21

الفصل الواحد والعشرون

عندما أغلقت لورلاي الخط كان هانز يركض مسرعًا في الممر لكي يلحق بميكلاي، وعندما وصل إليه رأى أنه قد اقتحم غرفة المراقبة وانتهى الأمر.

انتهى به الأمر بالوقوع في ورطة وهذا ما استنتجه من طريقة لورلاي بالنظر إليه.

لعن هانز تحت أنفاسه بعد أن توقف خلف ميكلاي الذي كرهه أكثر مما كان يفعل سابقًا، كان يحني رأسه لكي يتجنب عيني لورلاي الغاضبة، لكنه لم يكن أشد خوفًا من ميكلاي على نفسه.


تجاهلت لورلاي أمر هانز وتقدمت بصوتها الناعم نحو الضحية:

-سيدي، ما الذي تفعله هنا؟

قالت لورلاي ذلك ثم تقدمت وهي تظهر كفيها أمامها كعلامة للسلام ثم أضافت بعد أن رأت العداوة تنبعث في وجه ميكلاي:
-ربما عليك أن تهدأ يا سيد ميكلاي.

تحرك ميكلاي من مكانه وهو يصرخ فيها:
-لا تحاولي أن تقتربي مني أيتها الشيطانة.

وقفت لورلاي في مكانها وأعطته نظرة عينيها الأصلية، النظرة الباردة والحقيقية، ثم أكمل ميكلاي بنفس نبرته الغاضبة:

-سوف يعلم الجميع بإختفائي في حال حدث شيء ما لي، هذا غير أنني أعطيت تعليماتٍ لأحدهم وقمت بحذف كل الرسائل.

إن حدث لي مكروهًا واختفيت عن الأنظار، سوف تكونين أول من يتم التحقيق معه، وأول شخصٍ مدان يا لورلاي.

-بربك، إهدأ أيها الجبان، نحن لن نقوم بأذيتك.


-لماذا استيقظت ووجدت نفسي في مختبرك إذًا؟ ما الذي جعلتِني آخذه؟ ماذا وضعتِ في جسدي؟ تحدثي.


ابتسمت لورلاي كعفريتة ماردة، وكانت جميلة رغم شرها الداكن:
-في الواقع، أنا لم أفعل شيئًا، بل هانز من فعل، ربما هو سيخبرنا، تحدث يا هانز.


تحدث هانز من مكانه وقد جعل ميكلاي يلتفت إليه:
-لقد قمنا بحقنك بالمادة ذاتها، وهذا حتى نحرص على دعمك للمشروع وإبقاء فمك الثرثار مغلقًا.


ابتسم هانز تلك الابتسامة الشيطانية والمستهترة كعادته، وهو يلامس أصابع يديه ببعضها البعض.

فأضافت لورلاي:
- ها هي إجابتك.

ازداد ذعرُ ميكلاي رغم تأكده السابق وفي قرارة نفسه أنه قد وقع لهما قبل أن يسمع الإجابة، وشعر وكأنه أمره قد انتهى بالفعل.



تقول تلك اللورلاي أنها لن تؤيذيك، ليس كرمًا أو خوفًا عليك عزيزي المسكين ميكلاي، بل لأنها قد فعلت وانتهى الأمر.


سأل ميكلاي:
-لماذا فعلتم ذلك؟ من الذي أعطاكم الحق لفعل ذلك بي؟ أنا لستُ فأر تجارب أيها الملعونان.

رد هانز مظهرًا احتقاره:
-كنا نريد منك أن تفهم ما قلناه لك أيها العجوز الخرف، لكنك لم تترك لنا خيارًا آخر ، هذا خطؤك منذ البداية؛ أنت من جعلتنا نتخذ هذا القرار بشأنك.

-ما الذي يجب علي أن أفعله لكي أنجو؟ خلصاني مما أنا فيه.

صرخ ميكلاي، فتقدمت لورلاي نحوه لتقف أمامه:
-فقط حاول أن لا تموت، هذا هو الحل الوحيد حتى الآن.

نظرت إلى ذراعه المصبوغة بالدماء وأكملت حديثها باشمئزاز:

-ما كان يجب عليك أن تسحب المغذي بهذه الطريقة، اذهب إلى الممرضة حتى تضمده لك، وعليك أن تستجمع شتات نفسك؛ لديك مجلس إدارة ومستثمرين لكي تقنعهم بالاستمرار.

مرت من جانبه في طريقها إلى الخروج فاستوقفها حديثه المختلط بنبرة البكاء:

-ما كان يجب عليك فعل هذا بي، أنت مريضة يا لورلاي. عليك اللعنة.

أعطته إجابة أخيرة دون أن تلتفت:
-ما كان يجب عليك أن تستمر باعتراض طريقي، كان عليك أن تكون راضيًا عن إنجازاتي وتغادر دون التدخل، أنا أسفة حقًا لما حدث لك بسبب غبائك الذي لا ينتهي.

استدار نحوها بعيونه الخائبة وهو يشاهدها ترحل، ثم لمس الحائط بظهره لينزلق على الأرض ببطئ.

أين كنت البارحة يا ميكلاي وأين أصبحت الآن؟!

كنت رجلًا قد وصل لمرحلة الاستقالة من خدمة الشعب والوطن، وها أنت الآن بعد عمر يناهز ال55 تمت مكافأتك بهذه الطريقة، والآن كيف ستحافظ على حياتك؟

لقد قالت لك لورلاي منذ قليل أنه يجب عليك البقاء حيًا. وإلا أنت تعلم ما سيحدث، مجرد تخيلك للأمر يثير الجزع في نفسك.





في الغابة حيث كان خوليو في طريقه إلى الموت بعد أن قرر الرفض، سبقته كلوديا قبل أن يتخذ هذه الخطوة الغبية والسريعة لإنهاء حياته.

-أطلق سراحنا جميعًا وسوف نساعدك في ما تريد الحصول عليه.

فتح خوليو عينيه على مصراعيها، لكنه لم يستطع أن يلتفت خوفًا من فيليب، فنطق:
-توقفي.

قهقه فيليب بسخرية وهو ينظر إلى رأس خوليو المنحني أمامه.

-وما هو عرضك يا حلوة؟

-كلوديا، لا تفعلي!

بسبب هذه الكلمات حصل خوليو على لكمة في وجهه من قبضة فيليب، حيث جعل جانب عينه اليمنى أزرقًا:
-اخرس أنت.

نظر فيليب إلى كلوديا:
-وأنت، لا تنسي أنك صديقة تلك القاتلة من تلك المجموعة.

أشار لها ولسوزان مستخدمًا سلاحه مما جعل سوزان تشهق بخوف وهي تنحني على نفسها.

-لذا، لا تحاولي صنع لعبة سخيفة لاكتساب الوقت.

انهارت سوزان وتحدثت باكية:
-أرجوك توقف.

نظر خوليو إلى سوزان وشعر بالحزن بسبب عجزه، ماذا عساه يفعل في وضع كهذا؟

ربما ما كان يجب عليك أن تأتي إلى هذه المسابقة؛ وما كان على إدجار أن يعطيك حق الاختيار، لكنه ما كان ليعلم، وبالتالي أنت هنا وما يحدث هو أكبر منك ومن مقدرتك أيها الفتى.

قررت كلوديا أن تفصح بما تخفيه في جعبتها أخيرًا:
-يمكننا أن نجد لك إدجار، ولكننا لا نستطيع فعل ذلك دون خوليو.

استحوذ كلامها على مسامع كل من فيليب، جوناس وسايمن حيث كانا يقفان بعيدًا ويتناقشان في طريقة ما لمعرفة مكان إدجار نفسه.

بعد أن سمع فيليب ما قالته كلوديا، عاد إلى رشده بعد نوبة الجنون التي كان ينغمس فيها.

منذ قليل كان كمن يريد إفراغ حزنه على أصدقائه الموتى في هؤلاء الثلاثة، والآن فقد تلك الرغبة ليحل محلها أملًا رأه قريبًا.

-هل ما تقوله هذه الفتاة حقيقة؟

سأل جوناس خوليو وهو يتقدم نحوه بعداوة، والذي بدوره أومأ برأسه بالإيجاب، وهو يشعر بخيانته لإدجار.

سأل جوناس مجددًا:
-كيف علمتم بأننا نبحث عنه؟ وكيف يمكن لي أن أصدقكم؟

أجابه خوليو:
-كنا خلف الأشجار عندما توفي صديقكم، كنتم تريدون دفنه هناك.

أمسك فيليب خوليو من ردائه وشده نحوه بعنف:
-هل كنتم تراقبوننا؟

-لا، لم نراقبكم، لقد كنا هناك لكي نبحث عن طعام.

-كيف لي أن أصدقكم؟

-يمكنك أن تقتلنا في حال لم نعثر عليه.


تحدث جوناس وهو يدير ظهره، لكي يكمل جمع أشلاء أصدقائه:

-لا أيها الفتى، قتلك حينها لن يكون كافيًا.

دفع فيليب خوليو من أمامه:
-والآن انهضوا، وساعدونا بحمل ما تبقى من أصدقائنا.


بدا الكلام الذي تفوه به فيليب مجنونًا، إلا أن الموقف لا يساعد على الدخول في حالة جمود كما تمنى خوليو.

نهض الثلاثة في خضوع، إلا أن سوزان بدأت بالتقيؤ بمجرد أن فكرت بأمر حملها أشلاء بشر مُقطعة.

-ابعدوا هذه الفتاة عن طريقي.

صرخ سايمن بعد أن رأى سوزان تتقيأ أمامه.


ومن الغريب أن القيء مقرف لذلك الرجل أكثر من أعضاء بشرية متناثرة، لقد رأت تلك الصغيرة المسكينة أحشاءًا بين يديه، هذا رد فعل طبيعي يأتي من فتاة مدللة مثلها.


أخذت كلوديا صديقتها وسحبتها لجهة أخرى، وبدأت تطبطب على ظهرها مساندةً لها، بينما سوزان تمسح فمها وتبكي.


وبعد ساعات من الإرهاق والخوف والقرف الشديد، جلس الثلاثة في مكانهم حيث طُلب منهم.

همس خوليو مخاطبًا كلوديا:
-والآن، من أين سنخرج لهم إدجار أيتها الذكية؟

-أنت من كنت تريد العثور عليه، الجواب عندك، ثم إن ما فعلته أنقذنا كلنا، عليك أن تشكرني لا أن تنظر إلي وكأنني مجرمة.

-توقفوا أرجوكم، قد يسمعونا.

-سوزان محقة، إن علموا أنني لا أعرف مكانه ربما سأصبح قطعًا متناثرة والله وحده يعلم ما سيفعلونه بكما، لذلك اصمتي.

-لن تكون أفضل لو أنني لم أتحدث.

-لقد عرض عليَّ الذهاب.

-لكنك لم ولن تذهب، كان سيقتلك، ما الذي كان سيمنعه من فعل ذلك؟


كانا يتشاجران وبلمح البصر انقلبت نظراتهما لخوف يمتزج بعاطفة، لم يعرف أحدهما ما يجري لكن سوزان عرفت.

رأى خوليو الخوف في عيني كلوديا، كانت خائفة عليه أكثر من أي وقت مضى، وهو استطاع الشعور بذلك.


في موقف كهذا وحياتك على المحك، تعرض قلبك للكسر يا سوزان، ربما عليكِ الوشاية بهما والانحياز للطرف الآخر!

أو ربما عليك أن لا تستسلمي بهذه السهولة؛ فكلوديا لن تبيعك، ويمكنك جذب هذا الغبي الوسيم لك بكل سهولة، سيكون سهل الانقياد عندما تعرفين كيفية التصرف.

-أنا أرى لو أنك بقيت صامتة لعرف خوليو كيف سيخرجنا من هذا الموقف.

نظرت كلوديا إلى سوزان مستغربة من حديثها، ما كانت صديقتها لتعارضها من قبل، ما الذي جرى الآن؟

-سوزان!

-توقفن لطفًا، أحدهم قادم.

نظرت كلوديا إلى الفراغ تُراجع ما جرى، بينما أمسكت سوزان كف خوليو وشدت عليها، فنظر لها وقال:
-لا تخافي.

-عندما تكون أنت هنا لا أكون خائفة، عدني أنك لن تتركنا مهما حدث.

ابتسم خوليو بتكلف، بعد أن شعر بأمر خاطئ وهي تتقرب منه بهذه السرعة:
-أنا أعدك.



تقدم فيليب مع جوناس إليهم فقال الثاني مرهبًا لهم:

-كان من الصعب علينا الحفر؛ بسبب عدم توفر الأدوات اللازمة لفعل ذلك، انظروا ماذا فعلنا لأجل رفقائنا، لا تظنوا أننا غير قادرين على فعل المزيد.

أكمل فيليب عن جوناس:
-بالضبط، والآن أيها الفتى الشجاع، أخبرنا أين يمكن أن نجد ذلك الإدجار؟

-هو في مكان بعيد عن هنا، في الجزء المتوسط من الغابة قرب منحدر يطل عليه الشلال، ولا يمكن أن تجدوه بالإشارة إليه فقط، أنا أعتمد على ذاكرتي.



وهنا عاد خوليو بذاكرته إلى الوراء، عندما كان يقطف الثمار دون أن يصدر صوتًا، كاللص تمامًا، وعن طريق الصدفة ترصدت عيناه إدجار وهو يختفي أسفل الهيكل المعدني.

ابتسم كالطفل الأحمق الذي عثر على أمرٍ يبتغيه، ثم اختبأ بمجرد خروج إدجار من المكان الذي دخل إليه.

"أنت تحب أن تبقى وحيدًا هذا كل شيء"
خاطب خوليو نفسه، ثم انتظر ابتعاد إدجار لكي يغادر مكانه ويعود إلى الفتيات.



وبالعودة إلى مقر الملاحقين كان أوسكار ينظر من نافذة الباب _الزجاجية الضيقة_ إلى الخارج، ويراقب ما يفعله المتوحشون.

همس براندون:
-ما الذي يحدث الآن؟

أجابه أوسكار باشمئزاز:
-مازالوا يلتهمون الرجل، هذا مقرف.

-دعني أرى ما يجري.

نظر براندون إلى ما تمنى عدم وجوده، وإذا به يفتح عينيه على مصراعيها، كان هذا أكثر من كارثة بالنسبة إليه.

إذ كيف يمكن لإنسان أن يلتهم إنسانًا آخرًا وكأنه ذئب متوحش.

-يا إلهي، هذا حقيقي.

-لا تفتحوا الباب.

قال ذلك أحد الواقفين بشفتيه المرتجفتين وعينيه الجاحظتين والذي أصابته نوبة من الجزع جعلته يهرب نزولًا إلى المقر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي