الثالث والعشرون

قال حكمت بألم وندم والدموع تغرق وجنيته وهو يقبل ابنه بحنان واشتياق:
_ أعتذر يا صغيري الجميل، كان خارج ارادتي، لقد عدت الآن لك ولن اتركك، أتعلم سأشتري لك الكثير من الالعاب، وسنخرج ونلعب كثيراً، سأعوضك يا كمال، لا تحزن بسببي، حينما انتهيت من عملي جئت لأراك. يا عمري.

بعد رأسه عن حكمت وراءه يبكي، فجفف دموعه يكفيه قائلا ببراءة:
-لا تبكي يا أبي بسببي، أعلم أنه خارج ارادتك، وانا اسامحك، لكن عدني أنك لن تتركنا وتتخلى عني مجدداً، اتعلم كانت أمي كل ليلةً تبكي، وتحدثني عنك كثيراً.

ابتلع حكمت لعابها وهو يلمس وجنية طفله بحب.

_ اعدك بذلك، الأيام القادمة سنعيش في سعادة، وأحقق لك كل ما تتمناه.

عاتقه كمال وهو يقول بطفولة:
- تمنيت كثيراً أن أراك واقول لك يا أبي، كنت أرى الأطفال مع آباءهم وأمهاتهم، وأنا أسير بجانب أمي وافتقدك، وكنت أرى الحزن بعينها، لكن سنعيش بسعادة صحيح.

_ اجل صغيري.

لم ينتبهوا لميسون التي كانت تقف وتساعدهم وهي تبكي تأثراً على لحظة تجمعهم لأول مرة يرى الأب ابنه وكذلك الابن، فتح حكمت يداه مناديا عليها.

_ ميسون تعالى حتى اعانقكم، لقد اشتقت لكم.

ركضت نحوه وعانقوا بعضهم بحب وظل هكذا دقائق، حتى بعدت عنه وجلسوا على السفرة كي يتناولون الإفطار وجلس كمال على ساق حكمت.

_ اليوم سأطعم طفلي بيدي.

كانت ميسون سعيدة لسعادتهم، وتمنت أن تدوم هذه السعادة وألا يبتعد عنهم مرة اخرى، كان حكمت وكمال يضحكان وكل واحدٍ يطعم الاخر .

_ ميسون هيا بنا سنخرج اليوم إلى مدينة الألعاب ونقضي يوماً جميلاً مع طفلنا.

فقفز كمال بحب.

_ شكرا أبي أحبك، هيا بنا بسرعة.

ثم أمسك كمال يده قائلاً:
_ هيا يا ابي بسرعة انا متحمس.

أمسكت ميسون يد كمال الثانية وخرجوا من الفندق بسعادة متجهين إلى مدينة الألعاب، وطوال الطريق كان حكمت يمزح مع كمال حتى وصلوا ودلفوا.

كانت مدينة خاصة بالألعاب المائية والثلجية والعاب أخرى، كان كمال غير مصدق وظل يقفز ويركض بفرحة وميسون وحكمت فريحان لأجله.

جذب حكمت ميسون وهو يبتسم وهي ايضا وينظران لطفلهم الذي يقهقه ويلعب.

-لم أراه يضحك هكذا من قبل، كان مفتقدك جدا يا ماهر.

_ لن اترككم مجدداً أعتذر كل شيء سيكون أفضل.

مسح على وجه بحزن وهو يتحدث معاها.

_ لا يوجد سوى حل واحداً حتى نعيش بسلام.

-لا أريدك أن تخاطر بحياتك يا حكمت لأجلنا، لو بعدك عنا سيحميك ابتعد، فلن أحزن، بل سأكون سعيداً وأنت بخير.

_ لا تحرمينني من طفلي، كنت أتمنى أن يكون لدي طفل منكِ، حينما تحقق الحلم تريدينني أن أبتعد، هذا مستحيل، أريد أن أربيه وأراه يكبر أمام عيني، يكفي كل هذه الأعوام التي مضت وجعلتنا نعيش أسوأ أيامنا.

تنهد بحزن وهو يحاوط خصرها.

_ لقد كبرتُ بدون أب وسط المافيا، وتعلمت أشياءً تصعب على أي طفلٍ تعلمها وتحملها، وجدت نفسي مسئؤلاً عن أسرة كاملة وحياة إيناس كثيرة، لم أرى السعادة إلى معك، حينما ابتعد عنك، كنت كألةٍ يحركونها.

نظر لها بشوقٍ والمٍ.

بحثت عنكِ كثيراً ولم أجدك، حينما جئت لكِ كذبتي وكنتِ السبب في فراقنا لهذه الأعوام حينما قولتي انكِ تزوجتي، لم تجف عيني من البكاء والألم، اللذان لم يتركونني، أعطيني فرصة حتى اعوضكم عن هذا الألم.

و من جهة أخرى رولا التي تريدني أن اقترب منها رفضت المس أي فتاة أخرى سواكِ، تزوجت رولا؛ بسبب خوفي أن يأذوكِ، لانكِ اصبحتِ نقطة تحول كبيرة في تحولي الى شخص طيب القلب، واصبحتِ نقطة ضعفي.

قبلت وجنته بحب قائلةً:
_ حسنا اهتم بنفسك ولا تتأخر علينا ننتظرك عزيزي، سأشتاق لك و نفتقدك، سأعطيك فرصة، قانا أيضا لا استطيع الابتعاد عنك مرةً أخرى.

فجأة جاءت له مكالمة من حمزة، فابتعد عن ميسون، تاركها تلعب مع طفلها، ورد عليه.

-حكمت اين انت؟

_ أنا في الفندق، انتظرني في صباح اليوم الموالي، سأكون أمامك لدي أشباءٌ كثيرة أريد أن أشاركها معك.

-حسنا انتظرك، لا تجعل رولا تحزن، لان صدقي يراقبك جيداً، وبأي لحظة من الممكن أن يقتلك، لقد جمع عدد كبير من الحراس الأقوياء، فأصبح هو الأقوى الآن.

_ لا تقلق!

أغلق حمزة ووقف يقبل امرأة جميلة غير زوجته فكان يخون شقيقة حكمت معاها.

وفجأةً قطع قبلاتهم رسالة وفديو وصلت له فانصدمت حمزة حينما قرأها وتلون وجهه باللون الأحمر وقبض على يده بغضب.

فقالت بقلق تلك المرأة: حمزة ماذا بك، هل حدث مشكلة ما؟

بعدها عنه وهو يمسح على رأسه بغضب ونزل للحديقة وركب سيارته متجهاً الى قصر حكمت.


في العاصمة كان حارس حكمت المخلص يحمل حقائب ميسون وهي تحمل كمال الذي نام ، فتح لها باب السيارة قائلاً باحترام:
_ تفضلي سيدتي.

ركبت السيارة وهي تحضن طفلها بحنان وتداعب شعره، وانطلقت السيارة لمكان سري لا يعرفه أحد سوى حكمت، لأنه أوصى حارسه أن يبعدهم.

في القصر وصل حمزة ودلف لغرفة مروان بغضب، فكان نائماً بأمان، حتى استيقظ على لكمات قوية من حمزة.

_ اه حمزة، ماذا بك تضربني هكذا، هل جننت، كيف تتجرأ على فعل ذلك وتوقظني بهذه الطريقة.

كان يتحدث بغضب، ثم وجد نفسه ساقطاً على الأرض من شدة الصفعة الذي تلقاها من حمزة.

فقال حمزة بغضب وهو يضربه بعنف وغضب:
_ قول لي ماذا فعلت أيها الأحمق، لقد اشعلت نار الانتقام من جديد، لم نخمدها حتى اشعلتها بغبائك وكذبك.


فقال مروان بخوف وحمزة يمسكه من قميصه بغضب:
-ماذا فعلت أنا يا أخي؟

صفعه بقوة قائلاً:

_ ألم تقل لي أنها اجهضت الجنين، كيف هو معها الآن، لقد انجبت فتى ووصلني اخبارها وعلمت أن حكمت جعلها تذهب الى مكان سري، بفعلتك أيها الأحمق ألقيتنا في النار، سنموت كلنا بسبب غبائك.

ثم لكمه بغضب في معدته.

_ لقد أخبرتني أن السيارة جعلتها تفقد جنينها و أننا تخلصنا منها كيف أنجبت بطفلاً من حكمت أخبريني.

كان صوته مرتفع للغاية، سمعته فضيلة وهرولت بسرعة تجاههم وهي تقول بغضب:

_ حمزة اترك مروان ابني، ماذا فعلت، كيف تتجرأ أن ترفع يدك عليه أخبرني.

بدأ حمزة يحكي كل شيئاً، وبعد انتهائه التقط أنفاسه بصعوبة بالغة والعرق ينصب من جبينه، وهو يرجع خصلات شعره للخلف بغضب.

فقالت فضيلة بحدة: هذا الحديث صحيح يا مروان.

-لقد قال الطبيب لي ذلك يا أمي أنها فقدت الجنين، هل انا طبيب حتى اعلم انها حامل وأنه كذب علينا.

صمت حينما صفعته على وجهه وصفعت الآخر بغضب.

_ أنتم الاثنان أغبياء، كيف اعتمد على اثنين أحمق من بعض، الحق عليك أيضاً يا حمزة كان يجب عليك أن تتأكد من صحة كلامهم.

نظر حمزة لهما بغضب وتوعد وغادر المكان، واتصل بالبنك وأخذ حسابات وأموال باهظة جداً، ثم توجه إلى منزله بغضب، ووجد زوجته تجلس وهي تلعب مع أطفالها، وحينما وجدته غاضب، تركت طفلها وصعدت له.

_ حمزة ماذا تفعل، لماذا تضع ثيابك داخل الحقيبة وما كل هذه الأموال، هل يعلم أخي بما تفعله؟

دفعه بعيداً عنه بغضب حينما اعترضت طريقه فسطقت أرضاً وهي تصرخ به.

_ حمزة اين انت ذاهب وجهك لا يطمئني.

ركضت خلفه وهو يبتعد عنها، وامسكت يده بحدة.

_ لن اتركك تذهب.

-اتركيني وادفعي ثمن ما فعله اخوكي بنا، سأهرب مع عشيقتي، واترككِ تواجهي الموت.

_ أيها الحقير القذر، كنت أعلم أنك ندل ووضيع، لن اتركك.

نزل الدرج الاول فأمسكته، ولكنه حملها على ذراعه بقسوة ورفعها لأعلى ثم ألقاها بقوة فوقعت من فوق الدرج وتدحرجت على الدرج.

حتى سقطت والدماء تخرج من رأسها وأنفها وتنظر لطفلها الصغير الذي تحمله الخادمة وأغمضت عيناها بألمٍ، مر حمزة بجانبها وهو يحمل حقائبها وكأنه لم يفعل شيءٍ.

صرخت الخادمة قائلةً بخوف وقلق وهي تبكي:
_ سيدتي أفتحي عينيكي، ستكونين بخير، النجدة ساعدوني!

اصبحت تصرخ، ودخل الحرس وتم نقلها على المشفى وعلم حكمت بالخبر هو ومروان وفضيلة، والجميع ذهب لها.

كان حكمت واقف أمام الباب وهو ينظر من النافذة الزجاجية بغضب على حال شقيقته، التي محاطة بأجهزة كثيرة، ونبضات قلبها تنبض ببطء، خرج الطبيب والحزن يملأ وجه.

فقالت حكمت بلفهفةً: أرجوك قول لي انها بخير، كيف حالتها الآن؟

_ آسف بشدة أن أقول انه انكسرت رقبتها، ويوجد نزيف داخلي، احتمال أن تبقى على قيد الحياة قليل حالتها خطرة، نحن نعمل ما بيدنا والباقي على رب العالمين، ادعو لها.

غضب حكمت وجز على أسنانه وأخرج سلاحه وهو يصرخ بأعلى صوتٍ:
-حمزة لن تعيش لحظةً واحدة بعد الان، لقد دمرت حياتنا.


كانت فضيلة تبكي على حال ابنتها، فامسكه مروان بخوف.

_ أخي أين ستذهب، ستكون بخير لا تفعل شيء تندم عليه بسبب غضبك، اخي ارجوك سامحني كنت مجبور أن أفعل ما.

قاله حمزة، فأنا كذبت وقلت أنها فقدت جنينها، حتى تعيش بسلام بعيدة عنا.

نظر لها نظرة أخرسته ودفعه بعيداً عنه بغضب، وخرج والشر يتطاير من عينه وهو يتذكر ما عانه بسببه وتذكر أنه كان يخون شقيقته ويضربها ويسبها دائما.

وأنه جبره أن يتزوج من رولا لأجل أن يجمع المال ويهرب مع عشيقته، لقد علم كل شيء، ركب سيارته وبعد قليل ووصل أمام البحر، ووجدت حمزة بانتظاره فقد أحضره الحرس.

وقف حكمت أمامه وقال بهدوء عكس ما بداخله: سأنفصل عن رولا الآن!

وهنا صرخ حمزة به بقوة وتبدل حاله وظهر على حقيقته وكانت عيناه مليئة بالشر.

_ هل جننت يا رجل؟ كيف ستفعل ذلك، سنموت جميعاً إذا نفذت ما تقوله لا تفعل ذلك أرجوك، حياتنا متعلقة بقرارك.

وضع حكمت يده بجيبه ببرودٍ قاتلٍ، بينما حمزة يصرخ به بغضب قائلاً:

_ إذا انفصلت عنها سيطالبون بأخذ الثأر، وسنموت وخصوصاً أنهم جمعوا عدد كبير من الاعضاء والحراس، وأصبحت قوتنا لا تقارن بهم، هل تعلم كم واحد يقبض المال من زواجك منها، صدقي لن يرحمك، وسوف يقتلك إذا انفصلت عن رولا.

أومأ حكمت برأسه وهو يرفع حاجبه بغضب وأمسك حمزة من لياقة قميصه، بغضب وهو يجز على أسنانه قائلاً:

-أعلم كم واحد يسترزق من زواجي منها، أنت وأمي وأخي والكثير على حساب سعادتي، لكنك أكثر واحدٍ يستفيد من زواجنا، لقد زوجتني ليس خوفاً عليّ، بل خوفاً على نفسك، وأيضاً حتى تجمع أكبر قدرٍ من المال غير آبهٍ بشقائي.

بعد ذلك سار حكمت إلى الامام وابتعد عنه ونظر إلى تلك الأمواج الهائجة، وحمزة لم ينصدم من حديثه، وأكمل حكمت حديثه:

-وأعلم أنك قتلت السيد رشيد أغا، بعد زواجي من رولا، ولا أحد يعرف بذلك، ظن الجميع أنه توفي بأزمةٍ قلبية، فأنت ذكي ولا أحد اكتشف انك قتلته.

_ممماذا، انا، أنا لم أقتله.

-لقد انكشفت حقيقتك، ولن أتركك بدون عقاب، أجرمت كثيراً في حقي وحق الكثير، وقتلت الكثير من الأبرياء، بسببك عانت شقيقتي وهي بين الحياة والموت الان، ولا يوجد أي أمل بسيط كي تعيش، لا تعتقد أنني لم أعلم بأنك كنت تضربها عليها كل يومٍ.

ونظر له بغضب شديد متابعاً:
-وهي تحبك وتحملت كثيراً، وكانت تعيش على أملٍ أنك ستحسن معاملتك معها، لكنك كنت تزداد سوءاً واستغليت محبتها لك بإهانتك لها، وخيانتك مع عشيقتك، لقد تألمت كثيراً، كل هذا كنت أتحمله لأجلها، كم جعلتني أعدها ألا أؤذيك.


وضع يده بجيبه ليفعل شيء، وحاوط يده حول رقبة حمزة.

-كل هذا وانا لم أعاتبك بسببها، لكنك تخطيت كل الحدود يا حمزة، لقد حملتها وألقيت بها من الطابق الأعلى إلى الأرض بدون رحمة، ذنبها أنها أحبتك من كل قلبها، وتحملت الكثير لأجل هذا الحب.

ثم تنهد بحزن لحال شقيقته، بينما حمزة خائف و يرتجف وهو بين يده.
_اسمع حكمت..
- لكنك قتلتها بخيانتك واهانتك، هي لم تستحق كل ذلك منك، ووصل بك الأمر إلى أن تقتلها، وهي الآن على فراش الموت، يكفي كل هذا لقد عانينا بسببك، فأنت لم تفكر بأحدٍ سوى نفسك فقط.

قال حمزة بحقد:
_ أنت تظلمني يا حكمت، أنا من علمت كل شيء وربيتك، وجعلتك قوياً هكذا والجميع يهاب منك حينما يسمعون اسمك فقط، لكن ميسون تلك حطمت ما بنيته طوال تلك هذه الأعوام وجعلتك تحبها، وأرادتك أن تترك المافيا وأن تقتل بسبب هذا الحب اللعين.

-لقد ربحت الكثير من زواجي، وحينما جمعت الكثير من المال الذي سيؤمن لك حياة كريمة وهادئة، تريد تركي بالنار وتسافر مع عشيقتك، وتلك المسكينة ميسون، كنت تريد قتلها وقتل طفلي، وجعلتها تبكي كثيراً، وفرقتنا؛ لكي تهرب، حينما تجمع ما تحتاجه من المال.

نزلت دموع حمزة وقال بخوف وهو ينظر في عين حكمت الحمراء من الغضب:

_ لقد تربينا مع بعضنا وعلمتك الكثير فلا تنسَ ذلك، حياتنا جميعا لم تكن جميلة، جميعنا تعرضنا للظلم، وتذوقنا المر، الحياة ليست عادية، كان من الممكن أن أسافر منذ أعوام مرت، لكني بقيت لأحميك فقط.

نظر له بسخرية وقال:

-لا أصدقك، لم تبقى معي لتحميني بل لأتزوجها وتجمع المال وتهرب، لا تكذب، اتصلوا من البنك وقالوا أنك أفرغت حسابك، ولم تستطع الهرب؛ لأن المال لم يكفيك والان جمعت ما تحتاج، أيضا أنا لم أقتل والد رولا وصدقي انا رفعت السلاح لكنك من أطلقت النار من بعيد.

اتسعت عين حمزة، وهو لم يصدق أن أمره انكشف.
تابع:
... وصدقي لم يلاحظ وأثبت أنني الجاني، لكني تركتهم يتهموني بأنني القاتل ولم أتحدث، تحملت الكثير بسببك، انت السبب في كل شيء يحدث لنا، أنت لعنة علينا يا حمزة، وداعاً يا أخي.

وهنا كانت الصدمة حينما عانقه وأخرج سلاحه ووضعة أمام معدته ثم أطلق النار عليه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي