19

الفصل التاسع عشر

في الصباح الباكر، نهضت صوفيا من فراشها في عجل، تفاجأت برؤيتها براندون الذي كان يقف مترصدًا لها أمام باب الغرفة، وكان يعقد ذراعيه حول صدره ويستند بظهره ضد الحائط خلفه.

تنهدت بضيق وهي تقابل زرقاويتاه، ثم أشاحت بنظرها إلى الجانب حتى تقطع ذلك التواصل البصري بينهما:

-ماذا تفعل هنا؟

-ما رأيك في صباح الخير أولًا؟


حدقت به بغضب وسألت مجددًا:
-ما الذي تفعله هنا يا براندون؟

استقام في وقفته مبتعدًا عن الحائط:
-في انتظارك، كما يبدو.

-ولماذا قد تفعل ذلك؟

ابتسم براندون على طريقتها الشرسة في الحديث، تمامًا كما عهدها، ثم تقدم نحوها ولم تعد تفصلهما مسافة تُذكر ليقول بينما هي تشعر بأنفاسه تضرب وجهها بلطف:
- حتى نتحدث بشأن ما قلتيه لي في الأمس.

شعرت صوفيا بسعادة براندون في حديثه، لقد جعلها تشعر بالغثيان حقًا هذه المرة، رغم وسامته الشديدة التي تأخذ عقلها بعيدًا إلا أنها لم تعد تراه سوى أحمق ومنافق.

واجهت عينيه وتحدث بغضب:
-اسمع، أنا لست في مزاجٍ يسمح لي بالخوض معك في أي نقاش، لقد حصلنا على الطلاق وانتهى أمر علاقتنا إلى الأبد، وأنت الآن لست ملزمًا بأي شيءٍ تجاهي، وبالمقابل أنا لست ملزمةً على الحديث معك عن أي شيء يخصني.


هز براندون رأسه للجانبين بهدوء وما تزال تلك الابتسمامة اللئيمة والجميلة على شفتيه:

-توقفي عن قول هذه السخافات، أنت تتحدثين وتتصرفين وكأن لا شيء يهمك، لكنك تعلمين جيدًا أنك لست هكذا.

-هل تظن أنني اختلق هذا؟

-لقد حفظتُ أكاذيبك الصغيرة عن ظهر قلب.

ابتسمت صوفيا بإزدراء:
- أنظر إلى نفسك، ما زلت تتصرف وكأنك تعرف كل شيء، لكن دعني أخبرك شيئًا سيبعد هذه الابتسامة الحمقاء عن وجهك.


توقفت عن الحديث وهي تراقب فضوله لمعرفة ما ستقوله، ثم أرفقت:
- إذا كان هناك شيئًا لا يهمني فاعلم أنه أنت.

وأيضًا، أنت من يجب عليه أن يتوقف، تمامًا كما توقفت عن الاكتراث سابقًا، توقف عن التصرف مثل شخص يشعر بالذنب لإرضاء نفسك فقط، ودعني وشأني.

تصيبني رغبة في التقيؤ كلما نظرت إليّ، وكلما رأيت على وجهك هذه التعابير الغبية، خاصةً بعد ما فعلته أنت.


أنهت خطابها الجارح ودفعته من أمامها، لتمشي في الممر بكل عنفوان.

وبدفعها له، شعر براندون وكأن هناك جبالًا قد سُيرت وبُعثرت على الأرض من أعلى كتفيه، لقد كانت هذه روحه ومشاعره المحطمة.



لعن تحت أنفاسه مكورًا قبضتيه، لم يستطع أن يقف في مكانه حيث قرر أن يلحق بها ليتحدث وهو يخفض من صوته قدر الإمكان:

-ما كل هذا العداءُ تجاهي! لقد كان زواجنا اتفاقًا لا اكثر، لم يكن الحب أو المشاعر له أية ضرورة، لم نشعر بشيء تجاه بعضنا، والآن أنت تتصرفين معي وكأنني حبيب خائن!

توقفت صوفيا في مكانها لتنظر في وجهه وفي عينيها الكثيرٌ من اللوم:
-لماذا فعلت ذلك معي إذًا؟


علم براندون أن ما سيقوله لن يعجبها فتحدث بعد تردد:
-أنت سمحت لي يا صوفيا.


-ليس هذا سؤالي، لكن دعني أسألك بشكل أكثر وضوحًا، إن لم تكن لديكَ مشاعرٌ من أجلي، لماذا سمحت بحدوثه؟

امسك براندون كتفيها وسرعان ما أبعدته عنها بقرف شديد، ليجيب عليها:

-في ذلك اليوم، نحن عدنا من الحفلة بعد منتصف الليل بساعتين، لقد كنتِ جميلة جدًا آنذاك، وأنا كنتُ ثملًا، عندها أنت قمتي بتقبيلي، وبعدها أنا لم استطع التوقف، وأنت لم تمنعيني.

اجتمع كل حزن العالم في عينيه بمجرد أن شاهد دموعها في أطراف عينيها، رفع كفه لوجهها لكي يمسح ما سقط منها لكنها أبعدته ومسحت دموعها بنفسها وهي تكمل طريقها قائلة:

-الآن أنا أمنعك.

لحق بها مجددًا:
-اسمعيني، صوفي.

-لا تنادني هكذا.

وصلت صوفيا إلى المكان الذي تهدف إليه، لقد تجاهلت كلمات براندون المحذرة واقتحمت الغرفة المغلقة، ليتبين أنها مجرد مشرحة.


الجميع تساءل عن سبب وجودها في مكان كهذا من الأساس، لكن حاجتهم لها بعد وفاة ماتيلدا أجابت على هذا السؤال.

دخل براندون خلفها وتوقف معها أمام ثلاجة الموتى، فنظرت في وجهه وتنفست بعمق:
-أحتاج أن أراها.

-لا يوجد صوت، إنها ميتة.

-مع ذلك يجب أن أراها وأتأكد من ظني.

-حسنًا، دعيني أفعل هذا عنك.

تقدم براندون لفتح واحدة من الثلاجات ثم سحبها للخارج، فظهرت ماتيلدا التي كانت في سباتها الأبدي.

تنهد براندون براحة، لكن الراحة لم تظهر على ملامح صوفيا حيثُ علمت أن ظنها كان في محله.


مر وقت طويل ولم تستيقظ ماتيلدا، إذًا أنتِ محقةٌ يا صوفيا؛ ماتيلدا لم تأخذ اللقاح كما اطلقوا عليه، لهذا السبب هي لم تنهض مجددًا كما فعل غيرها.


بالنظر لكونها ميتة هي تبدو أكثر حظًا منكِ، ويا لك من امرأة قد وقعت في بركة وحلٍ عميقةٍ يا صوفي، أنت والرجل الذي تعتقدين أنه مجرد غبي أحمق، بالإضافة لطفلك الذي ما زال ينمو في داخلك.

ما الذي ستحزنين عليه الآن؟ صديقتك، أم حقيقة أنك قد تلدين وحشًا كان سيكون معافى لو أنك لم تأتي لهذه المسابقة الملعونة في المقام الأول.

ربما لن يكتب له أن يعيش، أو ربما هو ميتٌ الآن، لأنك ما تزالين في أشهرك الأولى ولا تستطيعين الشعور بأية حركة.


ابتلعت غصة الحزن وهي تنظر إلى صديقتها العزيزة:
-يجب أن ندفنها، هذا افضل ما يمكن لنا فعله من أجلها.

ألقت كلماتها بحزن وهي تشعر بالغثيان ثم أخذت طريق الخروج بينما براندون يعيد ماتيلدا إلى مكانها وعينيه مشغولتان في مطاردة صوفيا.





-إلى أين نحن ذاهبون؟

-للبحث عن إدجار.

-لماذا؟

-يجب أن أحذره.

نفخت كلوديا الهواء من فمها في محاولة كتم غيضها، ثم أسرعت بخطواتها نحو خوليو موقفة له عن طريق سحبها قميصه بقوة، وهكذا توقف لينظر لها وكان القلق في وجهه واضحًا.

-هل أنت أحمق؟

تململت سوزان بخوف من الأجواء حولهم:
-كلوي، هذا الوقت غير مناسب للنقاش، قد يسمعنا أحدهم.

نظرت كلوديا إلى سوزان وهي توجه كفها في وجه الأخرى:

-لا، أنت اصمتي.

ثم نظرت لوجه خوليو القلق مجددًا وهي تتحدث بغضب ولوم:

-هل سبق لذلك الإدجار أن أنقذ أحدنا؟ هل سبق وأن تدخل في شؤوننا؟ هل قدم لنا المعونة أو المشورى؟ لا، لم يفعل، إذًا لماذا بحق كل شيء يجري حتى الآن أنت تعرض نفسك وتعرضنا للخطر؟


أبعد خوليو قبضة كلوديا عن قميصه برفق، والأزرق السماوي في عينيه يلمع بطريقة آذت قلبها:

-أنا أسف، لكن يجب أن أفعل ذلك، يمكنك العودة برفقة سوزان وانتظاري حتى أعود.


-يا إلهي، ألم تسمع ما قلته لك؟ هو يكرهك بشدة، إنه وغد وحثالة لا يقبل منك أن تقترب منه حتى، متى سوف تتوقف عن التطرف بهذا الشكل المثير للشفقة؟

كانت كلمات كلوديا قاسية على قلب خوليو المرهف، حتى سوزان شعرت بكمية الحزن التي جعلته يشعر بها.

لم يتحدث خوليو فحل الصمت بين الثلاثة للحظات، ثم انكسر ذلك الصمت بظهورٍ مفاجئٍ لأحدهم، وهذا قبل أن تفتح كلوديا فمها من أجل الاعتذار.

-يا لها من مفاجأة، انظروا ماذا لدينا هنا!

بعد أن وقعت سيطرة تلك الكلمات البسيطة عليهم من ذلك المتحدث الذي جعلهم يتجمدون في مكانهم، نظر خوليو إلى ملامح كلوديا أمامه وهي تمتلئ رعبًا.


أحسنت يا خوليو، أنت تتذكر ذلك الصوت جيدًا، تماسك وحاول أن لا تتغوط على نفسك؛ فأنت الرجل الوحيد في الجوار، وعليك أن تصمد من أجل حماية كلوديا وسوزان، لاتنسى ذلك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي