الفصل السادس

الفصل السادس.
وبعد فترة من البحث في المتجر عن أفضل الملابس خرجت ميسون بفستانٍ أزرقٍ يصل إلى الرقبة وعارِ الأكتاف، ووضعت بعضاً من مساحيق التجميل وخرجت ، لقد كان صوت كعب حذاؤها يلفت أنظار الجميع وينظرون لها بإعجابٍ من جمالها الفتان.

وهي تسير بكل ثقة في الممر، وكانت مريم تدفع ثمن الملابس وذهبت لها ووجدتها في كامل أناقتها نظرت لها بإعجاب شديد وهي تصفر وتصفق بيدها.

مريم بابتسامة:
_ ما هذا الجمال يا فتاة، لو أنني رجل لكنت تزوجتكِ في الحال.

ضحكت الاثنيتن وخرجتا ثم د ركبت ميسون الدراجة البخارية وخلفها مريم وبدأت تقوده بيد والأخرى ترفعها بسعادة وهي تغني أغنيتها المفضلة بصوتٍ جميل للغاية:

_ أمامك طريقٌ، لكنه مملوء بالأفخاخ.

شاركتها صديقتها بالأغنية قائلة:
-ويوجد طريق آخر ولكنك ممنوع من العودة إليه.

_قريباً من البحار.

-لكن بعيداً عن العالم.

_ دعينا نستسلم، ولا نجبر أنفسنا على الاستمرار.

-انتِ الإنسانة الرشيدة، وأنا الإنسانة المراهقة.

قالوا بصوتٍ واحد:
_لنجد مكانا لأنفسنا، بعيداً عن العالم.

أكملتا غنائهما وميسون تميل بالدراجة البخارية على الطريق بسعادة كبيرة وهي تغني مع مريم المقطع الأجمل وتلوح بيديها بكل بفرحة:

_نسعى للوصول إلي النجوم مجدداً، وتستمر فصول الحياة فصلاً تلو الآخر، ضقت ذرعاً وسأرحل.

ميسون:
_عجزت عن تحقيق أحلام كثيرة، ولن ايأس و سأحاول مجددا، سأفشل بطريقةٍ افضل، لأصل إلى النجاح.

غنوا المقطع الأخير من كل قلبهم وكأنهم يتحدون الجميع، بتحقيق أحلامهم:
_لنجد مكانا لأنفسنا، بعيداً عن العالم.

أنهتا اغنيتهما بينما ميسون كانت تغلق جميع أصابعها وترفع الإصبعين الوسطى والسبابة تقصد" النصر" ، صفقت مريم بحماس شديد حتى وصلتا الى استديو كبير، نزلتا من على الدراجه وركنتها ميسون ثم دلفتا للداخل.

مريم:
_لا تقلقي واتركي كل شيء على رب العالمين.

-أنا متوترة كثيرا.

_أين الابتسامة والشجاعة؟

ابتسمت ميسون وانتظرت قليلا حتى جاء مدير الإستديو وتحدثت معه باللغة الإنجليزية قائلة:

_مرحبا يا سيد ألبرت أنا ميسون أكتب الاغاني وأغنيها بصوتي، لقد كنت مشهورة جدا ولديا متابعين، ولكن انقلب كل شيء رأسا على عقباً بسبب أعدائي، لا أريد أن أدخل في تفاصيل كثيرة؛ لأن هذا يزعجني، أطلب من سيادتك أن تساعدني، فقد سمعت عنك الكثير وأنك تحب الخير وتساعد النجوم ليصبحوا في الأعلى، أنا الآن بحاجة إلى مساعدتك ودعمك وأريدك أن تسمع صوتي.

ابتسم ألبرت قائلاً:
-يبدو أنك تحتاجين فرصة؛ لتعودي إلى القمة مجددا، لا يوجد مانع سأسمع صوتك الآن، إذا أعجبني سأساعدك، لكن كيف أستطيع مساعدتك؟

_ سأسجل أغنيتي في الاستديو الذي تملكه وأضيف التأثيرات مع فريق العمل، ثم تنشر نسخاً من الأغنية و حضرتك تساعدني وتنشئ لي اعلانات وتروجها.

-هذا سيكلفكِ الكثير، ستسددين التكاليف عندما تجنين المال من شراء نسخ أغانيكِ، وها أنا قدوافقت لأجل الطباخة مريم وأخلاقها الحسنة.

وطبخاتها التي تنال اعجاب رجال الأعمال، وهي منذ فترة تحدثني عنكِ، سأعطيكِ فرصة.

_ بالطبع، ولكن علي التسجيل الآن وسأنتظر تقيمك.

ابتسم ألبرت وهو يسير أمامهم قائلاً:
_تفضلوا معي.

دلفتا خلفه حتى دخلتا برفقته إستديو كبير جداً على أحدث مستوى لدرجة أن ميسون انبهرت بجماله.

_ هل أستطيع أن أدخل لأغني وتسمعونني في الخارج بواسطة الأجهزة؟

-أجل تفضلي.


دلفت وفتحت الباب الزجاجي ووقفت أمام مكبرات الصوت وليست السماعة الرأسية ووضعتها على أذنها ووضعت يديها فوقهما وأغمضت عيونها وبدأت بالغناء.

وفي الخارج راح يستمع إليها فريق العمل والمدير ومريم وهم مستمتعين جداً بكلمات الأغنية وصوتها الرائع الذي كان يلامس القلب، فاستطاعت ببراعتها أن تصل مشاعرها لهم.

قال ألبرت بإعجاب:
رائع جدا، واثقٌ أن صوتها سينال اعجاب الجميع، كما أن لها مستقبل مشرق.

مريم بابتسامة:
_اشكرك، هذا من كرمك، فهي مسكينة تحتاج للمساعدة وتمتلك صوتاً مميزاً وكتاباتها جميلة ومميزة، اتمنى أن لا تتخلى عنها مهما حدث وأن تدعمها ولن ننسى لك هذا أبداً.

_ لا تقلقي سأظل معكم للنهاية.

تحدث ألبرت مع فريق العمل وهو يأمرهم: _ارفعوا الصوت، وأضيفوا التأثير المناسب ليزيدها عمقاً، وهنا خفف التأثير أجل هكذا.

وفي وسط انتباههم دلف رجلٌ وهجم عليهم قائلاً بصوتٍ غاضب:
_ أوقفوا هذا التسجيل على الفور.

مريم بغضب: لماذا؟

نظر ألبرت ووجد عثمان يضع يده في جيبه وحراسه خلفه.

ألبرت:
_ كيف تتجرأ على اقتحام الاستديو هكذا.

خرجت ميسون والخوف يظهر على ملامح وجهها وهي علمت أنه عرف بخطتها.

تحدث عثمان ببرود ممزوج بالتحذير:
_أنا لا أريد أن تسجلوا، هل تعتقدون أنكم تقدرون على استخدام الاستديوهات بدون علمي، كل مكان، والجميع تحت إشارة مني.

صمت ألبرت؛ لأنه يعرف عثمان جيدا فهو معروف بأخلاقه الفاسدة، ويتمنى الفشل للجميع، كما أن لديه منصب وسلطة أكبر من سلطته وإذا عارضه سيتم إغلاق استديوهاته.

أمسكت ميسون حقيبتها وهي تنظر له بغضب قائلةً:
_لن استسلم يا عثمان، سأكون نجمةً للمرة الثانية، وستعود متسولا، جيد، أنت تزيد اصراري أيها اللعين.

خرجت والغضب يملأ عينيها وركبت الدراجة ومريم خلفها قادتها بكل غضب وبسرعة ليس لها مثيل.

مريم بخوفٍ:
_اهدئي، هذا ليس جيد، سنتعرض لحادثٍ كبير وبدلاً من أن نحقق أهدافنا سنموت، ميسوون، توقفي أيتها المجنونة.

نادتها بغضب؛ لأنها لم تستجب لحديثها.

وعلى الجانب الآخر كان ذلك الوسيم الحزين يسير بلا هدف والليل يسود المكان، نظر إلى القمر.

وهو يحدث نفسه:
" أنت وحيد مثلي يا قمر، تظهر بنورك وتضيء السماء، ترشد كثيراً من الناس، وسط وحدتك، وأنا هكذا لا أحد يشعر بوحدتي وألمي سوى نفسي وهذا أفضل شيء على الإطلاق، يجب ألا يعرف أحد حتى لا تضعف قوتك وتظل قوي".

ظل يسير كثيرا ويضع يده في جيبه والثلج يتساقط فوقه والجميع يركض من العاصفة الثلجية إلا هو فقد كان يمشى وشعره يتطاير متجاهلاً البرودة التي تسري في جسده.

_" لن أرحل مثل البقية، وسأظل صامداً في وجه العاصفة".

في وسط حديثه مع نفسه وجد من يضع فوقه معطفاً ثقيلاً على جسده، فالتفت ليجدها ميسون، بمجرد أن رأها عانقها بكل اشتياق وحرارة، وقفت مصدومة ولم تبادله، لكنها شعرت بإلمٍ طفيف في عظامها.

ميسون:
_ماهر أنت تؤلمني كثيرا، إبتعد قليلاً.

إبتعد عنها بحرجٍ نظر لها كثيراً بصمتٍ.

_ لماذا تسير في هذا الجو القاسي، دون ارتداء معطف ستمرض؟ ألم تشعر بالبرد؟

-لا أشعر بشيء أنا أحب العاصفة والجو قاسي البرودة.

تحدثت بغضب:
_ بالطبع تحبهم، لأن العاصفة تشبهك ويتضح للجميع أنك بارد وهادىء ولكن بداخلك عاصفة، كفيلة بتحطيم العالم، صحيح لماذا لما ترد على مكالمتي؟

-لأنني أريد إنهاء صداقتنا وأي شيء يربطنا ببعضأً لبعض.

نظرت له بـأعين تلمع بالدموع قائلاً:
_لماذا، هل صدر مني شيء يزعجك؟

-قلت لكِ أنني ليس من النوع الذي يريد تكوين أصدقاء أو يعيش قصصاً غرامية، ولا توهمي نفسك بشيء، لم يحدث لي بحياتي أن أحب و سوف لن أحب أحداً انسيني مثلما نسيتك، لماذا تبكي؟ من الأساس حكايتنا لم تبدأ؛ لتحزني، لم نتعلق ببعض.

أومأت برأسها بالموافقة وهي تمسح دموعها بكفيها:
_ أجل معك حق بكل كلمة تفوهت، ولكن لدي سؤالّ واحد و سأرحل ولن تراني للأبد.

شعر بنغزه في قلبه حينما رأها تبكي؛ بسبب جرحه لها ولكنه لم يظهر ذلك كان شكله الخارجي يعكس الداخلي، فالمظاهر خداعة.

ماهر:
_ما هو سؤالك؟

تحدثت بنبرة مليئةً بالحزن:
_ إذا أنت لا تريدني ولا تشعر تجاهي بإي مشاعر، لماذا عانقتني بقوة؟ وامتلأت عيناك بالشوق حينما رأيتني، رأيتك تسير وكأنك تبحث عن شيئ ليكملك، كان عناقك لي يدل على هذا وهو أنني هذا الشخص الذي يكملك، أريد اجابةً.

-حسنا، كل ثرثرتك ما هي إلا وهم أوهمتي نفسك به، عن أي مشاعر تتحدثين، أنا بلا قلب، رجلُ ليس لديه وقت للحب، أنتِ مجرد فتاة عادية تحدثنا قليلاً ولكنكِ فسرتي هذا على أنني أحبك، أنا عانقتك ظننتك أختي كانت وعدتني أنها ستقابلني ولم نتقابل ولكن لسوء الحظ كنت ِ أنتِ.

كل كلمة تفوهها كانت بمثابة سكاكين غرزت في قلبها هل هذا ماهر التي ظنت انها تفهمه، أم هو معه حق في أنها توهم نفسها.

نظرت في عينيه نظرةً مليئة بالانكسار والحزن لن يستطع نسيانها، حاول الهروب من نظراتها حتى التفت وتركته بعد أن سبب لها جرح كبير.

عاد كل واحد على منزله حزينا ولم ينادم أحد منهم في تلك الليلة التعيسة.

وعندما أشرقت شمس يوم جديد على ميسون التي كانت تقف في الشرفة ودموعها لم تجف أبداً وضعت مريم يديها على كتفها وعانقتها؛ لكي تخفف عنها.

مريم:
_لا تحزني هو لا يستحق قلبك ولا حبك، كفى لا تبكين على شخص عديم القلب، من يستحقك هو من يهتم بك ولا يتحمل أن يرَ دموعك، لكنه جرحك بشدة.

_ قلبي لا يتحمل بالامس كان أسوء يومٍ في حياتي، حلمي وحبي تحطما، لا استطيع، لماذا أنا مازالت على قيد الحياة فلم يبقَ شيءٌ لأعيش لأجله!

حاوطت وجه ميسون بين كفيها وهي تجفف دموعها ناظرةً بمقلتيها ثم قالت بقوة: _هكذا هي الحياة تريد الشخص القوي الذي لا ييأس وأن يكون قادراً على مواجهة صعوبات الحياة، وإن استلمتِ ستتحطمِ والجميع سيمرون فوقك ويحطموكِ، لم أعتد أن اراكِ بهذا الضعف فميسون التي اعرفها عينيها تلمع بالتحدي والعزيمة والإصرار، ليس الدموع والخذلان.

هزتها من كتفها بقوة وتابعت:
_يجب أن تتحملي وتواجهي هذه الصعوبات لتصبحين اقوى دعكي من هذه التفاهة التى تدعى الحب تحقيق الأحلام هو الأهم، لا بأس من أن نسقط، ونسقط مجددا ولكن بكل مرةً سنتعلم ولن نكرر اخطائنا لكي نصل إلى لقمة، فمذاق السعادة والنجاح ليس له مثيل، اتعبي لتصلي إلى هذه اللحظة وانا معك مهما كانت الظروف.

عانقتها ميسون بحب قائلةً:
_ أشكرك على وجودك في حياتي ودعمك لي، لم أتخيل ماذا كان سيحدث لي لو لم تكوني معي، أحبك، لقد اتخذت قراري لن أتراجع ولن استسلم لأصل لهدفي ومن لا يهتم لأمري لن أراه.

تحدثت مريم بقوة:
_حسنا هذه هي ميسون القوية لقد عادت من جديد هيا، لتناول الافطار ثم نكمل البحث عن إستديو، لن تستمر الحياة إلا بالتجاوزات ويجب أن تتجاوزي ندمك وحزنك وهزيمتك وبعض الأشخاص أيضا.

_ بالتأكيد عزيزتي.

جلستا لتفطران وهما تتحدثان، وبعد انتهائهما قامتا بتبديل ملابسهما وخرجتا تبحثان عن أحد يساعدهما ولكن للأسف لم يقبل أي أحد ؛بسبب عثمان

وبينما كانت ميسون تتحدث مع المدير بترجي:

_ارجوك ساعدني واعطني فرصة لأثبت نفسي مجددا انا احتاج لفرصة واحدة.

-أعتذر لدى تعليمات بعدم قبولك، هذا خارج إرادتي، كنت اتمنى لو أساعدك.

ضمت شفاها بحزن وهي تهز رأسها وخرجت ووجدت مريم تنتظرها.

مريم:
_هل وافق.

_لم يوافق بسبب الحقير عثمان، فلينتقم الله منه.

دفعت ميسون زجاجة الماء التي كانت بيديها بغضب قائلاً:
_ لا اعرف لماذا حظي سيء هكذا.

-اهدئي الأمر يتطلب الصبر والإصرار والسرية التامة.

_إذهبي إلى مطعمك فقد اهملته آخر فترة بسبب مشاكلي، وانت تعبتي لكي يصل لمكانته، لا تقلقي انا بخير وسأظل ابحث لآخر اليوم ولن انال سوى قدري وأنا راضيةً جدا.

-لن اتركك انت رفيقتي وبمثابة شقيقتي ووقفتي معي كثيرا وحان دوري.

_ قلت لك اذهبي إلى مطعمك أرحوك اريد البقاء بمفردي وسابحث بنفسي، انت تعبتي معي ولم تتركيني، لكن مطمعك يحتاجك أكثر مني.

ظلت ميسون تقنعها كثيرا حتى وافقت بالنهاية أن تتركها بمفردها.

وهنا تحدثت ميسون في نفسها:
" الحمدلله لقد رحلت لأكمل الطريق بمفردي واثقة أن الله سيجبرني ولن يضيع تعبي".

ظلت تبحث عن منتج يساعدها ولكن الكل كان يرفض تماما ،لكنها لم تيأس حتى غابت الشمس ووجدت نفسها تسير في مكان مقطوع ليس به أحد سواها ازدادت ضربات قلبها بعنف وهي تسمع صوت قادماً تجاهها وكان، تلون وجها بمائة لون حينما رأت ما لم تتوقعه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي