11

الفصل الحادي عشر.



-توقفي..

صاحت جنجر وكأن الخلاص قد انبعث في صوتها من أجل صوفيا وليس إدجار فقط، حيث أنزلت سلاحها والتفتت لها كما فعل الجميع.

راقبت جنجر وجوههم وهم ينتظرون معرفة ما ترغب بقوله، وأي لعنة جعلتها تطلب ايقاف إعدام إدجار:

-هو لم يفعل ذلك، لقد قام بقتلهم مجموعة من الأشخاص الآخرين.

ضحك أوسكار بتهكم، وبنبرة تملؤها السخرية تحدث:
-أنتِ تلعبين معي يا فتاة!

-آسفة، أنا كنت مرتبكة وخائفة، ما حدث هو..

قبل أن تكمل كلامها قلدها أوسكار بطريقة ساخرة ثم تقدم منها وهسهس أمام وجهها بحنق:

-ما الذي حدث بالضبط؟


وفي خيفة على نفسها منه ارتفعت أكتافها مما جعل رقبتها تنغمس بينهما، ورغم نظراته الحارقة والتي بعثت الجزع في أوصالها إلا أنها تحدثت بعد أن ابتلعت ما في حلقها:

-لقد كنا نخيم في الغابة ونحضر الطعام لأنفسنا عندما قام ثلاثة من المدافعين باقتحام المكان علينا، نتيجة لذلك تم طعن زملائي بالسكاكين واحدًا تلو الآخر، حينها كانت الأسلحة في الأرض؛ لذلك هم استطاعوا النجاح في مداهمتنا.

حينها أنا لم استطع فعل شيء؛ لأن أحدهم باغتني من الخلف وخنقني وهو يقيدني بذراعه، وبالتالي أنا فقط شاهدتهم يموتون أمامي.


أغمضت جنجر عينيها على أثر الذكريات المريعة لتكمل:
- وفي النهاية أنا استطعت الهرب بعد أن ضربت الرجل الذي كان يمسك بي، لكنه لحق بي وتتبعني، ثم..

صرخ أوسكار بنفاذ صبر:
-ثم ماذا؟


على عكس ذلك المتوحش كانت نبرتها حزينة وباكية، أثارت الشفقة في قلب إدجار وصوفيا وماتيلدا، التي قضمت على شفتها السفلى.

تحدثت جنجر وشفتيها لا تتوقف عن الاهتزاز لتجهش في البكاء:
-لقد حاربته، وطعنته بخنجري؛ أغضبه ذلك وجرني معه إلى كوخ ثم حاول إغتصابي.



انتحبت في آخر كلامها وتحشرج صوتها، وكانت الحقيقة في صوتها صارخة بالنسبة لإدجار على عكس أوسكار الذي بدا عليه عدم الاهتمام:

-ماذا بعد؟ أنا لا أسمع ما يفيد، كيف وصلت جثته إلى هنا إذا كان قد مات في الغابة كما تقولين ايتها الحمقاء؟

-بينما كُنتُ تحت تهديد السلاح فجأة ظهر جاكس وقفز على الرجل، وبدأ يعضه حتى انتزع لحمة من عنقه والتهمها، ثم، ثم جاء هنري وفعل ما فعله جاكس.

صرخ أوسكار في وجهها:
-ما هذا الهراء الذي أسمعه؟


ثم وضع المسدس على رأسها يدفعه بخشونة فمالت به إلى الجانب في خوف، ليقول:
- هل تظنين أنني كيسٌ من القذارة لتفرغي حثالة ما يخرج من فمك فيه؟

صرخت مغمضة عينيها:
-أقسم لك يا سيدي، أقسم لك.

في حين كانت جنجر تقص ما حدث معها، كانت نظرات إدجار لها شبه معدومة من الحياة، ولو أن شخصًا من الحاضرين قد انتبه لوجهه لعرف أنه قد عاش هذه الحالة من قبل.

ما هو الماضي الذي عِشته يا إدجار حتى تبتل رموش عينيك بهذا الشكل الحزين؟

أكملت جنجر:
-لقد هربت منهما إلى هنا ولحقا بي عندها أنا اضطررت للدفاع عن نفسي.

عادت إلى الخلف بخطوات لتؤشر بيدها نحو المنحدر:
-لقد قتلت جاكس وأسقطته من أعلى المنحدر، ثم قتلت هنري بضربتة في رأسه؛ لأنه كان سيلتهم الفتاة الصغيرة.


عندما كان الجميع مصدومين مما كانت تتفوه به من جنون، تجمع كل غضب العالم في رأس أوسكار والذي أغمض عينيه وعض باطن فمه وهو يدور حول نفسه.

كانت أنفاسه تخرج من أنفه كالتنين عندما وقف أمامها وصفعها لتسقط على الأرض، ثم بدأ بتقليدها كالطفل السخيف الذي نجده في أغلب البيوت:

-كان سيلتهم الفتاة الصغيرة!

حرك يده مزامنًا كلماته الخرقاء.


بكت جنجر بحزن وهي تضع يدها على خدها، لقد جعلها تشعر بإهانة مزقت فؤادها.

لا الموت فقط ما ينتظرها من هذا الظالم الشرير عديم المشاعر، بل أيضًا الإهانات المتتالية.

انتحبت في أرضها ولشدة انزعاجه من صوتها اندفع يركل معدتها كما لو كانت كيسًا من الإسمنت، كانت تئن وتحمي نفسها في محاولات ضعيفة للمقاومة، لكن قدمه الغاشمة دهست كل ما وقعت عليه من جسم جنجر.

كانت هذه هي اللحظة التي رفع فيها إدجار المسدس من الأرض وأطلق النار على ذلك المستبد.

فقط هكذا دون تصويب، دون تفكير، دون أن يخاف على حياته، ولكن المهرج كان جيد الحظ لتمر الرصاصة من قرب رأسه بالضبط.


وبعد أن شعر بأزيز الرصاصة وهي تمر من جانبه التفت على فوره بذعر وعيناه على أوسعهما، لم يصدق أنه كان سيفقد حياته للتو وأنه نجى.


اطلق بطلنا مجددًا بينما الآخر استطاع تفادي الخطر ثم اطلق من مسدسه نحو ذراع إدجار فسقط منه السلاح على الأرض وهو يعبر عن الألم الذي أصابه.


بدا إدجار مشتتًا ولا يكترث لمصيره عندما فعل ذلك، هو فقط استعاد شعوره بالواقع بعد أن اخترقت رصاصة أوسكار ذراعه.

في حين أن جنجر تقلصت على نفسها ما أن سمعت ضرب النار وزحفت تلوذ بنفسها قرب الجبل، نظرت من هناك إلى نزيف إدجار وظنت أنها نهايته، حيث رأت أوسكار يرفع مسدسه على رأس الآخر لكي ينهي حياته.


لكنها كذلك شاهدت صوفيا التي رفعت سلاحها وقد ضربت به رأس إدجار، ونتيجة لذلك سقط هو على الأرض فاقدًا للوعي.


فحدق بها أوسكار متسائلًا:

-لماذا فعلت ذلك؟ كنت أريده أن يشهد موته حيًا.

ردت صوفيا على فورها:
-سيدي، لم أنظر إلى ما كنت تفعله لقد تصرفت دون إدراك لكي أنقذ الموقف.

ابتسم أوسكار بتعالٍ فقد نال ما يريده من اهتمام:
-هذا جيد، تعجبني المرأة الشرسة مثلك.

ثم نظر إلى كارتر وماتيلدا خلفه بعدم رضا:
-ليس مثل بعض عديمي الفائدة، لا بد وأنه أخذ سلاح احدكما من العربة.



ما الذي تقوله يا رجل! لقد حدث كل ذلك برمشة عين، لم يتسنى لهم أن يسحبوا السلاح عن أكتافهم، لكنك محق بأن لا أحد منكم انتبه لتسلله خلف ظهوركم حيث كاد ينسف احشاء دماغك، وتبًا ليته فعل.


تقدم كارتر لكي يعوض نفسه عن الخيبة التي شعر بها أوسكار موجهًا سلاحه نحو ذلك الفاقد لوعيه:
-دعني انتهي منه يا سيدي.

-لا تفعل.
نهرته صوفيا لينظر الجميع إليها بتعجب، ثم أفرغت حلقها بعد أن تنبهت لتهورها:
-هذا ليس شيئًا أنت تقرره، ربما الرئيس يريد الاحتفاظ به.

في تعجب سأل أوسكار واضعًا يديه حول خصره:
-ولماذا قد أفعل ذلك؟

-رهينة! ولتحقق معه أكثر.

حول أوسكار نظره إلى جنجر ثم قال:
- أنت محقة، وهذه اللعينة أيضًا، هاتوا بكليهما.

في حين أن كارتر حمل إدجار، توجهت صوفيا إلى جنجر وحثتها على النهوض من مكانها.

كانت جنجر تصدر صوت الألم مع كل حركة ولكن ذلك لم يمنعها من التعبير عن الشكر والامتنان لصوفيا:
- شكرًا لك.

-اخرسي، لا يوجد ما تشكريني عليه، ولا تتحدثي معي مُطلقًا.

-أرجوك، صدقيني.

نظرت صوفيا في عيني جنجر المرعوبة بينما تكمل حديثها:
-سوف تعلمين أن ما قلته كان حقيقة عندما تجدين الرجل في ذلك الكوخ المحطم، لقد قاما بالتهامه حيًا، أرجوك صدقيني، بعد ما رأيته أدركت أن الجميع على هذه الجزيرة في خطر.



رغم رغبة صوفيا الشديدة بتصديق كلام جنجر إلا أنها لم تتحدث ولم تعرها أي اهتمام، بل تقدمت بها وهي ترغمها على السير.

خاطبت صوفيا نفسها كارهة لتقلباتها

"ما الذي تفعلينه؟ لماذا أنت تارةً هنا وتارةً هناك؟ ماذا دهاكِ أيتها غبية!"




أو ربما أنت عاطفية! أي بمعنى مشابه لغبية في وضع كهذا عزيزتي صوفيا، ولا تقسي على نفسكِ كثيرًا، في حين أن الضغط كان شديدًا عليكِ إلا أنك أحسنتِ صُنعًا هذه المرة، فأنت لم تقدمي على قتل إدجار بعد أن تلقيتي أمرًا غير قابل للنقاش لفعل ذلك.

سيتسنى لك غرز سهمك في مؤخرة ذلك المتعجرف لاحقًا، فأنت لم تنسي وعدك بذلك.

أنت لا تطلقين وعودًا لا يمكن لك الوفاء بها، صحيح؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي