الكلب المسعور

Maryana Ahmad`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-11ضع على الرف
  • 41.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

الفصل الأول


وضع صندوقًا خشبيًا مُمتلئًا بالسمك على منضدة داخل مطعم، يبدو متهالكًا رغم أنه يكتظُ بالزبائن.

هنا في أميريكا الشمالية، ولاية "ويسكونسن"، وتحديداً في مدينة "ميلووكي" الواقعة على الشاطئ الغربي لبحيرة "ميشيغان".

تحدث الرجل العجوز وهو يرفع كفيه أمامه مع ابتسامة أظهرت أسنانه الصفراء:

-إدجار! كنزي الثمين، لقد تأخرت.

ثم نظر إلى ما في داخل الصندوق ليعيد أنظاره إلى المعني قائلًا بعدم رضا:

-هذا فقط؟

احتفظ "إدجار" بصمته مقطبًا حاجبيه، بينما الآخر ضيق عينيه مسترسلًا:

-هيا يا رجل، أعرف أنك أفلح من أن تأتي لي بهذا الصندوق فقط.

رفع إدجار ذراعه مظهرًا سمكة سلمون كبيرة أمام ذلك الرجل، فتوسعت عيناه من الفرحة:
-هذا ما أتكلم عنه أيها البطل.

تحدث إدجار بنبرته القاطعة وملامحه تَعكِس مشاعره المتبلدة:
-سوف تشتري كل ما لدي، أو لا شيء.

-لكن!

-كل شيءٍ، أو لا شيء.

-حسناً، ماذا دهاك؟ هل أنت بحاجةٍ للمال؟ لم تكن تُصر على أخذ ما بيننا من نقودٍ هكذا من قبل!

-سوف أسافر.

سأل الرجل بطريقةٍ أزعجت إدجار، دون توقف:
-إلى أين؟ هل سيطول غيابك؟ ومن سوف يصطاد لي؟


-هناك مسابقةٌ للصيد، سوف أشارك فيها.

-ومن سوف يصطاد من أجلي؟

-هذا ليس من شأني.

بعد استسلام الرجل العجوز، قام بمحاسبة إدجار، أعطاه ثمن ما جلب مع حسابه السابق كذلك.

انتهى إدجار من العد ووضع ماله في جيب سترة الصياد الخاصة به والتي تحتوي على جيوب كثيرة.

-إدجار، ألن تفكر في الأمر؟

-لا.

-أنت تجيبني بشكل مباشر، عليك أن تفكر عندما أسألك على الأقل، ما هذه العجلة التي أنت فيها يا رجل؟!

نظر إدجار في وجه الرجل ثم أجاب بعد مرور ثانيتين:
-لا.

تنهد الآخر بإحباط:
-حسنًا، أوصني برجل جيد على الأقل، على شرط أن لا يكون وغداً مثلك.

-كلنا أوغاد.

-حسناً، لا بأس بوغد أسعاره منخفضةٌ.

تبادل الاثنين النظرات الغاضبة لفترةٍ بسيطةٍ وما هي إلا ثوانٍ حتى انفجر الرجل العجوز بالضحك فقال مشيرًا إلى وجه إدجار المتجهم أمامه:

-انظر إلى وجهك، أراهن على أنك تتمنى تحطيم أسناني في هذه اللحظة.

-بالطبع، ولكن لا حاجة لي لفعلها؛ الدخان الذي تشربه يتكفل بفعل ذلك وأكثر.

-يا رجل، أنت لا تمتلك حسًا للدعابة أبدًا! أحاول معك منذ ثلاثة أعوامٍ ولا فائدة ترجى منك!

حمل إدجار عِدته وهَمَّ بالمغادرة، لكن الرجل ناداه مرةً أُخرى وتحدث بطريقة مختلفة، لم يكن غليظ الدم على إدجار كما فعل منذ قليل:

-إدجار، أنا أتمنى لك حظًا موفقًا يا بُني، احرص على نفسك، وفُز بعد أن تلحق بكل منافسيك شر هزيمة.

توقف إدجار في مكانه لوهلة خافضًا رأسه، ثم استدار إلى الرجل خلفه:
-سوف أفعل يا براد.

ثم أكمل طريقه وهو يستمع إلى صوت "براد" والذي قال على عجل رغم عدم اكتراث إدجار، إلا أنه حرص على أن يسمعه:
-لا يجب عليك أن تقلق على باربرا؛ سوف أعتني بها.

"باربرا"، تكون زوجة براد _مالك مطعم السمك_ المَرأةُ الوحيدة التي سمحت لشخصٍ مثل إدجار أن يدخل منزلها؛ حيث تعتبره إبنًا، كونها طاعنةٌ بالسن ولم تنجب أبدًا.

من عساه يُرحب برجل مثل إدجار؟ رجل بالثلاثينات من عُمره، لا أهل له ولا ماضٍ يتحدث به، لديه نظرةٌ حادةٌ وغاضبةٌ طوال الوقت، شعره أشعث بالكاد يدخل المشط فيه.

يمتلك ندبةً صغيرةً ورائعةً تمتد طولًا في نهاية عينه اليسرى، لحيته تأخذ مساحة كبيرة من وجهه مع شارب يخفي شفته العُليا.

لا يقترب منه أحد، يخافه الكبار والصغار، إذا مر بالقرب من جماعة سيقولون حتماً ما الذي جاء بهذا الرجل إلى هنا، لا بد وأنه ارتكب الكثير من الجرائم ليبدو بهذا المظهر البائس، كمتشردٍ منبوذٍ.

-إلى أين أنت ذاهب؟ إدجار!
كان هذا صوت باربرا اللطيفة، التي صاحت له من بعيد وجعلته يستدير بمجرد أن سمع صوتها.

أكملت حديثها بينما تقترب:
-هل أنت ذاهب إلى المسابقة حقًا؟

أومأ لها تحت أشعة الشمس، كانت قد وصلت إليه؛ لتقف أمامه وهي تمسك بقبعتها المستديرة فوق رأسها.

بعد أن تفحصت مظهره أضافت:
-سيدي، أنت لن تذهب إلى أي مكان بهذا المظهر.

-لماذا؟ هل يشكو مظهري من شيء؟
-أجل بالطبع؛ كل النساء هنا تهرب منك، هل تريد أن يحدث هذا في مكان آخر؟!

-هذا لا يهمني.

-لكنه يهمني، هيا بنا.

أمسكت بذراعه تجره معها، بسبب فرق حجمه عنها استخدمت كلتا يديها وهي تجبره على السير نحو وجهتها:

-هيا أيها العنيد؛ مرةً واحدةً لن تقتلك.

تأفأف إدجار قائلًا بقلة حيلةٍ ونبرةِ صوته لم تكن لطيفة:
-يا لكما من عجوزين مزعجين.

قهقهت باربرا بصوتها الحنون:

-أجل، هذا ما يفعله الآباء أحياناً.

-يفعلون ماذا بالضبط؟

-يكونانِ مصدر ازعاج.

قهقهت مجددًا بصوتها الجميل، وكان وجهها يمتلئ بالحيوية رغم كِبر عمرها:

-لماذا تبدو متعجبًا هكذا؟ أنت بالنسبة لي بمثابة الابن، ألم تدرك هذا بعد أيها الأحمق!؟

لم تتغير تعابير وجه إدجار، إنه منزعج لا محالة، خاصة بعد أن أرغمته على دخول المكان الذي يكرهه بشدة، مكان يمتلئ بالمرايا والتي قد تجنب النظر إليها بشكل ملحوظ.


بعد قليل، وبعد أن انتهى من جلسة التعذيب كما يصفها هو، خرج من محل الحِلاقة فتلقته باربرا أمام الباب مع ابتسامتها المشرقة ذاتها.

اقتربت ترفع ذراعيها نحوه وبصوت فخور قالت:
-انظر إلى نفسك كم تبدو وسيمًا!


في نهاية كلامها عانقته باربرا، ومع ذلك هو كان ما يزال منزعجًا، بل انقضت حواجبه معبرًا عن عدم رضاه بشكل أكبر.

ابتعدت عنه وهي تنظر له بتمعن مع ابتسامة رضا تعبر عن انجازها العظيم:
-انتظر، ماتزال لدي مفاجأة أخرى.

أسقط إدجار رأسه ونظر في وجهها:
-توقفي رجاءً.

-لا، سوف تعجبك هذه المرة.

أخرجت باربرا سترة صيادٍ جديدةٍ من حقيبتها القماشية، بعد أن عرضتها أمامه قالت بسعادة غامرة:

-لقد اشتريتها اليوم وكانت القطعة الأخيرة، لا تعلم كم عانيت لآخذها؛ لقد خضت شجارًا مع امرأة شمطاء فقط من أجل الحصول على هذه السُترة، وفي النهاية أنا الفائزة.

نظر إدجار إلى السترة وعينيه نصف مغلقة:
-هذا واضح.

-أجل؛ فهي أمامك الآن، إنها لك.

ابتسامة خجولة حركت شفتي إدجار بعد أن تأمل السترة أمامه، كانت جميلة جدًا بالنسبة لخاصته المُهترئة.

-هذه لي؟

-بالطبع! وهل كنت تظنها من أجل براد؟

وقف إدجار دون أن ينطق بحرف، وملامح وجهه تظهر أنه كان يظنها من أجل براد حقًا؛ فـلِمَ قد تنفق أموالها على رجل فظ مثله؟


-هيا، اخلع سترتك القديمة هذه ولا تدعني أراها عليك مرة أخرى.

ساعدته باربرا على ارتداء السترة الجديدة، ثم مسحت على كتفيه العاليتين، وهي تنظر له بعيني أُم يملؤهما الحنان والفخر:

-لقد صُنعت من أجلك.

أفرغ إدجار حنجرته من خشونتها وكان يجب عليه أن يقول لها ذلك:
-شكرًا لك.

-عزيزي، لا داعي للشكر، أنا من عليها أن تشكرك؛ أنت الوحيد الذي كان يقبل تناول طعامي المحترق باستثناء براد.

اخرجت هاتفها الذكي وحركت كفها مشيرة له بالاقتراب، فامتثل إدجار على مضض؛ لقد علم أنها ستلتقط صورة لهما معًا، وهو لم يمانع هذه المرة.

لا بد وأنه تأثير السترة الجديدة.

بعد أن تأملته بدموع محجوزة في احمرار عينيها شعر إدجار أن وقت الرحيل قد حان؛ فمن عساه يريد رؤية الدموع على وجه امرأة مسنة ولطيفة؟

رفع حقيبته على كتفه ثم استدار جانبًا، وقد كان واضحًا لها أنه يحاول تجنب النظر إلى وجهها:
-يجب أن أذهب.

أومأت باربرا وهي تضم كفيها إلى صدرها:
-رافقتك السلامة.

كان إدجار يبتعد بينما باربرا تنظر إلى وجه "كلب الصيد" المطبوع على ظهر سُترته الجديدة، والدموع تغرق عينيها:

-عُد إلينا سريعًا، سوف نفتقدك.

على أثر هذه الكلمات وبينما كان إدجار يبتعد، استطاع أن يشعر بالدفء، وقد كان نوعًا يختلف كليًا عن الدفء الذي قد يشعر به المرء بسبب أشعة الشمس الحارقة، لكنه لم يكن ليجد تعبيرًا يصفه.

بدا كل هذا غريبًا بالنسبة إليه، على الرغم من معرفته لبراد وزوجته لمدة ثلاثة أعوام على التوالي -أي منذ أن استقر في هذه المنطقة- إلا أنه لم يشعر بمثل هذا الشعور من قبل.


في عقله هو لا يعرف لماذا يريد أن يخوض هذه المسابقة، فكل ما يعرفه هو أنه بحاجة إلى المال؛ من أجل مغادرة هذا المكان التعيس والمزعج إلى الأبد.

كان يستطيع قول ذلك في وجه براد وبشكل صريح، إلا أنه فضل عدم الإسراف معه بالحديث المتعب، أما باربرا، مع وجهها هذا وطيبتها؟! بالطبع هو لن يستطيع قول ذلك.

ربما ماتزال إنسانًا ضعيفًا في داخلك يا إدجار، ماتزال المشاعر المزعجة في داخلك، ولهذا السبب يجب عليك أن تغادر، لقد آن الأوان لذلك.
وإياك والعودة.



مضت ساعات طويلة، كان إدجار يجلس في الحافلة، فسمع صوت السائق الذي تحدث بصوت مرتفع:

-لقد وصلنا أيها الرجال.

أغلق إدجار الورقة التي تحتوي إعلان المُسابقة، وقرر أن يكون أول النازلين؛ فحديث الرُكاب كان مزعجًا جدًا بالنسبة له.

وبعد وقت قصير خاطبه أحدهم:
-أنت، أيها الصامت!

تابع إدجار طريقه، ولم يعلم أنه المعني إلا عندما اقترب الصوت الذي كان يناديه وأوقفه قائلًا:

-لقد أوقعت هذه الورقة.

كانت هذه ورقة الإعلان عن المسابقة وفي يد فتى يبدو في أوائل العشرينات أو أقل.

رمق إدجار الورقة بطرف عينيه:
-يمكنك الاحتفاظ بها.

ثم ابتعد وعلى أثره لحق به الفتى بينما يتحدث:
-إنها مسابقة! يا إلهي!

أعاد النظر جيدًا في مضمون كلماتها:
-المبلغ كبيرٌ جدًا! هل تنوي أن تشارك بها؟

-أجل.

-إذًا، إن لم يكن لديك مانع سوف أشترك بها أيضًا.

-افعل ما يحلو لك، فقط إبقَ بعيدًا عني أيها الفتى.

-لن أكون مصدر إزعاج لك، أعدك، فقط خذني معك للمكان.

-اذهب لوحدك.

-فقط هذه المرة.

رفع إدجار بصره إلى الأعلى بينما يكمل طريقه قائلًا:
-يا إلهي!

-سأعتبر هذه موافقة.

-إن رأيتك أمام وجهي هناك سوف أغرز خنجري في مؤخرتك، كن على يقين.

-حسنًا أيها القوي، أنا أدعى خوليو، وأنا من سان فرانسيسكو، أنا هُنا للسياحة، ماذا عنك؟

لم يتلق "خوليو" إجابته، لقد أظهر له الآخر عدم الترحيب منذ البداية لكنه مايزال يبتسم كالأبله بينما يتبع إدجار ويعتصر حمالات حقيبة الظهر الخاصة به بكفيه اليافعتين.

خاطب خوليو نفسه والحماس يُهلهل في ملامح وجهه:
"أخيرًا، لقد وجدت مغامرة."


(مسابقة الصيد الأولى ترحب بكم) كانت هذه الكلمات مكتوبةً على لافتةٍ كبيرةٍ استطاع قراءتها كل من مر منها، وكما فعل صديقنا إدجار الذي تخطاها ووزع بصره على الباخرة الكبيرة الممتلئة بالبشر أمامه.


"لقد مرت بمدنٍ كثيرةٍ قبل أن تصل إلى هنا"
خاطب نفسه بذلك ثم أكمل طريقه صعودًا إليها.


وبعد أن أصبح على سطح الباخرة التفت حوله ولم يجد خوليو، فخاطب نفسه فرحًا:
"وأخيرًا، اختفى ذلك المزعج الصغير."

لا يجب أن يقترب منك أحد يا إدجار، ربما لم يكن عليك الموافقة على الحِلاقة؛ لأن شعرك الأشعث ولحيتك الطويلة والكثيفة جدًا كانا سيتسببان بالرعب لعدد كبير من البشر.

"كل هذا بسبب تلك المرأة المزعجة."

خاطب إدجار نفسه بذلك، ولم يكن مخطئًا في إلقاء اللوم عليها بأنها السبب في جعل كل من في هذا المكان ينظر إليه بإعجاب، وخاصةً تلك المرأة الفظةً للغاية، والتي كانت ترمقه بوقاحة شديدة وهي تنفخ الدخان من فمها.


بعد أن نظرت تلك المرأة إلى رجل آخر يقف بعيدًا عنها ويراقبها بصمت، قررت هنا أن تقترب من إدجار، فأبعدت السيجار عن شفتيها وقبل أن تنطق دحضها إدجار مبعثرًا كلماتها في الهواء:
-اغربي عن وجهي.

بغضب شديد ارتفعت زاوية فمها، ولأنها لم تتقبل هذه الإهانة منه رفعت له إصبعها الأوسط:
-راقب مؤخرتك اللعينة عندما نصل إلى هناك.


استدارت وجعلت إدجار يشعر بقوة تهديدها، وعندما كان ينظر إلى حقيبة السهام خلف ظهرها، شعر أن تلك السهام الحادة سوف تسبب له الألم كالجحيم.

أجل عزيزي إدجار، عليك أن تراقب مؤخرتك كما قالت لك.

بعد أن عادت تلك المرأة إلى مجموعتها المكونة من امرأة أخرى وثلاثة رجال، بدت مشغولة بالحديث مع صديقتها، التي كانت تتحدث معها وكأن شيئًا لم يحدث، وبينما يراقب تفاعلها مع محيطها وزع بصره عليهم وخاطب نفسه:
"لا تبدو هذه المجموعة سهلة."

أنت محق، ربما عليك أخذ كلامها بعين الاعتبار، فقط راقب طريقتها بالنظر إليك، لابد وأنها تشتمك الآن في سرها وتتوعد لك شر وعيد.

هذه المرأة قادرةٌ على أن تنفذ وعدها، هي تبدو من هذا النوع تمامًا، النوع الذي لا ينسى.

رفع إدجار زاوية حاجبه الأيسر وهو يتبادل معها نظرات الغضب والاحتقار من بعيد.

......
الكاتبة:
اثبت وجودك وحبك للرواية بتعليقك على الأحداث.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي