الفصل الثالث

فتحدث ماهر ونظرات المكر تملأ عينيه:
_هذه الصفقة ستكون بمثابة مكسبٍ لنا، وستستغرق تقريبا ثلاثة أشهر، وهكذا سيكون عقلهم متفرغ للصفقه والمال، وسينسوني لفترة وقد قررت كيف سأتخلص منهم، واعلم أنها ليست مربحة كثيرا، كما علمت أنهم يريدونها، وربما يفكرون لماذا تركتها، لكنني أدبرُ لأشياء أخرى.

حمزة:
- كنت أعلم أنك ذكي، ولكنك لم تجبني بعد، لماذا تراقب تلك الفتاة؟ ألم أقل لك أن لا تقع في الحب! وأنك خلقت فقط لكي تعمل وتقتل وتربح الصفقات وتدفع ثمن أخطاء والدك.

زفر ماهر بضيق وتحولت ملامح وجه من البرود إلى الغضب، وتذكر آلام الماضي الذي لم يستطيع التخلص منه ومازال يلاحقه، امسك كأس النبيذ وشربه دفعة واحدة، وبدأ بالضغط عليه حتى انكسر وجرح يده.

لقد كانت عيناه تطلق الشر وكانت حمراء للغاية وتحدث بغضب وهو يمسكه من لياقة قميصه ويجذبه إليه:

_قلت لك كثيراً لا تذكرني بالماضي، لا أفهم لمَ أنت مصرٌ أن تراني حزيناً وأتألم ، دائما تفتح جروح الماضي، أقسم أن قلبي لم يعد يتحمل.

وضع يده على قلبه وجلس بألم، فاقترب منه حمزه وهو يضع يده على كتفه بحنان وجلس على ركبته وهو ينظر في عينيه.

-صدقني لم أقصد أن أجرحك، لكن جرح الماضي سيكون أهون من جرح الحب والتعلق، أنا خائفٌ عليك، فأنت مصدر قوتنا، لقد لاحظت نظراتك لها واهتمامك وخوفك عليها،وهذا يسمى بداية الحب الذي يدمرنا ويكون لك بمثابة نقطة ضعف.


صمت فجاة ثم لفته امر الجرح ثانيةً وقال بلهفة:

-‏أوه يا إلهي يدك تنزف كثيراً.

_حمزه اتركني أريد أن أبقَ بمفردي، ولتعلم أن جرح يدي لا يأتِ شيء مقارنةً بألم قلبي، منذ أن ولدت وأنا أتألم وسأظل أتألم حتى أفارق هذه الحياه الظالمة.

_حسنا لك هذا، لكن لا تفعل بنفسك شيء.

خرج حمزة، وجلس ماهر وهو يضع وجهه بين كفيه وينظر أسفله و قلبه ما زال يؤلمه، فأغمض عينيه وهو يسترجع ذكرى من الماضي، حينما كان طفلاً صغيراً ووالده يضربه على جسده بكل قوه، وهو يبكي ويصرخ ويترجاه أن يرحمه ولكن بلا جدوى.


مرت الذكرى الحزينة بلخظة ثم فتح عينيه الغارقة بالدموع وهو يضع يديه على أذنه ويصرخ:

_كفى، كفى، لماذا لا أنسى؟

أما في منزل مريم فقد كانت ميسون تمدد قدميها، وتسند رأسها على الوساده وتتحدث بتذمر:
_مريم من فضلك لا أريد الدواء فمذاقه مرٌّ لاذع.

- ليس مسموح لك الرفض، هيا افتحي فمك وأعدك أنني سأخذك معي للمطعم وأجعلك تغنين.

رفعت ميسون ذراعها بفرحة وقالت:

_حسنا سأتحمل مذاقه مقابل إثبات نفسي وأنت ورفيقك ستعزفون الموسيقى، أما أنا فقد كتبت كلمات الأغنية وواثقةٌ أنها ستنال إعجابكم.

-هيا افتحي فمك يا عزيزتي.

فتحت فمها وشربت الدواء، ثم اتصلت بوالدها مكالمة فيديو.
قالت ميسون باشتياق:

_ أبي لقد اشتقت لك كثيرا، وأعتذر لعدم اتصالي ولكني شغلت بالحديث مع مريم.


نظر لها نور بحب ممزوج باشتياق وحنان: _لقد قلقت عليك وظننت أنه أصابك مكروه، كنت جالساً على أعصابي ولم أهدأ وقلبي لم يكن مطمئناً، فهل أنتِ بخير؟


بدأ العرق يتصبب منها، وهي لا تريد الكذب عليه ولكنها مضطره حتى لا يقلق ويجبرها على العودة.

- ماذا بك؟

_ن... نعم... أنا بخير، أرسل تحياتي إلى الجميع، سأغلق الهاتف الآن وسأذهب مع مريم إلى المطعم، لأبدأ العمل.

- حسنا، صاحبتك السلامة.

هكذا أغلقت معه وهي تضع يدها على قلبها وراحت تلوم قلبها:

_كنت ستكشف أمري أيها اللعين، لماذا تنبض بعنف وتريد أن تقول الحقيقه، الحمدلله أنني تحكمت بنفسي.

وجهت كلامها لصديقتها التي تراقبها في صمت:
_هيا ساعديني كي أرتدي ملابسي.

وأومأت مريم برأسها وحركت المقعد المتحرك وبدأت تساعدها في تبديل ثيابها ثم ارتدت هي الأخرى ثيابها.

بعد أن وصلتا للسيارة..

ميسون:
_أسرعي وساعديني لأركب السياره.

ركبت السياره بجانبها واتجهتا الى المطعم وثرثرتا طيلة الطريق وكانت مريم تشرح لها وعندما وصلتا ساعدتها بالنزول.

وقالت مريم: سأتركك هنا وعند اكتمال عدد أفراد المطعم سأعلن عن أغنيتك.

شعرت ميسون بارتجاف قلبها وقالت:
-حسناً.

ثم دلفت مريم إلى المطبخ وأشرفت على العمال، وراحت ميسون تتدرب على الاغنيه وتنظر إلى السماء، وهي مستمتعه بهدوء الليل، وفجأه سمعت الصوت الذي ينبض له قلبها بعنف ويتراقص كالطبول.

ماهر:
- مرحباً أيتها الجميلة، كيف أصبحت صحتك الان؟

فزعت وهي تضع يدها على قلبها؛ لانها كانت غير منتبهة وشاردة في جمال النجوم التي تلمع في السماء فتحدثت بحده:

لقد أفزعتني!

جذب المقعد الذي أمامها وجلس وهو يبتسم متحدثا :
لم أعلم أن قلبك رقيق إلى هذا الحد.

- نعم لأنك فاجئتني، تخيل أنك تجلس بهدوء وفجأه تسمع صوتاً بجانب أذنك يخرجك عن عالمك وانسجامك، هل فهمت قصدي؟

_فهمت، كيف حالك الان؟

_بخير ولكن ساقي يؤلمني كثيرا، والدواء مذاقه غير محبب.

عقد حاجبه قائلا:
_أنت تتدللين، يجب عليك أخذ الأدوية كي تستطيعي السير مرة ثانية.

- أشعر وكأنني مقيده بهذا المقعد، أنا مثل الفراشه أحب أن أكون حرة، ولكن لا بأس سأتحسن، لكن قلي ألا تلاحظ أي شيء؟

قال بتعجب:
_ماذا الاحظ لا افهم؟

- اقصد أنك كل مره اتعرض فيها للخطر تأتي وتنقذني، ودائما نرى بعضنا البعض،
هل هي الصدف؟

نظر في عينيها بحب:
- لا أظن، لا بد أنه القدر يريد أن يجمعنا.

تحدث في نفسه مؤكداً:
"نعم هو القدر ومراقبتي واشتياقي لك".

مررت يديها أمام عينه:
_أين شردت بالتفكير؟

فتحدث بإرتباك طفيف:
_ م... ماذا؟ لا لا شيء أنا أسمعك.

-ما سبب مجيئك إلى هنا؟

_جئت لأتناول وجبه العشاء وأنت ؟

-أما أنا فجئت إلى روسيا لكي اغني ورفيقتي ستساعدني.

_رائع، ولكن هل صوتك جميل مثلك.

ابتسمت بخجل وقالت:
_ بعد قليل سوف تسمعه واحكم بنفسك!

_تحمست للغاية.

- اتعلم أنني بالأساس منتجة وأغني وأكتب الأغاني.

_حقاً إنك مذهلة، أسمعك، أكملي حديثك.

- كنت مشهوره جداً ولدي متابعين ومن الأثرياء لكن كل شيءٍ انقلب رأسا على عقبا.

_لماذا؟

- لكل شخص ناجح وعظيم أعداء وهم من حطموا كل ما هو جميل في حياتي وجعلوني أحزن كثيراً، سرقوا بعض من مؤلفاتي وأخذوا رفيقي الذي كان يغني ويعمل لدي حيث دفعوا له الكثير من المال فطمع وتركني وتخلى عني.

_ياه.

_لقد بدأوا يُفْشِلوا كلّ شيء أفعله وكل فرصه تأتيني لأنجح وأثبت نفسي مجدداً كانوا يأخذوها مني ويراقبوني، وهنا لم يتحمل أبي أن يراني حزينةً، وفقدت الكثير من وزني.


صمتت قليلاً والدمعة في عينيها ثم تابعت:

_المره التى سقطت فيها من أعلى التل كنت أحاول الانتحار؛ بعدما فقدت الأمل، فاقترحت عليا مريم صديقة طفولتي أن أسافر وأبعد عنهم وأبدء من الصفر هنا فهي تعرف أشخاصاً كثر سيساعدوني.

_يجب أن تنجحي وإياكي أن تيأسي، لا تكوني ضعيفه.

- بالطبع أحاول ، استمريت في إقناع ابي كثيراً حتى يوافق أن أسافر، وهكذا حتى وافق، فهو يحبني كثيراً ولا يريد أن يرَ حزني.

_جيد.

قاطعتهم مريم وهي تتحدث في المذياع: _الان سأقدم لكم صوت خيالي سينقلكم الي عالم أخر ، صوتٌ ساحر جداً أتمنى أن ينال اعجابكم، فتفضلي يا ميسون.

صفق الجميع لها واقتربت مريم وحركتها بالكرسي حتى أعطتها المذياع وبدأ صديقهم يعزف.

ابتسمت لها مريم وبدأت هي تغني بجمالية وبمجرد أن تفوهت بكلماتها الاولى ترك الجميع ما بيدهم وأنصتوا لصوتها الساحر وهي تعزف على الجيتار وتغني قائلةً:

- مرت الايام وكإنها سنوات.
واكتشفت انني احبك كثيرا.
لا اعلم سبب انفصالنا.
عد إليا ارجوك هذا يكفي.
من الصعب نسيان ما مررنا به.
تلك الساعات المليئه بالحب.
ربما كنت سأجن من الفرحه.
إن عدت في يوم من الايام.
من المستحيل أن ينتهي كل شيء.
لا يجب أن يبقى حبنا غير مكتمل.
فلتعد الأيام السعيده.

ظلت تغني وماهر مستمع لها ومعجب بصوتها الجميل وبإحساسها، فقد كانت تغني من قلبها وبحرارة والجميع مستمتع، لكن مريم قاطعت انتباهه وهي تجلس أمامه.

- ما رأيك بالاغنيه هل أعجبتك؟

_نعم أعجبتني كثيراً، إن صوتها يخطف القلب، إنها موهوبة وتمتلك صوتاً مميزاً وماهرة في إيصال مشاعرها للمستمع.

- مسكينه ميسون خسرت كل شيء في لحظة، لكنني واثقه أنها ستكون أفضل، فهي موهوبة، وسأفعل أي شيء حتى أراها سعيدة مجدداً، لقد فعلت معي الكثير، وعندما أصبحت ثرية أعطتني المال وفتحت هذا المطعم بمساعدتها، وحان موعد رد فضائلها.

_أنتم أصدقاء أقوياء، أتمنى لكم السعاده.


انتهت من الاغنيه والجميع يصفق بحراره وسعاده وكان هو أيضا منهم، لم تنتبه لأحد سوى ماهر الذي دعمها، واقترب منها ودفعها بالكرسي للأمام وبدأ بالتحدث معاها.

_لم أعلم أن صوتك رائعٌ لهذه الدرجة.

- أشكرك، أشعر بالسعادة تغمرني بسبب دعم الجميع لي.

_انت تستحقين فرصه لإثبات نفسك مجددا، سأساعدك لا تقلقي هلا أعطيتني رقم هاتفك.

تبادلوا الارقام فتحدثت ميسون:

_ كم يوم ستمكث هنا؟

- لأ اعلم.

_لماذا جئت؟

- لكى أفرغ عقلي وأنال الراحة.

_ما هي طبيعه عملك؟

- أنا رجل أعمال مختص بالمشاريع.

لم يعلم لماذا كذب ولم يخبرها الحقيقه وأنه كان من أقوى رجال المافيا،ولا يدري هل هو يحبها، أم يخشى أن تتركه أو تخاف منه أم ماذا لو علمت.

_ممتاز هل ستبقى أسبوع أم شهر أم سنة؟

- اتركيها للظروف.

_حسنا أيها الغامض، أشعر وكأنك تخفي الكثير عني، فعيناك بهما حديث كثير، يبدو أنك شخص كتوم.

- نعم أنا هكذا ، أنا وأنت لم نتعرف على بعضنا البعض الا منذ فترة قليلة، فكيف تريدي مني أن أبوح لك عن أسراري وما يدور في عقلي.

شعرت بالاحراج من كلامه فهى لم تقصد شيء فقط أرادت التعرف عليه، حاولت تغير الحديث وهي تلاحظ أنظار حمزه ومروان عليها منذ جلوسهم.

_منذ جلوسنا وانا الاحظ نظرات هؤلاء الرجال، هل تعرفهم؟

-نعم هذا مروان وهو أخي من أبي، والدتي توفيت، ووالدته ربتني ولها فضل كبير علي وأعتبرها كأمي، أما الآخر فهو ابن خالي وبمثابه أخي الكبير، وقد علمني الكثير.

نظرت له والدموع تملأ مقليتها قائله بحزن: _وانا ايضا توفيت والدتي وأعيش مع زوجة أبي وهي تحبني، ولكن اشتاق لوالدتي كثيراً.

تمالكت نفسها وتابعت:
_ أنا لا اتذكر وجهها؛ لأنها رحلت وانا طفله لم تبلغ الكثير، لذلك بابا يحبني ويخاف علي ويرغب أن يعوضني عنها، لم يقصر معي بشيء وأنا أحبه بشده، وزوجته جميلة وتعاملني برفق وحنان، كثيراً ما كنت أتمنى أن أرى والدتي، وأمسك صورتها واحتضنها وأبكي.

كانت تتحدث وهو مستمع لها ويضع يده على ذقنه وهو يلاحظ دموعها وحزنها.

-لا تحزني تعودي على ذلك، البقاء لله وحده.

_معك حق ولكنها أمي، كم كنت أنظر الي الاطفال وهي تلعب مع والدتها وأنظر لنفسي وانا ممسكة بيد أبي وهو يحضتني كي يخفف آلامي.

ظل صامتا وهو يسمعها حتى جاءت مريم قائلةً:

لقد تأخر الوقت كثيراً، هيا يا ميسون لكي تنامي.

ابتسمت ميسون ونظرت لماهر وهي تودعه بيديها ونظر بعينيها وودعها، وهو يتابعها حتى اختفت واقترب منه مروان وحمزه.

تفوه مروان ببعض الكلمات الجارحة، فغضب ماهر من حديثه وقبض على يده بعنف، مما جعل مروان يخاف منه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي