18

الفصل الثامن عشر


بينما يخضع إدجار لجلسة التعذيب كما يظن، أخرج ميكلاي الحاضنة الإلكترونية من أسفل هاتفه النقال ثم ترك الهاتف على المنضدة بقربه، وفي عقله حوار آخر:
"أنا لست في غرفتي، أنا في حجر الثعبان، لذا يجب أن أتخذ الحذر"

ضغط على الحاضنة بين أصابعه ثم أراح جبهته على قبضته المغلقة.

وبينما يفعل ذلك تنفس بعمق وأغمض عينيه، مخاطبًا نفسه:
"يجب أن يصل هذا التسجيل للجهات المعنية، فما يحدث هنا شيء خطير جدًا".

وصلت له رسالة جديدة فابتسم بمجرد أن رأى اسم المرسل "طفلتي"، فتح رسالتها وكانت:

"سوف أحتفظ من أجلك على شرط أن تشتري لي المجموعة التي طلبتها منك."

ضغط على الأزرار وكتب:
"لك ذلك يا حلوتي، وتذكري شيئًا، لا يمكنك أن تفتحي ذلك الملف، وبالطبع لا يمكن لك أن تفقديه."

"حسنًا، لا تقلق يا أبي."

أغلق السيد ميكلاي هاتفه ثم أخذ الدواء من جيب سترته السوداء التي ألقى بها على الأريكة بقربه.

-هذا المرض اللعين لا يدعني وشأني.

بعد أن تذمر حمل كأس الماء من فوق المنضدة وشرب كل ما فيها مع كبسولة الدواء، وهكذا هو في نظره قد أصبح مستعدًا للنوم.

وضع رأسه على وسادته وشعر أن المفعول أقوى من سابق عهده، لقد أراد أن يفكر أكثر إلا أن النعاس تغلب عليه.

بالعودة إلى الكهف الذي يجمع إدجار مع 4 إناث رغمًا عن أنفه، وعن رأسه المتحجر، رفعت جنجر نظرها عن ذراعه وقالت:

-يمكنك أن تنظر الآن أيها الرجل القوي.


نظر إدجار إلى جرحه الذي قامت بعلاجه بشكل مبدأي، ثم نظر لها بغضب يحاول جاهدًا أن يبتلعه، لقد جعلته يشعر بأنه كان خائفًا من النظر، وهذا لم يجعله مسرورًا.


بعد أن أدركت جنجر ورطتها أشاحت نظرها عنه، فتحدثت ماري مع عمتها لتلفت مسامع الجميع:
-هل يمكن أن أنظر أنا أيضًا.

أجابت عمتها مبتسمة لها:
-أجل يمكنك ذلك عزيزتي، لقد انتهى الأمر.

استدارت ماري بحجمها الصغير وهي ماتزال متربعة على الأرض الترابية:
-لا يبدو ذلك مؤلمًا.

-كيف تعرفين ذلك؟

-العم إدجار لا يتألم، أنظري إليه.

ابتسمت هذر وقالت بعد أن جلست في مكانها:
-الأمر مؤلم يا صغيرة، لكن هؤلاء هم الذكور، لن يدعوك تعرفين.

بينما إدجار يحرق هذر بنظراته المنزعجة، نظرت ماري في الفراغ بعد أن تعلمت درسًا جديدًا، وهو "الذكور يكذبون"، يا له من درسٍ غير مناسب تحدثتي به يا هذر.


نهضت ماري ولم تستطع عمتها الحَذرة أن تمسك بها حيث تحركت بسرعة وتركت يديها تتشابك مع بعضها في الهواء خلفها.

وصلت إلى إدجار الذي كان مقطبًا حاجبيه وهو يتجاهل وجودها بالنظر إلى الجرح في ذراعه، فجلست القرفصاء قرب جنجر التي بدورها ابتسمت في وجهها:

-مرحبًا أيتها الشيء الجميل.

ابتسمت ماري بعد ما أطلقته جنجر عليها:
-مرحبًا.


شعر إدجار بنظرات الصغيرة المرتكزة عليه:
-ما الذي تنظرين إليه.

-جرحك.

-انتهى العرض، عودي إلى مكانك.

-أنت رائع حقًا، لم تتألم مثل عمتي آنا.

شهقت جنجر في مكانها:
-صحيح، لقد ذكرتيني.

ثم توجهت إلى آنا في أسف:
-المعذرة، لقد نسيت أمرك، دعيني أنظر إلى إصابتك.

-شكرًا لك.

نظرت جنجر إلى مكان الإصابة في ساق آنا:

-يبدو أن الرصاصة قد خرجت من الجهة الأخرى، هذا من حسن حظك.

انتهت جنجر من ربط ساق آنا بما تبقى من قميصها وقالت:
-يجب أن تحصلا على مضادات حيوية.

سألت هذر:
-من أين نحصل عليها؟

-إنها في مقرنا.

-نفس السؤال يتكرر، كيف لنا أن نحصل عليها؟!

تنهدت جنجر في إحباط:
-لن يدعونا نحصل على شيء.

-أجل، نحن لا نتوقع أن تقدموا لنا شيئًا.

نظرت جنجر في وجه هذر بضيق:
-أنا لست معهم، ليس بعد الآن، وأيضًا دعيني أخبرك أنني لم أكن معهم بإرادتي، أنا كنت هناك لأنني كنتُ وحيدة، لم يكن قرارًا أخذته عن قناعة.

تبادلت جنجر النظرات الغريبة مع إدجار ثم أكملت تبريرها وهي تنظر في وجهه المتجهم:

-لقد اضطررت لفعل ذلك.

ثم حولت نظرهل إلى آنا وهذر:
-في البداية ظننت نفسي محظوظة ولا أنكر ذلك، كنت أظن أنني على الطرف الأفضل في هذه الجزيرة وأن الله قد انتقم لي من الذين قاموا بالتخلي عني.

شعرت آنا بالأسف على جنجر فتحدثت:
-أنا أسفة على هذا الكلام الذي سمعتيه، أنت تستحقين الشكر فقط، لقد كنتِ شجاعة جدًا، أنت والسيد إدجار، شكرًا لكما.

-على الرحب، لم أفعل شيئًا يذكر.


وعلى عكس جنجر التي ردت عليها لم ينطق إدجار، بل كان غير آبهٍ لهذا الشُكر؛ هو شخص لا تنفع معه الكلمات المبتذلة كهذه.


سألت آنا لكي تغير الحديث ولتكبح أي جملة قد تخرج من فم هذر:
-أخبريني كيف تعلمتِ العلاج؟

-لقد عَملتُ في منظمة للإسعافات الأولية لمدة ثلاثة أعوام.


-لقد قمت بعمل رائع، أنقذت العم إدجار وعمتي.

ابتسمت جنجر لكلام ماري، ها هي طفلة تستطيع أن تتحدث بلباقة أكثر منك يا هذر.


كان مظهرها يمريبًا وهي تنظر لمن حولها بهذا الشكل!، أنت تظنين أن الجميع مخدوع بكلمات جنجر المعسولة أليس كذلك يا هذر؟


أكملت هذر تحقيقها:
-ألن تخبرينا لماذا ندمت بعد أن كنت مع الطرف الآخر؟

دحضتها آنا مجددًا:
-عزيزتي هذر، هذا واضح.

-ليس واضح بالنسبة لي، هل أنت حزينة لأنك سوف تتحولين مثل ذلك الرجل أعلى الجبل؟! لا بد وأنك كذلك، وليس لأنك كنت مع من يستمتع بقتلنا وتعذيبنا.


تحت أنظار جنجر ارتعدت ملامح آنا خوفًا من ما تذكرته، لقد بدت وكأنها قد نسيت ما حدث في السابق، وها هي هذر تذكرها.

-يا إلهي.

خبأت آنا وجهها بكفيها بينما نهضت هيذر على طولها لتتحدث بعداوة:

-أنا لا أستطيع أن أبقى معها في المكان ذاته.

ثم وجهت نظراتها الشرسة باتجاه جنجر:
-أنت تشكلين خطرًا علينا، يجب أن تذهبي.

بدا على إدجار الإرهاق الشديد، حيث كان يقاوم إغلاق عينيه، بينما شعرت ماري بخوفٍ جعلها تقوس فمها وهي تتحدث بحزن:
-لا، لقد أنقذتنا.

-وإذًا؟

نظرت ماري في وجه آنا وبدى صوتها حزينًا وهي تطلب دعمها أمام هذر:
-عمتي!

هزت آنا رأسها بقلة حيلة فأضافت ماري:
-كلاهما أنقذانا، وسوف يفعلان ذلك مجددًا.

كان إدجار يراقب اضطراب جنجر وخوفها، بينما يسمع كلمات ماري الصغيرة، ولاحظ كيف يمكن لطفلة أن تتحدث بكمية النضج والإنسانية أكثر من الشخص الكبير والعاقل! رغم أن هذر محقة إلا أنهم لا يستطيعون نبذها بهذه الطريقة.


رفعت جنجر شعرها إلى الخلف وهي تنفخ الهواء من فمها، ثم تحدث بيأس:
-أنت محقة، ربما سأتحول لشيء يشبههم ولكن هذا لم يحدث بعد، أظنه يحدث بعد الموت.

والدليل على ذلك أنهم كانوا طبيعيين قبل أن يتم قتلهم، لذا أرجوك، لا يوجد مكان آخر أذهب إليه، إن رأني أحد من الطرفين سيقومون بالنيل مني، وأنا لدي طفلة تحتاجني.

أبت الدموع أن تظهر في عيني هذر وكانت روحها تحارب هذا الخطاب المؤثر:
-أنا آسفة، لكن لا.

تدخلت آنا وتحدثت بضيق بسبب إلحاح صديقتها:
-دعونا نقرر ذلك في الصباح.


نزلت دموع ماري على وجنتيها وهي تراقب حال جنجر، وفي اللحظة الغير متوقعة ومن الشخص الغير متوقع خرجت هذه الكلمتين:
-سوف تبقى.

تفاجأت هذر بما قاله إدجار:
- ماذا؟ أنت لا يمكنك أن تقرر عنا كلنا.

أعطاها إدجار نظرة حادة مضيفًا ببرود:
-هي أو أنتم، وإن لم يعجبك هذا يمكنك أخذ رفيقتيك والذهاب إلى مكان آخر.


-لا، لا يجب على أحدنا أن يرحل، كلنا بحاجة لبعضنا، أرجوكم توقفوا.

أنهت جنجر حديثها، عندها شعرت بيدي ماري تعانق خصرها، سمعت شهقة بكائها فمسحت على رأسها لكي تخفف عنها حدة الموقف.

-لا بأس يا صغيرتي، كل شيء بخير.


نظرت هذر في وجه آنا المستاءة، والتي هزت رأسها في عتاب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي