السابع عشر

أطلق صدقي النار تجاه حكمت ولكن رشيد امسك السلاح ورفعه للأعلى فخرجت طلقه في سقف المنزل، فغضبت فضيلة جداً حينما رأت العائلتين تتشاجران وسيسيل بحر الدماء مرة أخرى.

وقفت في منتصف الغرفة وخلعت حجابها وألقته على الأرض ورفعت كفها قائلةً بغضب:
-يكفي هكذا، أجئنا إلى هنا؛ لنجد حلاً ونحل المشكلة، أم نقتل بعضنا البعض!

فنظر رشيد للجميع بحدة ثم جلس قائلاً:
_ فليصمت الجميع، صدقي سيطر على نفسك أكثر من ذلك، كي لا تندم.

فقال صدقي بغضب وعيون حمراء مثل الدم:
_ ألم ترى ماذا فعل، وقف متجها للباب ولم يهتم أنك الكبير ويجب عليه أن يحترمك، وأعترض على حديثك بفعلته وأهانك، وأنا لا أسمح بذلك.

نظر له حكمت بجفاء ولم يهتم لحديثه السخيف وخرج بالفعل، فضرب صدقي بقوة على سطح الطاولة ووضع أصابعه داخل شعره بغضب، وهو يحاول تهدئة نفسه.

فتحدث حمزة:
_أعتذر عن فعلته، سأخرج وأحدثه.

في خارج المخزن كان يقف حكمت وهو يتألم وقطرات العراق تتصب من جبينه، فأغمض عينيه ووضع وجهه بين يده وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، ومن بعيد كانت تنظر له تلك الفتاة التي عشقته منذ طفولتها .

"رولا" فهي تعرفه أكثر من نفسها، أحبته بشدة، وعندما قتل والدها لم يتحول حبها لكره له، بل ظلت تحبه وتتمنى أن يكون لها، ووعدها جدها بذلك أنه سيكون لها.

فكرت كثيراً إلى من تنظر الآن:
"هل أنظر إلى حبيبي أم إلى قاتل والدي."

وهنا استفاقت من تفكيرها على اقتراب حمزة من حكمت وهو يتحدث معه بغصب.

_ ما الذي فعلته يا حكمت، أنت تدمر كل شيء، تعبت كثيراً حتى نجتمع، هل تريد أن يقتلونك، أو يقتلونا حتى يصفون حسابهم، هل تريد فقد ثرواتك وممتلكاتك.

نظر له حكمت بملامح خالية من أي تعبير قائلاً:
_ دعني أفكر جيداً، الموضوع ليس بهذه السهولة.

فتحرك حكمت للإمام ورولا تتابع حديثهم بصمتٍ، ولكنه توقف حينما سمع ما قاله حمزة وجعله ينصدم.

_ لا يوجد داعي لسفرك مرة ثانية لقد أخبرتها بكل شيء، وتركتك.

اتسعت عيناه من الصدمة وركض تجاه حمزة بغضب وهو يمسكه من قميصة بغضب قائلاً بألم وصراخ:

_ لماذا فعلت ذلك يا حمزة؟ لما تصر أن تتدخل في حياتي، دعني وشأني أرجوك، فحينما وجدت السعادة وشعرت أن الحياة تبتسم لي، جئت وخربت كل شيء بقراراتك القاسية.

كانت عيناه مليئة بالدموع، فنظر له حمزة.
_ اتركني رولا تنظر لنا، ابتعد.

نظرت رولا لهم، فنظر لها حكمت بغضب مغادراً المخزن، واتصل بـمساعده؛ كي يحضر له طائرته الخاصة، ويسافر إلى ميسون ويراها ويفهمها كل شيء، فهو لا يستطيع الابتعاد عنها.

أما في روسيا هناك خرج الطبيب وتحدث مع مروان بعد فحصه لميسون قائلاً بحزن:
_ الإصابة كانت خفيفة وبعد الجروح بقدمها ورأسها ويديها.

-كيف حال الجنين هل هو بخير؟

_ لست متأكداّ إن كان بخيرٍ أم لا، زوراني في المشفى بأقرب وقت كي افحصها في العيادة النسائية بواسطة أحدث الأجهزة، أما الآن اهتم بها، لقد كتبت لها على فيتامينات ستتناولها ثلاث مرات باليوم.

_ حسنا أيها الطبيب تفضل لأوصلك.

أخذ الطبيب المال وانصرف، بينما كانت ميسون تنظر لمروان بخوف وهي ترتجف وتحتضن نفسها، فاقترب منها بندم، وحينما اقترب صرخت بخوف.

أمسك يدها بحزن ونظر لعيناها:
_أنا أعتذر سامحيني، لم افِ بوعدي لكِ، ولا لأخي سامحيني، لقد أجبرني حمزة على فعل ذلك.

نزلت دموعه والندم كاد أن يقتله؛ لأنه كان سيتخلص من ابن أخيه ويسبب لها ألماً وجرحاً كبيراً.

رن هاتفه وكان المتصل حمزة، فنظر لميسون، ورد على المكالمة وسمع صوت صراخه.

_ أيها المعتوة، لماذا لم تتصل بي وتخبرني ماذا حدث؟

-اهدأ يا حمزة.

فصرخ حمزة بغضب:
_ كيف تريدني أن أهدأ وأخيك لم يترك بعقلي ذرة تفكير، سأجن بسببه.

-لقد هربت مني، ولكن حينما كانت تهرب، ركضت بقوة ولم تنتبه للسيارة التي اصطدمت بها، فوقعت مغشياً عليها فاقدة لوعيها والدماء خرجت منها، فحملتها وطلبت الطبيب وحينما فحصها...

قاطعه حمزة:

_ ماذا أيها الأحمق، لم صمت؟ تحدث.

-قال أنها فقدت جنينها.

وضع حمزة يده على قلبه وهو يأخذ أنفاسه براحة قائلاً:
_ ما هذا الخبر الجيد! ممتاز يا مروان والان أبعدها عن طريقنا، حكمت في طريقه إليكم.


راح يضحك بقهقهة ويكرر سؤاله:
_هل أنت متأكد من صحة هذا الخبر، لا أريد أي مشاكل.

فتحدث مروان بتوتر:
_لقد قال الطبيب ذلك.

_ حسنا تخلص منها، إلى اللقاء، أريد كل شيء أن يكون على مايرام، ولن أقبل بأي خطأ مهما كان.

أغلق المكالمة، بينما ميسون تتابع حديثه وهي تنظر له وأنفها شديد الاحمرار من البكاء، وعيناها منتفخة، ورأسها مجروح مضمد، فنظر لحالتها بحزن وهي مستلقية على الفراش بتعب.

خرجت عن صمتها ولكن نبرة صوتها حزينة: لماذا فعلتم بي كل هذا، ماذا فعلت لكم، كي يكون هذا الثمن بالمقابل.

_ يريدون من حكمت أن يتزوج رولا التي قتل والدها، كي يقف بحر الدماء عن طريق المصاهرة، وإذا لم يبتعد عنك ويتزوجها سيقتلونه، ويقتلونكِ أنت والجنين أيضاً، هم من أكبر عائلات المافيا، القتل أمرٌ سهلٌ للغاية لديهم.

ضمت شفاها ودموعها لم تجف.
-احكِ لي كل شيء، ولا تخفي عني أي شيء.

فتنهد بحزن مكملاً حديثه:
_حكمت مجبور على القبول بزواجه من رولا، هو يحبك أنت فقط ويعاملكِ معاملة خاصة،أقسم أنني طوال حياتي لم أرَ أخي سعيداً ويضحك من قلبه إلا معكِ، كنت أدعي له كل يومٍ أن يجد الحب الحقيقي الذي سيغيره؛ ليطفئ تلك النار التي تشتعل بقلبه، أنتِ مثل الماء التي يخمد النيران المشتعلة، ولكن لم تخمديها كثيراً، ولم يعطِ لكِ قلبه خوفاً من أن تتركيه بعدما تعلق بكِ وأحبك بجنون، هو مستعد أن يضحي بحياته لأجلك.


قالت بحزن:
‏_وهل وافقت رولا على الزواج منه؟ و هل هذا هو السر الذي كان يخفيه عني؟

اومأ برأسه بأسفٍ قائلاً:
_ أجل وافقت رولا ليست سهلة كما تعتقدي، لقد تربت وسط عائلتها وهي تعشق حكمت منذ طفولتها وتريد أن تتزوجه وجاء لها كل ما تتمناه على طبق من ذهب، بسبب تصرف حكمت الغبي حينما قتل والدها، الموضوع خطير جداً.

_هل يعتبر زواجي من ماهر حقيقياً أم لا؟ كيف تزوجني وهو اسمه الحقيقي حكمت وليس ماهر، وطفلي طفل خطيئة، كيف سأوجه عائلتي.

-زواجكم حقيقي، والطفل شرعي، هو يحبك ويرعاكِ وقد جهز كل شيءٍ حتى لا تشكي به.

أمسكت بحافة الفراش وجلست بألمٍ وهي تنصت لحديثه.

_ أذا كنت تحبين أخي فيجب أن تهربي بطفلك وتحميه، إذا علموا بحملك سيقتلونه ويخطفون طفلك بعد ولادتك ويتربى معهم ولن نستطع الوقوف أمامهم، حكمت لا يعلم بحملك، إذا علم لن يتركك وسيهرب بكِ، وسيصلون له ويقتلونه، إذا كنت تحبيه إبتعدي عنه وربي طفلك بسلام بعيداً عن المافيا.

-كيف سأواجه عائلتي بفعلتي سيسألونني عنه، وكيف سأربي إبني بعيداً عن حديث الناس وتشويههم لأخلاقي، لا احد سيصدق أنني متزوجة، سيقولون أنني بعتُ شرفي.

أمسك يدها بحزن والدموع تملئ عينيه قائلاً:
_ لا يوجد حل أخر سوى هذا، كي نعيش بسلام، اعلم أن الأمر صعب وليس بهذه السهولة وان كل واحداً منكم سيعاني كثيراً، لكن عليك أن تختفي من حياتنا ميسون وللأبد.

بكت كثيراً، ثم وقفت وهو أسندها وخرجا من المنزل ثم ركبت معه السيارة، واتصل بمريم التي عادت من السفر بالأمس، أخبرها أن ميسون ستأتي لها بعد قليل.

طوال الطريق وهي تبكي وتحتضن طفلها الذي بداخلها، ومروان حزين على ما وصلوا له.

في مكان أخر نزل حكمت من الطائرة بغضب بعد وصوله إلى روسيا، كان الغضب يسيطر عليه بشدة، وكان في انتظاره سائقه الشخصي.

_ تفضل يا سيدي.

قال السائق حديثه وهو يفتح باب السيارة، فركب حكمت بغضب وقلبه ينبض بعنف خوفاً من أن تكون ميسون تركته.

_ أسرع بقيادة السيارة أكثر.

وبعد مدة قليلة وصل إلى منزلهما، وظل يبحث عنها كثيراً وهو يصرخ باسمها.

_ ميسون أين أنتِ؟

أصبح كالمجنون يركض من غرفة لأخرى وهو يبحث عنها ولم يترك مكان لم يبحث فيه عنها، حتى اخرج هاتفه واتصل بها، وفجأة سمع صوت هاتفها يرن، أصبح يتبع مصدر الصوت حتى وجده فوق الطاولة، نظر له بغضب وامسكه ووضعه في جيبه.

_ يا للهول هل تركتني، لا..لا مستحيل، هي تحبني ولا تستطيع الابتعاد عني وانا كذلك، إلى أين ذهبت؟

في منزل مريم نزلت ميسون من سيارة مروان وودعته، وفي لحظات كان أختفى من أمامها فرأت مريم تركض نحوها باشتياق شديد وهي تنادي عليها:

_ ميسون عزيزتي اشتقت لكِ كثيراً.

ثم عانقتها بحب واشتياق فبادلتها ميسون وهي تبكي بحرقة، ابتعدت مريم بقلق وهي تنظر لها بخوف.

_وماذا حدث، لم تبكين هكذا؟


فبكت أكثر وكأن الحديث رفض الخروج من حلقها من شدة الضيق التي تعاني منه، فأخذتها مريم وصعدت بها الدرج حتى دلفتا إلى داخل المنزل وجعلتها تجلس على الأريكة.

_ احكي لي ماذا حدث ولا تخبئئي عني شي.

قالت وسط شهقاتها ودموعها:
_ماهر..لقد خدعني، هو ليس رجل أعمال كما قال لي أنه زعيم مافيا يا مريم.

نظرت مريم أسفلها بحزن قائلةً:
_اعرف.

فنظرت لها ميسون بغضب صارخةً بوجهها:

- ماذا.. كيف تعرفين ولم لم تخبريني، هل أصابكِ الجنون؟ لماذا اخفيتي عني هذا الموضوع الخطير، لقد تدمرت حياتي وحياة أبني؛ بسبب كتمانك.

_ اسمعيني، لقد حذرتك كثيراً منه، لكن مرآه الحب كفيفة، أنتِ حزنتي كثيراً حينما قلت ابتعدي عنه، وقلتي لي انني لا أريد سعادتك؛ ولو كنت حكيت لكِ لن تصدقينني حينها وستقولي أنني أغير واحقد عليكِ وهذا ما لم أتحمله.

ثم تنهدت بحزن وهي تنظر لتلك المسكينة التي تتلقى الصدمات خلف بعضها.

_ لقد عرفت الحقيقة يوم زفافكم، كيف كنت سأخبرك وهذا أجمل يوم بحياة أي فتاة، لم أرد تخريب اليوم التي تمنيته، وفي لحظتها كان من المستحيل أن تصدقيني وكنت ستقاطعيني.

صمتت مريم والحزن يملأ قلبها قدثم تابعت:
‏_حتى تعلمي الحقيقة، عيناكِ وهوسك وتعلقك الزائد به وصلك لمرحلة سيئة أنكِ رفضتي أن تعرفي ماضيه الذي ظهر الآن وخرب حياتك الوردية.

لم تقوى ميسون على هذه الصدمات المتتالية، فسقطت على الأريكة مغشياً عليها.

أما في منزل حكمت( ماهر) كان يصعد وينزل الدرج بسرعة كبيرة وهو يبحث عنها حتى سمع صوت فتح الباب، فركض الدرج وظن أنها ميسون ولكن وجد مروان فاقترب منه بخوف شديد قائلاً:

_أين ميسون يا أخي؟ لم أترك مكاناً الا وبحثت عنها فيه لكن بلا فائدةً، لم أجدها.

نظر له مروان بحزن قائلاً:
_لقد هربت ميسون يا أخي ولن تعود مجدداً، أخبرني حمزة أن أقول لها الحقيقة وفعلت ذلك، وحينما علمت بكل شيء خافت وهربت.

وهنا لكمه حكمت بغضب مما جعله يسقط أرضاً، وبدأ يصفعه على وجه وهو يقول بغضب وبصوتٍ هز أركان القصر:

_ لماذا فعلت ذلك أيها الاحمق، ألم أقل لك أن تنتبه عليها وترعاها.

امتلأ وجه مروان بالكدمات من أثر الضرب، وخرجت الدماء بجانب شفاهه قائلاً بضعف:

_ لقد قال لي حمزة أن أخبرها بكل شيء وهذا أمر منك.

فتركه بصدمة.

_لكنني لم أقل ذلك.

_لا اعلم يا اخي هو قال ذلك وانا نفذت.

قبض حكمت يده بغضب قائلاً بغضب وتوعد:
_حمزة!

ثم خرج وركب سيارته وقادها بسرعة جنونية متجهاً إلى منزل ميسون ومريم.

وفي المنزل كان وصل زوج مريم بعدما اتصلت به؛ كي يحضر الطبيب وبفحص ميسون، فوصل ومعه الطبيب، واتجها ناحية غرفتها وبدأ الطبيب يفحصها.

ومريم تقف وهي تبكي على حال صديقتها وزوجها يحتضنها؛ كي يخفف عنها انتهى الطبيب قائلاً:

_ لقد تعرضت لصدمة كبيرة أثرت عليها يجب أن أبعد عنها أي شيء يسبب لها القلق والانزعاج لأجل صحتها وصحة الجنين.

أنهى حديثه ثم انصرف، وفجأة سمعت مريم صوت حكمت الذي يصرخ أمام منزلها باسم ميسون، هرولت بسرعة هي وزوجها بعدما أغلقا الباب بالمفتاح على ميسون حتى لا تخرج له، وتعود معه وتتعرض حياتها للخطر.

فتحت مريم الباب وزوجها يمسك عصا كبيرة جداً واقتربا من حكمت ثم أغلقا الباب الرئيسي ووقفا في حديقة المنزل فقالت مريم بصوت عالي وغاضب:

_ ماذا تريد منها يا ماهر، يكفي كل الآلام التي سببتها لها ابتعد عنها هي لا تريد أن تراك مجدداً، لقد تدمرت بسببك، إذا كنت تحبها دعها وشأنها، حياتك بخطر دائماً، فلا تعرضها معك للخطر.

فقال بحزم وإصرار:
_ دعكِ من هذه السخافة، أنا أريد مقابلتها وأوضح لها كل شيء، ابتعدي عن طريقي حتى لا أؤذيكِ مريم.

وقفت أمامه معترضة طريقه، رفع نظره للأعلى ووجد ميسون تقف أمام النافذه الزجاجية الشفافة وهي تسند على الحائط بضعف وتنظر له بحزن وهي تبكي، حينما رأها جن جنونه.

_ ميسون، تعالي أنا ليس لي ذنب، أنا أحبك، اسمعيني أرجوكِ.

بدأت ميسون تنادى عليه وهي تبكي وتريد النزول له، لكن الباب مغلق فبدأت تضرب على النافذة بغضب وهي تصرخ.

_ مريم، افتحي لي الباب أرجوك.

لكن صوتها لم يكن مسموعاً، ويتضح من غضبها وتعبيرات وجهها انها تريد لقاء حكمت والحديث معه وهو ينظر لها، فدفع مريم بعيداً عنه حتى يصعد لميسون وهرول بسرعةٍ تجاه الباب.

وفجأةً خرجت صرخة من ميسون حينما رأت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي