12،أريد الأحتفاظ بعذريتي

"عودة إلى رقيه"
فكرت كثيرا في أمر هذا العرض، وهل ستندم يوما على موافقتها وتهورها لــدخول منزل لأشخاص غريبين عنها

أيضا يملأ منزلهم الرعب بكل أشكاله، تسائلت "رقيه" طوال الليل حتى وصلت لقرار مهم، أنها لن تخسر شيئا، فقلد تحاشت التعامل مع الناس لــسنوات طويلة جدا

خوفا من تنمرهم، تهكمهم، سخطهم وسخريتهم عليها ولا تعرف سببا لذلك، لكن لطالما راودها شعورا بأنها فتاة مختلفة ليست كــباقي الفتيات مثلها، ولم تعرف أيضا هل أختلافها للأحسن أم الأسوء؟

المهم أنها أخبرت حماتها المستقبلية بموافقتها على الزواج المتفق هذا، فرحت الأم بشدة وقالت لها بأسف:
_ أسمعي يا أبنتي، أنا لا أريد ظلمك، لكنك تعرفين وضع عائلتنا، لقد أصبحنا سخرية الحي كله

لهذا لم نخطط لإقامة لزفاف كبير لكن سنحضر لك الذهب كأي فتاة أخرى، وترتدين ثوب الزفاف وكل شئ سيتم حس--

قاطعتها "رقيه" بسرعة وهي تقول بأرتباك:
_ لا أرجوكي سيدتي، أنا لا أريد أحتفالا بالزفاف، أو فستان زفاف حتى، حتى شبكتي أن لا أريدها منكم

أنا وافقت على طلبكم هذا لكي أساعدكم وليس لأستغلكم، ومظاهر الفرحة والأحتفال وفستان الزفاف أنا اعتبرهم شئ مقدس لا يتم سوى لــمن أرادوا الأحتفال بحياتهم المستقبلية معا

لكن هذا الزواج مختلف، أنه يدعي زواج مصلحة، أعني أنني أفضل البقاء بعذريتي، أنتم لم تقولوا أي شئ عكس ذلك أو يستدعي دخول أبنكم بي

أنا فقط أريد أن اخدمكم وفي المقابل أظل فتاة عذراء كما أنا، سامحيني سيدتي لكن أنا أقدس جسدي ولا أريد لايا كان ان ينتهكه لطالما ليست تلك رغبته ورغبتي

أتفهمين ما أعنيه، أنا أود الأحتفاظ بجسدي وشرفي لمن يمتلك قلبي وروحي وليس لمجرد رجل كتب أسمه بجوار أسمي في وثيقة حكومية معتمده، أتفهمين قصدي سيدتي؟

فجأة سمعت تصفيق حار خلفها، أنتفضت "رقيه" مذعورة، ونظرت لصاحب هذا التصفيق وجدتها "زينا"، أقتربت منهم "زينا" وهي تبتسم وتصفق لــ"رقيه" وتقول لها بحماس:
_ يا فتاة أنا احترم كلامك هذا وأنتي محقة كلياً، اتعرفين بأنني الفتاة الكبيرة بين أخواتي وأنني رفضت الزواج مراراً حتى قبل دخول اللعنة تلك منزلنا

كان ولايزال رأيي من رأيك، على الفتاة منا أن تقدس نفسها، جسدها، وكل ما فيها ولا تهب نفسها لأيا كان، على من يريد أمتلاكها أن يعمل بجد ليثبت أنه جدير بهذا الجسد وتلك الروح التي حافظنا عليها نقية بريئة لسنوات ولم نلوثها بتكنولوجي حديثة،

او إباحيات من مستعرضي أجسادهم على الشاشات طوال الوقت أو نحاول حتى تجربة تلك المشاعر المتناثرة للشباب والفتيات في كل حديقة، دار سينما، مدارس، جامعات وغيرها من أماكن تجمع الجنسين معا

لهذا أنا أحيكي بحرارة ويشرفني أن تكوني عروس النيل لهذا القبر اللعين.

ضحكت "رقيه" رغما عنها وهي تسمع لحديث "زينا" الجدي والمرح ووجدت أن تلك الفتاة تشبهها جداً في افكارها القديمة التي لا تناسب هذا العصر المجنون.

وقفت الأم وهي تضرب كفا على الأخر وتقول بعدم تصديق:
_ حقا يا ألهي، ألم أكتفي بــمعتوهة واحدة في المنزل ترسل لي تؤامها، ما خطبكم يا بنات؟

كيف لا تريدون لأزواجكم أن يلمسونكم؟ أن هذا أكبر حرام، على المرأة منا أن تسلم جسدها طوعاً لزوجها وإلا ستحاسب حساب عسير وتلعنها الملائكة طوال الوقت، هل تعتقدون بأن لعنة منزلنا لا تكفي لكي تجعلوا الملائكة غاضبين عليكم وعلينا؟

حقا يا بنات أنتم تدفعونني للجنون، وعلى كل حال أنتم أحرار مع أزواجكم والحديث لك أنتي يا "رقيه"

تصرفي كما شئتي مع "يوسف" لكن لا تتذمري منه أن عاملك بجفاء كما يعامل الفتيات، لطالما ستحرمين جسدك عليه، توقعي منه كل شئ، ها، سأقوم أنا لأجهز كل شئ وطالما

لا تريدين زفاف أو أي مظاهر للأحتفال بهذا الزواج لا داعي أذن للتأجيل، سأخبر الجميع أن الزفاف سيكون في الغد وأنتي يا متعبه عليكي بالتحضر لتأتي لمنزلنا كــعروس، لن أقبل دخولك هنا بثيابك الرثة تلك

سترتدين ثوبا جميلا من صنع يدي، وسأجهز غرفتك تجهيزا يليق بك وبزوجك، وبعدها لا أهتم بشؤونكم داخل غرفتكم، أنتم أحرار، والأن سأذهب قبل أن تفقدوني عقلي أنا أيضا واحرم جسدي المترهل هذا على زوجي وأجلس بجواركم لأغني "ظلموه".

تركتهم يضحكون عليها بمرح كبير، أبتسمت "رقيه" لــ"زينا" وقالت لها شاكرة:
_ أشكرك على مساندتك لي يا "زينا" وأعدك أنني سأسعى لـمساعدتكم ولن أخذلكم إن شاء الله.

قالت لها "زينا" بثقة كبيرة:
_ اعلم انك ستفعلين يا "رقيه" لكن أن كنتي تريدين نصيحة مني كأخت لك، لا تحاولي لعب دور صعبة المنال مع أخي

أنتي لا تعرفين "يوسف" أنه الجحيم بعينه ولا تقبل أي فتاة أن تعيش معه تحت سقف واحد

فنصيحتي لك أن لا تثيري غضبه حتى لا تندمين، وأنا لا اخيفك منه أنا أنصحك حتى لا تجدي نفسك تسقطين برفق في بئر العشق ولا تعرفين كيف تخرجين منه؟

فــشقيقي برغم كرهه للفتيات وجنسنا عامة، تلاحقه الفتيات الجميلات كأن له سحر خاص، لكن أنا عن نفسي أجده كريها لا يحتمل، لا أعرف ما الذي ترآه الفتيات في

رجل غليظ، غاضب، ساخط، متغطرس طوال الوقت، على كل حال أن أردتي الحفاظ على شرفك وجسدك حتى تخرجي من هذا المنزل بسلام، عليكي أن لا تثيري حفيظته حتى لا تندمين أشد الندم

والأن هيا لغرفتك القذرة تلك حتى أجهزك يا عروس، عليكي أن تتجهزي كليا لدخولك منزلنا ولن تقبل والدتي بأقل من ذلك، هيا حركي نفسك يا فتاة.

شعرت "رقيه" بالحيرة، الارتباك، والتخبط في مشاعرها أكثر، كلام "زينا" أخافها، لكنها تعرف أن "زينا" صريحة ولا تحبذ الكذب واللف والدوران في الحديث

أخبرتها الحقيقة عن شقيقها بكل بساطه، وهي أن أرادت الحفاظ على نفسها، فلتبتعد عن طريقه كلياً.

" عودة إلى حسن وعائشة"
كلام "عائشة" كبير جدا على عقل رجل يافع مثلي، كيف أستوعب كل هذا بحق الجحيم؟

لكن لا أرى أي أختيارات أمامي فــحياة عائلتي هي ما على المحك هنا، أضطررت أن أوافق مجبراً، مسكت "عائشة" يدي وأختفينا
من غرفة الشاب.

ظهرنا في عالمها مجدداً، لكن هذه المرة كانت مختلفة كثيراً، وجدت نفسي في مكان ما يشبه المدينة في الدول الاوروبية المتحضرة

أمام عيناي أرى منازل عديدة متصافة على اليسار في صف موازي، كلهم بنفس اللون الأحمر القاتم، من طابق واحد

شعرت أنها منازل لمصاصي الدماء الكلاسيكين، بدت مخيفة في شكلها لكن أنيقة في نفس الوقت.

رأيت أشخاص يذرعون الطريق ذهابا إيابا أمامي، تعجبت منهم كثيرا، لم أرى لهم قرون، ذيول، حوافر، رؤوس مفلطحة أو أوجه غريبة مرعبة كما رأيتها سابقاً في مخلوقات أخرى.

لكن هناك الطويل جدا فيهم، وهناك الرفيع جدا كانه جلد على عظام، ومنهم من يملك شعر طويل جدا حتى أنه يصل للأرض من طوله

لكن لديهم أوجه البشر بالرغم من أتساع العين بشكل كبير، لكنهم لا يرعبون أبدا، شعرت أنني أسير بين بشر عاديين وأختلافاتهم ليست كبيرة أو تلاحظ.

سرت مع "عائشة" وانا أتابع المشاهد أمامي، كنت مندهش بالفعل ومصدوم من المكان كله ومن فيه.

أخذتني "عائشة" لمنزلها عند والدها "حيزران"، وجدته جان يشبه البشر أيضا لكن كان لديه ما يشبه النتؤات في ذقنه، كانت كاللحية في وجهه

غير ذلك بدا رجل في الأربيعينات أمامي، صافحني بقوة وسأل عن حالي كأنه عمي ويرحب بي في منزله الفخم، لكني شعرت أنه حذر معي جداً.

لكني لم أهتم بكل تلك الأمور جدياً، عقلي مشغول بــعائلتي وما الذي يحدث معهم الأن؟ هل لايزال "شنقيائيل" هذا يعذبهم؟ هل لايزالون معلقين يصرخون بجنون؟

لا أعرف وأخشى من معرفة الإجابة بصراحة، غير الذي يحدث معي وما تريدني "عائشة" ان أفعله في عالمها المرعب.

المهم أن "حيزران" هذا أخذني إلى مكان فخم جداً، مبنى كبيرة تختلف عن المباني الأخرى، واجهتها تشبه الكنائس لحد كبير، على قمم أبراجها القصيرة نسبيا هناك قبب مستديرة

أبواب المبنى مزخرفة بــنقوش كبيرة بداخل النقوش عبارات سيريانية، عبرانية، لاتينية قديمة.

دخلت مع "عائشة" وأسرتها، شعرت أنني في موكب لرئيس دولة ما يدخل لــقصر الأستضافة مثلاً.

الموقف مهيب مخيف وعظيم في نفس الوقت، قدمني "حيزران" إلى كبير عشيرتهم، ملك ملوك عشائر الجان المسلمين العرب.

أعرف أن كلامي يبدو جنونياً، غريباً، غير منطقي، لكن الجان مثلنا في كل شئ إلا القليل، أنهم أعراق، ديانات، أجناس، ولغات مختلفة مثل البشر.

لدينا في الوطن العربي الجان يتحدث العربية الفصحي، الجان المسخر، العاشق، الرصد، عمار المكان وغيرهم

جميعهم عندما تواصلوا مع البشر تحدثوا بالعربية الفصحى، وهناك الألاف شهودا على حالات كثيرة معتمدة مؤرخة في مصادر موثوقة علمية، تاريخية، دينية

الأحداث كثيرة وشهد منها في الإعلام، الأذاعة والتلفزيون حتى وسائل التواصل الإجتماعي تحدثت ولازالت تتحدث عن حالات تواصل الأنس مع الجن والتواصل معهم بلغة عربية مفهومة.

هذا غير الموروثات التي كبرنا عليها وما شهده التراث العربي من قصص وأحداث حقيقة وأعترافات لسحرة تائبين، وحالات تلبس موثوقة وتجارب حقيقة تذاع على الراديو ويرويها على الناس شخصيات مجتمعية مشهورة جداً.

إذا لا مجال للكذب والأدعاء الزائف في مثل هذه الأمور.

المهم أنني وجدت نفسي بين حضرة من كائنات سفلية حتى وأن كانت مشابهة للبشر فهم لايزالون مخلوقات مختلفة عني، ليست طينية من لحم ودم مثلي.

وجدت بعض الجمع من الحضور والجان عظيمي الشأن عرفتهم من أحترام تجمع الجان حولهم وتبجيلهم لهم، كما يفعل البشر مع الشخصيات المهمة الحكومية أو الرئاسية.

أجتمع عدد هائل من معشر عشائر الجان لــيشهدوا على هذا الحدث النادر، أخيرا أقترب مني الملك "قسفيائيل"
وقد عرفت أسمه المنقوش على قلادة معلقة على صدرة مكتوب عليها باللغة السيريانية

قرأته بسهولة صراحة، المهم أنه مد يده لي بكأس ذهبية مرصعة بألماسات زرقاء وأرجوانية على الأطراف

وفي يده الأخرى هناك ورقة تبدو كـالأبراشية القديمة، لكني واثق أنها ليست ورق مقوى وأنها جلد لكائن ما، بشر كان أو حيوان لا يختلف الأمر كثيرا الأن.

قال لي هذا الملك وهو يقرب مني الكأس:
_ اقرأ يا حسن، اقرأ بصوت عالي حتى يشهد عليك هذا الجمع والحضور.

حدقت له لبرهة بأستغراب، لكنني مسكت منه الورقة وكما توقعت كانت جلد طري قديم مقزز، مكتوب عليها بالدماء الجافة كلمات بلغة غريبة لم أفهم منها شيئا ولا أعرف أي نوع من اللغات هي تلك اللغة

الجمل كانت مكررة كثيرة معقدة، حدقت لهذا الملك وجدته ينظر على "قلادة الحصان" ويشير برأسه، فهمت قصده، مسكت القلادة باليد الأخرى

وجدتني أفهم الكلمات جيدا، بدأت أقرا بصوت عالى حماسي:
_ بأسم الله، بقسم طالوت، بعظمه هاروت وماروت الملكين اللجه، بحق القسم الاعظم الذي أخذه عليكم سليمان عند باب الهيكل العظيم ببابل، أقسمت بسحرائيل، ميخائيل، كسفيائيل، إسرافيل، سيسائيل أقسمت بعظمه ملوك الجان، إن تقبلوا بي، إن تقبلوا بابن آدم، أقبلوا بمخلوق الطين يا أهل النار، اقبلوه بينكم دون أذي او ضر، اقسم عليكم بالولاء، حفظ العهد والوفاء به، اجيبوني وتقبلوني، معكم، منكم، اكون عون لكم وتكونوا عونا لي.

كررت القسم كثيرا، المفترض أن اكرره أربعون مرة، كررته حتى تعبت بجد، أنهكتني القراءة المستمرة بصوت عالي وواضح

أنهيت القسم أخيراً، أعطاني الملك الكأس الذهبي اللأمع، أخذته منه ونظرت فيه، خفت أن يكون دماء أو شيئا كهذا.

لكنني رأيت مادة غريبة تشبه السيلكون السائل البنفسجي، نظرت لها بأشمئزاز كبير وقرف، نظرت لــ"عائشة" أومت لي مشجعة

كي أشرب، رأيت أيضا كل الحاضرين ينظرون إلى بترقب منتظرين مني أن أشرب، أضطررت أن أرفع الكأس على فمي لكن الطعم كان سيئ جدا

مر كثيرا، شعرت أنني أشرب علقم مرير، أنهيت محتوى الكأس لكنني لم أشعر بأي تغير مطلقاً، أنزلت الكأس فارغاً من على فمي.

أقترب مني ملك الجان، أخذ الكأس منى ومد أصابعه المرعبة على وجهي، أنا خفت منه حقيقة لوهلة، لأنني رأيت لهب أحمرا على كف يده

مرر هذا اللهب على وجهي كله، لكن اللهب لم يحرقني، بل شعرت بحرارة خانقة ثم برودة شديدة مؤلمة، فجأة شعرت بقوة كبيرة تحتل جسدي بأكمله.

كنت متحمس أنا أيضا لأعرف ماذا سيحدث بعد؟ لكن الملك ربت على كتفي بقوة وقال لي:
_ مبارك يا "حسن" أنت بالفعل رجل قوي، مميز جداً، ملوك الجان تقبلوا وجودك بينهم، ستغدوا ساحراً عظيما ذات شأن كبير يا "حسن".

حملقت فيه بصدمة وقلت بعدم تصديق:
- ساحر، أنا يا سيدي سأغدوا ساحرا!

رد الملك وهو يبتسم لشكل وجهي المصدوم وقال:
_ نعم يا "حسن" فــملوك الجان العظماء يقومون بوهب كل ساحر أبيض يتقبلوه بــموهبة وقدرة خاصة، القدرة تلك ستعرفها في وقتها يا "حسن" لكن عليك أن لا تسئ أستخدامها أبدا

لا تجعل القوة والقدرة الهائلة تغيرك يا "حسن" الأن أنت أصبحت إنسان مميز خارق بين بنو جنسك، لا تتخذ قوتك عدوا لـجنسك يا "حسن".

نظر لي نظرة غامضة أرعبتني، لكن لم ترعبني نظرتة أكثر من كلامه، ماذا قصد بأنني سأغدوا ساحراً عظيماً؟ هل سأكون خارقا حقا؟ يا ألهي كيف وصل بي الحال إلى هذا؟

لا أعرف هل أسعد؟ أم أحزن لما وصلت إليه حالي.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي