الثامن عشر

اقترب زوج مريم منه وهو يحمل العصا، وانهال بها على رأس حكمت، وميسون تنظر له وتضرب على زجاج النافذة بكل قوة وهو ينظر لها ولم ينتبه لمَ تحاول أن تقول له،

وشعر بألمٍ حاد في رأسه، وكانت الرؤية مشوشة أمامه، فوضع يده على رأسه فوجدها مليئةً بالدماء، وفجأةً وقع مغشياً عليه، وميسون تصرخ وتنادي باسمه وهي تبكي.

-ماهر،لا، مريم هيا افتحي الباب لي، ماهر ينزف، أرجوك افتحي إنه غارق بدمائه.

نظرت لها مريم ولم تبالي لأمرها، وفجأة وقفت سيارة و كان مروان الذي نزل بسرعة وهو يركض تجاهه والحرس الشخصي لماهرخلفه.

_ حكمت أخي!

اقترب منه وهو ينظر لحالته بخوف وقلق، ووجه كلامه لمريم.

_ أيتها المجنونة ماذا فعلتِ بأخي.

ثم نظر إلى الحرس وصاح بهم قائلاً:
_وأنتم يا حمقى هل تقفون لتشاهدون، ساعدوني واحملوه واتصلوا بسرعة بالطبيب.

قال حديثه وهو يصرخ بالحرس، الذين خافوا وحملوا حكمت ووضعوه في السيارة واتصل واحد منهم بالطبيب، بينما جلس مروان بالمقعد الخلفي وهو يربط رأسه أخيه ويتوعد لمريم وزوجها عندما يعود.

وفي الطريق راح يحدث أخاه:
_ حكمت ستكون بخير يا أخي وستبتعد عن ميسون للأبد؛ لنعيش حياتنا بألامان واستقرار.

ثم ربط رأسه وبعد قليل وصلوا إلى المنزل، وكان في انتظارهم الطبيب الذي اتصل به مروان ليسبقه إلى منزلهما، حيث عالجه فور وصولهم، لكن مروان وقف بحزن يراقب حال أخيه ثم سأل الطبيب:

_ هل أخي بخير أيها الطبيب.

-أجل إنه بخير، ضمدت له الجرح وهذا المرهم وأقراص الدواء هو علاجه بانتظام.

قال كلامه وانصرف وجلس مروان بجانب أخيه، وأمسك بيده وقال له بحب وقلق:

_ أعلم بما تشعر به، فليس من السهل عليك ما حصل أبداً، لكنه مجرد وقت وستعتاد على حياتك الجديدة مع رولا، لن تنسى ميسون بسرعة، لكن ستعتاد، سنسافر في الصباح، فالغد زفافك على رولا يا أخي.


في منزل مريم كانت تبكي ميسون وهي تتذكر عينا ماهر العالقة بها حينما فقد وعيه فأخذت كل شيء يلزمها للسفر وطرقت على الباب بقوة.

-مريم افتحي الباب اريد الذهاب، والحجز طائرة سأعود إلى عائلتي بالغد، فلم يعد هناك مكان لدي بهذه الدولة التي جعلتني أعيش أجمل أيام حياتي، وجعلتني أعيش الان أتعسها ، كنت غبية حينما اعتقدت أن الحياة ابتسمت لي ثانياً.

صمتت وهي تبتلع لعابها بحزن وتتنهد.


-كان حُلماً جميلاً وانتهى، وبداخلي قطعة منه، سأعيش لأجل طفلي، وسأحاول نسيان ماهر، حكايتنا انتهت مبكراً، كان خطأ أندم عليها؛ لأنني أحببته ، أخطأ قلبي مرة، فعاقبة عقلي مرات كثيرة.

لم تقوَ على الوقوف فجلست على ركبتها بضعف، ومريم تنصت لها ودموعها تنزل كالشلال، ففتحت الباب ووجدت صديقتها بهذا الضعف، فاقتربت منها عانقتها وقالت لها بحب وتأثر:

_ لا تبكي عزيزتي، سيعوضك الله.

تحدثت ميسون بصوتٍ أجهش:

-لا أستطيع يا مريم، مجرد فكرة أني سأنفصل عن ماهر، ستقتلني، أنا أحبه بشدة، عندما جاء الطبيب المجرم، ليقتل طفلي البريء كنت أشعر وكأن روحي تنتزع من جسدي، الحقيقة صعبة جداً، لم أتوقع أن وراء هذا الحب أسرار، وثأر وحرب وموت، قلت له اعطني قلبك، لكنه رفض.

_ كوني قوية فالحياة لا تقبل الضعفاء، أنت قوية وستتخطين هذه المشكلة في أقرب وقتٍ، اغلقي على قلبك ولا تسمحي له بالحب مجدداً، وعيشي لأجل ابنك فقط، جففي دموعك وسيري مرةً أخرى فالحياة مستمرة ولن تقف على أحد، وواصلي عملك وانجحي، قلبي معك.

وضعت يدها على كتفها بحب وابتسمت قائلةً:

_ سأرسل زوجي؛ ليجهز كل شيء لسفرك، والآن ادخلي واحصلي على حمامٍ دافئٍ

-أجل سيحدث.

دلفت؛ لتأخذ حماماً، ثم خلعت ثيابها ووقفت تحت المياة الباردة لعلها تخفف من ألمها وتهدأ هذه المياه النار المشتعلة في قلبها.

أما مريم فاقتربت من زوجها قائلةً:

_ عدي، اذهب إلى المطار وتحدث مع صديقك المقرب؛ ليساعدك في حجز تذكرة للصباح متجهاً إلى تركيا، ستسافر ميسون لعائلتها، لا أعلم كيف سيكون ردة فعلهم، لكن والدها يحبها كثيراً ولن يتقبل الأمر.

-حسنا سأذهب الآن وأجهز كل شيء، إلى اللقاء.

انتهى من حديثه متجهاً إلى المطار؛ لينفذ كلام مريم.

أما هناك، في قصر حكمت بتركيا، كانت فضيلة تتحدث مع مروان عبر الهاتف وهي تقول:
_ كيف حاله الآن؟

-ليس بخير يا أمي، فقلبه محطم، ورأسه مجروح.

_ يجب أن تصلوا في الغد إلى تركيا، لأنه موعد زفافه على رولا، ولا أريد أي خطأ، أتفهم يا مروان، واجعل ميسون تلك بعيدةً عنه، فهي سبب كل هذه المشاكل التي نمر بها الآن.

-حسنا أمي، لا تقلقي، لقد أبعدتها بالفعل.

أنهت المكالمة معه، وانتهى اليوم، وفي صباح اليوم التالي وقف حكمت أمام المرآه وهو يرتدي بدلة زفافه وعلامات الغضب والحزن والألم ظاهرة على وجه.

_هيا يا أخي الطائرة في انتظارنا.

نظر إليه ولم يتحدث، فالصمت هو المناسب لوضعه الآن.

فقال مروان ثانيةً:
_ حكمت حاول التحكم بنفسك حينما نصل سنجد كل أعضاء المافيا وستكون صالة الفرح مكتظة بالمدعوين.

اومأ برأسه ثم توجها إلى المطار.

وفي تركيا كانت تقف رولا أمام المرآه بفستان زفافها الأبيض، والسعادة مرسومة على وجهها، فاللحظة التي تمنت أن تأتي جاءت بعد معاناة، وهي أن تلبس الابيض لحبيبها التي حلمت به كثيراً، وهنا وقف خلفها صدقي قائلاً:

_ شقيقتي عروس جميلة جدا، ما أجملك!

-هل البنت التي أحبها حكمت شقراء وجميلة.

_ليست بجمالك!

-أعلم، هل هي جميلة؟ سمعت انها شقراء.

_أجل رولا، إنها جميلة جداً، أختي أنت تعلمين كم أحبك، ولو أنني لم أخشَ على أن أرى حزنك؛ لقتلت حكمت منذ اللحظة التي قتل بها والدانا، لكنني لن أفعل ذلك، كانت تكفيكي صدمة موت والدنا.

أما هي فكانت تضع لمساتها الأخيرة وهي تتجمل أمام المرآه، فأكمل بنبرة مليئةً بالحقد والكره:

_بسببكِ أنتِ لم أقتله، والا لكنت انتقمت منه وأخذت بثأري، إلا أنني خشيت على مشاعرك، فأبي توفى بين يديّ بسبب ذلك الحقير، والآن ستتزوجين به كي ينسى الجميع ما فعله، لكن أعدك إذا جعلكِ تبكين أو جرحك صدقيني لن أتردد لحظة في قتله.

نظرت له بحدة قائلةً:
_لن تفعل ذلك سيكون زوجي وأنا لن أسمح لك بالتدخل، الا في حال قلت لك، لا تتصرف بغباء، لا أريد سماع صوتك.

اومأ برأسه وووضع يديه على جانبي رأسها وقبله بلطف.

_مبارك لكِ عزيزتي.
وانصرف مع مشاعره المتخبطة.

في المطار كانت ميسون تقف وهي تودع مريم ببكاء وتقول:

-سأشتاق لكِ كثيراً، أحبك ولن انسى ما فعلته لأجلي.

فاحتضنتها مريم والدموع تسيل من عينيها:

_اصمتي أيتها المجنونة، لا يوجد بيننا هذا التفاصيل السخيفة، سأظل بجانبك واحادثك دائما، حينما تصلين اتصلي بي، إلى اللقاء اتمنى لكِ السعادة.

ركبت ميسون الطائرة وجلست وهي تنظر من النافذة بحزن والطائرة تقلع، فشعرت بالخوف وتذكرت الذكرى الثانية التي جمعتها بماهر حينما جرجته بمخالبها، فابتسمت والدموع تلمع في عيناها، ووضعت يدها على معدتها وحدثت جنينها:

-صغيري أنت معي الآن، لن أخاف؛ سأحميك بكل قوتي، ثق بأمك.

تذكرت أن مرتها الأولى عندما ركبت الطائرة لتحقق حلمها ولم تعلم أنها ستعود مرة ثانية وهي تحمل ذلك الطفل بأحشائها.

أما حكمت كان يجلس في نفس الطائرة بجوار مروان وكان يتذكرها ويفتقدها كثيراً، ويشعر أنها قريبةً منه وظل ينظر في كل اتجاه يبحث عنها.

_حكمت على من تبحث؟ هل تريد شيئاً؟

-لا يا مروان قلبي ينبض بعنف، أشعر وكأن ميسون قريبةٌ مني وبنفس الطائرة.

زفر مروان بضيق:
_انساها، إلى متى ستظل تتخيلها هكذا؟

نظر له بحدة وبغضب مما جعله يصمت، وظل حكمت ينظر وهو يشعر بها ولكنه لم يرها.

مر الوقت وكل واحدٍ منهما يشعر بوجود الاخر، ويتذكر ذكرياته المليئة بالحب،حتى هبطت الطائرة عندما وصلوا إلى تركيا.

نزلت ميسون بسرعة ودلفت المطار ووجدت نوري وسلمى وجميع عائلتها في استقبالها ركضت نحو والدها وعانقته وأصبحت تبكي كثيراً.

_ إهدئي يا بنتي، لقد اشتقت لكِ كثيراً.

-وأنا أيضا يا أبي، كيف حالكم؟

فردت عائلتها:
_نحن بخير تعالي؛ لنعانقك لقد اشتقنا لكِ كثيراً.

اصبحت ميسون تصافحهم بحب واشتياق، وحمل نوري حقائبها وغادروا المطار متجه ين إلى المنزل.

أما حكمت فوصل إلى صالة الأفراح، وصافح الجميع ووجد رولا في انتظاره فأمسكت يده وهي تبتسم قائلةً:

_لقد انتظرت هذا اليوم كثيراً، لكي أكون ملكك وحدك حبيبي.

لكنه لم يهتم لحديثها ولم ينظر لها حتى ، وجلسا على المقاعد وبدأ عقد القران، والجميع يهنئهم وترك الأمور تسير مثلما يريدون فقلبه معلق بميسون الان.

تم عقد القران، وهو شارد الذهن يسترجع ذكريات زفافه على ميسون.

في منزل ميسون كانت تجلس مع العائلة وتتحدث معهم، حتى لا تظهر الآلام التي تحملها.

-سأخرج الى أبي لأرى الحديقة والزهور، فقد اشتقت لها.

سلمى:
_حسنا ميسون.

خرجت ميسون ووجدت والدها يروي الزرع وقفت تتابع منظر الحديقة الجميل، لقد نمت الحديقة أكثر احتضنت والدها بحب من الخلف.

_كنت أعلم أنكِ مشتاقة لي مثلما اشتقت لك،كم أنا فخور بكِ! لأنكِ حققتي حلمك يا ابنتي، لو ظلت والدتك على قيد الحياة لكانت ستفتخر بكِ، أصبحت الآن شابة جميلة جداً، وعندما كانت حاملاً بكِ كانت تتخيا أنها سترقص معي بزفافك، ونحمل أحفادنا معاً، لكنها توفيت قبل أن اراكِ.

قال هذا وقد مسح دمعته التي حاول إخفاؤها.

فبكت ميسون واحتضنها والدها أكثر، في هذه اللحظة كانت تحتضنه؛ لانها خيبت أماله وتزوجت دون علمه وجعلها تشعر بالذنب أكثر، فهربت من أحزانها في عناقه وهو لم يتعجب، ظن أنها مشتاقة لوالدتها، لكنها لم تتحمل ما تخفيه عنه وكانت تفكر وهي تبكي داخل أحضانه، هل ستخبره أم لا؟

في نفسها:
"لا أعلم كيف سأواجهك يا أبي فابنتك أذنبت وتزوجت والآن هي حامل دون علمك، كلماتك وأحلام أمي جعلت قلبي يتألم أكثر وأكثر، أشعر وكأن العالم يقف ضدي، ولا أريد التخلي عن ابني".

كان هذا الحديث يدور في نفسها، وقررت قرارها الأخير..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي