2

الفصل الثاني

-يا للدهشة، كل هؤلاء المشاركين! تباً، كان يجب أن أحضر الكاميرا الخاصة بي.

أجل إدجار، إنه خوليو، الفتى المزعج مجددًا والذي يتحدث بحماس شديد.

"صوت هذا الفتى مزعجٌ كالألم في المؤخرة"

خاطب إدجارنفسه وهو ينظر إلى خوليو الذي لم يبتلع لسانه في حلقه، وكان يتمنى لو أنه يستطيع لكمه في وجهه.

-انظر إلى هذا العدد المَهيب، أظن أنها ستكون مسابقةً صعبةً، والجميع يبدون كالمقاتلين.

تلاقت أنظار الاثنين معًا بينما كان خوليو يحاول أن يكمل كلامه:
-وأنت أيضًا، تبدو كبطل حربٍ، ياللروعة!

-فقط اخرس يا نقار الخشب.

-أنا!

-أجل أنت.

-حاضر سيدي.

-توقف عن الابتسام كالأبله وأغرب عن وجهي، يا لك من ثرثار!

حرك إدجار كفه إلى الأمام دلالة على الطرد، فابتلع الآخر كلماته وهو ينسحب قائلًا:

-حسناً.

وابتعد خوليو مطأطئ الرأس ثم توجه إلى بقعةٍ ليست ببعيدةٍ، حيث وقف إلى جانب بعض الشبان في مثل سنه.


بعد أن قام إدجار بتسجيل اسمه قرر أن يأخذ قيلولة كاستراحة له من الملل، يفرغ على الضوضاء من حوله صبرًا ريثما تبدأ المسابقة وينتهي من كل هذه المعمعة من حوله.

يريد أن ينفرد في البرية مع أصوات الحيوانات وحفيف الأشجار، و أن يجلس في قاربٍ صغيرٍ وسط نهرٍ لا ينفذ منه الصيد، كما يريد أن تختفي كل الحناجر المختلفة بأصواتِ البشرِ المزعجة والتي تبدو له كضجيجِ مدينةٍ مزدحمةٍ بالشاحنات.

بعد ساعةٍ، أبعد إدجار سترته عن وجهه ثم قلبها خلف ظهره وارتداها على الفور، وقد شعر أن عظامه تؤلمه بسبب هذه الغفوة على ذلك الكرسي الصغير، وبعد أن تفقد الأجواء أدرك أن السّفينة قد أبحرت.

نهض من مكانه ينظر في الأفق، حيث علم أنه أصبح في منتصف البحر، وبعد أن تأمل الغيوم في السّماء خاطب نفسه:
"شعورٌ سيءٌ، ربما هناك عاصفةٌ قادمة."

لا يا إدجار، إنّ القادم ليس عاصفةٌ فقط، بل إعصارٌ، سوف يغير حياتك للأبد.

أنت تُبحر إلى دوامة قد تبتلعك قبل أن تُدرك ذلك حتى، أنت وكل من معك في باخرة الموت هذه.

نظر إلى يساره؛ ليقع بصره على خوليو الذي كان يتحدث بصوتٍ عالٍ برفقة بعض الشبان ولم يكن من المفاجئ أنهم لا يُبدون البلاهة مثله، فخاطب نفسه:
"اختيارك خاطئ يا فتى"

هل كان يجب عليك أن تسمح له بالبقاء معك؟ لا، ما الذي قد يحدث له؟ أقصى ما يمكن أن يفعلوه هو سرقة غنائمه؛ عندها سيعود خال الوفاض، لن يحدث له أمر سيء فلتبتعد عن المشاكل وكُن ذكيًا لا أحمقًا، كما كنت في السابق.

أفرجت شفتي إدجار عن بعض الكلمات:
-لن يصيد أرنبًا.

-من؟

ها هي مزعجة أخرى، لا تنظر إليها، فقط اجعلها تغرب عن وجهك أيضًا، ادفع المزعجين عنك بعيداً.

نظر لها بزاوية عينيه دون أن يكلف نفسه استدارةً بسيطةً:
-ومن أنتِ؟

شعر إدجار أنه أخطأ عندما سأل؛ فبسبب سؤاله هي تحدثت مجددًا:

-أنا اسمي جنجر، جئت أسألك إن كنت بمفردك.

-أجل أنا كذلك.

-عظيم، هل ربما قد ترغب بالانضمام لمجموعة؟ و..


وقبل أن تكمل عرضها، قاطعها إدجار طاردًا لها:
-لا، اذهبي بعيداً.

قال ذلك محركًا رأسه بنبرةٍ باردةٍ جعلتها لا تتحدث بعدها.

عادت المسكينة "جنجر" بوجهٍ مُحمرٍ إلى صديقتيها، وبعد أن قالت ما حدث معها، صرخت ذات الشعر الأسود المرفوع، وهي تتجه صوب إدجار.

-أنت، أيها الوغد!

التفت إدجار على صوتها، لكنه لم يكن الوحيد الذي فعل ذلك، تبًا، لابد وأن كل الأوغاد التفتوا عندما صرخت بتلك الجملة.

رفعت إصبعها أمام إدجار وأكملت:
-أجل أنت.

ثم وقفت أمامه وفارق الطول بينهما كان واضحًا:

-أجل، أنا أحدثك أنت، اسمع يا هذا، نحن لا نريدك حبيبًا لإحدانا، وفقط كونك تمتلك ندبة مجرم على وجهك، هذا لا يعني أن تتصرف وكأنك صعب المِراس.

تقدمت جنجر ثم همست قرب رأس الأخرى:
-اصمتي يا كلوديا.

ضاعفت "كلوديا" صراخها:
-لا، إنه يستحق.

سألها إدجار بنفاذ صبر:
-ماذا تريدين؟

ردت كلوديا وانفعالها كان يزداد مع كل كلمة تخرج من فمها:

-لا شيء، هذا هو كل ما يأتي من شخص مثلك، كان يمكن لك أن تكون ألطف أيها الوغد المتعالي، نحن لا نحتاجك فليكن هذا في علمك.

أضاف إدجار دون اكتراث:
-جيد.

ثم التفت أمامه كما لو أنها لم تكن موجودة.

كلوديا عزيزتي موتي غيظاً، هذا الرجل أبرد من الجليد، اذهبي والعبي مع شخصٍ آخر، لا تتصرفي وكأنكِ آخر فتاة في هذا العالم الكبير ، وإن كنتِ كذلك بالفعل فإدجار هذا مازال لا يُعيرك اهتمامًا.



عادت كلوديا برفقة جنجر إلى مكانهما، فبدأت الثالثة بالضحك مما جعل كلوديا تعاتبها:
-ما الذي جعلك تضحكين هكذا يا سوزان؟

-يا فتاة، أنا أعرفكِ منذ دهر، أنت لم ترِ وجهك عندما قال "جيد"، تباً له على ذلك ولكن الأمر بدا مضحكًا.

وضعت "سوزان" ذراعها على كتف جنجر مسترسلةً وراحت تنظر إلى إدجار:
- أتعلمون ماذا؟ أنا أظن أن الرابح الوحيد ودون منازع هو ذلك الرجل، ونحن سنكون مجرد خاسرات.

مسحت جنجر جبهتها بتوتر خوفًا من نظرات كلوديا لسوزان، لترد قائلة:
-سوزان! التفاؤل بشأننا سيكون جيدًا مع الأيام القادمة، ما الذي يجعلكِ تقولين هذا؟

-لأنه لا يهتم؛ المُهتمون يخسرون دائمًا.

-ليس دائمًا.

-نحن نخاف، ونحتاج إلى شخصٍ لا يهمه كم نحن جميلات، حتى لا يستغل الوضع، هل فهمتي؟

شعرت جنجر أن كلام سوزان سخيفٌ جدًا ومبالغٌ فيه، كما بدت لها كلوديا تمامًا، هذه واحدة أخرى تظن أنها القطعة المميزة على الطاولة، فتاةٌ لم تتخطَ العشرين عامًا من عمرها وما يزال الغرور يتدفق في دمها، وهذا يبدو طبيعيًا.

هزت كلوديا رأسها ويدها معًا ترفض محاولة سوزان في إقناعها وهي تقول:

-لا، لا، نحن لا نحتاج إلى شخصٍ كهذا، سوف نتدبر أمرنا، وأيضًا نحن لا نعرف أحدًا هنا ولا يمكن أن نثق به أو بأي شخص آخر على الفور.


ابتسمت جنجر بعد دهشة:
-ولكن نحن أيضًا لم نكن نعرف بعضنا! أنا أعني أنتما صديقتان قديمتان وأنا جديدة، نحن نعرف بعضنا منذ أيام فقط، هل هذا يعني أنك لا تثقين بي؟

أجابت كلوديا:
-يا فتاة، ما هذا السؤال؟ بالطبع أنا أثق بك لكنه أمرٌ مختلفٌ، فهو رجل.

ابتسمت جنجر برضا وامتنان:
-شكرًا لك، سوف أقوم بحمايتكما، هذا وعد.

أمسكت جنجر كف كل واحدة منهما، واتفقت الفتيات الثلاثة على عدم التخلي، والتحلي بالأمانة والصدق والابتعاد عن الغش والخلافات.

جميلة هذه الوعود؛ تعطي الحماس والفرح، كاعتراف حب أول يجعلك تحلق في السماء، لكن النهاية غير معروفة.


مرت ثلاثة أيام على التوالي والرحلة في الباخرة ما تزال مستمرة، ورغم تقديم أفخم أنواع الطعام والمشروبات بالإضافة لمقصورات المبيت إلا أن بعضهم بدأ يشعر بالضيق، أو فلنقل "أحدهم" والذي هو عزيزنا إدجار، الوغد الكبير.


والذي شهد الكثير من النزاعات بين المشتركين، لكن لا حياة لمن تنادي، ها هو الآن يمر من فوق اثنين ويكاد الذي في الأعلى يخنق الآخر بين يديه، لقد كانت أنفاسه على وشك الخروج، وما الذي فعله إدجار؟ هو فقط رفع قدمه ومر من فوقهما وهو يحتسي مشروبه مباشرةً من فم الزجاجة.


ما يفعله يُشعره بالرضا التام عن نفسه، لا يستاء ولا يخالجه أي تأنيبٍ للضمير، يعلم حق المعرفة أن ما يفعله هو الأمر الصحيح وأن التدخل بينهم مجرد غباءٍ لا فائدة منه.

وبمجرد أن ابتعد إدجار وصل عدد من الرجال من أجل فصل الرجلين عن بعضهما، بينما تتهامس الحناجر في ظهره.

أجل، لقد سمع كلمة "وغد" كثيرًا في حياته لدرجة أنه لا يستطيع عدها.

هو لا يهتم لهرائكم هذا يا سادة، فقط تابعوا ما كنتم تفعلونه ودعوه وشأنه بحق الإله.


نطق إدجار بعد أن ألقى الزجاجة على الأرض:
-أكياس قمامة.


نعم إدجار، هم كذلك وأنت الشخص الوحيد النظيف وبرائحة منعشة.

دخل إدجار إلى المقصورة الخاصة به، كان في داخلها سريرٌ مُفردٌ مع ثلاجةٍ صغيرةٍ ومنضدةٍ ومرآةٍ على الحائط، مع باب يأخذه إلى الحمام.

فتح صنبور المياه ونزلت على يده المياه الساخنة، كان يفكر بالاستحمام لكنه كان يحتاج سببًا مقنعًا لفعل ذلك، حيث رفع ذراعه واشتم رائحة إبطه، وعندها تعابير وجهه لم تكن سعيدة.

وأخيرًا، لقد وجد سببًا لكي يحصل على حمامٍ ساخنٍ وممتع.


بعد أن انتهى إدجار من حمام النظافة، خرج من الباب وهو يلف منشفة حول خصره، نظر إلى ظهره في المرآة وضيق عينيه على تلك الندوب المحفورة.

تسللت الذكريات إلى ذهنه وراح يغمض عينيه ويفتحهما كلما ومضت ذكرى بديلة عن التي سبقتها، كان صوت السكين حادًا وهو يخترق جلده، يسمعه جيدًا في أذنه وكأنه يحدث الآن.

ابتعد عن المرآة ولم ينظر إلى وجهه حتى، بل إن صح التعبير أكثر هو لم يشأ النظر إلى وجهه أو يلمحه؛ فالملامح التي يراها تشعره بحزن كبير، وفي داخله غضب كبركان مضمور، لا يعلم متى سوف ينفجر، ولا أحد يعلم.


يتمنى إدجار لو أن العالم يدعه وشأنه، يتمنى ذلك حقًا، لكن الأماني لا تتحقق، فها هي النقرات على باب مقصورته تعطيه شعورًا بعدم الراحة والسلام.

لقد جاء متطفلٌ آخر، وبالنظر إلى الوقت الحالي يبدو أنك أخذت غفوة في حوض الاستحمام والذي لم تنظفه خلفك بعد.

لا تقف هكذا، ارتدي ملابسك القديمة ذات الرائحة العفنة ثم افتح الباب، أو يمكنك أن لا تفتحه، دع الطارق يتعب ولا يجد منك ردًا.

وصل صوت الطارق إلى مسامعه:
-سيدي، هل أنت هنا؟

لم ينبس إدجار بأي حرف للرد عليه، هو فقط توقف مكانه دون حراك.

-سيدي، أنا أعتذر على هذا، ولكن إن لم تعطني ردًا فهذا يعني أنها حالة طوارئ؛ لذا سوف أدخل بعد العد.


لم يكن اقتحام الغرفة شيء يريده إدجار، فرد بعد تردد:
-أنا هنا، ماذا تريد؟

-أنا جئت لكي أتأكد من أنك قادم إلى الحفلة على سطح الباخرة يا سيدي.

-حفلة؟

-أجل.

-لن أحضر.

-حسناً، أنا هنا لكي أخبرك أن الحضور إلزامي، قد يتم إقصاؤك في حال لم تأتِ.

-يتم إقصائي من ماذا؟

-من المسابقة.

-نحن لم ندخل في المسابقة بعد.

-لقد بدأت منذ أن أبحرت الباخرة.


ألقى إدجار المنشفة الصغيرة جانبًا لتتساقطت قطرات الماء من أطراف شعره نزولًا إلى وجهه وكتفيه.

تساءل في داخله وهو ينظر إلى الفراغ ويحاول أن يستوعب ما سمعه من هراء:
" كيف بدأت هذه المسابقة دون علمٍ مسبقٍ؟ ما هذا الهراء؟"



أجل إدجار، أنت مُحق، ما هذا النوع من المسابقات التي لم يحدث بها منافسة أو إقصاء؟! لقد كنت تشرب وتأكل وتنام، ثم تشرب وتأكل وتنام، وتحصل على شتائم من هنا ومن هناك ولديك أعداءٌ من نساءٍ جامحاتٍ وغاضباتٍ بعدد لا يحصى ولم ترَ شيئًا يدعى مسابقة حتى الآن، ما الذي يجري بحق خالق السماء؟!

تجاهل الأمر كما تفعل دائمًا، لا بد وأن المشرف على هذه المسابقة شخصٌ ثريٌّ يحب تبذير أمواله على مجموعة من قطاع الطرق كالأحمقين في تلك المرة عندما مررت من فوقهما، والأوغاد الذين لا يكترثون لشيء مثلك، وبالإضافة إلى الحمقى كخوليو.

-سوف أكون هناك.

-حسناً سيدي، لقد تركت لك زيك الرسمي أمام الباب، أراك في الأعلى.

غادر الرجل ثم سأل إدجار نفسه بصوت مسموع:
-هل قال زيًا رسميًا؟


أجل لقد قال، هيا افتح الباب أيها الأبله.

فتح إدجار الباب فوجد صندوقًا من الكرتون والذي أدخله ونظر إلى ما فيه، لقد كان يحتوي قميصًا أسودًا مع بنطالِ قماشٍ وسترةٍ فاخرةٍ.


هدية كهذه هبطت من السماء لمتسولٍ مثلك! لا بد وأن اليوم هو يوم حظك يا إدجار.

- ما هذا واللعنة؟! أنا لن أرتدي هذه.

ألقى بالسترة بعيدًا واكتفى بارتداء البنطال ثم القميص، وكلمسة أخيرة كان يجب عليه أن يرتدي سترة الصياد السوداء التي قدمتها له السيدة العجوز باربرا.

ترك شعره الأسود مهملًا كعادته، مما يتناسب مع شخصيته الغير مكترثة لأي هراء يحدث حوله، ثم رفع أكمام القميص حتى وصلت إلى كوعيه.

نظر إلى نفسه بالمرآة، ومرة أخرى تجاهل التحديق في وجهه.


المظهر الصارخ بالتمرد والتفرد يُعد أسلوبك يا إدجار، وللأمانة أنت لم تكن وسيمًا بهذا الشكل من قبل.

وبكل الأحوال أنت مجرد أحمقٍ يجهل هذا؛ لأنك لن تكلف نفسك إلقاء نظرةٍ واحدةٍ على وجهك في المرآة.

والآن بعد أن أصبحت مستعدًا تمامًا من أجل تلك الحفلة المفاجئة على سطح الباخرة، لا تنسَ ارتداء حذائك القديم والغير مناسب لهذا الأمسية؛ فهم لم يحضروا لك واحدًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي