22

الثاني والعشرون


شعر براندون بأنه فقد لون وجهه وحَلَّ الشحوب عليه؛ بسبب رؤيته لهذا المشهد المرعب.

كان مشهدًا يذكره بانقضاض الحيوانات البرية على بعضها.


عاد إلى الخلف خطوة واحدة، وأشاح بصره إلى الجانب ليفكر في ما رآه، لكنه وجد عقله فارغًا، يتخيل نفسه مثل الضحية أو الذي فوقها.


وخلاصه من الوصول إلى حافة الجنون، كان في النظر إلى صوفيا، التي كانت تلف ذراعيها حول نفسها وترتجف كما لو أن حمى شديدة أصابتها، لتخلق عدم التوازن في جسدها.

تقدم براندون نحوها وأمسك بكفها ثم سحبها معه إلى الأسفل، تاركًا أوسكار مع بعض الرجال والنساء.

كان بعضهم ينظر من خلال النافذة الزجاجية الصغيرة والرعب قد أكل ألسنتهم، وبعضهم يقف ضد الحائط ويتلون الدعاء من أجل العيش.


جعلها براندون تقف أمامه:
-سوف نغادر هذا المكان.

-إلى أين سنذهب؟

-يجب أن نجد طريقة لكي نخرج بها من هنا.

-لقد رأيتهم في الخارج، نحن لا نعرف إن كنا سنعيش هناك.

-لا تتحدثي هكذا، لن أدع مخلوقًا منهم يلمسك.

-ما يزال هناك مخاطرة، اسمع، أنا لا أرفض الذهاب، لكنني أريد أن أخبرك شيئًا.

-أولًا، دعيني أعتذر منك لأنني لم أصدق ما قلته لي سابقًا، سامحيني.

-لا بأس، أسامحك، إذا سامحتني أنت أيضًا.

-لماذا؟ ماذا فعلت؟


-أنا لم أوقع أوراق الطلاق الأخيرة، أنا أسفة، لم أستطع فعل ذلك.


على عكس ما كانت تتوقعه صوفيا، شعر براندون بسعادة غامرة، ومن فرط سعادته، قبل جبينها ليتحدث وهو يحاوط رأسها بكلتا يديه:

-جيد أنك لم تفعلي، لأنني كنت على وشك عرض الزواج عليكِ مجددًا، وكنت أفكر بهذا على مدار ٢٤ ساعة، حتى في منامي، وكنت أخاف من قول ذلك لك.

-حقًا؟

-أجل.

بعد أن سمعت صوفيا ذلك همت بعناقه تلف يديها حول عنقه وتبكي بشدة، مسح براندون على ظهرها ويده الأخرى خلف رأسها ثم أغمض عينيه، وفي سره شكر الله كثيرًا.

-كنت أخاف من أنك لن تغفر هذا لي، لأنني خالفت رغبتك والشرط بيننا.

-لا، لا تعلمين كم أن هذا الخبر أفرحني، وأيضًا، أنا من يجب عليه الإعتذار منك، لا أنت.

انفصلت عنه تنظر في وجهه وهو يكمل حديثه بينما يمسح دموعها:

-كنتِ دائمًا الفتاة الجامحة التي لا أستطيع مجاراتها، ظننت أننا إذا انفصلنا بشكل أسرع ستعود حياتي إلى سابق عهدها، لكنني أدركت أنني لا أريد العودة، حتى إن أردت ذلك أنا لا أستطيع.

-أين كنت تخبئ هذا الكلام؟

-في قلبي.

-إذًا، هل أنت هنا من أجلي؟

-لما عساي أن آتي إذًا؟

-أموال الجائزة؟

-لقد أخذت ثروة طائلة منك كما نص اتفاقنا، أنا هنا من أجلك فقط.

جعلها تبتسم وتنسى حزنها وخوفها في هذه اللحظات، ثم بادلها الابتسامة واضعًا جبهته ضد جبهتها ليتحدث مغمضًا عينيه:

-أولًا، علينا أن نخرج من هنا ، ولاحقًا سنفكر بحل ما وعلاج لهذه الورطة.

-إلى أين سنذهب؟


تنهدت وهو ينظر في وجهها:
-سوف نبحث عن قارب يأخذنا إلى أقرب شاطئ.


-هل تظن أن أبي سيستقبلني؟ بعد كل ما فعلته له؟ أنا خالفت أمره وهربت معك ثم عدت، ثم هربت إلى هذه الرحلة المشؤومة، وجررتك خلفي، يا إلهي.

بكت، وكانت روحها يائسة ترجو المغفرة من الله، لقد ظنت أن كل ما حدث بسببها.

مسح الدموع عن وجهها مجددًا وتحدث لينهي عذابها:
-لا تتحدثي بهذا الشكل، هذا ليس خطؤك، الجميع وقع لهذه المصيدة التي قاموا بوضعها لنا، وبالنسبة لوالدك نحن لا نحتاج الذهاب إليه.

-حسنًا.

نظر براندون إلى معدتها المسطحة ثم وضع يده هناك:
-هل أنت متأكدة بأنك حامل؟

-أجل، لهذا السبب أنا لم أوقع أوراق الطلاق.

غرقت عينا براندون الخضراوان بالدموع، كان شعره الأملس بلونه البني يلتصق بجبينه بسبب التعرق، والذي نتج عن المعركة التي خاضها ضد أوسكار.

ثم قرر ألا يفكر بسلبية بشأن طفلهما، فابتسم لها بامتنان:
-عليَّ أن أشكر طفلنا إذًا.

-أظنه لن يكون بخير.

-لا تقولي هذا.

-ألم ترَّ ما يحدث في الخارج؟

أمسك براندون رأسها مجددًا وكل خوف الدنيا يجتمع في نظراتهما معًا:
-توقفي، سوف يكون بخير، أعدك.


لم تصل قبلته لثغرها بسبب الصراخ الذي انفجر بين الموجودين وعلى إثره اقتحم أوسكار المكان، والذي أعطاهم نظرة قاتلة:

-ما الذي تفعلانه هنا بحق خالق الجحيم؟ نحن لسنا في استراحة أو نزهة لعينة، اخرجا من مكتبي.

-ما الذي يضايقك بشأننا؟

سألته صوفيا بحدة ولم يتأخر أوسكار بالرد عليها

-الكذب.

-وكأنك السيد "صادق" في هذا المكان، توقف عن الكذب على رجالك واخبرهم بالحقيقة أيها المغفل الأناني.

-هذا ليس من شأنك أيتها الفضولية.

-حقيقة ماذا؟

سأل رجلٌ بلكنته اللاتينية، ولم يظهر إلا بعد أن تنحى أوسكار من أمامه، كان طوله يصل لمتر ونصف تقريبًا.

وقف إلى جانبه رفاقه الذين كانوا يبدون كرجال عصابات، مثله تمامًا، وشومهم تظهر على ما هو مكشوف من أجسامهم، وسلاسل رفيعة للزينة حول أعناقهم، مع الاحتفاظ بالمشية الموحدة بينهم.

وبعد كل هذا يا براندون، بالطبع هم رجال عصابة، أنت تستطيع أن تميزهم جيدًا، أليس كذلك؟

استدار أوسكار منزعجًا:
-كم مرة عليَّ أن أخبرك بأن لا تقتحم مكتبي هكذا؟

-حقًا أوسكار؟ وكم مرة علينا أن نخبرك بألا تتحدث معنا بهذه الطريقة؟

تقدم الرجل القصير وهو يرفع رأسه وينظر في عيني الآخر بشراسة وغضب:

-نحن أسيادٌ هُنا، لسنا حثالةً تابعةً لك أو لأي وغدٍ آخرَ غيرك.

ثم ختم كلامه وهو يبصق على جانبه.

يا لها من مفاجأة، رجل لا يصل بطوله صدر أوسكار يجعله بهذا المظهر أمام كل رجاله.

حاول أوسكار ضبط أعصابه وهو يقول:
-باد عزيزي، هنا لا يوجد عصابات، هنا أنا فقط، نحن لسنا في حيّك الملعون، ولا في لوس أنجلوس خاصتك، إن كان لا يعجبك الوضع هنا يمكن لك أن تخرج وتواجه ما هو في الخارج برفقة مجموعتك الرعناء هذه.



انظروا من يصف غيره بالأرعن، اهدأ عزيزي أوسكار لا يبدو هذا الرجل سهلًا، رغم قصر قامته، هو يمتلك تعابيرًا شرسة ويبدوا غاضبًا منك بشدة.



-لماذا لا تخبرهم بالحقيقة التي اكتشفناها؟
على غير المتوقع كان هذا براندون من تحدث، وليست صوفيا، مما جعل المدعو "باد" يضيف بسخرية مؤكدًا على ما سمعه:
-أجل، وما رأيك أن تبدأ بتفسير ما رأيناه الآن؟


-بربك، توقف عن الحديث عن نفسك بصفة الجمع أنت شخص واحد فقط، وما يظهر لي أنك لا شيء.

لم ينفذ أوسكار من كلامه حتى شعر بمسدس باد أسفل ذقنه، يرمي بشجاعته عرض الحائط، ليأمره تحت تهديد السلاح:

-تحدث وأخبرنا.

كانت صوفيا بالكاد تستطيع أن تحتمل الكابوس الذي أصبحت فيه، وما يحدث أمامها الآن يعتبر مجرد سخافة لها، بالمقارنة بما تشعر به من خوف بسبب موضوع الحقنة والجنين.

"إذا مات أحدهم سينهض مجددًا."

هذا ما فكرت به عندما قررت أن تتحدث:
-اخفض سلاحك أيها الأحمق، لا يجب أن يموت أحد هنا.

نظر باد لها وسأل مهددًا:
-ما الذي قلتيه لنا؟

-لا يجب على أحد أن يموت.


وجه باد سلاحه نحو صوفيا، ولم يكن ودودًا البتة في قوله:
-نحن لا نحتاج الأوامر من ساقطة مثلك، اغلقي فمك وإلا أفرغت كل مخزون هذا المسدس في رأسك.


كان الكلام والموقف بحد ذاته مستفزًا لبراندون والذي لم يتوارَ عن حمل سلاحه وتوجيهه نحو باد، وهكذا حصل براندون على أكثر من ٧ أسلحة موجهة نحوه وما يزيد الأمر صعوبة عليه أن صوفيا تقف بقربه.

-تراجع أنت ورجالك.

-أنت من عليه التراجع، اخفض سلاحك الآن.

-لن أفعل، إمّا أن تأخذ رجالك وتخرج من هنا، وإمَّا أن تُحصن لسانك البذيء هذا، حينها يمكنك أن تجلس وتستمع، لا يوجد لديك خيارٌ آخر.

وعليك أن تعلم هذا، إن كنت من عصابة "ڤاربر" أنا انحدر من سلاسة "الأفعى السوداء" وما تفعله هنا من هراء السيطرة لا ينطلِ علي.

توسعت ابتسامة باد لتحتل مساحة كبيرة من وجهه:
-يا للعجب! ما الذي يفعله ذئبٌ مثلك خارج القطيع؟ لا تقل لي! أنت شقيق بيتر الهارب؟!


قهقه باد بعد أن كشف هوية براندون، فنظرت صوفيا إلى وجهه مجددًا، وشعرت أنها لم تعد تعرفه.

لقد انتظرت أن يقوم بالنكران، لكنه لم يفعل بل بقي ينظر إلى باد بحذرٍ وحقدٍ يتطايرُ من عينيه.

تحدث باد إلى مجموعته دون أن ينظر إليهم:
-ما الذي تنتظرونه، لقد سمعتم الرجل القوي، نحن لا نخلف وعدًا للأفعى السوداء، نحن حلفاء.

ركز نظره في وجه براندون في نهاية كلامه، وكانت تلك الابتسامة السامة مازالت تتباهى في ملامح وجهه.


-عودي إلى الخلف.
سمع الكل ما قاله براندون لصوفيا والتي بدورها احتمت خلف باب الخزانة الخشبية.

حينها شعر أوسكار بالطاقة السلبية فوضع يده على المسدس الذي كان في حزامه الخلفي.

وبالتالي لم يخفض رجال باد أسلحتهم، فضحك وهو ما يزال ينظر إلى الآخر بطريقة مستفزة، ليخاطب رجاله بعدها:

-لا تريدون؟ أنتم محقون، نحن قطعنا وعدًا مع الأفعى السوداء، لكننا نستطيع أن نقتل من لم يعد منهم، وهذا من شأنه أن يضع أمامنا فرصةً لتحقيقٌ ثأرٍ قديمٍ.



علم براندون أن هذه اللحظة آتية، حيث بدأ إطلاق النا، مما جعل صوفيا تنخفض وتحمي أذنيها، وفي وضع مثل هذا، لم يكن لدى براندون أي فرصة للنجاة.

هو ميتٌ لا محالة يا صوفيا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي