الرابع عشر

مرت سنة كاملة على ذكرى زواج ميسون وماهر وكانا يعيشان أجمل أيام حياتهما معا، وكأن الحياة تعوض ماهر عن تعاسته وحزنه، وفي أحد الأيام وقفت ميسون وهي تضحك على ماهر وحمزة ومروان وهما يلعبون كرة السلة ويركضون بحماس.

ميسون والحماس يملؤها:
‏_هيا يا ماهر اركض أكثر؛ لتفوز بالجولة الأخيرة.

مروان بمرح:
_ لقد كسرتي قلبي يا فتاة، ألم تقولي أنني اخوكِ وها أنت تشجعين ماهر ولا تشجعينني.

ضحكت ميسون وهي تأكل وتتحدث:
_ لا يهون علي حزنك يا اخي، هيا يا مروان سيفوز ماهر اركض أكثر.

_لكن قد فات الاوان يا اختاه، لقد فاز ماهر حينما وضع الكرة بالسلة.

قفز ماهر لأعلى وركض نحو ميسون وعانقها وهي تضحك وتهلل:

-هييي، لقد فاز حبيبي، كنت واثقة بذلك.

فتحدث مروان وحمزة بصوتٍ واحد:
_ ألا تملون من هذا الحب.

ميسون:
_وأنتما ألا تملان من النظر إلينا، عيناك يا حمزة ستحطمنا.

حمزة:
_لا يا اختي عيناي لا تحسد، وأنتم من ستحسدون أنفسكم.

ماهر:
_كفوا ألا تتوقفون عن الشجار أبداً.

وفجأة ابتعدت ميسون عن ماهر وركضت وهي تمسك معدتها وتضع يدها على فمها، اما ماهر ورفيقاه، فكانا ينظرون لها بدهشة من فعلتها حيث بدأت ميسون بالغثيان، فقلق عليها ماهر واقترب منها ووضع يده عليها برفق، ونزل إلى مستواها قائلا بقلق:

_ ميسون ماذا بكِ هل انت بخير؟ منذ فترة وانت تستفرغين كلما أكلت، يجب أن نذهب الى الطبيب.

أخرج منديل من جيبه وبدأ تجفيف قطرات العرق التى تنزل منها، ومسح حول فمها بحنان، وأرجع خصلات شعرها خلف أذنها، فأمسكت يداه ونظرت في عيونه بتعب.

-أنا بخير، لا تقلق، لا لم يعجبني مذاق الطعام هذا، واكلته بعد إصرار مروان أن آكله.

_ لماذا أكلتيه، وأنتِ لا تحبينه؟

قال حديثه بغضب وخوفاً عليها.

ميسون بلهفة:
-لا تغضب هكذا، أنا بخير، الأمر لا يستحق كل هذا.

وفجأة رأى آخر شيء يمكن أن يتوقعه، كان صدقي في سيارته يقف أمام منزل ماهر وراءه برفقة رولا ويبدو القلق عليه، فنظر له بتوعد، ففهم ماهر الأمر وأن نظرته له لا تبشر بالخير، واختفى صدقي بعد نظراته تلك

لكنه ترك ماهر والخوف ينهش في قلبه، لأن السر الذي بقى أكثر من سنة مغيب، حتى تكون ميسون بأمان، يبدو انه سيظهر بعد رؤيته له وسيحسم أمره.

فجاة استفاق من تفكيره على صوتها.

-أين شردت؟

_ها، لا لا، أنا معك أعطني يدك، حتى ترتاحي قليلاً.

أمسك خاصتها وحاوط خصرها، بسبب الدوار التي تشعر به، أقترب مروان قائلاً بقلق:
_ زوجة أخي هل أنت بخير؟

-نعم بخير، لا تقلق هذا تعب خفيف.

بينما حمزة كان قد لاحظ تبدل ملامح وجه ماهر من السعادة إلى الشرود والحزن، لكنه دلف وجعل ميسون تتمدد على الفراش.

ماهر بتشتت مابين قلق وخوف:
_ إرتاحي الان، لدي أعمال كثيرة سأترك مروان معك وأذهب أنا وحمزة الى صديقي، اهتمي بنفسك.

قبل رأسها بحب، ثم بدل ملابسه وهي تحدثه: ط
_لا تتأخر علي، وأحضر لي الشوكولا معك، سأبقى أنتظرك.

لبس سترته وأومأ لها بالموافقة بابتسامة جميلة، ثم خرج بعد أن أوصى مروان أن يهتم بها.

مروان:
_حسناً يا أخي.

خرج حمزة برفقة ماهر وركبا السيارة وبدأا بالتحدث وحمزة يقود.

_ رأيت ما رأيته يا حمزة.

-اجل يا أخي، وكنت أعلم أنه سيصل لنا، لا مفر الان، أنت وميسون في خطر، وصلتني اخبار ان صدقي عرف بأمر علاقتك بميسون، وأنه يخطط لشيء للأخذ بالثأر من قتلك لوالده.

_ أنا مستعد أن أضحي بحياتي، ولكن يجب أن تظل ميسون بخير.

- سيقتلونك ويقتلونا ويقتلوها هذا ليس حلاً مناسباً، الزعيم فرحات سيخبرنا بحل، هيا بنا إليه الآن.


وبعد مدة قليلة، وصلا، ودلفا إلى المطعم، ووجدا رجلاً في عمر الخمسين، يجلس وينظر لهم فاقتربا ماهر وصافحاه.

_ مرحباً يا سيد فرحات.

عانق فرحات ماهر قائلاً:
_مرحبا يا حكمت لقد اشتقت لك.

فنظر له ماهر قائلاً:
_أريد أن أنسى هذا الاسم، لقد اعتدت على اسم ماهر، حكمت هو الشخص السيء الذي يقتل بدمٍ بارد.

فقال فرحات بسخرية:
_هل زوجتك أنستك هويتك الأصلية، لقد كذبت عليها، وقلت لها أنك تدعى ماهر ونسيت أنك حكمت زعيم المافيا و تكمل مسيرة أجدادك، يجب أن تصلح خطأك، شخصية ماهر شخصية كنت تريدها ووجدتها مع ميسون، لكن هذه الشخصية ستدمرنا كثيراً، لمواجهة أعدائنا، سيعود حكمت وتلغي ماهر للأبد.

حمزة:
_هذا ما أقوله له منذ سنة، لكنه استسلم لحبه حتى عرضنا جميعاً للخطر، ما الحل يا سيدي.

فرحات:
_الحل هو أن يتناسب العائلتين مثلما قال الزعيم الأكبر وعدونا جد رولا، أن حكمت يجب أن يتزوج رولا، كي يقف بحر الدم.

وقف حكمت بغضب وضرب على الطاولة ودفعها بغضب وأوقعها على الأرض.

_ما هذا الهراء، كيف اتزوجها وانا في الأصل متزوج من ميسون وزواجي منها حقيقي، ولن اتزوج رولا مهما حدث، ولو اضطر الأمر لمحاربتهم.

حمزة:
‏_اهدى حكمت أنت تفكر بطريقة خطأ، من الأساس العائلتين ليس لديهم قوة للمحاربة، وأصبحوا يعرفون مكانتكم، والآن صدقي يعرف كل شيء، الحل الوحيد مثلما قال أن تتصاهر العائلتين.

ثم نظر للضوء وتنهد قائلاً:
-نحن على وشك فقد جميع أموالنا وهم كذلك، الزعيم الأكبر جد رولا رشيد آغا قال إذا رجع حكمت واصبحنا يداً واحدة بزواجه من حفيدتي سينتهي بحر الدم ونصبح قوة كبرى مجدداً.

جلس حكمت وهو يأخذ أنفاسه بغضب ويرجع شعره للخلف قائلاً:
_ ولنفترض أنها مكيدة ماذا سنفعل؟

_ ليست مكيدة، ثق بي، العائلتين ليس لديهم القدرة كي يحاربوا بعضهم مرة أخرى.

نظر حمزة الي فرحات قائلاً بحزن:
_ما رأيك يا سيد فرحات.

تنهد فرحات وهو يضم شفاه بأسف:
_تحدثت مع والدتك السيدة فضيلة، قالت يجب أن تعود إلى تركيا كي نحل مشاكلنا، من رأيي أن تعود ، فمن الممكن أن تحل هذه المشاكل وتتفاهم مع رشيد دون زواج من رولا، فهو مريض جداً ويحاول حل المشاكل قبل أن يتوفى.

مسح على شعره بغضب ورأي اسم ميسون على هاتفه إبتسم وابتعد عنهم كي يرد عليها.

_ أهلا حبيبتي، كيف حالك الان؟

-أنا بخير، لقد تأخرت عليً أشعر بالملل.

_ أين مروان أليس بجانبك، ألا يهتم لك، سأعاقبه حينما أعود.

-لا لقد ارسلته ليشتري الفواكه والخضروات وبعض من مستلزمات المنزل، حتى نتعشى اليوم اجمل عشاء عائلي، كنت سأنسى اسأل هذا الذي يدعى حمزة الكئيب هل سيتعشَ معنا اليوم أم لا؟

ضحك حكمت بالرغم من الحزن الذي بداخله، لكن ميسون الوحيدة التي تستطيع ان تنسيه ألمه.

أبعد حكمت الهاتف عن أذنه موجهاً حديثه لحمزة:
_ تسألك ميسون هل ستأكل معنا اليوم أم مثل اكل مرة.

_ قل لها مرةً أخرى لدي أعمال كثيرة.

-اوف منك يا رجل دائما ترفض طلبها، ولا تجبر بخاطرها أبداً، ماذا فعلت لك لتكرهها هكذا.

_ هي سبب كل المشاكل يا حكمت التى نمر بها، لو لم تظهر لكنا الآن نعيش بسلام، لقد أصبحت نقطة ضعفك.

-اصمت يا حمزة، أنت قاسِ القلب.

أرجع الهاتف لأذنه مرةً ثانيةً وكلم ميسون: _لا يا حبيبتي يقول مرةً ثانيةً المعذرة لكن انا سأخذكِ انت ومروان، ونأكل في سفينة ونستمتع بهدوء البحر.

-أجل، هذا ممتع أكثر، انتظرك سأجهز ثيابنا وأحدث مريم وأخذ حماماً دافئاً.

_ حسناً يا جميلتي، إلى اللقاء مساء، انا جهزت لكِ مفاجأة،ولعلمك أنت تطلبيها دائماً مني.

-كم انا بشوق للمساء حبيبي، انتظرك.

اغلق معها وجلس يكمل حديثه مع فرحات وحمزة.

أما ميسون فراحت و جلست أمام جهاز الكمبيوتر وتحدثت مكالمة فيديو مع صديقتها مريم وبدأت تضحك وتقول:

-لقد اشتقت لكِ كثيراً، وانت لا تسألين عني يا مريم، أنا غاضبة منك.

_ المعذرة ولكني سافرت لأجل زوجي يريدني معه، كيف حالك هل ارتحتِ من الغثيان والدوار، هل قمت باختبار الحمل؟

ابتسمت ميسون ونظرت لها بوجنتين مشتعلتين من الخجل قائلةً:
-أجل، ووجدت أنني احمل ثمرة حبنا انا وماهر، أنا حامل يا مريم، وسأكون أماً قريباً، سيكون لدي طفل جميل من حبيبي.

ابتسمت مريم بفرحه وقالت:
_مبارك ميسون، حماكم الله.

نظرت ميسون أسفلها بحزن وخوف، فاندهشت مريم وقالت:
_ ماذا بكِ، هل أنتِ حزينة كونكِ ستحظي بطفلٍ أم ماذا؟

-لا يا مريم، انا خائفة من ردة فعل أبي وأهلي، سيحزنون جداً، لقد خُنت ثقتهم، وهم يتحدثون كل يوم معي وانا اقول أنني أعمل وهما سعيدون لسعادتي، لا يعلمون أنني تزوجت وها أنا حاملٌ الان، لا أعلم ماذا ستكون ردة فعلهم، لكن نظرات أبي وأمي ستقتلني يا مريم حين يعلمان.

توقفت عن الحديث وهي تبكي بشدة وتمسح دموعها ثم تنهدت وقالت:
_ أبي لا يستحق هذا مني، لقد فعل كل شيء لإسعادي، وتعب لأجلي، وعندما رآني حزينة وافق أن أسافر وأبعد عنه كي أكون سعيدة.

حاولت أن تتماسك كي تقوى على الحديث لتمنع الدمع ان ينزل ثم تابعت:

-ولكن ماذا فعلت أنا دمرت كل شيء، ذهبت وأحببت وتزوجت وأبي لا يعلم شيئاً، وبالرغم من سعادتي مع ماهر إلا أن الندم ينهش قلبي.

فتحدثت مريم بحزن:
_ قلت لكِ هذا قبل أن تتزوجينه، لكنك قلبك وحبك كان أعمى ولم تفكري في العواقب، امسحي دموعك فلن تفيدك بشيء، فلا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، هذا قدرك وحاولي أن تتعايشي معه.

-قلت لماهر كثيراً أود العودة إلى تركيا وليأتي معي، كي يتحدث مع أبي ونخبره بكل شيء، لكنه يقول يجب أن أقنع أمي فهي ليست سهلة، ودائما تقول ستختار زوجتي بعناية وأنه ظل عازب أكثر من ثلاثين عاماً، فالطبع أمه ليست هينة الطبع، وأبي لن يسامحني.

وفجأة رأت مريم من جهاز الكمبيوتر مروان الذي كان يقف مصدوماً وهو يحمل أكياساً كثيرة والدموع عالقةً بعينه.

_ميسون لقد جاء مروان ويبدو أنه سمع كل شيء تكلمي معه، سأغلق معك الآن وأحدثك في الغد.

أغلقت ميسون معها ونظرت خلفها، اقتربت منه وبكت ثم عانقته بألمٍ وقالت:

-مروان انت سمعت حديثنا، أليس كذلك؟

_ أجل يا ميسون ولكن لم أقصد، أنتِ حامل؟

ابتعدت عنه وهي تهز رأسها بحزن.

_ متى ستخبرينن اخي، ،هل يعلم بهذا؟

-لا هو لا يعلم بشيء، سأخبره قريباً بنفسي.

ثم عانقته وهي تبكي بشدة وترجف:
_ أنا خائفة من ردة فعل أبي هو لن يسامحني، وينتظرني كي أعود له، كيف سأرجع وأنا أحمل بأحشائي طفلي، لن أتحمل نظرات أبي.

_ اهدئي، كل شيء سيكون بخير، هيا ارتدي ملابسك ماهر بانتظارنا.

غسلت وجهها، ولبست فستانها وجهزت ثياب ماهر، الذي دلف لها بعد أن جهزت نفسها.

_ كيف أصبحتِ الآن؟

-أفضل حمداً لله.

نظر لها وعلم انها كانت تبكي.

_ لما كل هذه الدموع، أنفك ووجنيتيكِ حمراوان هل كنتِ تبكين؟

-إشتقت لأبي كثيراً، وأريد العودة إلى تركيا، وأريدك أن تأتي معي كي تخبره عن زواجنا لن يسامحني لأنني فعلت ذلك بدون علمه هو يثق بي كثيراً.

حاوط بكفيهِ وجهها ونظر في عيونها بحب قائلاً:

لا تقلقي سأفعل ذلك، هيا بنا نذهب ونتعشى وأخبركِ بكل شيء.

ارتدى ملابسه ووضع عطره الفواح، ثم أمسك يدها وركبوا السيارة مع مروان الذي جلس في المقعد الخلفي، وظلوا يدردشون ويضحكون حتى وصلوا و دلفوا للداخل.

رأت ميسون سفينة كبيرة مزينة وتلمع وسط البحر والسماء معتمة وطاولة مليئةً بالطعام،فقفز ماهر داخلها ونظر لميسون.

_ أعطني يدك واقفزي مثلما قفزت.

-لن أستطيع ساعدني!

_ مروان ساعدها معي.

_حسناً يا أخي.

ساعدها مروان وجذبها ماهر له حتى سكنت داخل السفينة ،وقفز ورائهم مروان.

ماهر:
_ أرأيتِ الأمر سهل، أحضرت لكِ الخبر الذي تحبينه.

حاوطت بيديها عنقه ونظرت له قائلةً بحماس:
_وما هو؟

لمس أنفها وقال:
_سنسافر إلى تركيا.

قفزت بفرحة، فحملها وهو يضحك وراحت تقول بفرح:

-أتقصد أنك ستأتي معي وتحدث أبي؟

_ بالطبع، ولكن سأسافر تركيا بمفردي في الغد، وانهي بعض الأعمال واقنع أمي فهي لن تتقبل الأمر بسهولة.

-وماذا سأفعل هنا بمفردي.

_ سيكون بجوارك مروان وسيهتم بكل شيء، حتى أنهِ أعمالي واعود لكِ، وآخذكِ ونقنع والدك، وأخبركِ بأشياء كثيرة.

_ لكن متى ستعود لي، سأشتاق لك؟

-لا أعلم متى، حينما أحل مشاكلي بالعمل سأكون حتمت معك، وانا أيضاً سأشتاق لكِ كثيراً، سنتحدث كل يومٍ.

عانقته بحب وحزن وألمٍ، وكأن قلبها يشعر أنه سيكون اللقاء الأخير بينهم، وأنها لحظة الوداع التي سيتبدل من بعدها كل شيء، أما هو فجذبها له أكثر وأكثر والحزن والألم يملىء قلبه مجدداً.

كان العناق مليئاً بالآلام والأحزان، وبعد دقائق ابتعدت عنه وأخرجت من حقيبتها ساعة جميلة واعطتها له.

-لا تخلعها أبداً، حتى تظل تذكرك هذه الساعة بي، ليست عادية انها مميزة.

ثم فتحتها وظهر مكان الحجارة صورة تجمعها إبتسم حينما رآها وقبل رأسها بحب ثم ارتداها.

_ أعدك بذلك لن أخلعها مهما حدث.

ابتسمت ولكن قلبها لم يكن مرتاحاً، والقلق والخوف يسيطران عليها، لكنها لم تظهر ذلك؛ فعانقته، لكي تشعر بالأمان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي