17

الفصل السابع عشر

تحت الأرض، وعلى وجه التحديد  في مختبرٍ يتضمن غرفة للتشريح، حيث كان هناك الطبيب هانز يتأمل إنجازه العظيم وهو يراقب جثة كارتر بينما ينحني فوقه وينظر له بفضول شديد.

يقف إلى جواره رجل يرتدي سترة طبية، مع قناع طبي يغطي نصف وجهه، ومن هول المنظر له كادت عيناه تكاد تخرج من مكانها.

بعد أن نظر إلى حال الجثة بتمعن تحدث مقطبًا حاجبيه:
-يا للهول، ما هذا؟

-إنه واحد من جنودنا.

رفع هانز رأسه مضيفًا ابتسامة مختلة في نهاية كلامه بينما ما يزال جذعه العلوي ينحني فوق الجثة.

عاد الرجل إلى الخلف خائفًا، وعقله يحاول استيعاب ما قاله ذلك الهانز:
-لحظة! هل قلت جنودنا؟!

-أجل سيدي، كما سمعت، هذا هو المتحول الرابع بعد الموت، والثالث على قائمة الموت الثاني بعد التحول.

لم يفهم الرجل شيئًا مما قاله هانز وشعر أنه فاقدٌ للعقلِ والمنطق، فخاطب لورلاي:

-أنا وكل المستثمرين لم ننفق أموالنا من أجل هذا! لورلاي، قولي شيئًا، فسري لي ما حدث لهذا الرجل الميت.

ارتسمت الخيبة على وجه هانز بعد أن شعر بردة فعل الرجل السيئة تجاهه، لقد بدا منزعجًا منه.

حركت لورلاي رأسها تريح رقبتها وهي تلف ذراعيها حول صدرها وتتقدم نحوهم:
-سيدي، ما تراه أنت الآن هو تجربة فقط.

تحدث هانز بحماس متجاهِلًا نفور الرجل منه:
-ليتنا رأيناه قبل أن يُقتل للمرة الثانية.

فتح الرجل عيناه بصدمة:
-مرة ثانية؟

-اخرس يا هانز.

قالت لورلاي ذلك لكي تخرس ذلك المجنون الذي يكاد يصيب الرجل بجانبه بذبحة قلبية، ثم أضافت:

-سيدي، مهما كانت النتائج، عليك أن تفهم أنه لا يمكننا التراجع.

-تحدثي، أنا أحتاج إلى تفاصيل دقيقة تشرح ما رأيته.

-هذا حقك، تفضل معي سيد ميكلاي.

أخذت لورلاي السيد "ميكلاي" إلى الغرفة التي يتواجد فيها الرجل المسعور الذي رأته سابقًا.


قرأ ميكلاي العنوان على اللافتة بتعجب:
-الكلب المسعور!

-هذا مجرد اسم اطلقه هانز.


ثم نظرا له من خلف الزجاج وكان ما يزال على حاله، يزمجر، وينظر لهم بشعاع عينيه الأحمر المخيف، ويمد ذراعاه المدماة في محاولة لإمساكهم.

شعر السيد ميكلاي بأن ما يراه فائقًا للتصور وكانت دهشته الممتلئة بالرعب سيدة الموقف:
-ما هذا بحق الإله؟

أضافت لورلاي بصوت هادئ:
-إنه تجربتنا الناجحة، لقد أخذنا دمه وصنعنا منه مصلًا وحقنا المجندين به، وتبين بعد الحقن أن المجند يكتسب قوة تفوق قوة الإنسان العادي بأضعاف، ولكن طرأ أمر جديد لم يكن في الحسبان، بل لم يكن مخططًا له أساسًا.

سأل ميكلاي بضيق، وخوفه ما يزال مسيطرًا:
-وهل يجب أن أحزر! تحدثي وقولي ما هو؟

-بعد موت المجند، هو يعود إلى الحياة مجددًا.

-ماذا!؟

-بعبارة أصح، خلايا دماغه تستيقظ، فيعود إلى الحياة أقوى، أشرس، وفاقد لعقلانيته.

-يا إلهي!

-هذا رائع أليس كذلك؟

-ما الذي تقولينه؟

-ألم تفهم ما قلته لك الآن؟ لقد اكتشفنا طريقة للعودة إلى الحياة، وهل لك أن تتخيل معي ما يمكن لنا أن نكسبه من هذا؟ هكذا لن يموت من نحب، ولن نموت نحن أيضًا، وسنبقى إلى الأبد أحياءً.

في حين كانت تتحدث مع ابتسامة عريضة على وجهها، لمعت عيناها ببعض الدموع، كانت دموع السعادة، إلا أن الرجل الذي يقابلها أدرك أنها مجرد مجنونة، ومجنونة حتى النخاع.

-ما الذي تقولينه؟ لا بد وأنك فقدت ما تبقى لك من عقل، من عساه يريد أن يعود إلى الحياة بهذا الشكل؟

-أنت محق، لكننا نعمل على التطوير.

أشارت إلى المسعور بيدها:
-هذا الرجل، نحن نأخذ منه المصل والرجل الآخر في المشرحة مجرد شخص أخذ المصل، سوف نعمل على تطوير التحول بحيث تتم العودة بشكل طبيعي، ولا يوجد داعٍ لردة فعلك العصبية هذه؛ فكل شيء جديد بالنسبة لنا، نحن فقط نحتاج إلى الوقت لإيجاد ما نبحث عنه.

وضع السيد ميكلاي إصبعيه فوق عقدة حاجبيه، مغمضًا عينيه بغضب، كان يحاول جاهدًا الإبقاء على تركيزه بينما يستمع لهذا الجنون.

من عساه يلومه؟ هذه المعتوهة التي أمامه تتحدث عن الأمر وكأنه شيء جيد.

لا أحد يريد أن يعود إلى الحياة ككلب مسعور! خاصة بعد رؤية وجه كارتر رغم أن ما حدث له شيء سيء جدًا، إلا أن الحياة كانت معه عادلة على وجه الخصوص؛ ها هو الآن مجرد رقم في مختبر، ويبدو ميتًا للأبد.


رفع ميكلاي إصبعه أمام وجه لورلاي مع نبرة صوته المرتفعة:

-هل تسمعين نفسك وأنت تتحدثين؟ كم شخصًا تريدين التضحية به لكي تجعلي مشروعك ناجحًا؟ انظري إلى هذا الذي أمامك الآن، هو لا يبدو بشريًا على الإطلاق، لقد رأيت المجزرة التي قام أحدهم بافتعالها في مجموعة من المشاركين.

كانو عُصبة متينة ومتحدين، لقد راهن أكثر المساهمين على بقائهم، ثم في لحظات معدودة تمت مهاجمتهم لينتهي أمر كل شخص فيهم.

والذي هاجمهم  قام بأكل أجزاء من أجسادهم، لماذا تظنين أنني هنا؟ لم آتِ فقط لكي أسألك، لقد أتيت لكي أخبرك أن هناك 4 أشخاص من أفضل المساهمين رفعوا أيديهم عن المشروع.


اضطربت لورلاي ونظرت له وهي تتحدث برقة في محاولة إخماد غضبه:

-اسمعني، لا يمكن لهذا أن يحدث، يجب عليكَ أن تعيدهم، نحن نحتاج إلى الإمدادات والدعم والمشاهدة المستمرة؛ موقع "مختبرات" الخاص بنا على "الديب ويب" يحتاج النقود، من عساه يشاهد في حال إنسحبوا؟ عليك أن تعلم في حال قلت الأعداد..

قاطعها ميكلاي مكملًا حديثها:
-ستنشرينها على الملأ؟ هيا قوليها.

-هذا سيكون أمرًا حتميًا، فإن تركونا سيتركنا المزيد منهم، وإن فكرت بالأمر ستجد أننا سنضطر لفعلها.

-أنت تتجاوزين حدودك وتتجاوزين العقلانية ومنصبك أيضًا، هذا غير أنك تتجاوزين قوانين الطبيعة والقدر، ومن حديثك هذا لابد وأنك فقدت عقلك.

-لم أفقد عقلي، واسمع ما أقوله لك جيدًا، إن تحطم المشروع سوف نفقد كل ما وصلنا إليه حتى الآن.

علق ميكلاي على كلامها:
-نفقد؟!

استرسلت غير معتبرة لسخريته:
-وحقيقة الأمر تضعنا تحت قرار واحد "لا يمكن لهذا أن يتوقف في هذه المرحلة"،  نحن هنا نقوم بأمر خارق للطبيعة وقد ينقذ البشرية.

ولا تنسى أنك مسؤول عن بث الأحداث على الموقع واستقطاب المستثمرين الجدد، سيتأثر عملك وسمعتك كذلك، وإن تأثرا وفقدت امتيازاتك لن يبقى لك فائدة.

-أرى ما ترمين إليه، تظنين أنه لا حاجة لي إذا عارضتك؟ لورلاي، دعيني أذكركِ، لقد أردنا جنود أقوى في ساحة المعركة، لا مسوخًا.

-لكنك لم تضع جنودًا، لقد وضعت بشرًا من الطبقات المتعددة كتجربة، إذا لم تدعنا نجرب، سيتم افراغ هذه المواد على جنودك.

مشت حوله واكملت:
-ونعم أنت محق، ربما يعودون كمسوخ لكنهم يعودون أقوى، بمجرد أن يتم مشاهدة عملية الاستيقاظ من جديد سيخافنا الجميع، سوف نصبح أسياد الكون، فكر في مدى الروعة والكمالية التي سنصل لها بمجرد نجاحنا.

التفت اليها بعينيه القلقة:
_لكنهم لا يقاتلون، الهجوم عشوائي، في حال حضروا معركة سوف يشكلون خطرًا على سلامة الآخرين قبل أي عدو في الميدان.

-أنت محق، لكن دعني أقولها مجددًا، نحن ما نزال في بداية الطريق، ونستطيع اصلاح الوضع، هل لا بأس معك بذلك؟ أن نأخذ وقتنا في هذا المشروع على أكمل وجه؟

اخرج ميكلاي منديلًا ومسح جبهته المتعرقة، ثم التفت نحو الرجل خلف الزجاج ونظر له بخوف يملأ عينيه.


-سيد ميكلاي!

استيقظ من شروده ثم راقب ملامحها الباردة على عكسه:

-دعيني أفكر قليلًا، هذا جديد كليًا ولم يكن في الحسبان.

-بالطبع، يمكنك أن تستريح في غرفتك.

-غرفتي؟!

-بربك، أنت لا يمكنك أن تغادر في هذا الوقت، ربما يراك أحد المصابين، أو أحد المشتركين الثائرين قبل أن تصل إلى الحوامة في منتصف البحر، الظلام دامس وقد تتم مهاجمتك دون أن تشعر، أنت لا تريد لهذا أن يحدث، أليس كذلك؟

-لا، بالطبع لا أريد.

-حسنًا، دعني أرافقك إلى حُجرتك.

-حسنًا.

لحق بها ثم تباطأ في سيره حتى أصبح خلفها ببضع خطوات حيث أخرج هاتفه من سترته وأغلق التسجيل.


لا بد وأنك لم تحسبي حسابًا لهذا يا لورلاي، ولكن ما الذي ينوي هذا الميكلاي على فعله؟ هل ينوي تسليم رقبتك للمجلس قبل أن تنجحي مثلًا؟! إن فعل، سيكون هذا يوم السعد لكل من على الجزيرة.


سارع ميكلاي خطواته مجاريًا لها، وفي طريقهم شاهدا هانز حيث كان يضع يديه في جيوب سترته الطبية والقلق بادٍ عليه.

نظر في وجه لورلاي التي أومأت له بملامح تخلو من التعابير، عندها عرف هانز ما يجب عليه فعله.

توقف في مكانه وتركهما يتقدمان ثم غير مسار طريقه مبتسمًا.





في هذا الوقت كان إدجار يسند ظهره ضد حائطٍ صخري في عمق كهفٍ مُشبع بالرطوبة، وضع سلاحه تحت قدمه ونظر إلى جرحه في ذراعه.

بدأ بفتح العقدة من عليه وهناك لفت الأنظار له بعد أنينه الغاضب.

-أنت تتألم.

تقدمت جنجر بعد أن قالت ذلك ليرد عليها باستياء:
-الشكر لك في ذلك.

-اسمع، أنا لم أطلب منك العودة، كان هذا قرارك وحدك.

-لم أعلم أنك كاذبة بارعة.

-إذًا هذا ما أنت غاضب بشأنه فقط؟ لأنني كذبت؟ مرحبًا يا سيد متعجرف هذا كان خياري الوحيد لكي أحمي نفسي.

-في التسبب بموتي؟!

-أُقسم أنني لم أعلم أنك ستعود، لم يكن هذا في الحسبان ولو لواحد في المئة حتى، هل تظن أنني سأقول ذلك لو علمت أنك ستعود من أجلي؟

انلجمت شفتي إدجار بعد أن قالت "من أجلي" لكنه لم يستطع أن يجد شيء يرد عليها فيه، لأن هذا ما فعله حقًا وحتى إن لم يكن يعلم ذلك في قرارة نفسه.

ثم قرر أن يعطيها ردًا هي انتظرته بفارغ الصبر:
-استمتعي بذلك لأنه لن يحدث مجددًا.


لم يكن ذلك الرد مرضيًا لها في النهاية، لكنه على الأقل تحدث.

-حسنًا، توقف عن كونك وغدًا ودعني أنظر إلى إصابتك.

أنهت كلامها بجلوسها قربه وهي تمعن النظر في الجرح، وفي الجهة المقابلة كلٌ من ماري، وعمتها آنا وهذر يجلسن ويشاهدن ما يحدث.

-نحتاج أن نخرج هذه الرصاصة.
قالت جنجر ذلك ورفعت بصرها لتقابل عينيه الرافضة، فأضافت:
-لا يوجد خيار آخر.

هز أدجار رأسه بالرفض، فسألت:
-هل يوجد لديك حلٌ آخر؟

-سوف أفعلها بنفسي.

زجته جنجر بقلة صبر:

-اللعنة، توقف عن كونك عنيدًا ولو لمرة واحدة فقط، هذا لن يُنقص من مدى غرورك أو من كونك رجل أحمق، ثم ما الذي سوف تستخدمه لإخراجها؟ أنا الوحيدة التي تمتلك السكين هنا.

أراح إدجار رأسه على الصخور خلفه وهو يشيح بنظره عنها بعد أن بدت كأم هائجة:

-الملاعين، لقد جردوني من خناجري.

لَفَت مسامع جنجر بقوله هذا، لكنها تجاهلت الرد عليه في هذه المرة، وأخرجت من جيب بنطالها مصباحًا صغيرًا أشعلته ونظرت نحو الأُخريات:
-هل يمكن لإحداكن أن تمسك المصباح من أجلي؟

-يمكنني فعل ذلك!

قالت ماري ذلك وهي تهم بالنهوض، لكن الحركة السريعة ليد عمتها جعلتها تبقى في مكانها.

نظرت هيذر في وجه آنا وأومأت:
-سوف أفعلها أنا، ابقي هنا برفقة ماري.

نظر إدجار إلى ألسنة اللهب بجانبه والتي انعكس شعاعها في عينيه الواسعتان، لقد قرر أن يراقب النيران عوضًا عن مراقبة من ستقوم بإخراج الرصاصة من ذراعه.


ومن الجليّ أنك لا تبدو مرتاحًا بتسليم نفسك إلى امرأة غريبة الأطوار وقصيرة القامة مثل جنجر يا إدجار.

وبالتفكير بشأنها، تبين أن هذه المرأة تمتلك قوة رهيبة يا رجل، عليك أن تحترس منها قبل أن ينفذ صبرها عليك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي