6

الفصل السادس


قبل خمسة أشهر من المسابقة

كانت لورلاي تسير في ممر مستوصفٍ طبيٍّ تحت الأرض حيث لا تدخل الشمس إليه، تقلب بين يديها كُراسًا يخص الأطباء والممرضين ويستخدم للملاحظات.

أردفت وهي ماتزال مشغولةً بالنظر إلى ما كُتب في دفتر الملاحظات:
-يبدو أن وضعه مستقر.

رد عليها رجلٌ وهو يضع يديه في جيوب سترته الطبية:

-أجل، الحمد لله، ولكنّ الغريب بالأمر عندما جربنا دماء حيواناتٍ مختلفةٍ انتهى الأمر بموت التجربة السابقة، لكن "الكلب المسعور" أعطى نتيجةً مختلفةً والتجربةُ حيةٌ الآن.

ابتسم من كان يتحدث وهو يسير بمحاذاة لورلاي.

-أحسنت عملاً، من خلال هذه التقارير يظهر لي أنك الأعلى كفاءة في تفصيل وتنفيذ كل شيء.

كلهم كانوا أطباء مميزين، وللأسف، قتلهم يعتبر خسارة لهذا الوطن، تمنيت لو أنهم كانوا بذكائك يا هانز.

ابتسم هانز بفخر مؤيدًا لقولها:

- أجل، أسمع هذا كثيراً، ماذا عسانا نقول إما أن تقضي على نفسك أو على من حولك.

-طموحك ونظرتك للأمور بهذه الطريقة تعجبني كثيراً.

ضغطت كتفه الأيمن بكفها وهي تنظر في عينيه، ثم أكملا طريقهما وصولاً إلى غرفةٍ محكمةِ الإغلاق، وأعلاها لافتة كتب عليها "الكلب المسعور"، يظهر لهما من خلال الحاجز الزجاجي رجلًا تم وضع حلقةٍ فولاذيةٍ حول رقبته وتمتد منها سلسلةٌ مثبتةٌ بقوةٍ على الحائط.

عيناه تحتفظ ببياضهما إلا أن البؤبؤ والقزحية لونهما أحمر داكن، يخرج بعض الدماء من أطراف عينيه، وأظافر يده الطويلة عليها دماءٌ ملتصقةٌ وقديمةٌ.

يمد بيديه للأمام وهو ينظر إليهما ويحاول الوصول، صوته كان مرعبًا جدًا لا يقل رعبًا عن شكله، كصوت كلبٍ مسعورٍ وجائعٍ يختلط بالأنين.

شعرت لورلاي بالخوف والقرف فعادت إلى الخلف قليلًا، فقال هانز:

-لا تخافي، هذا الزجاج ضد الاختراق أو الكسر، لا يمكن حتى للرصاص أن يحطمه.

-أعلم، ولكن مظهره مقزز جداً، ليس هذا ما كنت أتمنى أن أراه، فهو فاقدٌ للعقل تمامًا.

-بشأن هذا، لن تعيش هذه التجربة للأبد، سوف نستمر بإطعامه وسحب الدم منه حتى ينفذ.

-هل ستكفي دماؤه لصنع جيشٍ؟

-سوف أحرص على ذلك، فقد حقناه بالكثير من المواد الفطرية المخففة، ثم زدنا الجرعات، واختلاطها بدمه جعلها جزءًا منه، سوف نحقن جيشك بدمه بعد تجربته، وننتظر إذا كان سينجح أم لا.

-عليك أن تتأكد من نجاحه قبل أن يحين موعد المسابقة، لقد خططت لهذا الأمر منذ زمن وأقنعت المجلس بصعوبةٍ فائقةٍ.

-أيتها الجنرال..

نظرت له لورلاي بتحذير: طبيبة.

-المعذرة، أنا لا أستطيع نسيان مدى روعتك، ولا تقلقي سوف يكون كل شيءٍ بخير، أنا خُلقت من أجل هذا.

-يجب أن يكون كذلك؛ حياتك على المحك، لا تنسَ أنني أريد أُناسًا أقوياء تتخطى قدراتهم القوى البشرية.

ضربت صدره بالكراس الذي كانت تحمله فوضع يديه عليه وثبته في مكانه، يتلمس أناملها بهوسٍ شديدٍ، لقد تلقى ضربةَ عشقٍ للتو، فهامت عيناه بها معلنًا فقده لحذره.

سحبت يدها بقرفٍ حاولت أن تخفيه:

-ما تزال صغيراً، أمثالك لا يستهويني.

-سوف أحرص على أن أرقى لذلك.

ابتسمت وهي فخورةٌ بنفسها لرؤية محاولاته البائسة من أجل نيل رضاها، ثم انصرفت من أمامه بينما ينظر إلى ظهرها وهي تبتعد بعينين مريضتين يملؤهما الهوس.





بالرجوع إلى الزمن الحاضر، وفي الصباح الباكر تم تقديم طعام الفطور للمئة مجند، على موائدَ متفرقةٍ.

كانت جنجر تنظر إلى طعامها وتتذكر كيف أنها دخلت خلسة ضمن المئة شخص، ولحسن حظها كان العددُ تسعةٌ وتسعون، فقد تأكد جنود لورلاي من عدّهم قبل الدخول إلى المركز تحت الأرض بعناية وكانوا مئة شخصٍ بالضبط.

تتساءل في نفسها إن كانت عددًا زائدًا هل سيتم طردها مرة أخرى؟ أم سيتم طرد شخصٍ آخر بسببها.

لا بد وأنك ستلومين نفسك كثيرًا في حال خرج أحدهم بسببك، ولكن هذا لم يحدث يا امرأة، هيا ابتهجي وتناولي طعامك الفاخر.

ظهر صوت لورلاي من خلال مكبرات الصوت:
-بعد الانتهاء من تناول الطعام فليتوجه الجميع إلى العيادة؛ لتلقي اللقاح المضاد.


عندما سمع الجميع هذا الأمر، كانت صوفيا تجلس على الطاولة المجاورة لجنجر:
 
-ما هذا اللقاح الذي ظهر فجأةً؟ لم تقل تلك الشقراء شيئًا عن هذا.

تحدثت ماتيلدا بفمها الممتلئ:
_لن أفعل هذا.

أجابها أوسكار والذي يترأس المائدة:

-هذا ليس شيءٌ تقررينه أيتها الشيء الممتلئ.

ابتلعت ماتيلدا ما في فمها وقد أصابها الخجل، لكنه لم يأبه بذلك وأكمل حديثه تحت أنظار صوفيا التي تحرقه في أفكارها، فقالت له:
-يحق لنا أن نعترض، إذا كانت ماتيلدا لا تريد ذلك لا يجب إجبارها.


ضحك أوسكار مضيفًا:
-لقد أخذت ذلك اللقاح قبلكم، اهدأي عزيزتي لا شيء يدعو للقلق، نحن هنا في الطبيعة الأم لا تعلمين ما الذي سوف يتسلل إلى جسدك، أنت تحتاجينه.


الطريقة التي تحدث بها لم تعجب براندون، لكنه علم أن صوفيا قادرةٌ على الرد حيث نفثت كلامها دون أن تنظر إليه:
-أتساءل إن كان ينفع لوغد مثلك.

ضحك أوسكار ثم نظر إلى وجهها بوقاحةٍ شديدةٍ دون أن يرف له جفن، بينما كان يفرك أصابع يده اليمنى ببعضها.

شعرت هي بنظراته فاستدارت نحوه وحدقت في عينيه بعدم مبالاةٍ وبشكلٍ مباشرٍ.

فتحدث براندون لعله يقاطع ما يحدث:
-سيدي.

لفتت هذه الكلمة مسامعَ أوسكار مشبعةً غروره:

-ماذا هناك؟

-هل لديك خطةٌ خاصةٌ بشأننا؟

-أجل أيها الجندي، لدي الكثير مما سيجعلك تقول:
"تباً، أوسكار كم أنت شخص عظيم!".

-لا بد وأنك كذلك، لم يكن يتوقع أحدٌ عودتك، أنا أرى ذلك منذ الآن.

قهقه أوسكار  وأمسك بكتف براندون:
_ما كان اسمك مجدداً؟

لم يتحدث براندون متخوفًا من نظراته المجنونة.

-هيا، مابك؟ أنا لا أمتلك جهازًا في أذني وكاميرا تراقب كل من يتحدث إلي.

-براندون.

-براندون، منذ الآن أنت أعلى من زملائك، ستكون مساعدي.

كانت نظرات وملامح براندون في فوضى عارمة لا يعلم إذا كان هذا المعتوه أمامه يتحدث بشكلٍ جديٍّ أم يهزء به.

لاحظ أوسكار اضطراب براندون:

-ليس عليك أن تخاف مني، طالما أنك تقوم بعملك بشكلٍ جيدٍ، فلن أفرط بك أبدًا.


تباً، هذا المعتوه يتحدث بكامل ما تبقى من قواه العقلية يا براندون، هنيئًا لك ترقيتك تحت رتبة المهرج المجنون.





كما حال الجميع تلقت جنجر اللقاح وخرجت من العيادة وهي تمسك بمكان الإبرة في ذراعها.

مر من قربها مجموعة من زملائها وبينما تنظر في وجوههم أرسل لها أحدهم غمزةً بطرف عينه وهو يبتسم.

شعرت بالخجل وأكملت طريقها وهي تفكر بصديقتيها، تتساءل عن ما تفعلانه الآن.

وبالطبع لم يكن الحظُ إلى جانبهن فها هما الآن تجلسان بين الشجيرات، جائعتين خائفتين.

تحدثت كلوديا بصوتٍ منخفضٍ:
-الجوع سيقتلنا قبل أن يفعل أحدهم ذلك، علينا أن نجد ما نأكله.

-منذ قليل وأنا أنظر في المنطقة، رأيت شجرةً مثمرةً، يجب أن نصل إليها.

-حسناً، تعلمين كم أنا شرهةٌ، قد أكلك بين لحظة وأخرى.

-هيا أيتها المجنونة لا نريد حصول ذلك.

عندما وصلن إلى الشجرة كان خوليو يقف على غصنها العالي؛ يقطف لنفسه كل ما وصل إلى يده.

-أنت أيها المتسلق.

نظر خوليو إلى الأسفل ليرَ من أين أتى هذا الهمس، فسأل:
_من أنتِ؟

-أنا كلوديا، وهذه صديقتي سوزان، ما رأيك لو نحصل على اتفاق ينفع الطرفين؟

-اتفاق؟

-أجل مثل هدنة للبقاء على قيد الحياة ربما.

-أجل، أود ذلك.

-اقطف لنا بعض الفاكهة وانزل من هناك قبل ظهور أحدهم.


-حسناً.


خوليو أيها الغبي ما الذي حدث بنظرية "اركض واختبئ"؟ أم أن تلك الجميلة ذات اللسان السليط "كلوديا"جعلتك تنسى أن حياتك قد تنتهي بعد أن نظرت إلى وجهها وجسدها وأنت تقف في مكانٍ عالٍ؟

أم شعرت أن عليك التحلي بالشجاعة ومساعدة هذه الحسناء بالحصول على الطعام لتحصل أنت على ما تريد؟

أليس كذلك؟




بعد ثلاثة أشهر.

كانت جنجر تركض وهي تحاول الإختباء، تعرج بساقها المصابة بجرح عميق، والذي سالت منه الدماء على طول ساقها.

اختبأت خلف أحد الأشجار وكانت تلهث بأنفاسها التي حاولت كتمها خوفًا من أن تفضح مكانها.

كانت تبكي ووجهها مجروحٌ ملطخٌ ببعض الرمال والأوساخ، واطراف شعرها مبللة لشدة العرق الذي نزل من جبهتها.


-أخرجي أين ما تكونين يا حلوتي، سوف نحتفل جميعًا على شرفك.

كان هذا صوت أحد المدافعين، يحمل سلاحًا قد حصل عليه بعد أن قتل زملاءها الثلاثة برفقة أصدقائه.

أغمضت عينيها بخوفٍ شديدٍ ومشهدُ موتهم يغزو عقلها، لقد تم طعنهم بالسكاكين حتى الموت.

فتحت عينيها بينما تشعر باقتراب الخطوات، وعندما وصل إليها انعطفت للجهة الأخرى وأصبحت خلفه وهكذا استطاعت أن تقفز على ظهره وهي تحمل سكيناً.

بسبب دفاعه عن نفسه أصابت السكين كتفه، لا عنقه، فصرخ بألم وهو يمسك ذراعها، حينها استطاع أن يقلب جسدها من فوقه لتقع على الأرض بعنف.

ونتيجة اصطدام ظهرها بالأرض القاسية بدأت بالسعال، لقد شعرت وكأن صدرها يكاد يخرج من مكانه.

-أيتها العاهرة.

أمسكها من ذراعيها وقام بجرها لمكان آخر.

-سوف أجعلك تدفعين الثمن، ألم يخبرك أحدهم أن طعنة السكين تؤلم حتى الجحيم؟!

وصل بها إلى كوخٍ مهترئٍ وقام بإلقائها فيه، ثم وقف أمامها وهو يشهر السلاح عليها، لقد عرفت أنه سلاحها، هذا واضح لها من الرقم المطبوع عليه، رقم "١٢"، الرقم الذي حصلت عليه عندما استلمته.

-أرجوك، دعني وشأني، أنا لم  أقدم على أذية أحدٍ منكم.

-هذا هو جوهر الأمر، ربما كان يجب عليك أن تقتليني في المرة السابقة.

ابتلعت جنجر ما في حلقها وهي تعلم تمامًا صحة ما قاله، لقد أمرها أوسكار بالقتل عند الحاجة، لكنها لم تمتثل للأمر.

قررت الإبقاء على حياة المتحرشين وها هو أحدهم الآن سيفعل بها ما كان يفعل مع غيرها.

-اخلعي ملابسك.

-أرجوك، لا تفعل.

-قفي وإلا جعلت دماغك يتناثر على الحائط.

بعد أن وقفت جنجر ممتثلةً لأمره، لم ينقطع صوت بكائها بل ازداد أكثر، فجعلت الرجل يستاء منها، حينها لم يتمالك غضبه وقام بصفعها؛ لترتطم بالأرض مع صرخةٍ عاليةٍ جدًا.



ماالذي حدث لتصل جنجر إلى هنا؟ كيف أصبح المُلاحِقُ مُلَاحَقًا؟ وهنا بالضبط سنعود إلى ثلاثة أيام من اليوم.

كانت جنجر تحمل سلاحها على كتفها وتقف في كوخ محاطٍ بألغام بعيدةٍ عنه كمسافة آمنة للسير، سمعت بعض الأصوات ومن ملامح وجهها بدا وكأنها أصوات تعرفها، وقفت أمام النافذة واستخدمت المنظار فرأت سوزان، وهي محاطةٌ بأربع رجالٍ، يحثونها على السير قصرًا، ثم ظهرت كلوديا التي كان يتم جرها رغم محاولاتها للإفلات.

خرجت جنجر وتخطت اللغم؛ فهي تعلم أيها يعمل وأيها معطل، على عكس المدافعين، وكان عليها أن تسرع قبل أن تفقد أثرهم.


ركضت في الاتجاه نفسه، وكانت خائفة على صديقتيها، شعرت أنها ستبكي عندما لم تلمح أحدهم، لكن سرعان ما عاد لها الأمل عندما سمعت صراخ كلوديا وهي تشتم.

فركضت نحو مصدر الصوت وبمجرد أن أصبحوا أمام بصوها أشهرت السلاح:

-أيها الكلاب، دعوهن وشأنهن.

استدار كل الرجال الموجودين وكان عددهم ستة.

-والآن، سوف تنصرفون بهدوء وإلا قتلتكم.

-هوني عليك، ما الذي تظنينا نفعله؟ كنا نوصل الفتيات لمكان آمن منكم.

صرخت كلوديا:
_إنه يكذب.

كاد الرجل أن يصفعها لكن جنجر منعته وهي تلقم السلاح مجدداً وتصوبه نحو رأسه:
-لا تلمسها.

أخفض الرجل يده إلى الأسفل، وكظم غيظه بينما كان ينظر إليها برغبةٍ شديدةٍ لقتلها.

-لا أصدق أنه وفي هذا الوضع ما يزال هناك رجالٌ مثلكم.

-علينا أن نعيش! الحياة يجب أن تستمر.

شعرت جنجر بالغضب من رده، هل هذا يعني أنه كان يفعل ذلك للنساء قبل أن يأتي إلى المسابقة؟ حطمي عظام وجهه يا حلوتي.


رفعت جنجر أخمص سلاحها ثم قامت بضربه، وكانت النتيجة سقوطه على الأرض مع خروج الدماء من فمه.

بصق ما في فمه من دماء:

-لو لم يكن لديك هذا السلاح لكنت تقفين الآن بجوارهن، فلا تغتري بسلاحك هذا كثيرًا، أنت لا تعلمين متى ستفقدينه.

أطلقت الرصاص قرب قدميه؛ ليفرّ راكضًا من مكانه، ثم أطلقت مجددًا خلفه وقرب أقدام أصدقائه الذين لحقوا به دون أي جدال.

بعد أن اختفوا، ابتسمت الفتيات بسعادة غامرة وعلى أثر ذلك اقتربت كلوديا:

- تباً يا فتاة كادوا يبللون سراويلهم.

أضافت سوزان:
-أجل، لقد كنت رائعة، شكراً لك يا جنجر.



بملامح جامدة صوبت السلاح نحوهن، ثم قالت:

-توقفن.


وقفت كلٌ من كلوديا وسوزان في مكانها، بينما استرسلت جنجر:
-دعوني لا أرى إحداكما مرة أخرى، لأنه في حال حدث اشتباك بيننا لن أمررها.

سألت سوزان:
-لما عساك تفعلين ذلك، نحن أصدقاء.

-الأصدقاء لا يتخلون عن بعضهم يا سوزان، كنت أول من قام بطردي، هل نسيتِ هذا؟

-كنا مجبرتين.

-ليس بهذه الطريقة، أنتما لم تثقا بي منذ البداية، لقد بدا لي ذلك واضحًا في تلك اللحظة، لا تطلبا أن أثق بكما؛ لأن هذا لن يحدث أبدًا.

أبعدت جنجر سلاحها جانبًا:

-والآن ابتعدا، سوف أقف هنا لعشرة دقائق فقط.


تحركت كلوديا خلف سوزان ثم التفتت إلى جنجر، كانت سوزان تحصر الكثير من المشاعر السلبية وعندما سمعت ما قالته كلوديا لجنجر غرقت عسليتاها بالدموع:

-أنا آسفة يا جنجر، لعلمك فقط لقد كنت أفكر بك كثيًرا.

-اذهبا.

قالت ذلك دون أن تلقي عليها نظرةً واحدةً وهكذا بقيت في مكانها حتى أصبحت وحيدةً في الغابة.

-كنت أفكر بكما أيضًا، لكن ليس بعد الآن.



ظنت جنجر أنها لوحدها حتى جعلها هذا الصوت تقفز في مكانها:
-أنتِ.

استدارت جنجر بذعر وهي تبحث عن مصدر الصوت وتوجه سلاحها في كل صوب تنظر إليه.

-من أنتَ؟ أظهر نفسك!

-بالأعلى.

رفعت جنجر رأسها ورأت إدجار، حيث كان يجلس على جذع شجرةٍ عالٍ.

وجهت السلاح عليه:

-أنت تعلم أنني أستطيع قتلك الآن.

-وأنت تعلمين أنني كنت أستطيع مهاجمتك ولم أفعل.

-كنت هنا منذ البداية ولم تساعدهما!

صمت إدجار قليلًا ثم قال وهو ينظر إلى الفراغ:
-لما عساي أفعل؟

-يا لك من وغد.

-أظن أن عليك الرحيل، سوف يعودون للنيل منك.

نظرت له بكرهٍ شديدٍ ثم قررت أن تدعه هذه المرة وتلوذ بالفرار؛ فهي في الغابة لوحدها دون مرافقٍ، هذا غير أنها غادرت مكانها دون إذنِ أو عِلم أحد.

إن علم أوسكار بذلك لن يكون سعيدًا، على عكس لورلاي التي كانت تراقب كل ما يحدث وهي ترتشف قهوتها المُرة.

لا بد وأنك تستمتعين بهذه العروض أمامك، فأحداثها لا تُمَل، بل تجعل من يشاهدها يستمتع بكل لحظة.

كما تفعلين أنت الآن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي