الفصل الثامن

نظر إليها كثيراً وهو يحاول كاتماً مشاعره، لكنه لم يستطيع أن يخبىء أكثر هذا، فقد كان يشعر بجانبها كأنه طفل، وبغيابها يعود لوحدته وألمه وحزنه، هل ماضيه ومهنته ستظل تمنعه عن حبه.

"كان ذلك الحوار يدور في نفسه حتى خرج عن صمته يحدق بعينيها التي تبحث في عينيه عن إجابة"

أجاب ماهر بحب وهو يضمها له محاوطاً وجهها بكفه:

-أجل أحبك بشدة، لم أستطع كتمان مشاعري كثيراً، لم أعلم كيف أحببتك وتعلقت بكِ، منذ أول مرةً رأيتك فيها لم تفارقي بالي، تأتين في أحلامي، كنت دائماً أقنع نفسي بأنني لا أحبك، وأنكِ مثل أي فتاة قابلتها، لكن في الحقيقة أنتِ مختلفة عن البقية، بجنونك وعنادك وطفولتك ولطافتك، جعلتيني أحبك.

صمت لبرهة يرخي أصابع يده على جبينها ناظراً لعيونهاالعسلية وقال:
_لقد أرهقني حبك، حينما وجدت الرجال حولك وملابسك ممزقة، ودون تفكير قتلتهم على الفور، كانت الغيرة تنهش قلبي، أنتِ ملكي، أنتِ لي وأنا لكِ وتباً لمن حلم بي وبكِ، كان لقائنا هو أجمل صدفة، أنا الآن أقولها أنا أريدك لي فقط، فقلبي نبض لكِ أنتِ فقط.

لمعت مقلتيها بالدموع وحاوطت بيديها عنقه:
_لم اصدق نفسي، هل هذا حقيقة أم أنا أحلم مثل العادة؟ لقد رأيت هذا الحلم كثيراً في منامي، كنت أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر وها أنت تعترف بحبك لي، لقد فقدت الامل بأنك تحبني، صرت أقنع نفسي بأن حبي من طرف واحد، قلبي يحبك وعيناي تحن لرؤيتك.

زاد عناقها أكثر وهو يغرس رأسه في عنقها قائلاً بعشق:

-أكتفي بكِ، ووجودك يجعل كل شيء بخير، لا أستطيع وصف قلبي حينما يراكِ ينبض بعنف، وكأنه سيخرج من مكانه، عندما أحادثكِ أشعر أن الكون يضيء، إنكِ الأولى في تفكيري و الأحب لقلبي، لا أريد أن تبعدي عني، أنتِ الحياة.

أنهى حديثه ولف يده حول خصرها بقوة ورفعها لفوق وهو يدور بها ويصرخ بحب قائلاً:

_ لقد وجدت الحب والسعادة، السعادة مع حبيبتي ميسون، واكتمل نصفي الاخر، أحبك بكل حواسي.

لفت ذراعها حول عنقة، وهي تضحك بصوتٍ عالي تاركة جسدها المتعلق بين يديه قائلاً بحب ممزوج بسعادة:

-وأنا أيضا أحبك يا ماهر، بك نسيت حزني، نسيت العالم بأسره.

ظل يدور بها وهم يضحكون حتى شعرت بالدوار والغثيان ضربت على ظهره بخفه قائلة بضعف:

_ ماهر إتركني رأسي يدور، كفى.

فتوقف وأمسكها بقوة حتى لامست قدمها للأرض وضعت يديها على رأسه وكانت ستقع لكنه ضمها لصدره وجعلها تجلس ثم سكب كوباً من الماء وأعطاه لها.

_ تفضلي إشربي، ستشعرين بتحسن قليلاً، أنا أعتذر لم أقصد ولكن نسيت كل شيء وأنت بحضني، كأن الوقت توقف حينما تبادلنا مشاعرنا لبعض، أنه اجمل يوم مر عليا على الإطلاق، لا أريد أي شيء سواكِ.

شربت الماء ومسكت يده بحبه ناظرةً في عينيه:
_لا تعتذر هذا ليس خطؤك، أنا سعيدة بك وأحببت هذه اللحظات جداً ولن أنساها أبداً، فهذا اليوم سيسجل في ذاكرتي.

وضع يده فوق خاصتها ورفعها مقربا شفاه وطبع قبلة رقيقة عليهما، ثم أرجع شعرها خلف أذنها وقال بشاعرية:

-لم يخطر ببالي أن أحب، الجميع يقول أنني بلا رحمة وقاسي القلب.

وضعت يدها فوق شفاه قائلاً:
_لا تقل هذا، انت لست كذلك، وهم مخطئون انت حنون وجميل وهذا القلب رحيم.

امسك يدها ووضعها فوق قلبه بحزن:
_ أنتِ لا تعلمين شيئاً، فهم على حق، ولذلك لم أرد أن أحبك حتى لا أقس عليكِ في يومٍ من الأيام، فلا تتحمليني و ربما تتركني وهنا لن أتحمل وسأنكسر للأبد، مهماحصل عديني لن تبتعدي عني.

-من قال لك ذلك لن أتخلى عنك تحت أي ظرف، سأظل أحبك للنهاية سأكون بجانبك، ولكن لدي سؤال وأريد إجابةً له؟

_ وما هو؟

-أريد أن أعرف ما الذي تخفيه عني، وما هو ماضيك الذي يسبب لك المتاعب والآلام، لماذا تقول أنك قاسي وليس لديك قلب والجميع يلقبك بعديم القلب أجيباني؟

نظر للاسفل بحزن وهو يتنهد بألمٍ: لن يحن الوقت، ولن أستطيع اخبارك سامحيني، هذا الماضي سيغير الكثير دعينا نعيش أجمل أيام حياتنا بعيداًعن جرح الماضي.

-أنت لا تثق بي كيف تقول أنك تحبني وأنك سعيد معي وها أنت ترفض أن تشاركني ماضيك وأحزانك، حديثك ليس مقنعك، الحب هو أنك تشاركني ألمك وحزنك وماضيك نكون جسدين في روح واحد، كيف تريد أن تكتمل علاقتنا وأنت غامض ومليء بالأسرار وترفض أن تحكيلي، أنا اشاركك حياتي وانت لا، هذا ليس عدلاً يا ماهر!

_ سامحيني، هذا خارج إرادتي.

وقفت وأعطته ظهرها وذهبت باتجاه الباب قائلةً:
_لا فائدة من الحديث معك فأنت عنيد بشدة، وما زلت لا تثق بي، أنا ذاهبة وعندما تعيد تفكيرك وتشاركني حياتك سأكون لك.

فتحت الباب وهو جالسٌ ينظر لها بحزن فهو يعلم أن هذا سيحدث وأن السعادة لا تلائمه، قدرة هو التعاسة والبؤس والشقاء والألم فقط".

كان كل هذا يدور في عقله، وقد نظرت له نظرتها الأخيرة لم يتحمل رؤيتها تغادر وتتركه ركض نحوها وأحتضنها من الخلف بألم وحزن ورجاء:

_لا تتركيني، انت وعدتني بذلك، كنت أعلم انكِ ستتخلي عني مثل البقية، ولكن لم اعلم أن هذا اللحظة ستأتي مبكراً، ويبدو أن الحزن هو قدري، إذا أردتي الرحيل لن أمنعك، لكنكِ ستغادرين تاركةً قلباً يتألم ويتعذب، لا بأس لم تبقى الحكاية عليكِ فالجميع تركني، وأنا اعتدت على الوحدة فقط.

لم تتحمل كلماته التي أثرت فيها بشدة التي كانت تعبر عن حزنٍ كبير، فاستدارت له، ثم نظرت إلى عينيه التي تلمع بالدموع والحزن، شعرت بألمٍ في قلبها مثلما هو يشعر.



ومن صوب اخر في تركيا كان مروان وحمزة الغاضبان يتحدثان.

حمزة بغضبٍ:
_ ما الذي يفعله أخوك سيجنني كيف يحضر ميسون معه الي المنزل، لا أعلم ما الذي يحدث بالداخل، لقد خدعنا وجعلنا نتركه بمفرده حتى يعيش قصة حب غير مهتم بهذا المأزق ومتناسياً المصيبة التي وضعنا بها، لقد قتل زعيم المافيا فرحات والد رولا وهو يفكرون في الانتقام وهو الآن يبحث عن الحب وستكون نقطة ضعفه، يا إلهي! كم هو أحمق.

وقف حمزة والشر يتطاير من عينيه وأصبح كالمجنون يحطم كل شيء أمامه وهو يصرخ: جعلنا نتركه بهدف إتمام الصفقة حتى يخلو الجو له لن أسمح له بهذا الهراء والجنون عن أي حب يتحدث، سيظلمها معه ويعلقها به ويجعل حياتها تعيسةً.

أقترب مروان منه بغضب:
_ يكفي هذا، كم أنت أناني يا حمزة! لماذا لا تريد أن ترى أخي سعيداً؟ إنه يحبك ويطيعك ولو على حساب حياته لكنك تفكر في المال والانتقام وتخاف على حياتك، لن اسمح لك بأن تدمر حياته لقد فعل الكثير من أجلنا، اتركه يحب لعله ينسى جروح الماضي، ميسون ستحافظ على قلبه لماذا أنت متشائم هكذا، اترك كل شيء يسير على طبيعته، ولا تعترض طريقهم لان هذه المرة لن يحدث خيراً إن حصل له شيء، أتفهم؟

أمسكه حمزة من لياقة قميصه بغضب:
_ كيف تجرؤ على محادثتي بهذا الأسلوب القذر، الزم أدبك أنا اكبر منك بخمسة عشر عاماً يجب عليك أن تحترمني.

_عندما يتعلق الأمر بأخي سأنسى كل شيء لأجله، دعه يعيش حياته كما يحب، منذ متى وأنت جبان وخائف هكذا، منذ أعوامٍ ونحن في صراع مع المافيا، وهذا ليس بالجديد..

-قاطعه بغضب:
_ولكن الجديد هو الحب الذي سيقلب كل شيء رأسا على عقب وستثبت الأيام صحة حديثي، سأتركه يفعل ما يشاء ولكن لا تندما على النتائج وتذكرا كلامي جيداً.

انهى حديثه متجهاً خارج المنزل وأغلق الباب بقوة كبيرة؛ لدرجة أن مروان وضع يده على أذنه من شدة صفعته للباب.

تحدث مروان في نفسه بتحدي:
" لن أجعلك يا حمزة تكون عقبة في طريق اخي، لقد عانى بسببك كثيراً وأنت لم ترحمه، بل وتعقد أموره بهدف أنك تحافظ على سلامتنا، أما أنت فتريد المال فقط، يجب أن يعيش حياته بسلام لقد تألم بما يكفي، لو كان حجراً لانكسر من الضغط والآلام التي يعيش فيها لكنه مازال متماسكاً لأجلنا، كم هو قوي وشجاع ويحبنا، أعدك أنني سأبعد حمزة عن طريقك يا أخي.

في مكان أخر كان نوري يقف في حديقة منزله وهو يسقي الزرع فهذا أكثر شيء يحبه وتذكر ابنته التي لم تحادثه منذ فترة اخرج هاتفه واتصل بها.

أما ميسون فكانت جالسة بين أحضان ماهر وهما يضحكان ويأكلان الفوشار ويشاهدان التلفاز وقد قطع تلك اللحظات الجميلة اتصال نوري، فابتعدت ميسون بتوتر عنه وامسكت هاتفها حينما رأت اسم المتصل ووقفت أمام النافذة وفتحت المكالمة.

-ألو أبي، كيف حالك اشتقت لك كثيراً أعلم انني مقصرة بحقك كثيراً، ولكن اعذرني فضغط البحث عن عمل يهلكني كل يوم أرجع أكرر محادثتك وأنام من شدة التعب لا تقلق أنا بخير.

تحدث نوري بـعتاب ولوم:
_ لقد سافرتي ونسيتِ والديكِ المشتاقين لكِ، يبدو أنك انشغلتِ بعملك وتركتِ والدك قلقٌ عليكِ هنا، وخصوصاً وأنك في دولة غريبة بمفردك.

-لا يا أبي أنا أعيش مع مريم صديقتي وهي لا تتركني وتقف خلفي بكل مكان وتساعدني كثيراً، أنا مشتاقة لكم كثيراً، وكنت سأحدثك لكنك سبقتني، فأخبرني كيف حالكم؟

_ نحن بخير وأنتِ؟

-في نعمة يا أبي، أرسل سلامي للجميع ولا تنسوني بدعواتكم لي، أحبكم كثيراً، سأضطر أن أغلق، أريد أن أنام.

_ حسنا ليلة سعيدة.

أغلقت المكالمة ونظرت في ساعتها ووجدت أن الساعة أربعة صباحاً، فشهقت بفزع وهي تركض نحو الباب، فوقف ماهر بصدمة يحاول استيعاب تصرفها، فهرول تجاهها ممسكا ذراعها.

_ إلى أين أنت ذاهبة، الوقت متأخر جدا.

-مريم قلقة عليّ وفاتني اثنان وعشرون مكالمة، ياربي ستقتلني، ماذا سأفعل؟

_لن اسمح لكِ بالمغادرة ستبقين هنا حتى يأتي الصباح.

-لا هي لم تنم من شدة قلقها علي، اتركني أرجوك.

_اتصلي بها واشرحي لها كل شيء.

_ بالطبع لا هي لا تحبك وتريد أن نبتعد عن بعضنا البعض، معتقدةً أنك ستسبب لي الآلام والمشاكل.

نظر لها بحزن وهو يقول في نفسه:
"معها حق".

لاحظت حزنه فقالت بلهفةٌ:
_ لكن انا لم أرد ذلك، واريدك انت فقط مهما حدث، كم انا غبية! ما كان يجب أن أقول هذا الحديث لك.

_ كلا، هي معها حق.

-بالطبع لا هي مخطئة ولا تفهم بالحب؛ لأنها لم تجربه، أتدري أن الحب هو أن اقف بجانبك بالشدائد والأفراح والمحن وأن لا أتخلى عنك أو أتركك مهما حدث، وأعدك بذلك.

عانقها بعشق كم كانت كلماتها الجميلة تريح قلبه فتجعله ينسى حزنه بسهوله، كل شيء يكون جميل ومكتمل بوجودها.

بعد مدة ابتعدت عنه قائلةً:
_هل سأظل هنا، لو علمت ستوبخني.

ضحك كثيرا ثم قال:
_ألم تقولي الآن دعك منها هي لا تفهم بالحب، كيف تحولتِ في هذه اللحظة، إن أمرك غريبٌ جدا، لن تتفوه بحرفٍ صدقيني سأحدثها في الصباح، والآن ادخلي الغرفة وارتاحي.

-حسنا أنا متعبةٌ جدا واحتاج إلى النوم لأرخي جسدي ليلة سعيدة.

_ أحلام سعيدة حبيبتي.

ارسلت له قبلة في الهواء ثم ضحكت وهرولت الى الغرفة قبل أن يمسكها ويمازحها ولن تنام حينها، فابتسم لمشاغبتها وظل يفكر فيها حتى غرق في سبات عميق.


في صباح يوم جديد وتحديداً في ذلك القصر الذي تعيش فيه رولا كانت جالسة بجانب جدها وصدقي وهي تأكل ثم توقفت للحظة وهي تنظر إلى جدها.

رولا:
_ جدي متى ستنفذ خطتك؟ أنا متحمسة للغاية وأنا أعد الأيام والليالي حتى احصل على ما تمنيته بشدة، وهل بهذه الخطة سينتهي بحر الدم؟

الجد بجدية:
_بالطبع ولكن إذا غدر بنا فسنقتله ولن أهتم لمشاعرك حينها، سأفعل هكذا لأجلك حفيدتي المدللة، لا أحب أن أراكِ حزينة، ولولاكِ لقتلناه منذ شهور، لا اعرف متى سأنفذ، اتركيها للوقت المناسب هو الذي سيحدد مصيرنا.

_ أشكرك جدي واحبك جداً وانتظر تنفيذ قرارك على أحر من الجمر.

صدقي:
_أريدك أن تعتني بنفسك وأن تعودي رولا القوية الشجاعة، وتفتحي ستائر غرفتك المظلمة منذ وفاة أبي، وانتِ لا تضحكين وزاهدة في هذه الحياة، أين هي رولا القديمة؟

ابتسمت قائلةً:
_ ستعود يا أخي عندما يتم تنفيذ الخطة والهدف الذي سعت له كثيراً، إن اللون الأسود يناسبني كثيراً، فلننتظر الوقت المناسب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي