16

الفصل السادس عشر

-انتظر انتظر.

كان هذا صوت جنجر التي أوقفت إدجار عن السير وكان لا يقل عنها إرهاقًا؛ حيث قطعا مسافة طويلة سيرًا على الأقدام.

التفت جانبًا ينظر لها من أعلى كتفه بعد أن أراح بندقيته على فخذه.

ومن هناك استطاعت جنجر أن ترى الاستياء على وجهه؛ كانت ملامحه تعطي تعبيرًا صارخًا عن الألم الذي يشعر به.

تحدث بصوته الخشن:
-ماذا هناك؟

ركزت نظرها على ذراعه المصابة وقالت بأنفاس متقطع:

-حسنًا، يمكن لك أن ترى؛ أنا متعبة وأنت مُصاب بطلق ناري.


استدار بكامل جسده نحوها فرفعت رأسها لتقابله، حيث كان يتمركز فوق القسم الأعلى من التل بينما تقف هي فوق الأرض المنخفضة.


بنظراته العدوانية والغير مكترثة البتة تحدث:
-ماذا تريدين أن أفعل؟


-ربما أريد أن نرتاح قليلًا! أعني أنا، فأنت لا تبدو كشخص يحتاج للراحة أبدًا.

انهت كلماتها بشيء من السخرية فهز إدجار رأسه للجانب:
-إن شئتِ يمكنك البقاء، أنا لن أبقى هنا دقيقة واحدة.

عقدت جنجر حاجبيها ببعضهما، مستنكرة مما قاله بعد أن عرض عليها الذهاب معه.

-أخبرني، لماذا طلبت مرافقتي إن كنت ستتركني لاحقًا؟

قلب إدجار بصره للأعلى، ولعن تحت أنفاسه ليقترب نزولًا حتى وقف أمامها:

-اسمعي يا امرأة

-إمرأة؟!

-لقد خيرتكِ، لم أقل أنني سأبقى معك، هناك أنا ساعدتك فقط لكي تتخلصي من بقائك معه؛ أنت قلتِ الحقيقة هناك وها أنا أردها لك.

-فهمت، هذه طريقتك بشكري؟

-لا أحب أن يكون لأحد ما دينٌ علي.

-ولكن أنت كنت في ورطة بسببي وما فعلته أنا هو الصحيح، فتلك كانت الحقيقة، لا يجب أن ترد لي شيئًا أبدًا.

وهذا ما فكرت به بشأنك، أنك لست مدينًا لي البتة وأنك عدت من أجلي مقابل لا شيء، ثم عرضت عليَّ المساعدة أيضًا مقابل لا شيء، هذا غير إنقاذك لي عندما وقع الاشتباك، والآن أنت بلسانك المتعجرف هذا تقوم بتخريب كل شيء.

رمقها إدجار بصدمة، عن أي تخريب لعين هي تتحدث؟ ومن نظرته الفارغة بدا له أنها ذكرت تفاصيلًا يجهلها هو أساسًا.

كانت جنجر محقة تمامًا حيث إبقائك لفمك مغلقًا هو أفضل شيء تفعله رغم غرابته.


-اجبني، لماذا لا تريد البقاء معي؟ هل تخاف من أن أقوم بعضك؟ أو اصيبك بمرض ما؟

أصابها بنظراته الحذرة والصريحة:
-ربما.


رفعت جنجر شعرها للأعلى بقلة صبر وهي تتأفأف، غير مصدقة لهذا الهراء الذي يتفوه به.

أخرجت الهواء من فمها وقالت:
-يا لك من وغد! وأنا صدقت بأنك شخصٌ جيد، أنت مجرد أحمق غبي مثل غيرك.

ثم تقدمت نحوه بخطوة مقطبة حاجبيها بإنزعاج واضح:
-فقط اعطني سلاحًا..


لم تكمل حديثها ولم تسمح الفرصة لإدجار بأن يعترض ويكفر عن سوء معاملته لها حتى قاطع خلوتهما حفيف الأشجار، والذي بدا لهم أنه قد نتج عن حركة من صنع بشري.

وقف إدجار إلى جانب جنجر موجهًا سلاحه نحو مصدر الصوت.

حيث كاد قلب جنجر أن يتوقف لو لا أن الطفلة ماري من الوقت السابق قد خرجت وخلفها عمتها آنا مع صديقتها هذر.

-العم!

ذكرت ماري اسمه مع ابتسامة عريضة، ثم ركضت نحوه وبمجرد أن اصطدمت به، حاوطت بذراعيها ما وصلت إليه قامتها الصغيرة.

أنزل إدجار سلاحه ولم يعجبه ما حدث، شعر كما لو أن جسده تلوث، هذا غير عقله الذي كان يصرخ في الباطن؛ فقد كان مستعدًا لإطلاق النار على القادم قبل أن يظهر أمامه.

كان شعوره بعدم الارتياح جليًا لمن حوله، وبالأخص جنجر التي راقبت ردة فعله، فبدأت تتساءل إن كان متضايقًا من قربها أم لا يعجبه كونها طفلة شاهدته حين كان يوجه السلاح نحوها؟


همست جنجر وهي تمسح مؤخرة عنقها:
-من الجيد أنك لم تُطلق.


نظرت آنا -عمة ماري- في تعابير الاثنين الواضحة أمامها مع صدمة على وجهها بعد أن عرفت ما كان سيحدث.
عندها تحدث إدجار وهو يقوم بابعاد ماري عنه:

-أنا لست عمك، ابتعدي أيتها الشيء الصغير.

ابتسمت جنجر لكي تغطي على وقاحة إدجار وأضافت بسرور وهي تخاطب آنا وهذر:
- أنتم أحياء، الحمد لله.

ابتعدت الطفلة ملبية لطلب العم الذي يكاد أن ينفجر، ونظرت لهما:
- الشكر لكما.

تحدثت عمتها آنا وهي تمد ذراعيها:
-حلوتي، تعالي إلى هُنا.

لبت ماري نداء عمتها التي أضافت:
-لقد هربنا من حيث كنا نختبئ.

ردت جنجر براحة في صوتها:
-هذا جيد، هذا يعني أن صوفيا لم تلاحقكم.

سألت آنا بقلق:
-لماذا ستلاحقنا؟

-لأن الرجل الذي يترأس مجموعة الملاحقين أرسلها خلفكم، وعندما عادت قالت لنا أنها تخلصت منكم.

هزت آنا رأسها بخوف مما كان سيكون عليه مصيرها، ثم أجابت وهي تضع كفها على كتف ماري:
-لا، لم نرى أحدًا.

ابتسمت جنجر وهي تخاطب إدجار:
-لقد كَذَبَتْ، هي أنقذتهم كما فعلت معك.

لم يتحدث إدجار بل رمقها بنظرة غير مبالية في طرف عينيه، بالطبع هو لن يصدق أن فتاة النبله تلك قد تفعل شيئًا جيدًا، وإن فعلت، هذا آخر همك يا إدجار.


-هيا، لا تنكر هذا الآن، صوفيا أنقذتنا جميعًا.

-أنا لا احتاج للإنقاذ.

-ربما كان يجب عليك أن تقول ذلك عندما كاد أوسكار أن يفجر رأسك هناك!

ارتفعت شفته العليا مع نهاية حاجبه ثم قال:
-مازال لا يهمني.

-بالطبع لن يهمك، أنت وغد الصيد الكبير الذي يتجول لوحده.

-ما الذي تريدينه مني بحق خالق الجحيم؟!

صرخت جنجر في وجهه:

-أن تكون رجُلًا، أن تكون طبيعيًا على أقل مقدار.

أشارت بإصبعها وهي تبسط ذراعها نحو آنا:
-يوجد هنا امرأة مصابة مع طفلة، وأنت مصاب كذلك، هل يمكنك أن تحمي هذه المجموعة على الأقل أيها الوغد؟ أنا أريد أن أرى ابنتي مجددًا، هل يعني هذا لك شيئًا؟


يبدو أن أميرتنا المتوحشة استطاعت أن تخرسك يا إدجار، إن كنت تريد بقاءهم حولك فقط دعهم، أنت لا تحتاج أن تعترف بذلك.

طال النظر بين إدجار وجنجر، حينها ترقرقت الدموع في عينيها واختلطت بطريقها بالوحل المتيبس على وجهها.

-لا أريد جائزة، لم أعد أريد المال، أنا فقط أريد رؤية ابنتي مجددًا، أرجوك دعنا نبقى معًا.

عرف إدجار أنها تراه كطوق نجاة، وفي داخله كره هذا بشدة، هو لم يستطع حماية نفسه وحماية أمه من قبل، كيف لك أيتها الغبية أن تطلبي من قارب محطم أن يوصلك إلى الشاطئ؟!


تحدث إدجار كارهًا:
-لا أريد أن تزعجني إحداكن.

-لك ذلك.

-لا أريد عبئًا أيضًا، ومن تشكل عبئًا عليّ سوف اتركها خلفي.

نظر لهن جميعًا بتحذير مطالبًا بإجابة واضحة:
-هل هذا واضح؟

اومأت جنجر له بدهشة من موافقته السريعة:
-هذا واضح.

ثم ردت له آنا وهذر بالمثل، أما بالنسبة للصغيرة ماري بالطبع لم يكن لديها أي اعتراض على أوامر هذا العم الجديد والغاضب، لكنه لم يوفرها وأصر على سماع إجابتها:
-وهذا يتضمنك أنتِ أيضًا أيتها الشيء الصغير.

أجابت ماري على فورها بعيونها النيلة السعيدة:
-حسنًا.

-هذا جيد، اتبعوني ولا تصدرن صوتًا وانظرن أين تقع أقدامكن.


تقدم إدجار ليتبعنه على التوالي في صمت.

بينما جنجر تسير كانت تشعر بعيون تكاد تثقب مؤخرة رأسها من شدة التحديق، وكانت هذه عيون هذر التي بدت غير مسرورة برفقتها، تسير على خطوات آنا وتضيق عينيها مع أفكارٍ شتا تأخذها وتأتي بها، وكلها لم تعطها شعورًا جيدًا.


"هذا الرجل شخصٌ غامضٌ وصامت أغلب الأوقات، في الوضع الطبيعي أنا اتضايق عندما لا يمكنني معرفة إنسان من خلال الأخذ والرد بالحديث، لكنه يجبرني على أن أرضا بالقليل، أتمنى أن يكون فعلًا الشخص الوحيد الذي سيفوز بكل مواجهة وخطر في طريقنا"

هذا ما كانت جنجر تخاطب عقلها فيه بعد أن تذكرت كلام سوزان على الباخرة عندما قالت "أنا أظن أن الرابح الوحيد ودون منازع هو ذلك الرجل، لأنه لا يهتم؛ المُهتمون يخسرون دائمًا."


نظرت إلى ظهره حيث صورة كلب الصيد مطبوعة على سترته، ثم دعت في سرها:

"إلهي كم أتمنى أن يكون كلامها عنه صحيح، هو الآن أملي الوحيد."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي