9

الفصل التاسع

-أيتها الشيء الصغير، ما هو اسمك؟

-ماري..

ابتسمت الصغيرة ماري وهي تسير بقرب إدجار ممسكة بيده الكبيرة عكس خاصتها.

-كم عُمرك؟

-عشرة أعوام، وأنت؟

نظر إدجار إليها وهو يكره هذا التقرب المفاجأ الذي اقتحم حياته.

-أنا كبير كفاية.

-هل هذا يعني أنك قوي؟

تعجب أدجار من طريقة تفسيرها للكلام، كان فقط يريد التصرف بلؤم وعدم إجابتها.

-أجل.

-أنا كبيرة كفاية أيضًا.

-أجل، قرد كبير يتدلى من أعلى الشجرة؟!


هز إدجار رأسه بعد أن سخر منها، وملامح وجهه يظهر فيها كرهه الشديد لهذا الوضع.

بالطبع سوف تكرهه، أنت لست جليس أطفال، ألا يكفي أنها قامت بتخريب أحد فخاخك، والصراخ، لتكشف أقرب نقطة لمركزك، وجرك معها إلى مكان فيه إمرأة مصابة والأسوء، هي ما زالت تتحدث!


-عمتي آنا سوف تفرح عندما تعرف أنني وجدتّ صديقًا.

-من هو الصديق؟

سأل بعدم مبالاة ليصدمه الرد الآتي:

-أنت.

-أنا لست صديقًا لأحد.

-لكنك أنقذتني!

-لم أفعل، سوف أعيدك ولا تظهري أمامي مرة أخرى.

طأطأت ماري رأسها بحزن ثم حولت نظرها إلى الأمام، لم يكن إدجار بالنسبة لها مخيفًا، لديه وجه حزين وغاضب ولسان ساخط لكنها لم تخف منه، ولا تعلم لماذا!

ربما كان يجب عليها أن تراه بهيئته القديمة، قبل أن تجبره باربررا على دخول صالون الحِلاقة؛ حينها ستهرب كالفأر.



عودة للماضي

حيث كانت ماري تتسلل للدخول إلى المنزل بثيابها الملطخة بالوحل، تحبو على ركبتيها حتى لا تراها عمتها آنا وجدتها، حينها تحدثت الجدة:

-سيكون الأمر شاقًا عليك، لما عساكِ تذهبين في رحلة طويلة؟

عندما سمعت ماري "رحلة طويلة" توقفت عن الحبو لتكمل الاستماع باهتمام؛ فآخر شيء تريده هو الابتعاد عن عمتها.

-أمي، أنا أجيد الصيد بكافة أنواعه، أبي علمني كل شيء، المبلغ كبير جدًا سيُمَكنُني من علاجك وإصلاح المنزل وسيبقى منه الكثير لأجل أن تحظى ماري بحياة جيدة.

-رغم الأمور الجيدة التي تطمحين إليها من هذا، ما يزال الزواج غير موجود في القائمة.

-لقد تزوجت مرة، لا أريد تكرار الأمر، أنا لا استطيع الإنجاب وكل من يفكر بالزواج لديه خطة لتكوين أسرة والأطفال من ضمن هذه الخطة، لا أستطيع فعل ذلك لأحدهم.

-ماذا عن سعادتك؟

-ماري هي سعادتي، هي الشيء الوحيد الذي قدمه لنا أخي، ذلك المعتوه ربما عاش دون شيء ومات دون شيء لكنه أعطانا أجمل شيء في الكون.

حين سمعت ماري ما قالته عمتها شعرت بسعادة غامرة، لكن قرارها بالرحيل جعل دموعها تتساقط.

-أخوك اختفى، لا نعرف إن كان ميتًا.

-ولا نعرف إن كان حيًا، مضى عام كامل على اختفائه يا أمي، في النهاية يجب أن نتقبل ذلك.

-دعيني أعيش في أمل يا آنا، وظني أنت كما تشائين.

-أمي، أنا أعتذر.

-لا تشغلي بالك، في قلبي، ما زلت أشعر أنه حي، أما بالنسبة لرحيلك، لا أعرف كيف ستصمد ماري دونك كل تلك الفترة!

-سيمضي الوقت بسرعة، لا تخافي، ماري قوية كعمتها.

ثم أكملت ماري حبوها حتى وصلت إلى الحمام، كانت في مسافة بعيدة حيث لم تستطع إحداهن الشعور بوجودها حتى.




عودة للحاضر

أطلقت جنجر صرخة قوية جعلتها تدفع نفسها للأمام وتدفع بمن يريد النيل منها للخلف، كانت تصرخ بصوتٍ عالٍ ومع كل صرخة تتقدم بعزم، وبالتالي وصل صوتها إلى مسامع ماري وإدجار، حينها خافت ماري من أن مكروه قد أصاب عمتها ولم يأخذ التفكير منها وقتًا لتفلت يد إدجار وتبدأ بالجري.

-يا صغيرة، لا تبتعدي.. اللعنة.

لم تصغي ماري لإدجار فشتم وقدماه أخذتاه حيث لا يريد، لقد لحق بها.

الأمر مثل أنك لا تريد فعل الخير لأحدهم ولكن القدر يجبرك على فعل ذلك يا إدجار.



خرجت ماري وإدجار خلفها من الغابة الكثيفة وكان مشهد جنجر وهي تدفع بالرجل إلى الأمام أول ما لفت إنتباههُما.

لاحظت ماري أن المرأة التي تقوم بدفع الرجل ليست عمتها أو هذر فهرولت نحو المخبأ.

لم يكن حدس إدجار بخير، شعر وكأن الأمر مريبًا جدًا ومن الخطأ أن تتقدم الطفلة لوحدها فلحق بها وعيناه لا تبتعد عن جنجر.

بدت له مختلفة كليًا عن التي رأها بالسابق، قوتها ونضالها يعني شيئًا، فهي لا تبدو كشخص قد يُلحق الأذى بالناس دون سبب.

عندما كادت تصل ماري إلى الشق في الجبل سمعت صوتًا مريبًا، عندما التفتت كان الرجل المسعور الثاني قد تهجم عليها.

أغمضت عينيها وآخر ما تراءى لها كان وجهه المرعب وهيئته بيديه الممدودة لمهاجمتها.

لكن إدجار منع حدوث ذلك حيث وضع ثقل جسده في قسمه الأيمن واندفع بكامل قوته ليبعد الرجل عن ماري.

فتحت ماري عينيها على صوت إدجار الذي يأمرها بالهرب، كان يحتجز الرجل ضد الصخور ومن حسن الحظ أن وجهه لم يطل إدجار حيث لا يمكن له أن يضع أسنانه عليه.

خافت ماري وهي تشاهد الرجل الذي يصرخ بشكل غريب، صوته لم يكن بشريًا، ذكرها بالكلب المسعور الذي قام بعض جارهم ولم يتحرر من أنيابه إلا بعد أن تم قتله بالضرب على رأسه.

صرخ بها إدجار تحت ضغط المقاومة:
-اللعنة، اهربي أيتها الغبية.

في الجهة الأخرى كانت جنجر تسمع كل شيء يجري خلفها، لكنها لا تمتلك فرصة للالتفات.

خرجت العمة آنا مع صديقتها بسبب صوت إدجار وأصابت ظنونها عندما رأت ماري، جثت قربها وقامت باحتضانها.

-ماري عزيزتي!

ماري كانت تقف متجمدة في مكانها وعينيها لا تفارق الرجل الذي كاد يؤذيها حسب مخيلتها، هي لا تعلم حتى أنه كان ينوي التهامها حية.

نظرت آنا إلى يسارها وشاهدت ما يحدث فاحتضنت ماري بشدة ومنعت عنها الرؤية. 

-اللعنة، خذاها وابتعداااا.

كان هذا إدجار وهو يأمرهم بالرحيل، ظهرت المقاومة في صوته، فالرجل الذي يقوم باحتجازه قوي جدًا، وحسب تقديرات إدجار هو لا يستطيع أن يحتجزه لوقت أطول.

كان يتخبط ويحرك جسده وذراعيه ليلتقط أي شخص يراه، رغم أن إدجار من يلمسه ويعد أقرب شخص له إلا أنه يمد يده ويزمجر بوحشية كبيرة وهو ينظر إلى آنا ومن معها.

صرخت جنجر صرختها الأخيرة التي انقطعت بعد أن دفعت الرجل ليسقط من أعلى الجرف ويتهاوى من تلك المسافة البعيدة حيث لم تستطع سماع صوت ارتطامه في الأرض.

ركعت وهي تسند يديها على ركبتيها تلهث الهواء بشكل مفرط، لم يُزد صدرها ورئتيها إلا ألمًا.

التفتت إلى الخلف لترى ما يحدث، ورأت إدجار وهو يثبت الرجل الآخر على الحائط.

كان هذا زميلها الثاني، شخص آخر تعرفه، لم يكن الوقت مناسبًا للحِداد فتقدمت لتلتقط وتدًا آخر من الأرض.

أمسكته على شكل حَربة ثم غرزته في رأسه.

تصرفت بلا وعي، و هذا بسبب رغبة البقاء على قيد الحياة قدر الإمكان.





كانت هذه صدمة غير متوقعة بالنسبة لإدجار، لم يتخيل حدوثها في أي وقتٍ مضى، حيث امتلأ وجهه بالدماء وعيناه أخذت كل حجمها لدهشته مما حدث.

أفلت الرجل المسعور فسقط على الأرض جثة هامدة، ثم أغلق شفتيه ونظر إليها بحنقٍ شديد، فقالت والإدرينالين ما يزال يتدفق في كل خلية من جسدها:

-ماذا؟

-هل فقدتِ عقلك؟

أشارت إلى الجثة في الأرض وقالت وهي تتنفس بصعوبة:
-هذا الرجل..

ثم أشارت نحو المنحدر:
- والرجل الآخر، كانا على قيد الحياة، وماتا أمامي، ثم عادا إلى الحياة مجددًا بطريقة ما، إذا كان هذا يجيب على سؤال، إذًا أجل، أنا فقدت عقلي.

-ماذا؟

-لقد قام مجموعة من الأوغاد من فريقك بقتلهم.

قاطعها إدجار:
-لا يوجد لدي فريق.

-لا يُهم، لقد تم قتلهما طعنًا بالسكاكين حتى غادرت أرواحهم، ما كنت تراه هو مجرد وحش، لقد شاهدتهما يأكلان رجُلًا أمامي.

اطبقت أسنانها ببعضها وشددت على الكلمات:
-رجُلٌ وضيع كان يريد إغتصابي.

شعرت بنظرات إدجار المريبة نحوها، فأكملت ولم تزده إلا حذرًا منها؛ لا يمكن لومه فمَن لم يشاهد ما شاهدت هي سيظن أنها مجنونة حتمًا كما تظن أنت ذلك يا إدجار.

قربت كفاها منها وتحدثت بانفعال:
-ألم ترَ وجهه؟ كان سيلتهم تلك الطفلة.

-توقفي.

شعرت جنجر بحرص إدجار رغم ثباته، هو يظنك ستقدمين على أذيته، فمظهرك يثير الهلع، توقفي، فمظهرك يوحي أنك قاتلة مختلة.

بكت ماري عندما ذكرتها جنجر بما كان سيحدث لها، فصرخت آنا:

-توقفي أنت تخيفينها.

-اسأليها.

قالت جنجر ذلك بعد أن التفتت ١٨٠ درجة نحوها، فارتعبت آنا من نبرة الغضب في صوت جنجر ومظهرها، كانت الدماء تكسو وجهها ويديها وما ترتديه.

-هناك أحدٌ قادم.

قالت هذر ذلك ليلتفت الجميع إلى ما تعنيه، حيث خرجت سيارة مكشوفة وعلى متنها أوسكار، وعينا إدجار ترصدتا صوفيا التي تحمل نبلتها وسلاحها على كتفيها.

كانت تقف وتتشبث بهيكل العربة وهم متقدمون بسرعة كبيرة نحوهم.

-اللعنة..

لعنت جنجر ثم استدارت وتحدث إلى المرأة السمراء، هذر:

-خذيهم واهربوا.

ما أن سمعت هذر ذلك حتى نفذت ما كان يخطر على بالها من الأساس، أمسكت بذراع آنا وحثتها على النهوض برفقة الصغيرة ماري.

نظرت جنجر إلى إدجار:
-مالذي تنتظره؟ اذهب.

تردد إدجار للحظة، لكنه تحرك سرعان ما شعر أن مجموعة المختلين قادمون للنيل منه.

قفزت صوفيا من العربة ووجهت سلاحها نحوه فردعها أوسكار قائلًا ببرودة أعصاب:

-توقفي، دعينا نرى ما يحدث أولًا، لا نريد للعدد أن ينتهي بسرعة، من عساه يريد أن تنتهي هذه الإجازة الممتلئة بالرفاهية!


"ياله من سافل مريض، هذا الرجل قد تجاوز كل مراحل الوضاعة، لا يفعل ذلك للخير، هو فقط يريد أن يستمتع بكل ما يفعله"

خاطبت صوفيا نفسها، ثم أبعدت سلاحها على مضض؛ كانت هذه فرصتها الجميلة والأولى لثقب مؤخرة إدجار، وذلك الأوسكار منعها من تحقيقها؛ هي لم تكن تنوي قتله حقيقةً.

بعد أن اقتربوا بما فيه الكفاية ترجل الجميع من السيارة وتوجهوا نحوها وأسلحتهم في ايديهم.

ابتلعت جنجر رمقها وهي تشاهد خطواتهم بحركة بطيئة كالأفلام تمامًا وذلك بسبب خوفها الذي يفتك عقلها ونبضاتها المتسابقة كنقرات خيول سريعة تدهس الأرض.

لقد تركك لوحدك في النهاية، ما الذي كنتِ تتوقعينه من رجل وغد وعديم المسؤولية مثله! كان يجب عليكِ أن تطلبي منه البقاء أو الهرب معه، يا لك من فتاة حمقاء يا جنجر.

وصل إدجار إلى بداية الغابة من الجهة الأُخرى ثم توقف مكانه كمن أصابته صاعقة من الجليد، وبدأ يفكر:

"سيأخذ طريق العودة إلى مكاني يومين ربما، أنا في القسم العالي من الجزيرة، حتى أعود دون أن يمسكوا بي يجب أن أمشي مسافة يوم إلى الأمام، ثم انعطف شمالًا."

اكمل السير وعقله يضج بالكثير من الحديث، الطفلة ماري! لقد دخلت مع عمتها المصابة وتلك السمراء هذر التي تبدو جبانة مثلك في شق الجبل، وإن لحقوا بهم سيتم قتلهم، سيتم قتل تلك الصغيرة التي دعتك صديقها.

ولكن لما عساك تهتم؟ أنت وضيع ووغد وتعترف بذلك دائمًا، أكمل طريقك ولا تدع شيئًا يحرمك من الجائزة.

ولكن ماذا بشأن جنجر؟ والرجل الذي كان يخبط بأطرافه على جدار الجبل كالأخطبوط؟ قالت أنه عاد إلى الحياة، هل يعقل أن كلامها صحيح؟

ماذا لو كان صحيحًا؟ ما الذي يُهمك؟ لا يمكن لشيء كهذا أن يحدث، لا بد وأنها قد تناولت جرعة من الممنوعات جعلتها تهلوس.

أو ربما أنت الذي يهلوس.

-اللعنة..!

صرخ إدجار في عمق الغابة، وشعر أنه لا يستطيع إكمال طريقه، هذا ليس منطقيًا بالنسبة له؛ أن يشعر برغبة في العودة، حتى وإن كانوا سيقتلونها لأنها ساعدته وساعدت النساء والطفلة.

هذا غير أنها قتلت رجلين منهم لأجل انقاذ بعض الفشلة من فريق المدافعين، إذًا هي جثة هامدة الآن!

-بحق خالق الجحيم!





بالنسبة لجنجر كانت تقف مقابلة أوسكار وهو يحقق معها ويسألها عما حدث.

في تلك اللحظة كان إدجار قد عاد أدراجه، ووصل لمسافة بسيطة تفصله عن السيارة، حيث تقدم إليها من الخلف، وهكذا ضمن لنفسه أنهم لن يروه طالما يخفض من نفسه قدر الإمكان.

وصل إلى السيارة أخيرًا، وعيناه تسترق النظر إلى ما يفعلونه، كانوا متجمعين حولها وفجأة شاهد جنجر تسقط على الأرض بعد أن تلقت صفعة قوية من يد أوسكار نفسه.

لعن في باطن ذهنه، لقد كره ذلك بشدة، وبينما يركز نظره عليهم التمس بيده أداة صلبة، ثم شكر الله على ما وجد
"مسدس!"

هنيئًا، لقد حصلت على سلاح ممتلئ بالذخيرة تركوه خلفهم، يال حظك.



نظر أوسكار إلى صوفيا التي بدت منزعجة من المشهد، تنظر إلى جنجر وتغلق قبضة يدها بقوة، قاطع شرودها وأشار بيده حيث هربت ماري وعمتها.

-لاحقي من دخل هناك واقتليهم.

أمرها أوسكار فامتثلت لأمره بغضب واضح.


بعد أن دخلت صوفيا في شق الجبل الصخري لم تكن قد ابتعدت كثيرًا، وقفت ضد الحائط وهي تقضم شفتيها. وفي ملامحها الكثير من الاستياء.

"أبناء العهرة، يتركون العمل القذر لي."

يبدو أنك لا تريدين فعل ذلك يا صوفيا، إذًا لماذا تتصرفين كتابعة لعينة؟ أم أنك نسوية ولا بأس لو أنهم أرسلوك في مهمة قتل رجال؟

أنت في مهمة حصرية لقتل إمرأتين وطفلة، ويا ترى من الذي صرح بذلك؟

مجرد أحمق يتصرف كالمهرج، يأمر وتنفذين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي