13

الفصل الثالث عشر

كانت العربة مقلوبة على جانبها، وكل من كان فيها قد وقع على الأرض، إلا صوفيا التي بقيت محتجزة في المقعد.

الأزيز الذي انتجه وابل الرصاص في اصطدامه مع مصفحات العربة، جعلهم يصمون آذانهم وهم يتكورون على أنفسهم وكلٌ منهم في مكان.


-اللعنة.

لعن أوسكار منزعجًا مما حدث، بمجرد أن استعاد وعيه إثر الاصطدام وقف على فوره منتصبًا برفقة كارتر، لكن سرعان ما انخفضا بسبب الرصاص الذي تلقاهم بمجرد أن أظهروا رؤوسهم من خلف العربة.


على مسافة ليست بعيدة كانت جنجر مستقرة على الأرض ونصف جسمها فوق إدجار، الذي تأكد بأنها حية عندما فتحت عينيها وأغمضتهما على الفور.

فأدرك أنها تلقت إصابة في رأسها نتيجة الإنقلاب حتى فقدت الوعي بهذه السرعة.

أبعدها عنه والتفت إلى يمينه وهناك كانت ماتيلدا تزحف بعيدًا، وبدت له مصابة بشدة.

نظر أمامه وشاهد أوسكار الذي حمل سلاح الـ M4 بيده اليمين ومسدسه في يده الأخرى.

-يا أبناء العَهرا.

صاح أوسكار بذلك ثم استقام مجددًا على قدميه معلنًا فتح النار عليهم، بينما كارتر يحذو حُذوه كالظل تمامًا.

كلما احتاج احدهم الذخيرة جلس يحتمي خلف هيكل العربة، والآخر يقف في مكانه مستمرًا بإطلاق النار بطريقة متقطعة للحفاظ على الذخيرة قدر الإمكان.


ثقة كارتر الشديدة في نفسه أخذت به إلى نتيجة مروعة، حيث دخلت الرصاصة في وجهه وأكلت من يساره.


كان هذا الموت المثالي كرتبة شرف يستحقها قاتلٌ يكتب عدد ضحاياه على الجدار كما لو كانوا لا شيء.

شاهده أوسكار عندما هبط بقربه، ينزف من جرحه بشدة ومن فمه تنبعث غرغرة الموت.

-اللعنة يا كارتر.

همس أوسكار بشيء من الحزن الطفيف، كان يعجبه كارتر لإظهاره كُل ذلك التفاني، لقد كان الشخص الذي يرمي نفسه ككبش فداء لسيده ومن الصعب على أوسكار أن يجد شخصًا مثله.


كان هذا سريعًا بالنسبة لك يا أوسكار، لا بد وأنك ستفتقد هذا الشعور الذي يعطيه لك ذلك التابع الأعمى، شخص مثل كارتر ليس بشخص تجده كل يوم.

عليك أن تجد المزيد من نوعيته، لكن صوفيا ليست أحدهم بالتأكيد، بالنسبة لك هي مرغوبة رغم الكره الذي يتطاير من عينيها وينقذف عليك كوابل بُصاق من لهجتها المتعجرفة والتي تليق بها كثيرًا.

وعلى ذكر صوفيا، العالقة في مقعد السيارة حيث انحصرت قدمها في الأسفل، عندما شاهدها إدجار وهي تحاول تخليص نفسها كان يقوم بسحب جنجر عن منطقة الخطر، بعد أن وضعها بعيدًا عاد جاثيًا على الأرض.

كان يتحرك وينحني حتى لا تخترقه أي رصاصة مقصودة أو طائشة، وهو يخاطب نفسه:
"أولائك الرُعن لا يعرفون أن أحدًا من المدافعين هنا، وإن عرفوا؟ ما اللعنة التي ستحدث فرقًا؟"

نظر إلى صوفيا التي كانت تشتم وقد أوشكت على تخليص نفسها ثم رفع بصره عندما خاطبه أوسكار الذي انخفض وأسند ظهره على هيكل العربة:

-ما رأيُك لو تساعدني وننسى ما حدث؟

-وما الذي سأناله من هذا؟

-سلاح، طعام، ماذا قلت؟ هذا عرض لمرة واحدة.

فكر إدجار لثانية، ثم أومأ برأسه موافقًا، ولما لا! الحياة جميلة جدًا مقارنةً بمستنقع الموت الذي أنت فيه، أليس كذلك؟

اقترب من جثة كارتر ثم أخذ ما سقط منه من أسلحة، وبعد أن نظر إلى جيوب سترته الممتلئة وإذا به يجد النعيم في حد ذاته.

سمع صوت أوسكار وهو يقول:
-عليك أن تطلب منهم التوقف.

-لماذا؟

-أنت من فريقهم، لابد وأنهم يعتبرونك رفيقًا لهم.

-لا يوجد لدي رفاق، لا أصدقاء، لا فريق.

نظر في وجه الآخر والذي أعطاه ابتسامة مختلة، أفهم بها إدجار أن عليه التحدث.

تحدث إدجار بصوتٍ عالٍ فلا ضررًا من المحاولة:
- توقفوا عن الإطلاق، أنا من المُدافعين، إذا عقدتم هدنة ستحصلون على شيء بالمقابل.

-سحقًا لك.

وصلت هذه الجملة إلى مسامعهم فهز إدجار رأسه متفهمًا، إذًا، في النهاية هو عليه أن يحاربهم.

خاطب أوسكار:
-اصنع لي ثانيتين من الوقت.

-لك ذلك.

اندفع أوسكار مجددًا وبدأ بالإطلاق، حينها نهض إدجار على فوره معيدًا ذراعه إلى الخلف، ثم قدمها بسرعة وبقوة شديدة ركزها في ذراعه.

وها هي.

مرحبًا أيها السَّفلة، لقد حكمتم على أنفسكم بالموت، قُنبلة على الطريق آتية.

دون تفكير رماها واضطجع لتجعل المكان يدوي بصوتها ولم يظهر سوى الرماد المختلط بالعشب مع بعض الأشجار المكسورة جراء الانفجار والنيران تكسوها، وتبًا لقد صنع ذلك منظرًا مُدهشًا.


طبق إدجار هذا المثل "عدو عدوي صديقي"، لكن عندما أكون مع عدوي لا يجب على صديقي أن يقذف دماغي بالرصاص؛ لأنني سأقذفه بقنبلة، وهذا يعني أنه مُطلقًا ليس صديقي، أليس كذلك يا إدجار؟


-عليكم اللعنة موتوا جميعًا قبل أن تنفجر هذه السيارة الجميلة.
صاح أوسكار بذلك وهو ينظر إلى إدجار الذي رفع رأسه يترقب صوتًا أو حركة، لقد كان حريصًا على حياته على عكس كارتر الذي كان يلهث خلف إعجاب أوسكار.


صرخت صوفيا غاضبة:
-هل جننت أيها الأحمق؟ كان من الممكن أن تقتلنا جميعًا، هل كنت تعرف متى ستنفجر تلك القنبلة وكيف سترميها؟

قاطعت كلماتها قهقهة أوسكار الذي سرعان ما تحول ضحكه من شيء مزيف إلى حقيقة:
-تبًا يا رجل، أنت تعجبني؛ يروقني المجانين أمثالك.


نظر له إدجار بانزعاج؛ مهما كان مجنونًا فهو لسبب حتمًا، ليس مِثلك يا ذا الصلعة.

-أيها العرابدة، لقد قتلتم أصدقائي.

ظهر صوت الرجل، وبدا مريضًا محشرجًا باكِ، ليبدأ بعدها إطلاق النار من جديد.

ضيق إدجار عينيه مخاطبًا نفسه:
"يبدو أن القنبلة لم تنل من مساحة كبيرة، فبقي بعض الأحياء."

-تبًا، هؤلاء لا يموتون!
نهض أوسكار بعد أن قال ذلك ليضرب مجددًا وصوفيا كذلك، حينها كانت خطة إدجار اصطياد ذلك الرجل، نهض وهو مستعد للإطلاق، فحدد مكانه من العدسة وسط هذه الكثافة، ثم خفض من نفسه بمجرد أن رأه.

كرر ما فعله فتأكد أنه في المكان ذاته، وعندها، حلقت القُنبلة الثانية في الجو نحو ذلك الرجل.




بالعودة إلى الرجال الثلاثة، حيث كانوا يرمون التراب على قبر ريك والحزن يحتل معالم وجوههم.

قال أحدهم:
-هذا صوت انفجار للمرة الثانية يا جوناس، ربما حصل شيء سيء للأصدقاء، سوف أذهب.

-لقد أعطيناهم كل الأسلحة، كيف سنحمي أنفسنا؟

أيده الثالث مهمهمًا، لكن الأول تابع:
-لا يُهمني.



..

في المركز الذي تقبع فيه لورلاي مع هانز وكل فريقها الطبي والعسكري، وصلت إليهم إشارات الحريق الذي حدث بسبب إدجار، لقد نظرت إلى ما حدث وشاهدت إدجار يقذف بالقنبلة عليهم.

-اعطني تاريخ هذا الرجل.

اقترب هانز ليتحدث مع الكومبيوتر، ولم يكن سوى ذكاء اصطناعي:
-كاتنس، من هذا الرجل؟

-إنه إدجار ريلز، العمر ٣٣ عامًا، أعزب، صياد، تعلم كل أنواع الصيد بكافة أنواع أدواته، يسير بلا هدف، لم يكمل دراسته الثانوية، ترك منزل والده بعد أن أتم الثامنة عشر، نشر والده خبر اختفائه في كل مكان للبحث عنه، لكن لم يظهر له أي أثر.

كان قد استمر بطريقه حتى وصل إلى ولاية ويسكونسون وبقي فيها لأعوام يتنقل من مدينة لأخرى حتى استقر في النهاية في مدينة ميلوكي، قضى فيها ثلاثة أعوام وها هو هنا.

-مثير للاهتمام، فاشل! لكنه غامض.
قالت لورلاي ذلك، ثم التفتت لهانز تكمل حديثها:
-اسألها ما سبب تركه للمنزل؟

تحدث هانز مجددًا مع كاتنس:
-كاتنس، أخبريني لماذا ترك إدجار ريلز المنزل؟

-لقد توفيت والدته قبل عام من تركه، تم قتلها من قبل عصابة، لقد تورط والده معهم في القمار والقروض، لم يتم ذكر السبب لكن ما حدث له يرجح أنه سبب خروجه.

-اعطني شيئًا ينفعني عن الرجال الذين قام إدجار بنسفهم.

-صيادون، بعضهم متزوج وبعضهم لا، أعمارهم كبيرة، لا يوجد صلة وصل ما بينهم وبين إدجار ريلز، سوى أنهم أصدقاء ريك.

-من هو ريك؟

-الرجل الذي حاول اغتصاب جنجر وانتهى به الأمر مأكولًا.

-هل لإدجار أي تاريخ إجرامي؟

-لا.

-علاقات؟ صداقات؟

-السيد بيتر وزوجته، عجوزان، أرسل لهم مبلغ النصف مليون دولار، وقبلهما رجلٌ عجوز مقعد، عاش معه لعامين ثم توفى.

-ما كان اسمه؟

-جوزيف.

-هل لديك معلومات عنه تنفعنا؟

-لا.

-فهمت، شكرًا لكِ كات.

-العفو.

استدارت لورلاي عن الشاشة وبدأت تتحدث:

-منذ بداية المسابقة وأنا أرى هذا الرجل يقوم بالاصطياد والأكل والنوم فقط، لم يفعل من قبل أي شيء، ما الذي قد حدث له؟

-لا تُضخمي الأمر، هو يريد أن يكمل حياته المتعفنة فقط.

-ربما أنت محق، أخبرني، لماذا لم تعمل الكاميرات المباشرة بعد؟

-قضت نحبها جرَّاء ذلك الانفجار، سوف نحتاج لوضع غيرها بعد أن يخلى المكان منهم.

-وكيف سأرى ما يحدث حتى ذلك الوقت؟

ارتبك هانز فقالت دون إعطائه فرصة للحديث:

- لدي جنديان، أحدهم انفجر وجهه، والأخرى تزحف على الأرض وهي مصابة، احتاج أن أعرف ما سيحدث معهما وأرى بأم عيني.


نظر هانز إلى شاشة أخرى خلفها وكان هناك المسعور الثالث، والذي هجم على مخيم فيه بعض المدافعين ويقوم بعض أحدهم.

ابتسم رغم توبيخها له ليقول مانعًا انصرافها:

-عليك أن تري ذلك الآن.

حينها رأت لورلاي مجموعة من المدافعين يحاولون إبعاد المسعور عن رجل قد تمكن من عضه وأخذ قضمة منه، ثم هجم على أقرب رجُل له، حيث كان يسحبه والآخرون يضربونه بالعِصِيّ.

قربت لورلاي وجهها من الشاشة، وهي تشاهد الهلع ينتشر بينهم، تظن أن ما يحدث شيء مميز بحق، رغم أن ما تراه وحشي للغاية وخارج عن المألوف، إلا أنها تُغذي ذهنها وجشعها وهي تحلل التصرفات ثم تقوم بتركيبها.

-أرسل أحدهم لإصلاح الكاميرات حيث الانفجار، وليأخذ معه عدسة ترينا كل شيء بشكل مباشر.

-سوف أرسل مجموعة.

انصرف هانز تاركًا لها تشاهد ما يحدث باهتمام وتركيز.

ثم سمعت صوت القبضة اللاسلكية حيث خرج صوت براندون:

-من مقر الملاحقين إلى المركز الرئيسي، سيدتي لورلاي، أنا براندون مساعد أوسكار، أريد الإذن من أجل اللحاق بالقائد ومجموعته، لقد فقدنا الاتصال معهم، ونقاطهم على المؤشر ما تزال فعالة.

بملامح ساكنة مبتسمة نطقت لورلاي:
-لك الإذن بفعل ذلك.

-شكرًا لك سيدتي.


يشكرك ذلك الأبله يا لورلاي وكأنك تقومين بالإحسان عليه، سيأتي له يوم ويعرف أنك أفعى سامة أرسلته لكي يلقى حتفه، وإن لم يمت، هو سيدرك حتمًا أنك وضعتيه في قبره بمجرد أن دخل تلك الباخرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي