الفصل العشرون

حيث تحدثت رولا بغضبٍ شديد:
_ لا أنا لا أوافقك يا حكمت، اليوم سينتهي الموضوع وسيكون الفندق لنا، انتم تستغلون حاجتنا للفندق وتريدون رفع سعره وهو يقول لكم سأترككم تفكرون، الأمر لا يستحق التفكير، الفندق لنا ونحن نريد استرجاعه.

فقال مالك الفندق بجدية:
_وانا أريد أن أعطيكم الفندق، ولكن من حقي أنا أفكر سيدة رولا.

وقفت بغضب واقتربت منه بنظرات مليئة بالشر، وهي تقبض على يدها و تجز على أسنانها.

_ كيف تتجرأ أن تتحدث معي هكذا، لو كان جدي رشيد مازال حياً لكان أمر بقتلك الآن بسبب وقاحتك.

خرجت للخارج وتركت الاجتماع، فغضب حكمت لتصرفها وخرج وراءها وأمسك كتفيها بغضب وهو يدفعها ناحية الحائط متحدثاً بغضب:

_ لماذا تصرفتِ بغباء هكذا، أنتِ حمقاء رولا، من الآن وصاعداً إذا كسرتي كلامي سأجعلكِ تندمين، هل تفهمين؟

فردت بقوة عليه:
_أنت الأحمق ولست أنا، فهم يريدون استغلالك ويحصلون على مالٍ أكثر وانت شرحت لهم قيمة الفندق بالنسبة لنا.

_ سيوافقون بالنهاية، فهم بحاجة إلى المال وإلا سيعلنون افلاسهم، حتى لو فكروا فسيوافقون على أي ثمن سأضعه، لكن بغبائك وتسرعك حكمتي عليّ بشكل خاطىء.

_ ستظل مخادعاً طوال حياتك.

أخرج سلاحه من جيبه ووضعه على رأسه بعد أن فقد أعصابه قائلاً:
_ لا تجعليني أقتل نفسي بسبب افعالك، وبالنهاية ستندمين.

غادر المكان وركب سيارته وتحدث في الهاتف قائلاً:
_ أين اختفت ميسون، أكاد أجن منذ خمسة أشهر وأنت لا تعلم طريقها وإلى أين ذهبت؟


-لم أجدها، لا تقلق، أرسلت رجالي وقريبا سيجدونها، منذ آخر لقاءٍ لها على التلفاز واختفت تماماً، ولا أحد استطاع أن يصل لها.

_ حسنا، لا تتأخر عليٌ.

أغلق هاتفه ونزل من سيارته ووقف أمام البحر الذي كانت أمواجه عاليةً جداً وكأنها تصف حاله، بسبب ما يعانيه، وضع يده بجيبه تاركاً للهواء أن يطاير شعره وهو يتألم ويتذكر ميسون.

قال بألم وانفجر أمام الشاطيء لم يستطع الكتمان أكثر من ذلك:
" أين ذهبتي يا ميسون، لماذا لم تسمعيني، اشتقت لكِ كثيراً أشعر بالفراغ والضيق أتألم الان أكثر من آلام الماضي، لماذا دخلتي حياتي و الآن تركتيني، أين هو وعدك لي بأنكِ لن تبتعدي عني.

تنهد بحزن وهو ينظر لضوء الشمس؛ كي يمنع نفسه من البكاء ثم تابع حديثه مع ميسون في قرارة نفسه:

_ دخلتي حياتي وجعلتيني أعيش لأجلك، بعدما كنت اعيش بدون هدف و حياتي غير مهمة، حين التقيت بكِ تغير كل شيء، لم تفارقي بالي، سرقتي قلبي وعقلي وكياني بدون سابق انذار، جعلتني أحب الحياة وأعيشها لأجلك ووجدت السبب لأعيش معك وأستيقظ على وجهك الملائكي.

وهنا هربت دمعة من عينيه..

_ قلبي مشتعل ومشتاق لكِ اراكِ بكل مكان، لم اقترب من رولا، لأنني مخلص لكِ وأحبك من كل قلبي، كنت سأروي لكِ ما هي هويتي، ولكن كان يجب عليّ الذهاب أولاً، لأجل أن أحل المشاكل، لم أكن اعلم أن هذا سيكون وداعنا الأخير.

في مكان آخر وتحديداً في المقابر،كان يقف ذلك الأب المجروح من حديث الناس عن ابنته واتهامهم بشرفها وأنه لم يجيد تربيتها، يقف أمام قبر زوجته المتوفاة والدة ميسون والمطر يهطل فوقه بغزارة.

تحدث بألم شديد وبكاء وهو يلمس القبر: ابنتك كسرت كبريائي وكرامتي، بفعلتها سافرت لأجل تحقيق حلمها و رجعت بطفلٍ داخلها، كَثُر حديث الناس عنا، سئمت من هذا الأمر، لا أستطيع أن أخرج من المنزل بسبب حديثهم السخيف الذي يؤلمني.

وضع يده على وجهه وهو يزيل ماء المطر من عليه.

_ قولي لي ماذا أفعل بهذه الفتاة التي جلبت لي العار، ولم أعرف من هو زوجها وماهويته، لقد تركها تعاني مع هذا الطفل الذي لم يولد بعد، كيف ستربيه وكيف سيكون مصيرها، لن يرحمها الجميع من الحديث عنها وسيطعنون بشرفها.

وفجأةً سمع صوتها، استدار لها وكانت تقف والماء قد بلل ثيابها و كانت تبكي والندم ينهش قلبها.

_ أبي يجب عليك أن تسامحني، لقد أخطأت لكنني أحببته كثيراً، والظروف أجبرتنا أن ننفصل، وانا أختفيت حتى لا يصل لي، أرجوك تفهّم حالي.

نظر لها بغضب ووجه كلامها لقبر والدتها وهو يصرخ:
_ قولي لي ماذا سأفعل بها الآن، وكيف سأعاقبها، لو كان أباً غيري لكان قتلها، بسبب فعلتها.

اقتربت منه بحزن ووجدت سكين على الطريق، جلست على ركبتها بضعف وهي لم تتحمل نظرات والدها التي تكاد تقتلها كل يوم وأمسكت يده وهي تقول بعزم:

_ وماذا تنتظر اقتلني يا أبي، وامحي هذا العار، لم أعتد أن أراك حزيناً ومكسور هكذا وكل هذا بسببي، أنا لا استحق هذه الحياة، لقد ظلمتني كثيراً، لم أشعر بحنان الأم ولكنك عوضتني عنها كثيراً.

وأكملت ببكاء:
_و أحلامي تدمرت بسبب عثمان صديقي المقرب، سافرت؛ لتحقيق حلمي وحققته بمساعدة الشخص الذي أحببته، تزوجنا، كنت غبيةً حينما اعتقدت أن الحياة ابتسمت لي، وأغلقت باب الأحزان، وفتحت نافذة السعادة.

ثم ابتسمت وسط دموعها وحزنها، وأصوات الرعد والبرق تعلو في السماء، وكأنها تعبر عن حالها.

_ لكن السعادة لا تحبني وهربت مني، بعدما جعلتني أعيش أجمل أيام حياتي، واهدتني هذا الطفل الذي يهون عليّ الكثير من الاحزان.

كان يشعر بمدى الحزن، والآلام التي أتحملها كل يوم من سخرية الناس منها واتهامهم بشرفها، لكن قلبه لن يسامحها، حزن لرؤيتها مكسورةً بهذا الشكل، فقالت بشهقات متتالية:

_ هيا اقتلني كي تعيش بسلام، واجعلني أرتاح من هذه الحياة، أنا جُرِحْت أكثر ولا أحد يشعر بقلبي.

فتحدث بوجع وغضب وهو يأخذ السكين منها:
_ كفى يا ميسون لا تجعليني قاتل آخر أيامي.

فقالت بصراخ وحزم:
_إذا كنت لا تريد أن تقتلني، سامحني.

بكى الأب على حالهم، أما هي فأصبحت تصرخ و تسطحت على الأرض والمطر ينزل بغزارة فوقها، وانصدم والدها من شدة صراخها، ولم يعلم كيف يتصرف وأصبح يلتفت يميناً ويساراً، كي يساعده أحد.

صرخت ميسون وهي تضغط بقوة بيداها، هي الآن تتألم لأنها سوف تلد طفلها تحت المطر، أصبح يركض ويصرخ ويطلب المساعدة.

_ يا ناس، ساعدوني ابنتي بحاجة إلى المساعدة، انها تلد، أيسمعني أحد، ساعدوني!

كان يصرخ بأعلى صوتٍ لكن طريق المقابر لا يوجد به أحد، يأس جداً ووقف أمامها وهي تصرخ وتبكي.

_ ابي، اااه، انا اتألم كثيرا، ااخ يا م..ماهر.

صرخة وجع والم، كانت تتمنى أن يكون معاها ماهر زوجها التي تعشقه كان سيخفف عنها بلمسةٍو نظرةٍ منه.

كان والدها يبكي على حالها، فهو ليس بيده شيء؛ ليفعله له، ولا يعلم كم من الوقت، لكنه شعر بأن الوقت لم يمر والحزن والألم والتوتر يسيطران عليه، حيث وصلت زوجة حارس المقابر مع زوجها صدفة وساعدتها على الولادة في غرفة الحارس.


قلق الاب كثيرا بسبب صوت الألم من طفلته وفجأة، دمعت عينه من الفرحة حينما سمع صوت طفل يبكي وهدأت ميسون.


خرجت المرأة بعد قليل تبشره بجنس المولود وتبارك له.
فدخل نوري واقترب من ميسون النائمة ومن الطفل فدمعت عيناه مجددا وحمله بحب وشعر بشعور جميل ونسى أنه لم يكن يريده وبمجرد أنه حمله نسي كل هذا قبله برقة بالغة، وراح يتخيل فرأى طفلاً صغيراً يركض فنادى عليه.

_ يا ولد تعال الي هنا.

ولكنه استفاق من خياله ليقترب طفل منه بالفعل.
فسأله:
_ هل يوجد بيوتٌ هنا، اطلب من الجيران أن يساعدوني، لقد ولدت ابنتي وتحتاج إلى الرعاية أو اطلب الإسعاف من هاتف والدك، فلقد نسيت هاتفي بمنزلي.


_ حسنا يا عم سأطلب الإسعاف وأخبر أبي وأمي أن يساعدوك، فمنزلنا قريبٌ من هنا.

ركض الطفل بسرعة بينما نظر نوري إلى ابنته التي تتألم وتنادي على ماهر، وبعد قليل جاءت الإسعاف، وتم نقل ميسون إلى المشفى ومعها والدها وطفلها، كانت حالتها جيدة.

في قصر حكمت كان يضع يده على قلبه وهو يشعر أن ميسون ليست بخير، ولم يعلم كيف سيصل لها وظل يدعو ويطلب من الله أن يحفظها.

وفجأةً دلفت رولا له وهي غاضبة وتقول:
_ حكمت لا تفعل بي هذا ولا تحرمني من الامومة، لقد أنجبت اختك طفلها الثاني وانت ترفض أن تكون أباً، أشعر بي، تخيلني حبيتك ميسون واقترب مني.

إبتعد عنها بغضب ولكنها فاجئته حينما أمسكت الذكرى الأخيرة من ميسون وكانت الساعة التي أعدتها له.

قالت بحقد وغل:
_أتحبها وترفض أن تقترب مني لأجلها، وهذه الساعة الرخيصة تحتفظ بها.

اقترب منها ليمنعها من كسرها.

_ ابتعد عني سأحطمها مثلما تحطم قلبي، هل يوجد زوجة تطلب من زوجها أن يتخيل حبيبته؛ لكي يقترب من زوجته، لقد أهنت كرامتي يكفي هكذا.

كانت تتحدث بقهر ودموع ووجع فقال بخوفٍ:
_ رولا أرجوكِ، لا تحطميها فهذا آخر شيء تبقى منها لقد تركتها لأجل أن أتزوجك لقد حققت رغبتك بأن تكوني زوجتي، لكنكِ لن تحصلي على قلبي.

نظرت له بحقدٍ وغضبٍ وألقت بقوة الساعة على الأرض ثم دعست عليها بكعب حذائها بغضب، وهو مصدوم مما فعلته وتألم أكثر؛ لأنه فقد الذكرى الأخيرة من حبيبته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي