16،لعبة الحياة والموت

"عودة إلى جوسلين والعقرب"

من المؤكد أن الحرس على وشك القدوم هنا، سنعود من طريق الجبل وندخل المنجم ونكمل عملنا وفي المساء لنا حديث أخر.

وافقت "جوسلين" وهي متفائلة بوجوده معها، توجها نحو طريقا صخريا منحدر، ركضا عليه حتى صعدا تبة صغيرا، لكن وقف العقرب فجأة

تعجبت منه "جوسلين"! وسألته بــحيرة:
_ما الأمر؟ لما توقفت عن الركض فجأة؟ هل رآيت أحدهم قادم إلى هنا؟

لكنه لم يرد عليها مباشرة، جثى أرضا ومسك صخرة رفيعة حادة، حملقت فيه "جوسلين" برعب، لكنه فجأة ضرب وجهه بالصخرة قرب عيناه اليسرى

فزعت "جوسلين" وأنتفضت مكانها، سألته بصدمة:
_ما الذي تفعله بحق الجحيم؟ لما تؤذي نفسك بهذا الشكل؟

قال لها وهو يضرب أجزاء أخرى من جسده، لكنه لا يتألم من جراء تلك الجروح:
_علينا أن نبرر عودتنا معا سالمين، لا تنسي أن السجناء يعرفون بأنني كنت أنوي قتلك، ماذا برأيك سيعتقدون بعد رؤيتنا معا؟

فكرت "جوسلين" وهزت رأسها له إيجابا وقالت له:
_حسنا أنت محق، لكن ما سبب إيذائك لنفسك بهذا الشكل؟

"عماد" فعل الشئ الأغرب، مزق أطراف سرواله من الأسفل بالصخرة عدة تمزقات بدأ كأنها حوافر هي ما مزقت سرواله، حدقت "جوسلين" فيما يفعله بقلب منقبض

قال لها:
_علي أن أكذب على الجميع لأبرر تواجدي معك ومرافقتنا لــبعض في الأيام القادمة دون أن نثير شك أو أرتياب السجناء والعسكر، فــالجميع يعرف عداوتي معك كــ"موسى نوسلي"

سوف أكذب عليهم وأقول أن هناك مخلوق فاجأني وأنا أقضي حاجتي وأنتي من أنقذني منه، وبهذا سامحتك وأعتبرته دين في رقبتي أتركي لي أنا تلك المسألة وأنا أعرف كيف احبكها عليهم جميعا.

اعجبت "جوسلين" بــذكاءه وقالت له بحماس:
_إذا عليك أن تجرحني أنا أيضا يا "عماد" فمن المستحيل أن أكون حاربت مسخ ما لأنقذك ولا أصاب بأي خدوش، أليس كذلك؟

توقف العقرب عما يفعله، ألقى الصخرة بعيدا وأقترب منها وهو يحملق فيها ببرود، خافت منه، سألته بتوتر:
_ماذا؟ ما الأمر؟ لما تحدق بي هكذا؟

قال لها بسخط وأستياء غاضب:
_هل أنت دائما بكل هذا الغباء؟ كيف بحق الجحيم أتركك تجرحين جسدك المستعار وتنزفين من جسدك الحقيقي أسفله؟

ألا تشغلين عقلك هذا أبدا، لا عجب أنك ورطتي نفسك في هذا الجحيم وتسببتي في قتل أقرانك، من الجيد أنني سأكون معك كــظلك في الأيام المقبلة وألا ستتسببين في قتل نفسك بسهولة.

نظرت له بأستهجان بالرغم من علمها أنه محق كليا فيما يقوله، لكنها لم تهتم كثيرا لهذا الشأن، مد يده لها وأكملا ركض حتى وصلا إلى المنجم من الخلف

صدموا ببعض الحرس وهم يسيرون بجوار المنجم، أوقفهم ثلاث حراس، سألهم أحدهم بحدة:
_أين كنت يا عقرب أنت و"موسى"؟ نحن نبحث عنكم منذ ساعة وأكثر، أيضا من تسبب لك في كل هذه الجروح؟

خرج السجناء من المنجم على صوت الحرس، نظر الحرس إلى "موسى" كأنهم يتهمونه في جروح "عماد العقرب" لكن

"جوسلين" نظرت إلى "عماد" وخطرت لها أن تشاركه التمثيل، ضربت كف على الأخر وقالت بصوت رجولي أجش:
_لا حول ولا قوة إلا بالله يارب، خيرا تعمل شرا تلقى،

لقد أنقذت رجلكم المفضل وأنتم تتهمونني، لست أنا من فعل هذا به يا رجال، أنا أصبحت مسالما منذ أن قتلت حبيبتي بسبب مصائبي

ويشهد كل الحاضرين أنني لم أفتعل ولا مشاجرة واحدة منذ قدومي إلي هنا، ما خطبكم يا سادة؟ ألا تصدقون أن المرء قابل للتغير حتى وأن كان سليل إبليس!!

نظر لها العقرب بإعجاب على تشغيل عقلها ولو مرة واحدة، هز رأسه للحرس وأردف قائلا بجدية:
_للأسف أنها الحقيقة، هذا الوغد أنقذني وجعلني مدينا له بحياتي.

سأله أحد السجناء متجاهلا الحرس الكثيرين الذين تجمعوا على هذا الحدث:
_ماذا حدث يا عقرب؟ هل هاجمك أنت أيضا؟

رد "عماد" بغضب مصطنع:
_نعم كنت أتبول خلف الصخور وإذ فجأة أجد من يجرني من قدمي على الصخور بقوة

لم أتمكن من رؤية وجهه، لكنه أخذني إلى مكان بعيد، وعندما رفعت رأسي لأنظر إليه، سمعته يصرخ بحدة، نظرت خلفي رأيت "نوسلي" يقذفه بأحجار كبيرة

ظل يقذفه بها حتى سقط عن المنحدر ولم يتسني لنا رؤيتة جيدا، لكنه كان قوي جدا وله انياب حادة مزقت قدمي.

نظر الجميع بأهتمام وفضول على الجروح العميقة التي كانت في أقدامه، وأيضا بطنه وصدره الذي مزقهم بالصخور وجرح نفسه عدة جروح ليظهر بأنها من فعل الجر على الصخور القاسية.

أنتهى الموقف بأمر السجان بالبحث في المنطقة كلها عن أي مخلوق غريب ومن يرآه يفتح النيران عليه حتى يصرعه.

أرتاحت "جوسلين" لأن الموقف مر بسلام كما خطط له "العقرب"، أبتسمت بشدة عندما نظرت إلى "عماد" وجدته يغمز لها بتودد.

لكنها قلقت وهي تعمل في تكسير الأحجار في المنجم، سألت نفسها:
_كيف سنبيت أنا وهو وحدنا في الزنزانة، فهي منعزلة عن الزنازن الأخرى بكثير، وأن حاول إغتصابي لن يسمعنا أحد، خاصة وأن "عماد" ذكي جدا وما يريد فعله، يفعله بلا تردد.

"عودة إلى يوسف ورقيه"
كانت سعيدة جدا لأنها تسببت في راحة وضحكة لكل أفراد العائلة عدا طبعا زوجها المغرور "يوسف".

حاولت "رقيه" أن تتجاهل وجوده وركزت على العائلة وما يريدون منها، فكرت في كلام والدة "يوسف" حماتها بشأن الجان الذين يسكنون منزلهم وكيف يسببون الرعب والفزع لهم؟

تسائلت في نفسها كيف يمكنها مساعدة تلك العائلة حقا؟ لم يسبق لها أن تعرضت لــموقف مخيف ولم تفكر حتى بمخلوقات العالم الأخر حتى الأن

المهم أثناء العشاء، تجمعت العائلة كلها على طاولة الطعام البلدي وتدعى "طبليه"، طاولة مستديرة كبيرة الحجم قصيرة الأقدام، من يجلس عليها يجلس أرضا وضع القرفصاء

تجمعوا حولها وبدأوا يتناولون العشاء وهم يتحدثون في مختلف المواضيع وكلا منهم يحكي كيف قضى يومه كالمعتاد

لكن "رقيه" عقلها كان مشغول بأمر أخر، رغم عنها كانت تسترق النظر كل بضعة لحظات لــ"يوسف"، أرادت أن ترى ملامح وجهه الوسيم عن قرب

وجدته فعلا رجل وسيم، ذو جسد مفتول العضلات نسبة لذهابه مع اشقاءه لصالة الجيم في أخر المنطقة، لديه وجه جذاب لكنه صارم وهذا النوع من الرجال يجذب النساء خاصة الفتيات في سن المراهقة

لكن "رقيه" ليست مراهقة أبدا، أنها تشارف على الثلاثين من عمرها، عاشت وهو تحرم نفسها على الجنس الأخر بسبب ماضي قاسي عانته في حياتها، لكنها لم تخبر أي احد عنه حتى اليوم.

أنتهى العشاء وخرج الرجال الأشقاء ليقفوا مع أصدقاءهم خارج المنزل كعادة الرجال الشعبية البسيطة.

دخلت "رقيه" غرفة "يوسف" لتخلد إلى النوم، لكنها في الحقيقة أنها أرادت أن تجلس في غرفته وتنتظر دخوله عله يتحدث إليها أو تجد ما تقوله هي له

جلست أمام الشاشة الذكية الموضوعة في غرفة "يوسف"، شاهدت المسلسلات الهندية المملة حتى غلبها النوم رغما عنها.

لكنها أستيقظت من النوم فجأة، فتحت عيناها على صوت تنفس عال جدا، صوت تنفس أحدهم لكنه ممزوج بزمجرة خشنة، شعرت "رقيه" أن هذا الصوت آت من الجحيم.

شعرت بحرارة الغرفة عالية جدا بالرغم من جو الشتاء البارد، جلست "رقيه" على الأريكة التى نامت عليها وهي تتابع الشاشه، لكنها تجمدت في مكانها، رآت

"يوسف" نائما على الفراش، وبجواره غـــــــول، نعم غول، كائن ضخم جدا، جسده ممتلئ بالشعر، يده فيها حوافر ضخمة جدا مرعبة.

شعرت "رقيه" أنها تنظر إلى حيوان الغوريلا لكنها غوريلا من أفلام الرعب أو من العصر الحجري، كان هذا الكائن ينظر إلى "يوسف" بعيناه الحمراء المشعة

كأنها مضيئة، متوهجة، يقف بجوار "يوسف" ويداه على صدره ويتنفس بعصبية كبيرة يخرج معها زمجرة متوحشة، كأنه ينتظر أن ينهض "يوسف" لينقض عليه ويضربه بقوة وغضب.

فجأة رفع هذا الغول رأسه ونظر لــشئ لم الاحظه في البداية، رآيت كلب ضخم، لا بل ذئب من هؤلاء المستذئبين الذين يظهرون في أفلام الرعب الاجنبية

ذئب ضخم، لديه شعر أسود كثيف يغطي جسده بالكامل، لدين أذن وقرون في رأسه المدببه، لديه أيضا حوافر طويلة بارزه وأنياب، قدماه معقوفة للخارج بشكل مرعب.

أنه بالفعل مستذئب مخيف، ذكرها بذاك النمر الأسود الذي يظهر في قناة النايل سات "هولييود رعب" حقا أنه يشبه بتلك العضلات البارزة والوجه المفزع.

تحرك هذا الذئب حول فراش "يوسف" كأنه يتأكد أنه نائم، أو أن هذا المسخ المفزع يقوم بواجبه في حراسة "يوسف" أو ما شابه، لكن الغريب في الأمر أنه لم يآبه لوجودها لا هو ولا الغول.

خرج فجأة هذا الذئب من الغرفة، لم تعرف "رقيه" لما فعلت هذا؟ أو من أين جائتها تلك القدرة والجرأة؟ وجدت نفسها تنهض من على الأريكة وتتحرك خلف هذا الذئب.

الغول نظر لها بــكره شديد بـعيناه الغاضبة المخيفة، ظل يتابعها بعيناه حتى خرجت من الغرفة خلف الذئب.

ركضت "رقيه" في الصالة تبحث عن هذا الذئب، لكنها وجدته يدخل غرفة البنات أخوات "يوسف"، ركضت "رقيه" وهي لا تعرف لما تتعبه، أعتقدت نفسها قادرة بشكل ما على حمايتهم أو ما شابه.

دخلت غرفة البنات ووقفت مصدومة بشدة، وجدت نفس الغول الذي يحرس "يوسف" بل كانا أثنان، يقف بجوار فراش "زينا" واحد، وبجوار فراش "رحمه" واحد أخر.

وذاك الذئب ينظر لهم كأنه بالفعل يتأكد من تواجد الغيلان في أماكنهم فعلا، بالفعل هذا أمرا غريب، والأغرب أن "رقيه" لم تشعر بالخوف منهم أبدا

تعجبت من نفسها بشدة! رآت هذا الذئب يخرج من غرفة البنات، ودخل باقي الغرف وهي خلفه، ورآت أن كل فرد في العائلة يرافقه واحد من تلك الغيلان المفزعة

أنهى الذئب جولته في الشقة كلها، وقف بجوار باب الشقة، وفجأة رفع قوائمه الأمامية في الهواء، وتحول فجأة لــرجل طويل أمام عيناها

طوله مرعب، وصل لــسقف الشقة تقريبا، كان رجل أسود اللون كــالفحم، عيناه مضيئتان كعيون القطط ليلا، بالفعل كانتا مخيفتان بشدة

يداه كانت طويلة جدا لدرجة أنها وصلت لركبته تقريبا، من المؤكد أن هذا الشئ ليس ببشر، أو جان، إذا ما هذا الشئ بحق الجحيم؟ تسائلت "رقيه" وهي تشعر بغرابة الموقف وليس بخوف ورعب.

فجأة نظر هذا الكائن الطويل إلى "رقيه" نظرة غاضبه، فتح فمه بطريقة مرعبة جدا، تحدث لكن الصوت لم يخرج من فمه، بل أخترق عقل "رقيه" كأنه صوت آت من عمق الجحيم

قال لها بصوت غليظ أجش، مزدوج:
_أخرجي من هذا المنزل، أنهم ملك لي أنا، ليس لك مكان بيننا، أخرجي أفضل لك يا أبنه "حيزران" أخرجــــــــــــي.

قال هذا وأستدار وخرج من باب الشقة المغلق.

"عودة إلى عائشة وحسن"
وجدت نفسي حائرا، كلامهم مخيف، مرعب، لكن أنا لم أجد أي خيار أخر قلت لــ"عائشة" بثقة غريبة لا أعرف من أين لي بها بعد كل ما سمعته:
_لكنه في الأخير إنسان مثلي يا "عائشة"، هل تعرفين عني أني رجل جبان؟

أو غبي أو يخشى شيئا، أنتي أكثر مخلوق يعرف بماذا مررت أنا في حياتي؟ خاصة في الأشهر القليلة المنصرمة؟ أليس كذلك؟ صدقيني "عائشة"

عندما أخبرك أن الخطر أصبح يلازمني كــالهواء الذي أتنفسه، ولم أعد أخشاه البته، ومهما بلغت قوة، قدرة وجبروت "صموئيل" هذا
من المؤكد أن له نقطة ضعف

وقصة الشرود، الضياع، فقدان العقل الذي يوهم به كل من يدخل أرضه، صدقيني ساجد طريقة لأتعامل معها هناك، "عائشة" انا لن أطلب منك المساعدة هذه المرة، لن أعرضك أنت أيضا للخطر

لن اجبر إيا كان على مساعدتي، لكنني سأفعل كل شئ، أي شئ لأجل عائلتي يا "عائشة".

نظرت إلى "شنقيائيل" وقلت له بثقة:
_أنا موافق يا "شنقيائيل"، فقط أخبرني أين هو هذا "البهطوني" وأنا سأحررك منه؟ وأنت تعيد عائلتي كما وعدت.

"شنقيائيل" لم يكن واثقا في حرف واحد من كلامي، لكنه حدق بي بعينان البقر المضاءة تلك وكأنه قال لــنفسه:
_وما الضرر من تركه يحاول؟ ماذا سأخسر أنا؟

بالفعل شعرت من نظراته الساخرة أنه فكر بهذا، قال لي بعجرفة:
_حسنا يا "حسن"، كما تشاء، موقع البلدة ستجده على هاتفك، والأن حبيبتك تعيدك لأرضك

وأنت وحدك تبدأ رحلتك، تذهب بنفسك وتدخل لعبة الحياة والموت.

لم أفهم ماذا عنى بكلامه هذا؟ لكنني وافقته بشرود، هزيت رأسي كالتائه في أرض العجائب، مسكت "عائشة" يدي

لكنني شعرت بها وهي ترتجف بعنف، تعجبت لامرها كثيرا!
أغمضت عيناي وأنا ازفر بأختناق، فتحتهم وجدتني بالفعل عدت لــعالمي

عالم البشر الضعيف الهالك، البشر الذين يعيشون حياتهم بــحرية لم يقدرونها، بالفعل البشر يعيشون في نعمة يجهلونها ولا يقدرونها حق قدرها

لم يعرف الكثير منهم أنهم يعيشون في جنة على الأرض مقارنة بالعالم الأخر وما يدور فيه، وما يخبئه من مخلوقات مفزعة لا يمكن لأحدهم تحمل رؤيتهم، لكن أنا حتى تلك اللحظة لا أعرف كيف تحملت وأتحمل رؤيتهم

والتعامل معهم بل وتحدي بعضهم بكل جرأة ووقاحه، ظننت في بعض اللحظات التي مرت بي وأنا في عالمهم او أي عالم غير عالم البشر، بانني لم اعد بشريا بعد الأن ولا أعرف ما الذي يخبئه لي القدر في لعبة الحياة والموت تلك كما ذكرها الملك الحقير "شنقيائيل"

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي