الثالث عشر

الثالث عشر
تحدثت ميسون والسعادة تغمرها وهم بالسيارة:
_ ماهر أنا سأحلق للأعلى واطير مثل الفراشة، ماذا فعلت بي يا رجل، لقد جننت بك، كيف أنجزت كل هذا وبهذه السرعة، في خلال ساعات جهزت صالة الأفراح والفستان والزفة الأسطورية، أنا أشك بشيء.

قالت حديثها وهي تعقد حاجبها:

_ ما الذي يثير تفكيرك عزيزتي؟

-المجنونة مريم تحدثت معك وقالت لك عن احلامي وصفات فتى أحلامي أليس كذلك.

قهقه ناظراً لها بحب وهو يلمس أنفها بلطف قائلاً:
_لم أعلم أنكِ ذكية و ها قد كشفتِ امري.

لفت أصابعها بفخر وهي تبتسم بغرور:
_أجل، أجل، لا أحب أن أتحدث عن نفسي كثيراً، أنا سريعة الذهن، وأستطيع كشف الحيل التي تحدث بدون علمي.

قال وهو يعقد حاجبيه لكي يقلدها:
_هل من الممكن أن أعرف كيف اكتشفتِ الأمر؟

-الموضوع بسيط لا أحد يعلم ما أفكر به سوى مريم، وبالطبع أرادت أن تتحقق كل احلامي فراحت وحكت لك كل شيء.

_ وانا وسأكون منذ اللحظة من يعرف عنكِ كل شيء.

أومأت له بالموافقة، ثم توقفت السيارة ونزلوا مشبكين أصابعهما ببعض وينظران لبعض بابتسامة، كانت تحمل الورد الملفوف بطريقة جميلة ومريم خلفها تحمل فستانها الذي كان ذيله طويلاً.

بينما كانت ميسون تتجول نظرات عينيها بكل إتجاه وكأنها تكتشف صالة الأفراح من الخارج وتنظر لكمية السيارات الكثيرة، فرأت رجلا يبدو عليه الثراء يقترب منهما ويرحب بهما.

" مرحبا بكم، أتمنى أن ينال اعجابكم التصاميم وفقرات العرس، تفضلا".

ابتسما و دلفا خطوة بخطوة مع بعضهم وكان يظهر أسفلهم بخار أبيض والأضواء تتغير، وبجانبهم رجال يحملان عصيان مشتعلة وخلفهم فرقة موسيقية تسير ببطء و يقرعوا على الطبول ويعزفون على الجيتار، وهي مبهورة وابتسامتها من الأذن للأذن.

-ماهر، أكل هذا لأجلي، هذا كثيرٌ علي.

قالت هذا بأعين لامعة فنظر لها نظرات مليئة بالحب والعشق .

_ هذا أقل شيء يمكن أن أقدمه لكِ، لقد جعلتيني أرى العالم بصورةٍ أخرى، عشقتك وعشقت الحياة بفضلك، أنتِ هدية وكنز لا يجب أن أفرط به، شعرت معك وكأنني أمتلك السعادة.

رفعت يديها للأعلى حينما نزل فوقها الورد الاحمر والبالونات الحمراء، ضحكت كثيراّ وكأنها طفلة في السادسة من عمرها سعيدة بهذه الأشياء، بينما هو شارد بضحكاتها العالية.

نظرت إلى المأذون الذي يجلس بنهاية الصالة، راحا يقتربان منه وبدأ بعقد القران أما ماهر فكان يردد وراء المأذون الكلمات، وميسون جالسة تنظر له غير مصدقة وتقول لنفسها بفرح:
"أبهذه السرعة سيكون ماهرٌ لي إلى الأبد."

واستفاقت من شرودها على صوت المأذون الذي قال لها:

_هيا يا ميسون امضي هنا وضعي بصمتك.

ابتسمت وبصمت بإبهامها ومضت على عقد الزواج، وماهر فعل مثلها، نظرا لبعضهما كثيراً وانتبها إلى الجملة التي طال انتظارها.

_بارك الله لكما، وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وعلى خير، أعلنكما الان زوج وزوجة".

ركض ماهر نحوها ورفعاها لأعلى وهي وضعت يديها على وجهها ثم راحت تنظر إليه وهو يدور بها ويصرخ بأعلى صوت معبراً عن فرحته، واللحظة التي طال انتظارها.

_ جاءت اللحظة التي تمنيتها وأصبحت ميسون زوجتي، وشريكتي وكل حياتي، أحبك اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأثق تماماً أنني سأستيقظ غداً وأنا أحبك أكثر من اليوم، عندما أكون معك،أشعر بالأمان والدفء، فلا شيء في العالم، يُشعرني بالراحة مثل وجودي معك.

عانقته ولفت يدها حول رقبته وهو مازال يحملها، دفنت رأسها من الخجل؛ بسبب نظرات الجميع لهم، همست بجانب اذنه.

-أنت النور الذي أضاء لي روحي، أنت شمسي وقمري ونجومي، التي تنير سمائي وتُزين حياتي.

- أشعر أنني أكثر الناس حظاً في العالم، بعد أن اخترتني لأسكن قلبك وبيتك.

ظل معانقها كثيراً، كأنه يشعر أنها حلمٌ حتى أفاق على كلماتها وصوتها الخجول:

-ماهر أرجوك أنزلني، الجميع ينظر لنا، كف عن هذا.

ضحك على خجلها، ثم انزلها وهي وضعت يدها في يده، حتى صارا على المسرح، فوقفا عليه ووضع ماهر يده حول خصرها حتى التصقت به ووضعت يدها أعلى كتفه واشتغلت الموسيقى الرومانسية وراحا يرقصان بكل حب وببطء.

والجميع ينظر لهم ومريم سعيدة تمسح دموعها، لا تريد أن تظهرها لأحد.

وأخذت تحدث نفسها:
" أتمنى أن يكون شريكاً مثاليا لكِ، لقد علمت الحقيقة، ماهر ليس كما يظهر لكِ، هو يريد امتلاكك وسيترككِ محطمة القلب، هو لا يستحق قلبك، وما فعلتيه لأجله، بغبائك رفضتي أن تقولي لأهلك بحقيقة زواجك، خوفا من أن يتأجل زواجك أو يعرفوا حقيقته التي يخفيها عنكِ.

هربت دمعة من عينيها وهي تنظر لميسون التي تضحك، تنهدت بقلة حيلة وألم وخرجت للخارج حتى لا يلمحها أحد وهي تبكي، فجلست على الأرجوحة وبدأت تسترجع ما رأته بالأمس.

عندما انتهت ميسون من لقائها عبر التلفاز، خرج ماهر وخرجت مريم خلفه حينما رأته مرتبكاً حيث وجدته يتحدث في الهاتف بصوت منخفض جداً.

في نفسها:
"لماذا يتحدث ماهر هكذا، يختبىء ولا يريد لأحدٍ أن يراه، أشك به من الاساس وأشك بماضيه، ويوجد العديد من الأسرار".

شهقت وفتحت فاهها من الصدمة حينما سمعته يقول:
_ حمزة دعني أرجوك أعيش حياتي، وسأعود وأنفذ كلامك، سأتزوج ميسون وهذا قراري، لا شأن لي بالمافيا، يكفي ما أعانيه بسببهم، لقد خسرت الكثير وخسرت نفسي، بقيتُ أنفذ أوامرك طوال حياتي، أحببتها وتريد مني تركها وأن أعود إلى تركيا لأجلس مع المافيا و أحل المشكلة، حمزة أنا انتظرك أنت ومروان بعد يومين سيكون زفافي على ميسون، وبعدها بفترة سأتفرغ لحل المشكلة.

ثم صمت قليلاً مستمعا للمتحدث وتابع كلامه:
_لا سأتزوجها بأي ثمن، لا أهتم بما سيفعل أعداؤنا حين يعلمون، أعلم أنهم يبحثون عني لقد غيرت هويتي وكل شيء، ولن يصلوا إلي الآن، انتهى الحديث يا حمزة سأغلق الآن.

وهنا كانت الصدمة التي احتلت مريم واختبأت غير مصدقة وامتلأت عينيها بالدموع قائلةً في نفسها:
" يا إلهي، لقد خدعنا وخدع ميسون ستعيش في كذبة كبيرة. وعندما يعرض عليها الزواج، ستقبل دون اعتراض؛ لأنها تحلم به وتريده شريكاً لها، ولن أستطيع أن أوقف كل هذا".

ثم وضعت يدها على رأسها وقالت:
_ ستتهمني أنني لا أريد سعادتها، وأنني أحقد عليها، وسوف أخسرها للأبد، ماذا سأفعل؟ يالله، صديقتي ستتزوج عضواً من المافيا وستتدمر حياتها وستصبح في خطر، ومن المحتمل أن تفقد حياتها وتكون ضحية لهم، وضحية استسلامها للحب دون أن تعلم ما حقيقته.

راحت تعض هلى يدها بقوة وتقول لنفسها وهي تشعر بالخوف والارتباك:
"ليس بيدي شيء، وإذا تفوهت لن تصدقني وسأخسرها، الحب يعني القلب والعين، الآن اقتنعت بجملة إن الحب أعمى، لأنه لا يرى عيوب الحبيب، ويتجاهل كل شيء، ويرسم لنفسه احلاماّ وهميه، ويترك معرفة حقيقة والبحث في أشياء ستسبب له نهاية العلاقة، كم أنتِ مسكينة!

عادت من الماضي إلى قاعة الاحتفال حيث
دلفت للداخل، ورأت حمزة ومروان وهم يهنئون ماهر وميسون فابتسمت بسخرية واقتربت واحتضنت ميسون بقوة، اندهشت ميسون، لأول مرة تعانقها بكل هذه القوة، ولكن بادرت بإغلاق يدها حول خاصتها.

ميسون:
_لمَ كل هذا الحزن، سأعود بعد شهر العسل لكِ، أعلم أن عناقك لي بهذه القوة سببه، أنكِ ستشتاقين لي كثيراً وأنا أيضاً، ولكن سأحدثكِ فيديو ونرى بعضنا بواسطته وسأشاركك كل شيء، فلمَ هذه الدموع.

هذا كان تفسير ميسون لعناقها القوي، فهمت مريم تفسير صديقتها وحزنت عليها ولكنها لم تظهر ذلك ورقصت معها ؛ كي تشاركها فرحتها كما شارك حمزة ومروان وماهر الرقصة معهم.

حتى أمسك ماهر ميسون وبعدت عنه ثم لفت على ذراعه، ونزلت بجسدها وهو ينزل معها ويده تحاوط خاصتها بتملك، انتهت الرقصة، وبدأت فقرة تقطيع الكيك.

-يا لك من رجلٌ مميز، لقد جعلته أجمل يومٍ في حياتي.

_ أنا سعيد لسعادتك وسأفعل أي شيء لأجل هذه الابتسامة الجميلة، هيا لنقطع الكيك.

بدأا بتقطيع الكيك وأطعما بعضهم، فأمسكت ميسون الشوكة وغرزتها في الكيك واقتربت من مريم و ابتسمت وقالت:

-افتحي فمك.

فتحت مريم فمها وأطعمتها ميسون وطبعت قبلة رقيقة على وجنتيها، ثم اقتربت من حمزة ومروان وأطعمتهما.

جلست ميسون بجانب ماهر كي يستريحا وراح الجميع يبارك لهم ويهنئهم.

مر الوقت وانتهت حفلة الزفاف، وعاد كل شخص إلى منزله.

أما ميسون وماهر فقد وصلا بيتهما، ففتح ماهر السيارة وحمل ميسون على ذراعه وهي ضحكت بخجل ودفنت رأسها بعنقه، أغلق الباب وهو ينظر لها حتى دلف إلى غرفتهم و أنزلها على الارض.

_ تعلمين لم أتوقع أن أتزوج طوال حياتي، كنت أقتنع بأنني سأظل عازباً، حتى رأيتك وتغير كل تفكيري.

لاحظ توترها وهي تفرك يدها وتفرقع أصابعها وتنظر للأسفل بخجل وتوتر وتوردت وجنيتها، اقترب منها بحنان وهو يحاوط بكفيه رأسها ويجعلها تنظر له قائلاً:

_ لمَ كل هذا الخجل، كوني واثقةً بي، فأنا أحبك ولن أؤذيكِ، أعطني قلبك، أنت جاهزة لنبدأ حياتنا، ونتمم زواجنا.

شبك أصابعه بخاصته ناظراً، فاومأت بخجل وسرعان ما خلع سترته واقترب منها يقبل كل إنش بوجهها برقة بالغة، مما جعلها تبادله قبلتها وكان كلامه لها لا يخلو من الغزل والمدح بجمالها.

_أحبك كثيراً.

-وأنا أيضاً.

اقترب منها و بادر بفتح سحاب فستانها، الذي وقع على الأرض، فانكمشت ميسون بخجل وهي تحتضن نفسها، فعانقها كي يقلل من توترها.

_ ميسون، ألا تثقين بي؟

فأجابت بلهفةً:
_كلا أثق بك أكثر من نفسي.

_ إذاً لمَ كل هذا الخجل، إذا أنتِ لست مستعدة سأخرجك ونكمل يومًا أخر.

ابتسم وقبل رأسها بحب وتفهم، ولكن وجدها تمسك يده قائلةً بخجل:
-لكنني، أريدك يا ماهر!

ابتسم ثم اقترب اكثر وحملها ثم وضعها برفق على الفراش و اكملا ما بدأه، ليذهبا في بحور عشقهما، حتى ختم ملكيته واخذها بين أحضانه وذهبا في سباتٌ عميق.

أشرقت الشمس عليهم، ففتحت ميسون عينيها ورأت نفسها بين أحضانه، نظرت له بابتسامة ساحرة.

وبدأت تداعب شعره وهي تنظر له قائلةً:
-ما كل هذه الوسامة يا رجل، لقد ذاب قلبي لوسامتك وشخصيتك، ذابت روحي بك، گأن القلب يعشق قبل العين، عشق العين لا يبقى وإن دام، بينما حبك وإسمك سيظل محفوراً داخل أعماق قلبي.

فتح عيناه وبدأ يدغدغ بها وقلب وضعيتهم وأصبح فوقها وهي تضحك وهو أيضا، طبع قبلة على عنقها قائلاً:
_ صباح الخير يا زوجتي الجميلة، هل اعجبتكِ ليلتنا بالأمس؟

دفنت وجهها به ثم ضربته على ظهره بخفة قائلة بخجل:
-ماهر أرجوك لا تخجلني، توقف عن كلامك الجريء.

ضحك عليها كثير، فضربته على صدره، وضع يده عليه وشعر بالألم الشديد، ليس بسبب ضربها له، إبتعد عنها مغمضاً عينه بألم قلقت عليه كثيراً وسكبت له كوباً من الماء وأعطته له.

تحدثت بخوف وقلق:
_ ماهر ماذا بك؟ تفضل اشرب الماء، أعتذر لم أقصد أن أؤلمك، هل أنت بخير؟

شرب الماء ووضع رأسه على الوسادة وهو مازال يضع يده على قلبه وعلامات الالم تظهر عليه.


كان ذلك الرجل يضع يده على قلبه، الذي يصدر الكثير من الآلام، ولم يظهر عليه الألم فهو اعتاد على ذلك أن يتألم بصمتٍ ولا يلفت الانتباه، ولكن قطرات العرق الصغيرة كانت الدليل الوحيد على ألمه العميق.


لمست الفتاة جرح الرجل وهي قلقةً عليه، كان الرجل يتألم كثيرا بسبب الرجل الذي قتله أكثر من ألم الجرح ذاته.

أصبحت علاجا لكل جرح، أصبحت تأثر به كثيرا، ثم عانقته بكل حب؛ لكي تطمئنه وتخفف ألمه بادلها العناق وهو يشد على جسدها وكأنه يستمد منها القوة، لم يعلما أن حياتهما ستتغير كليا.

-ماهر ماذا بك تتألم هكذا؟

_ لا تقلقي فأنا معتاد على ذلك الآلام.

بدأت تلمس وجهه وهي تعانقه وتنظر له.

-عيناك عميقة جداً، أخشى أن أقع بهما ولكن انت تسحبني لأغوص بهما، أشعر وكأنني لم أعش على الأرض، لا أعلم إذا كنت بالجنة أو بالنار، ارح قلبي، وقل لي من أنت يا ماهر؟

نظر لها بألم وحزن والتزم الصمت، فعلمت أنه يتألم عانقته بقوة، لعلها تسحب منه كل هذا الالم، لم تكن مهتمةً بسبب الجرح وإنما مهتماً به.

قبلته برقة وحنان وهي تشعر به وتحتضنه بيد والأخرى على قلبه قائلةً:
_أنت تتألم كثيراً، أليس ذلك؟

أومأ برأسه بالموافقة.

حب ميسون أعاد نظره من بعيدٍ على كل ما مر به فكان فرصةً لحبهما وتعارفهما على بعضهما جيداً.


مرت الشهور وهما يعيشان أجمل أيام حياتهما، والأوضاع مستقرةً الى حد ما، حتى جاء فصل الشتاء.

حيث أن الشتاء لم يجمد المدن فقط، وإنما جمد بعض القلوب أيضا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي