الخامس عشر

وفي مكان أخر وفي سيارة حمزة الذي كان يتحدث مع السيدة فضيلة ويبدو عليه الغضب وهو يقول:
_ وصلتني آخر الأخبار من مروان ولن تصدقي ماذا قال؟

فتحدثت فضيلة بغضب:
_لما كل هذه الألغاز، تحدث مباشرةً أيها الأحمق.

تنهد حمزة وقال:
_ميسون زوجة إبنك حامل بطفلٍ منه.

شهقت شهقة خرجت من فمها وهي تضع يدها على صدرها بفزع قائلةً:
_ ما هذا الهراء، وكيف تسمح بذلك.

_و ما شأني أنا، يا عمة لقد قلت لحكمت كثيراً أن ينهِ علاقته بها، لكن قال أن هذا على جثته، قلت له إذاً خُذ احتياطك كي لا تحمل ميسون، لكنه لم يسمع لي، ماذا سأفعل الآن؟

-أتأخذ إذني يا حمزة، نفذ الآن، هذا الطفل سيكون عائقاً كبيراً، وإذا أنجبته لن يتركها حكمت مهما حدث، يجب أن لا يعرف وسيأتِ في الغد إلى تركيا، وبعد تأكدك من سفره، خذها وتخلص منها ومن الجنين.

_حسناً، لا تقلقي ساخبركِ بكل شيء، المعذرة سأغلق الآن كي آخذ حكمت ونعد كل شيء، وفي الصباح سنكون في القصر.

أغلق معها ودلف إلى منزله وجلس وانتظر مجيئهم، مر الوقت وحمزة لم يجلس ويسير للامام ويرجع للخلف وظل يعيد سيره مراراً وتكراراً، حتى سمع صوت سيارة حكمت، جلس بهدوء كي لا يظهر له شيء مما ينوي على فعله.

دلفت ميسون وانفزعت حينما رأته يجلس في الظلام ويدخن سيجارته.

فقالت بخوفٍ:
_حمزة، اللعنة يا رجل، انت تظهر لي دائما مثل الشبح، انت وماهر تعشقان الظلام، لكن حبيبي أصبح يحبني وترك كل عادته السيئة اما أنت فلن تتغير، هل زوجتك لم تقدر على تغييرك للأفضل!

نظر لها قائلاً:
_لا لإنها أحبتني على طباعي، ولم نتحدث كثيراً مع بعضنا، بسبب انشغالي بالأعمال، وإنشغالها بأطفالنا.

_ قلبك مثل الحجر قاسي وحاد، دائماً أشعر وكأنك تحقد على وتريد أن نبتعد أنا وماهر، صحيح؟

نظرت له بطرف عيناها، أما هو فوضع يده بجيبه ووقف ببرود شديد متحدثاً: _إحساسك صحيح.

إتسعت عيناها من الصدمة، لم تتوقع أنه جريء إلى هذا الحد، على الأقل كان عليه أن يجاملها، فشعرت بالبؤس، هي ترى أنها ل تفعل شيئاً، كي تستحق منه كل هذا البغض والكراهية.

استفاقت من تفكيرها على صوت مروان:
_ لا تحزني، فأنا أحبك يا أختي، واتمنى لكِ السعادة، حمزة لا يحب أحد، هو هكذا دائماً أناني، يحب نفسه فقط، لا تحملي حديثه على محمل الجد.

نظرت له وابتسمت قائلةً:
_أمره غريب، شكرا مروان على دعمك ووقوفك بجانبي دائماً، كنت أتمنى أن يكون لدي أخ، وقد عوضني الله بك، أنت جميل وحنون، كم ستكون محظوظة من ستتزوج بك!

إحتضنها عناق مليء بحب الإخوة قائلاً: _أجل أنتِ أختي الكبيرة، وسأكون بجانبك دائما، ولا يوجد شكر بيننا.

أومات برأسها ونظرت لذلك المشتعل من الغضب والغيظ، وهو يربع يده ويضمها على صدرة ويهز ساقيه بغضب.

_ما الذي أراه الان؟

نظرت له ميسون بقلق قائلةً بمرح:
_أنا أقول إن أتركك يا مروان مع هذا الثور وانقذ نفسي قبل أن آخذ عقابي.

وفي لحظة اختفت من أمامه وهي تقول بصوتٍ عالي:
_اركضي يا ميسون.

منع حكمت نفسه من أن يضحك عليها واقترب من مروان الذي كان يرتجف من الخوف، وأسنانه تحتك ببعضها من شدة الخوف.

_يا أخي أنا، لم أقصد شيئاً، صدقني.

عقد حكمت حاجبه بغضب قائلاً:
_ اختفِ من أمامي الان، كي لا أعاقبك.

ركض مروان بخوف، بينما حكمت صعد لميسون وظل يطرق على الباب.

_إفتحي الباب ميسون.

فردت من خلف الباب وهي تسند عليه:
-لن افتح حتى تعدني أنكَ لن تفعل لي شيئاً.

كتم ضحكته وأراد أن يتلاعب بأعصابها فقال بغضب:
_ إذا لم تفتحي الان ساكسر الباب فوقك، وانت تعلمين أنني أستطيع فعلها، هيا إفتحي الان.

فتحدثت بحزن وقلق:
_ولن تفعل لي شيئاً!

لم يرد عليها، فخافت من صمته ثم فتحت ونظرت له وهي تلزم شفاها بحزن وتخرج رأسها من فتحة الباب الصغيرة وتنظر ولكن لم تجده، فظنت أنه غادر.

ثم فتحت الباب وإبتسمت والمفاجأة أنه كان يختبيء منها، فأمسكها من ذراعاها، وأغلق الباب ونظر في عيونها بغضب والقاها على الفراش وتسطح بجانبها.

_لماذا عانقتي مروان، هاه، ماذا؟

فقالت بتوتر:
_كنت حزينة بسبب كلام حمزة الجارح لي، وهو قال أنه اخي وسيظل يدعمني، فعانقني گأخ لا تفهم الأمر خطأ، و انفِ غيرتك الزائدة.


عاتقها بقوة قائلاً بغيرة:
_قلبي يحترق بنار حبك، لا تعانقي احدا غيري مهما كان الامر، نحن خلقنا لبعض، أنت ملكي أنا فقط.

قبلته على وجنيته برفق:
_حسنا يا سيد ماهر، لن تتكرر.

بدل ثيابه، وارخى جسده على الفراش بجانبها.

_أريد أن أنام بحضنك هذة الليلة، سأشتاق لكِ، لا أريد التحدث بشيء، عانقيني فقط.

عانقته برفق ودلكت على شعره حتى غرق في النوم، أما هي فلم تنم وظلت تنظر له تريد أن تشبع منه؛ لانه سيبتعد عنها، حتى أشرقت الشمس معلنةً يوماً جديداً.

فتح عيناه ووجدها تنظر له طبع قبلة سريعة وابتسم و تحرك ليأخذ حماماً دافئاً، أما هي فجهزت له ملابسه، وكل احتياجته ووضعت صورة تجمعهما وأغلقت الحقائب، حتى خرج وارتدى الملابس ونظر لها ووجدها تبكي.

إقترب منها وجذبها لحضنه بقوة، وهربت دمعه منه، لانه لا يعلم مصيرة هل سيعود مرةً أخرى أم لا؟

_توقفي انا لا أتحمل دموعكِ.

فقالت بشهقات والدموع تنزل منها كالشلال: س..سأشتاق لك كثيراً، لن أتخيل حياتي كيف ستصبح في بعدك، لقد اعتدت أن أنام داخل أحضانك الدافئة، وان أفتح عيني وأجدك أمامي.

_ساعود، احبك وانا ايضا سأشتاق لكِ، إذا كنت تحبينني، فلا تبكي أبدا، تبدين أجمل بإبتسامتك، أين هي؟

إبتسمت بحب وهو يجفف بيده دموعها.

-أنتظرك حتى تعود، لأنني أحضرت لك مفاجأة.

_سأرجع فور إنتهائي ومتشوق لمفاجئتك.

ودعها، أوصى مروان أن يرعاها ويظل بجانبها، ثم ركب مع حمزة متجهاً إلى المطار.

مر الوقت حتى وصلا، ثم دخلا الطائرة، وجلسا فيها؛ لتحلق بعد قليل في السماء، وكان حكمت يفكر في ميسون كثيراً، ويشعر بالقلق عليها، لأن صدقي رآها ولن يتركها.

هنا استفاق من تفكيره حيث وضع حمزة يده على كتفه قائلاً:
_هيا يا حكمت لقد وصلنا السيارات تنتظرنا خارج المطار.

وقفا اونزلا ثم ركبا السيارات منطلقين إلى القصر.

كانت فضيلة تقف في الشرفة ورأت السيارات وصلت، وكانت تركض فتاة في العقد الثالث من عمرها والسعادة مرسومة على وجهها وهي تعانق حكمت.

-مرحباً يا اخي اشتقت لك كثيراً.

عاتقها بحب قائلاً:
_اهلا حبيبتي، كيف حالك، أين أمي؟

_في مكتبها تنتظرك.

صعد الدرج بسرعة وطرق على الباب.

-ادخل يا حكمت.

دلف، وكانت تعطيه ظهرها، ويبدو من منظرها أنها غاضبة جداً، التفتت له ونظرت له بحدة.

-ما الذي فعلته، نرسلك لروسيا، لتهرب من المافيا، فتذهب وتحب وتتزوج، هذا كثير، لقد نظرت إلى نفسك فقط واردت أن تكون سعيداً، ونسيت أمرنا.

أقترب منها ووضع يده على كتفيها قائلاً بحزن:
_ لم أعلم أنك تعتقدين أنني سيء إلى هذا الحد، انا تركت أشياءً كثيرة لسعادتكم، ضحيت بنفسي وبكل شيء أملكه حتى سعادتي؛ كي تكونوا بخير وفي أمان وفي النهاية تقولين ذلك يا أمي.

جلست تحتسي قهوتها قائلةً بحزن:
_لكالما كنت بمقام والدتك فأنا من ربتك وعلمتك الكثير، وإذا حدث لك شيء فقلبي سيحترق عليك، لا احد يعلم بالنار المشتعلة في قلبي، لمجرد أن حياتك في خطر.

كانت تتحدث وهو يقف ويضع يده في جيب بنطاله بجانب شعلة من النار، و التي تمد الغرفة بالدفيء وقلبه يحترق مثل الشعلة التي أمامه.

قالت بأسف:
_لا يوجد حلٌ أخر، لن يقف بحر الدماء حتى توافق على الزواج من رولا، التي قتلت والدها بسبب تهورك يا حكمت، لقد توفى والدك وجدك والكثير من العائلة، حتى طفلتي الصغيرة التي احترق قلبي عليها.

هربت دمعة من عيناها وأكملت حديثها:
_إذا خرجت جنازة أخرى من هذا القصر، صدقني لن اتحمل، فقد استطاعوا أن يعرفوا مكانكم، وأنت الكبير هنا، إذا كنت مهتماً بنا يحب أن توافق على شرطهم.

نظر لها بعين مليئة بالحزن والغضب قائلاً ببرود عكس النار التي في قلبه:
_اين حمزة، أنا لا أراه لقد اختفى منذ وصلنا.

إبتلعت لعابها بتوتر وقالت بارتباك:
_ لقد ذهب ليرى أعمالنا في القرى المجاورة؛ لكي ينظم أمورنا سيأتي إلى هنا وقت الاجتماع مع الزعيم الأكبر رشيد آغا.

نظر إلى الشعلة وتنهد بحزن ثم خرج من الغرفة متجهها إلى غرفته وهو يفكر بحديث فضيلة، ويفكر بميسون.

...كانت ميسون تجلس وهي تجهز أغنيتها الجديدة وتغني وتتدرب على الألات الموسيقى، وفجأة قاطع انشغالها دخول مروان الذي قال:

_ ميسون أريدك في موضوع ضروري جداً، سأقوله لكِ بمكان أخر، هيا بنا.

نظرت له بتساؤل، ولم تتفوة بحرف واحد، وانتظرت حتى يقول لها في الخارج، فركبت بجانبه، اما هو فقد كان حزيناً للغاية، وهو مجبورٌ على ما سيفعله بعد قليل.

_ هل الأمر ضروري إلى هذا الحد، لكي نخرج خارج المنزل؟

نظر لها بحزن وأومأ برأسه بالقبول، شعر وكأن لسانه عجز عن الكلام، للسبب الذي جعله يحضرها معه.

صمتت وظلت تأكل الشوكولا وهي تضع يدها على معدتها وتبتسم بحب وتقول:
-يا طفلي الصغير، هل تسمعني متى ستأتي لأحملك على ذراعي ويلعب معك العم مروان ووالدك ماهر سيفرح كثيراً حينما يعلم أن بداخلي قطعة صغيرة منه.

نظر لها بندم وأراد التراجع عما سيفعله بها، لكن انتبه على صوت هاتفه وكان المتكلم هو حمزة:

_لقد وصلت الى روسيا الان، هيا احضر لي ميسون الان، ولا تتأخر أنا في انتظاركم.

-أجل نحن في الطريق.

وبعد قليل كانا قد وصلا فأخرجها مروان من السيارة ولكنها سمعت صوت هاتفها وقالت لمروان:
_ماهر يتصل بي، سأرد عليه ثم آتي معك.

فأخذ منها الهاتف بسرعة قائلاً بارتباك: _زوجة أخي، لا تردي عليه الان، لدي أحاديث كثيرة ، وأشياء يجب عليكِ معرفتها، بهذه الطريقة التى ستنزعين المفاجأة.

وأمسك يداه وصعدا الدرج حتى دلفا إلى شقة قديمة جداً، نظرت حولها بدهشة حينما أغلق الباب خلفه، رأت رجلاً يعطيها ظهره وهو يجلس على كرسي.

_من هذا يا مروان؟

إستدار لها حمزة بكرسية وإبتسم والشر يتطاير من عيناه.

_ هذا أنا حمزة.

ابتسمت وجلست على الأريكة أمامه قائلةً بتساؤل:
_مرحباً حمزة، ألم تسافر مع ماهر كيف جئت إلى هنا، ماذا يحدث؟

وقف من مكانه وإقترب منها قائلاً بمكر:
_هل تعلمين من هو الرجل التي أحببته؟

فأجابت بإرتباك:
_ ماذا..تقصد؟

فتح الكمبيوتر وأظهر أمامها فيديو وعندما شاهدته ودققت به انصدمت كثيراً ونظرت له ولمروان والدموع تملأ مقلتيها.

قال حمزة:
_أقصد بحديثي يجب أن ينتهي حلمك وعلاقتك بحكمت.

نظرت له بدهشة وبعضاً من الخوف قائلاةً:
_لا أفهم من هو حكمت؟

ونظرت إلى جهاز الكمبيوتر قائلاً بخوف: ومن هذا الشخص، لا، لا، هذا ليس ماهر فهو ليس قاتلاً أو مجرماً!

_يجب أن تعرفي الحقيقة يا ميسون الذي أخفاها حكمت عنكِ، أقصد ماهر الاسم المزيف.

فقالت بصدمة:
_انا لا أفهم اي شيء!

لم يجبها وكانت الإجابة في الفديو التي تشاهدها، حيث كان يقف رجلاً في نهاية العقد الخامس من عمرة وبجانبه رجلاً منتصف في العقد الثالث وأمامهم ماهر ويتحدثون وفجأة أخرج من جيبه سلاحه وبدون أي مقدمات أطلق النار بمهارة على الرجل المسن فإخترقت الطلقة قلبه، فسقط على يد ابنه مفارقاً للحياة.

نزلت الدموع كالشلال من عينيها ومازال نظرها عالقاً على ماهر في الجهاز.

حمزة:
_إسمه الحقيقي حكمت وليس ماهر وهو من أخطر عائلات المافيا المشهورة بدولة تركيا، سافر الى روسيا كي يبعد عنهم لفترة ولكن المصيبة أنه أحبك وتزوجك، هل تحدث معك عن جرح الماضي؟

نظرت له بحزن وألمٍ شديد ومازالت تبكي بصمت، ومنتظرة الصدمة التالية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي