السادس عشر

ثم أكمل حمزة حديثه:
_ هذا هو جرحه، حينما كان يتألم كان يتذكر قتله للزعيم، وأيضا لقد عانى كثيرا في ماضيه، لم تكن طفولته كأي طفل عادي.

ثم أخذ شهيقا وزفيرا وهي تنظر له بحزن.

_ لا تندهشي أو تنصدمي وتحزني، هؤلاء هم المافيا يحلون مشاكلهم بالدم والقتل، المشكلة أن الذي رأيته وصل للشرطة ولكن بطريقة مختلفة، ومن العائلتين خرج جنائز وجثث كثيرة، فقدنا الكثير من الأقارب.

ضم شفتيه بأسف وهو حزين وسرعان ما نظر لها ووجد عيناها تلمع بالدموع والخوف، وكانت منكمشة وتحتضن معدتها بخوف.

قال بفخر:
_ ولكن بفضلي أنا توصلت إلى حل يرضي الطرفين، إذا تم تحقيق ما أفكر به سينتهي الحقد والكراهية ويقف بحر الدماء والعداوة التي استمرت لأعوام، وأيضا سيودعون الإفلاس.

نظرت له قائلة:
_وما هو الحل، وما شأني أنا؟

اقترب منها وهو يمسك كتفيها بغضب:
_ أنت سبب كل شيء ولك علاقة بكل ما يحدث الآن.

ارتجفت من شدة غضبه وأغمضت عيناها وقالت:

-ماذا تقصد بحديثك، ما دخلي انا؟

نظر بحدة وغضب لها قائلاً:
_لقد علمت العائلتين بطبيعة علاقتك أنت وحكمت لكن لم يعلموا انكِ زوجته، لقد عرفوا بمكانك وبمكان حكمت أيضاً، وعرفوا كل شيء، فلا يوجد حل آخر سوى انك تتخلي عن حكمت.

اتسعت عيناها من الصدمة، وتظاهرت بالقوة حتى لا تعكس ما بداخلها، فهي خائفة جداً، فأظهرت العكس.

-لكنني لا أصدق أي حرفٍ مما تفوهت، مستحيل أن يفعل ماهر هذا بي.

صمتت ولم تكمل جملتها بسبب الضيق الذي سيطر على نبرة صوتها فلم تستطع إخفاء ألمها وحزنها، هربت دمعة حاولت أن تتماسك كثيراً، لكن دمعتها قد سقطت،وكانت أقل تعبير عن جزءٍ بسيطٍ مما تشعر به.

-هو لن يفعل بي هذا، لقد وعدني بأنه لن يتخلى عني ولن يتركني وقال أنه سيعود ألي مرةً ثانيةً، لن أصدق الا عندما يقول هذا الحديث، أنا أعلم نواياك منذ فترة يا حمزة تريد أن تفرقنا وأعلم أنك لا تحبني، ماذا فعلت لأستحق ذلك الكره منك.

_ إذا أتى إلى هنا لن يتخلى عنكِ، انا اقول لكِ إذا جاء إلى هنا لا ترجعي معه أبداً، ليس لأجلك إنما لأجله إذا أحببتيه بصدق مثلما تقولين، لو عدتي معه سيقتلونه ويقتلونكِ.

ضمت ساقيها إلى صدرها بخوفٍ، وأصبح جسدها يرتجف وهي تقول واسنانها تحتك ببعضها:
-لكنني حامل.

مسح حمزة على لحيته بشر، بينما مروان يقف عند الباب وينظر لها بحزن وقلة حيلة، فهو لن يستطيع الوقوف أمام حمزة، وحزين على حال كل من حكمت وميسون.

حمزة:
_علمت أنكِ حامل، لكن لم أضع هذا في الحسبان، لا تقلقي كل شيءٍ سيكون على ما يرام، لكل مشكلة حل.

نظرت له نظرةً مليئة بالخوف والصدمة قائلةً:
ماذا وكيف ستحلها؟

وجه نظره الى الباب فدلف شخصاً يحمل بيدة حقيبةً طبيبة، من الواضح أنه طبيب، شهقت شهقة خرجت من فمها، عندما رأت الطبيب يقترب منها بنظرات لا تبشر بالخير، ضغطت على الأريكة التي تجلس عليها حتى تثقل جسدها.

-ماذا ستفعل يا حمزة.

قالت كلامها بصراخ بينما مروان ينظر لها والدموع تملؤ عينيه.

وفجأةً اقترب منها الطبيب وجذبها من ذراعها بقوة، مما جعلها تقف، بدأت تصرخ وتبكي وتحاول أن يبعدها عنها وتضربه بكوعها، تعلق نظرها بمروان، لعله ينقذها فقالت بصراخ وخوف:

_ مروان, ارجوك ساعدني، أنقذني، ألم تقل أنكَ اخي، هيا اجعلهم يتركونني.

فقارب منها حمزة بغضب وجذبها من شعرها بعنف وهو يرفع صوته بغضب ويتحدث بجانب أذنها:
_ أفهميني أنا أقول لكِ ثَارات وموت وحكمت سيموت هكذا، هؤلاء خطيرون جداً، ولا أحد يستطيع الوقوف أمامهم، ولا يمزحون في حديثهم، والآن ستجهضين هذا الطفل الذي بأحشائك، ثم تبتعدي عنا للأبد.

أنهى كلامه ثم شد على شعرها بغضب ودفعها بقوة مما جعلها تسقط على الأرض هي تصرخ بألم ممسكه ببطنها، ركض مروان بسرعة واقترب من ميسون بخوف و أمسك يدها وجعلها تقف، صارخاً بوجه حمزة.

_ حمزة يكفي هكذا!

أمسكت يده بقوة ونظرت له بأمل ورجاء أن لا يتخلى عنها ويبقى معاها ويساعدها، فنظر لها بحزن، وهو يطأطئ رأسه بأسفٍ.

جذبها الطبيب بقوة، وأستطاع أن يأخذها معه تجاه الغرفة كانت تنظر لمروان وهي تمد يدها له لكي يساعدها، وهو ليس بيده شيء سوى تنفيذ أوامر حمزة.

حمزة:
_ أنا سأذهب إلى المطار الآن وأعود إلى تركيا، أريدك أن تنهي كل شيء يا مروان، ثم أرجعها إلى منزلها.

أغلق حقيبته ووضع بها احتياجاته ثم رفع إصبعه في وجهه قائلاً:
_تحذرها أن تنسى كل شيء حدث، وتنسانا للأبد.

فقال مروان بحزن:
_لكن نحن نخطأ باستخدام العنف معها هي لا تستحق منا كل ذلك.


فقال بسخرية:
_كل شيء فعله حكمت منذ أن أحبها حتى الآن خطأ، أفعل مثلما أمرتك.

قال كلامه بنظرة مليئة بالغضب والتحذير.


في تلك الغرفة التي توجد بها ميسون والطبيب، استرخت والدموع تنزل من عينيها كالشلال على الفراش، وتتذكر حكمت.

وضعت يدها فوق معدتها قائلة بدموع وألم:
-هذه جريمة، لا تقلق يا صغيري لن أجعلهم يؤذوك سنكون بخير.

رأته يحقن تلك الإبرة التي ستقضي على حياة طفلها البريء التي لم يأتي إلى الدنيا فبكت بحرقة.

اقترب منها كي يدخلها بخاصتها، وفجأة رن هاتفه فأمسكه وأبعد الإبرة عنها، فجاء بعقلها فكرة لكي تتخلص منه، نظرت له بتوعد وحدّة.

فرفعت ساقيها بقوة وضربته بعنف في معدته، سقط على الأرض، وأمسكت عصا كبيرة رأتها على طرف وضربته بكل قوة أتته على رأسه، حتى خرجت الدماء منه فاقداً وعيه.

أما هي فنظرت بخوف وفتحت الباب ونزلت على الدرج بأقصى سرعة وهي تركض وتنظر خلفها.

قالت في نفسها:
" يا الله أرحمني أنا وطفلي الصغير، ليس لنا سواك".


وسمع مروان صوت ضرب من الغرفة فهرول نحوهم ووجد الطبيب ينزف وميسون قد هربت، نظر من الشرفة ووجدها تركض في الشارع وهي تنظر خلفها وتمسك معدتها بخوف، فنزل الدرج بسرعة، ثم ركض خلفها وهو ينادي عليها.

_ ميسون توقفي عن الركض!

لكنها تركض وعيناها مليئة بالدموع والخوف وتنظر له وتقول وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
-انت خائن، يا مروان، لقد أوصاك ماهر، أن ترعاني، وأنت الآن تريد قتل طفلي.

صمتت وتوقفت لتلتقط أنفاسها واكملت حديثها وهي تبكي:
-الذي يكون ابن أخيك، أين وعدك لي بأنك ستحميني.

كانت تحدثه وهي تنظر له لم تنتبه إلا على صراخه.

_ ميسون انتبهي السيارة.

نظرت أمامه ولكن لم ترى شيئاً وسقطت مغشياً عليها فاقدة وعيها، ركض الجميع عليها ونزل السائق، بينما مروان هرول بسرعة تجاهها وهو ينادي عليها بخوف، حتى أمسكها وضمها بخوف لصدره.

_ ميسون افتحي عيناكِ أنا أعتذر، لا تتركينا، لن أؤذيكِ.

نزلت دموعها ثم حملها على ذراعه وركض بها حتى وصل إلى منزله وصعد بها الدرج ووضعها على الفراش وطلب لها طبيب أخر وبدأ بفحصها ومروان قلق عليها جداً وكلماتها قبل تلك الحادثة جعلت الندم ينهش قلبه.

فقال في نفسه:
" أنا لم أفي بوعدي لأخي، إنها مسكينة و لديها أخلاق عالية، لا تستحق كل هذا منا، أين كان عقلي حينما سمعت لأوامر حمزة".

نزلت دموعها وهو يرى جرحا على رأسها والطبيب يضع الضمادة فوقه، إنتهى الطبيب وحمل حقيبته متجهاً ناحيته.

تحدث مروان بخوف ولهفة عليها:
_ ماذا بها يا طبيب هل هي بخير؟

نظر له وقال ما صدمة أمرا أحزنه.

أما في تركيا فقد وصل حمزة ودلف مجددا ووجد عائلته وعائلة المافيا يجلسان أمام طاولة كبيرة جداً، كان يرأس عائلته حكمت الحالي على الكرسي بغموض و برود شديد بجانبه السيدة فضيلة التى كانت ترتدي حجابا صغيرا فوق رأسها، وخلفهم عدد كبير من الرجال المهمة في المافيا والحراس أيضاً.

وفي الجهة المقابلة كانت يجلس الجد الأكبر لعائلته المافيا"رشيد آغا" وكان يقف خلفه صدقي الغاضب والشر يتطاير من عيونه وخلفهم الحراس ورجال خطيرة من المافيا.

تحدث رشيد آغا بجدية ناظراً لحكمت وحمزة:
_في ذلك اليوم الذي قتلت فيه ابني أشياء كثيرة انكسرت بداخلي، وإذا قتل أي شخص أخر ستندلع حرب بيننا، الرجال يجب أن تتحكم بغضبها وأحزانها، حكمت وصدقي وحمزة ومروان يجب أن تنسوا الماضي لنفتح صفحة جديدة ونتحد مرة ثانية ونصير قوة.


نظر له حكمت ولم يتفوه بحرف بينما صدقي يريد أن يقتله.

أكمل رشيد حديثه:
_ كتب الكتاب هو الحل الوحيد لوقف الحرب بيننا، والتصالح ليس بالحديث إنما بالأفعال، حكمت ضروري أن يتزوج من حفيدتي رولا، بالزواج تنتهي هذه العداوة، وقتها نكون أقارب وأحباب.

نظرت له فضيلة بأمل أن يوافق، بينما هو يشبك أصابعه ببعض.

رشيد:
_العائلتين لن يتحدوا إلا عندما نكون أقارب، ويوجد صلة تربطنا ببعضنا البعض، رولا نشأت معك بنفس الظروف القاسية وسط المافيا وتعرفك جيداً، أخذت رأيها بخصوص زواجكما ووافقت عليك، دعنا ننهي الكره بيننا، نريد منكم أطفال، حتى نطفأ هذه النار.

وجه رشيد حديثه للجميع وهو ينظر لهم قائلاً:
_والآن إذا كان أحد منكم معارضاً على قراري، فليغادر هذا المكان فوراً.

نظر حكمت لفضيلة ثم وقف لكي يخرج، ولكن صدقي لم يسمح له بذلك ورفع سلاحه تجاه حكمت ورفع كل رجال المافيا التابعة لصدقي الأسلحة على حكمت وباقي الأفراد التابعة لعائلته.

فقال صدقي بغضب:
_ إذا تحرك أحد منكم وغادر سأقتله حكمت قف ولا تخرج.

صرخ صدقي في حكمت ولكنه لم يتأثر، فأطلق صدقي النار بغضب شديد، وهنا وقفت فضيلة وفعلت ما لم يكن في الحسبان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي