلب المدينة.

كان شين يحدق بالقلعة من مسافة بعيدة، ويتأمل تصميم المكان الجميل والمتقن، ارتعش قلبه كونه فتى قروي بسيط ومن المستحيل رؤية أو دخول قلعة كهذه لولا حيلته التي اتبعها، لأن هذه القلعة لا يدخلها سوى النبلاء.

وعائلة شو كانت تعتبر من العائلات القوية والنبيلة في مدينة شوانوو، ومع هذا فلم يُسمح لهم بدخول القلعة سوى مرتين أو ثلاث مرات في كل عام، وكان يستقبلهم في كل مرة الخادم فقط.

إن منزل عائلة شو كبير للغاية، كما أنهم أغنياء بما فيه الكفاية، ومع هذا لا يمكن مقارنة منزلهم بمنزل إيرل العظيم.

إيرل هو والد كيم رغم أن حقيقته مختلفة تماماً، ولم يكن من النبلاء في الأصل.

فقبل عدة مئات من السنوات الماضية، حينما كان إيرل السلطة العليا الوحيدة، كان  يملك أكثر من خمسة آلاف كيلو متر مربع من مساحة الأراضي، ولكن في وقت لاحق، حصلت بعض الاضطرابات السياسية، التي استمرت لمدة من الزمن، وتشكل على خلافها الإمبراطورية العظيمة يان التي عملت على إصلاح هذه الاضطرابات، لذا أصبحت أرض إيرل أصغر بكثير مما كانت عليه.

ولكن مع ذلك، فإن إيرل شوانوو لا يزال الحاكم الأعلى لمدينة شوانوو.

فقد غطى قصر إيرل أكثر من ألف فدان، وقد كان له حقوله ومزارعه وبساتينه ومصانع النبيذ وما إلى ذلك.

يقع القصر على قمة جبل يبلغ ارتفاعه مائتان أو ثلاثمائة متر ويمتد عرضه بأكثر من مائة متر، وجدرانه سميكة ومتينة أكثر بكثير من سماكة جدار مدينة شوانوو، كما أن الحماية والجيش المتمركز للدفاع عن القصر أقوى من المتواجد في المدينة أيضاً.

لذلك إذا اندلعت حرب وسقطت مدينة شوانو، فهذا لن يؤثر على قلعة الكونت المحصنة، ولكن لو حدث العكس وسقطت القلعة ذات الحماية المضاعفة، فستكون شوانوو هالكة بالتأكيد.

في هذا الوقت، دخل شين بوابات القصر للمرة الأولى منذ وجوده في هذا العالم، حيث كان بإمكانه رؤية عراقتها على مدار مئات السنين التي مرت بها من خلال كتب التاريخ، فقد كانت من أغلى وأجمل المباني في مقاطعة نوجيانغ

خلعت أميرة شوانوو(كيم) الدروع الفضية التي ترتديها عن جسدها، وبقيت برداء مصنوع من جلد الثعبان الذي يلتصق على جسدها الرشيق والجميل.

لقد مارست فنون الدفاع عن النفس على مدار السنوات، لذا كان جسدها الرشيق والمتناسق بقوامه والقوي مهيئ للقتال، حيث أنها كانت أطول من معظم الرجال ولا يوجد أحد يضاهي قوة قدميها، لقد كانت مثال للقوة والجمال الصارخ بالفعل، وحتى الناس لا يستطيعون النظر إليها بشكل مطول بسبب هيبتها.

خلعت بذلة جلد الثعبان، ثم دخلت إلى الحمام، حيث أن الشيء الأول الذي تفعله في كل مرة تأتي بها للمنزل، هو أخذ حمام ساخن.

بعد انتهائها من الاستحمام، ارتدت ملابس رجالية، ثم ذهبت لتحية والديها.

فقد كانت تحب ارتداء ملابس الرجال، لأنها تشعرها بأنها أكثر  قوة وجاذبية وجمال،

ثم انحنت كيم مولان قائلة:"تحياتي لكما أبي وأمي"

لم تكن المكتبة في منزل إيرل كبيرة وضخمة كما يتوقعها الغرباء، بل كانت بسيطة للغاية، ولكنها تحتوي على كل ما يحتاجه المرء لتعزيز معرفته وثقافته إضافة للترتيب المنظم والأنيق للكتب، فقد حُفظت بأمان هنا لمئات السنين والذي خلدها التاريخ لأكثر من مئة عام، أنه أمر عظيم بالفعل.

لقد كان الكونت إيرل في الخمسينات من عمره، وهو رجل ذو مظهر ومبسم حسن ومزاج لطيف، لذا كان يخطف قلوب الناس بسهولة.

إضافة إلى أنه متفوق في فنون الدفاع عن النفس وأقوى من غيره بكثير، على الرغم من أنه في معظم الأوقات لا ينام وبجانبه سيفه مثل بقية الملوك، بل بدلاً من ذلك، كان لديه كتاب يحمله في يده على مدار السنة.

أنه رجل رفيع المستوى، وذو نفوذ كبير، ولكن نادراً يرتدي الحرير الفاخر، بل كان يرتدي ملابس مصنوعة من القطن أو من الكتان، ونادراً ما يرتدي الذهب والفضة، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يفارقه هو قطعة من مجوهرات اليشم النادرة والتي تكون دائماً مربوطة حول خصره.

سأل إيرل:"آه، يا ابنتي العزيزة، لقد عدتِ، هيا أخبريني كيف كانت جولتك هذه المرة؟"

أومأت كيم برأسها قائلة:"كانت جيدة، على الأقل لم أتسبب في فقدان بعض الجنود"

ابتسم إيرل شوانوو وقال: "هذا جيد، لقد أبليت حسناً كيم."

ثم نظر إلى ابنته بعيون مليئة بالمشاعر والحب، وتنهد وهو يتحدث بهدوء:"إن أخاكِ الصغير عديم الفائدة، وهو لا يملك حتى ثلث موهبتك العسكرية، لذا أنا خائف من عدم وجود خلفاء لي يرثون عرشي، للأسف."

قالت كيم مولان: "أبي، هل الوضع سيء للغاية؟"

شعر إيرل بالاختناق، ثم قال:" أن الأمر سيء للغاية، لأن إمبراطورية يان العظيمة بدأت تُنفذ سياستها الجديدة والتي ستؤثر على أراضيها، وبلدي ليست مستثنية من هذه القرارات، إن إرادة الملك واضحة بحيث أن الجديد سيحل محل القديم، أي سيتم تجريد النبلاء القداماء أمثالي من قوتهم العسكرية الإقطاعية الواحد تلو الآخر، وكل الأرستقراطيين أمثالنا، ابنتي العزيزة، سينتهي بنا المطاف للاشيء، ففي مثل هذه الأوقات المضطربة، حينما يكون وريثي غير كفء لدرجة أنه لن يقوم بشيء سوى تدمير كل الأسس التي عملتها عائلة جين منذ مئات السنين، فكيف سأواجه أسلافي بعد الموت؟"

وحينما تذكر هذا بدأ يصر على أسنانه، بحيث تغلبت عليه مشاعر الغضب الشديدة فجأة.

قالت كيم:" أبي، سأكون معك دائماً، ولن أدع عائلة جين تسقط ما دمتُ على قيد الحياة."

لم تكن تتفاخر، أنها في الواقع أساس منزلهم، فقد كانت الركيزة الأساسية لوالديها، لذا هي أعظم فخر لهما.

ولكن كان على المرأة أن تتزوج في النهاية، وهي تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً وفي سن الزواج.

ولكنها قالت بهدوء:"أبي، ابنتك لن تتزوج أبداً في حياتها، لذا سأبقى في المنزل وأعمل على مساعدة أخي الصغير وحماية أساس عائلتي الذي أستمر لمئات السنين، وكل شخص يرغب بالزواج مني سيكون بمثابة عدو لعائلتنا لأنه يريد بالفعل أن يرى عائلة جين مدمرة."

أصبح جو الغرفة مليء بالصمت والكثير من النظرات الحزينة، لأن تضحية ابنتهم كبيرة بالفعل، وحتى الكلمات التي تدل على الإطمئنان لم يتمكنوا من نطقها.

بعد مرور القليل من الوقت حاول إيرل تغيير الموضوع، قائلاً:"حينما عدتِ من رحلتكِ، سمعت بأن أحد الفرسان قد أصاب شاباً، هل هذا صحيح؟"

"نعم."  قالت كيم مولان.

قال إيرل شوانو: "ابذلي قصارى جهدك لشفائه، ثم قومي بإرسال مبلغًا من المال لعائلته، خاصة في هذه الظروف الصعبة، حيث أن عائلتنا تحتاج إلى سمعة طيبة."

فجأة، تردد صوت الخادم من الخارج: "سيدي، لقد طلبت الطبيب آن للمساعدة".

"دعه يدخل"  إيرل شوانوو.

وسرعان ما دخل رجل مسن، أنه أحد الأطباء الثلاثة في قصر إيرل، حينما أعادت كيم (شين) إلى منزلها، كان هذا  هو الطبيب الذي أُمرَ بعلاجه.

انحنى الطبيب محيي، ثم قال:" لقد استيقظ الشاب لتوه، وإصابته لم تكن خطيرة، لذا يمكنكم أن ترتاحوا."

تنهدت كيم قليلاً، ثم قالت:"ألم يضرب بقوة حقاً؟"

"هذا جيد."  قال إيرل شوانو

ولكن هل كان من الضروري إعلامه بهذا الشيء الصغير التافه؟ كان كافياً أن تتعامل معه مدبرة المنزل أو الخادم الشخصي.

قال الطبيب (آن زايشنغ): "بعد أن استيقظ الشاب أخبرني بأنه يريد التحدث مع السيد إيرل".

رفع إيرل حاجبيه ووسع عينيه متعجباً:"هل شاهدني ذات يوم، وهل هو جاهل بقوانين السلطات العليا؟ لم يتجرأ مسؤولوا مدينة شوانوو على التصرف بوقاحة وطلب مثل هذا الطلب، فكيف يطلبه شخص عادي؟"

قال الطبيب: "لقد قال لي بأن هناك شيء مهم جداً يجب أن يخبرك به سيدي، وهو متعلق بزواج الآنسة كيم".

عندما سمع هذه الكلمات عقد إيرل حاجبيه، ثم قال:"حسناً، إذ لم يكن في حالة سيئة، أحضره إلى هنا"

لم يكن شين مصاباً حقاً لدرجة خطيرة ولكن كانت عظامه وعضلاته تؤلمه، لذا كان المشي صعب عليه في الوقت الحالي، ولكن هذا بسبب بقائه مستيقظاً طوال الليل بسبب توتره، لذا كان وجهه شاحباً وأبيض قليلاً.

بعد وصوله لغرفة المكتب، انحنى شين، ثم قال:"هذا الطالب يحيي إيرل شوانوو"

لقد ولد في مدينة شوانوو، وربما سيكون صهر إيرل في المستقبل، من الصواب أن ينحني بدافع الاحترام فقط، لأنه في العالم الحديث الذي آتى منه لم يكن ينحني أمام أي شخص حتى ولو كان الرجل الذي أمامه والد زوجته المستقبلية.


في البداية لم تكن ملامح إيرل ودودة له، ولم يوجه اللوم على عدم احترام شين له، وحينما وقعت عيونه على وجه شين دُهش وأذهله جماله.

"إنه شاب جميل جداً، ومن النادر أن تجد مثل هذا الوجه في هذه البلاد" تحدث إيرل مع نفسه.

ثم تساءل إيرل:"هل أنت طالب علم؟ وماهي رتبتك؟ فأنا أعرف كل فناني الدفاع عن النفس في مدينة شوانوو، ولكنني لم أسمع باسم شين لانغ."

احمرت خدود شين وشعر بالاحراج الشديد، ثم قال:"هذا الطالب المتواضع الذي يقف أمامك ينحدر من مدرسة هانشوب تاون"

في الأرض الحديثة كانت مدرسة هانشوب تاون هي مدرسة لتعليم المراحل الأولى لمستويات الصف الابتدائي، لذا شعر شين بالخجل لأن مثل هذا النوع من التعليم يشعره بالخزي، حيث أن النقطة الأساسية التي تجعلها يشعر بالعار، هو أن شين من هذا العالم لم يتخرج من المدرسة، بل تم طرده مباشرة بسبب غبائه الشديد.  


عبس إيرل شوانوو، ثم قال:"إن لم تتخرج، فبماذا والديك فخورين بك؟ هل هم معجبين بجمال بشرتك الرقيقة والناعمة، ويقومون بإفسادك لهذه الدرجة؟ يا لها من خيبة أمل حقاً، إن هذا عمل هذا غير مسؤول.

ثم نظر إلى شين بإزدراء، وتذكر ابنه لأنه كان جاهلاً وعديم الفائدة إلا أنه أفضل حالاً من شين.

ابتسم شين بهدوء، حيث أنه شعر بأن إيرل يعتبر نفسه مسؤول عن كل شعب شوانوو، لذا ألقى اللوم عليه بأن عليه التخرج نيابة عن والديه، لذا لم يغضب شين منه بل شعر بشعور جيد تجاهه.

"لقد أُصبت من قِبل أحد فرساننا، هل صحتك بخير؟" سأل إيرل

شين: "جسدي بخير، ولكن هناك آلام في عظامي وعضلاتي قليلاً".

إيرل:"حسناً، قلت بأنك ترغب بالتحدث معي بشأن أمور زواج ابنتي، هل هذا صحيح؟ هيا قل ما لديك"

أومأ شين برأسه، ثم قال:"سمعت بأن عائلة تشو تريد التوافق معكم لتطلب يد الآنسة كيم من إيرل شوانوو، وهذا الأمر سر، وتقريباً لا أحد يعرف به بعد."

خلال ذلك الوقت، تغير وجه الكونت فجأة بشكل كبير.

صُدم إيرل وتغيرت ملامحه.

تحدث إيرل بصدمة: "عائلة تشو؟ هم كبار الشخصيات في مقاطعة تيانان، هذا غير أن الحاكم والجنرال في الجنوب ينتمي إلى عائلة تشو، وبمجرد زواجه من كيم لن يكون هنا من سيحرس قصر إيرل؟ لذا من سيقود الجيش الخاص بعائلة جين حينها؟"

ثم صرخ غاضباً:"شخص ما يريد نزع جذور عائلة جين الخاصة بي لكسر أعمدة مؤسستنا التي بنيناها منذ مئات السنين."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي