17،رقيه بوجهها الحقيقي

"عودة إلى عائشة وحسن"
نظرت حولي للعالم الذي خلقت فيهن لكني لم أعد أشعر أنني من نفس مخلوقات الأرض، حقا لم أعد أشعر بإنسانيتي، لم أفكر في الخطوة التى أنا مقدم عليها.

أشعر أنني فقدت مشاعر الخوف نوعا ما، والتفكير العقلاني شبه كليا، كما قلت بدأت أفقد إنسانيتي، لكن هل هذا لأني عشقت جنيه ولازلت أعشقها بالرغم من كل ما أمر به

أم لأنني أتعامل مع العوالم الأخرى بلا تعقل أو خوف كــباقي البشر، لا يهم هذا الأن، المهم هم عائلتي، علي أن افعل المستحيل كي أنقذهم.

"عائشة" مسكت يدي عندما لاحظت توتري وأني شارد، ضائع في تفكيري أن كان هناك عقل متبقي برأسي من الأساس

قالت لي بعطف:
_هل أنت بخير يا "حسن"؟ لقد أخبرتك أن تلك الرحلة ليست بــسهلة أبدا، من المحتمل أن تكون رحلة ذات إتجاه واحد يا "حسن"، طريق نذهب إليه ولم نعد مرة أخرى، عليك أن تضع هذا في الحسبان.

نظرت لي وهي واثقة بأنني سأعترض، أدعي الشجاعة، أعاندها في الرأي، لكنني قلت لها ببساطة:
_ومتى ذهبت في رحلة عادية أو سهلة، "عائشة" أنا لا أعرف لما يحدث لي كل هذا؟ ولماذا أنا بالذات؟

لكن أن كان هذا هو قدري ونصيبي، فأنا موافق عليه وراضي كليا، فأنا رجل مؤمن وأعرف أن من ألقى بي على طريق الهلاك في عالمك المخيف

لن يتخلى عني الأن، أعلم علم اليقين بأن الله معي، وإن أختارني أنا لكي أغير شيئا ما في هذا العالم فأنا راض جدا وموافق، لكن هل أنتي معي "عائشة" أم أعتبر نفسي وحدي مجددا؟

ردت علي بدون تردد أو تفكير:
_بالطبع أنا معك يا "حسن" ومتى تخليت عنك وتركتك وحدك بإرادتي الحرة؟

أبتسمت لها، مسكت يدي بقوة، وجدت نفسي أحضنها بقوة، مسكت وجهها بيدي وقلت لها بصدق:
_أشتقت إليكي كثيرا، أعرف أن هذا ليس بالوقت المناسب أبدا

لكن من المرجح أنني لن أعود من هذه الرحلة المميتة، لهذا سايرني فيما أفعل، لعلني أهدأ قليلا.

أبتسمت لي مؤيدا لأي شئ أفعله بها ومعها، قبلتها بحرارة شديدة، لم أهتم بالمكان الذي أنا فيه، أو من يراقبنا ويتجسس علينا، ومن يكره أو يحب ما نفعله، حقا لم أهتم

ضاع الوقت بنا ونحن نتبادل القبل الحارة، لم أعي بنفسي حقا إلا عندما رن هاتفي رنة الرسائل.

أبتعدت عن "عائشة" على مضض، نظرت في هاتفي وأنا أمسك خاصرها بتملك، لكنني أبتعدت عنها وتركتها، تبادلنا نظرات القلق، قلت لها بتعب:
_أنتهى وقت المرح، حان وقت العمل الجدي، ها هو الموقع، قد أرسله "شنقيائيل"

هيا "عائشة" دعينا ننتقل آنيا إلى هذا الموقع، لأنني لن أحتمل ضغط المواصلات الأن نهائي.

أومأت لي موافقة، مسكت يدي بقوة، أغمضت عيناي بقوة، وفتحتها وأنا أشعر ببرودة غريبة تحيط بي، فتحت عيني وجدت الوقت أصبح مساءا

"عائشة" قالت لي بتوتر:
_البلدة هنا خلفك، هاك المدخل هناك، لكن يا "حسن" من فضلك، دعنا ندخلها في الصباح، من الأفضل أن لا ندخلها مساءا.

أبتسمت لها بمرارة وقلت بسخرة:
_أتعتقدين أن هناك فرق أو أختلاف بين الليل والنهار هنا، لأنني لا أعتقد بصراحة، هيا يا "عائشة" دعينا نذهب للمصير المحتوم، لا داعي للتأجيل، وكما يقول المثل، وقوع البلاء ولا إنتظاره، هيا بنا.

مسكت يدها وسرنا بضعة أقدام للأمام، وقفت أحدق في المكان قبل أن أخطو بداخله، وجدتها أرض واسعة جدا، ارض زراعية، ممتلئة بالأشجار العملاقة المتشعبة المتشابكة.

ذكرتني بغابة رآيتها في أحد أفلام الخيال العلمي عن السحرة والخارقين، كانت الأشجار في الفيلم تقف متشابكة الفروع كي لا تسمح لأي أحد بالعبور أو الخروج

أبتسمت بسخرية وأنا أتذكر نهاية هذا الفيلم الرومانسية الجميلة، لأن نهايتي أنا هنا من المستحيل أن تكون نهاية مشابهه مهما حدثت لي من معجزات هنا.

المهم أنني بحثت عن مدخل لهذه الغابة الأشبه بغابات الأمازون باشجارها الطويلة الضخمة، أشارت لي "عائشة" عن طريق للدخول بين فرعين متدليان على الأرض، المدخل كان أشبه بجحر صغير في كهف ضخم

لكن لا يهم كثيرا، عبرت بصعوبة أنا و"عائشة" ودخلنا البلدة اخيرا، لكني لم أستطع تميز شئ غريب أو مخيف، هي فقط الأشجار العالية، الضباب الذي يملا الهواء، لكن هذا ليس مخيف

لأنني سبق ورأيت مثله كثيرا في أوج الشتاء، المهم أننا أكملنا السير ولا نعرف وجهتنا، بصراحة أنا كنت مترقبا لــحدوث أي شئ غريب، أو ظهور شئ أغرب

لكن لم يحدث شئ، أنهكني السير، أيضا أنا لم أتناول شيئا من وقت طويل، أردت شرب بعض المياه البارده والجلوس قليلا.

توقفت عن السير وأنا ألهث حرفيا من التعب، قلت لــ"عائشة" بتعب:
_توقفي "عائشة" قليلا، أريد أن أجلس لأرتاح قليلا، فقد أنهكني السير والعطش، دعينا نرتاح لــبعض الوقت، "البهطوني" هذا لن يطير يعني.

لكن "عائشة" لم ترد علي، أستدرت لأنظر لها، لكنني وجدتها مولياني ظهرها، هزيتها من ظهرها لتنظر لي وأنا أقول لها بحدة:
_هي يا فتاة، إلى ماذا تحدقين بشرود هكذا؟ أنا أتحدث إليك "عائشة" أنظر لي.

لكنها لم تتحرك، نظرت بعيدا في نفس المكان الذي تحملق فيه بثبات ولا تتحرك، لكني لم أرى أي شئ، مجرد اشجار ضخمة مخيفة لا اكثر

عدت أنظر إلى "عائشة" وأنا على وشك توبيخيها، لكنني تجمدت مكاني مما فعلت "عائشة".

"عودة إلى جوسلين وعماد العقرب"
سألت "جوسلين" "عماد" وهم في طريقهم للزنزانة خاصتهم:
_هل حقا هناك واد مخيف على هذه الجزيرة؟

نظر لها بسخرية وقال:
_أرجوك لا تخبريني أن حسك الصحفي يريد أن يستكشف المكان هناك، ساقول أنك جننت على الأخير، يا فتاة، ركزي فقط في كيفية الهروب من هنا، لا تفكري في أي أمر أخر من فضلك.

نظرت له ببرود وقالت:
_أنت لم تفهمني يا سيدي المتغطرس، أنا أعني بأنه أن كان هناك فعلا وادي يخشاه الجميع على هذه الجزيرة، من الممكن أن يكون هو سكة هروبنا من هنا، أو ماذا تعتقد برأيك؟ أليس هو المكان الوحيد الذي سيخشى الحرس أن نذهب إليه، أو يبحثوا عنا فيه عندما نختفي من هنا.

فكر قليلا وقال لها:
_حسنا أنها ليست فكرة سيئة جدا، فقط أخفضي صوتك قليلا وأجلي الحديث في هذا الشأن حتى ندخل حجرتنا.

هزت رأسها موافقة وهي متحمسة لموافقته.

"عودة إلى رقيه"
خرج الكائن من الشقة وتركها في حيرة وجنون!! تتسائل بغضب أيضا لما ناداها بأبنة "حيزران"؟ من يكون هذا أيضا؟

أسئلة كثيرة أرهقتها ولا تعرف من يجيبها عن كل تساؤلاتها المحيرة تلك؟

"رقيه" فتحت باب الشقة لترى هل لايزال هناك؟ لكنها لم تجد أحد، أغلقت الباب مجددا وقالت في نفسها بجنون:
_لعله كابوس، حلم مخيف ربما، من الصعب لي أن أصدق ان كل هذا حقيقي.

توجهت نحو غرفة البنات لترى هل لاتزال تلك الغيلان هناك أم لا، دعت من كل قلبها أن لا تجدهم، لكنها وجدتهم، كل غول يقف مكانه بثبات وهو يتنفس بزمجرة غاضبة.

أغلقت الباب بسرعة وركضت على جهاز التلفاز، فتحته على قناة "المجد" قناة قرآن كريم، لكن فجأة أنقطع التيار الكهربي وأظلمت الشقة كلها.

تأكدت "رقيه" بأنهم لن يسمحوا لها بتشغيل القرآن الكريم في هذا المنزل، وقفت حائرة في الظلام الدامس، لم تستطع رؤية يدها حتى

قالت في نفسها بغضب:
_اللعنة على هذا، كيف بحق الجحيم يمكن لــفتاة بسيطة مثلي أن تطرد هؤلاء المسوخ من هنا؟ كيف لأي بشري حتى أن يقوم بطردهم؟

لكنها أيضا لم تجد إجابة لهذا السؤال الصعب جدا، رفعت يدها تتحسس الجدران حتى وصلت لــغرفة زوجها، فتحت الباب ونظرت في الغرفة، لكنها رآت عينان حمرواتان متوهجتان بغضب

تنظر لها، العينان محلقتان في الهواء على طول الغول، لم يظهر جسده المخيف بسبب الظلام، لكنها تأكدت أنه لايزال يقف مكانه، أشفقت بشدة على عائلة زوجها وزوجها نفسه

توجهت نحو الأريكة عن طريق تحسس الجدران، جلست عليها وهي تحاول تجاهل الغول الموجود معها في الغرفة وما ضايقها أكثر هو كيف لا تشعر بذرة خوف منه؟

لم تفهم من أين لها كل تلك الشجاعة أو البرود العاطفي الذي لم يحرك بداخلها مشاعر الخوف الإنسانية.

مددت جسدها على الأريكة وهي تحاول إجبار عقلها على التوقف عن التفكير في كل شئ، أرادت أن تنتهي هذه الليلة السوداء بأي شكل، لكنها بطريقة غريبة خلدت إلى النوم.

لكنها رآت حلم غريب جدا، وجدت نفسها في غرفة "يوسف" وقفت فجأة وتوجهت نحو المرآة كالإنسان الآلي

لكن إنعكاسها في المرآة لم يكن هي، بل كان رجل غريب، لديه عينان متسعتان، أنف طويل كبير نوعا ما، لحيته بيضاء كالثلج، ملامح وجهه بشرية لكن "رقيه" شعرت بأنه ليس بشري على الإطلاق

أبتسم لها هذا الرجل وقال بثقة:
_مرحبا يا "رقيه"، لم أراكي من زمن بعيد، عليكي يا أبنتي أنا لا تخافي منهم، أنهم عشيرة "زيزائون" الماجوسية

هم المرتعبين منك يا "رقيه"، لا تخافي منهم مهما حدث، سيحاولون إخافتك لكنهم لا يجرؤن على إيذائك، أنتي هي من تستطيع إيذائهم جميعا

عليكي بــحماية عائلتك الجديدة، تقربي من زوجك فــهو يعيش في جحيم السعير على الأرض، قرين "سهر" الجان "رنطيم" يتشكل لــزوجك ويفزعه كثيرا

عليك بتحمل غضبه وإنقاذه يا أبنتي، أنها مهمتك، لا تتخلي عنهم مهما حدث، وستجدين العون منا متى أردتي، فقط أطلبي العون أن وقعتي في ورطة معهم، لكن لا تستسلمي لهم يا أبنتي، فــأنا كل أبنائي من البشر محاربين على الأرض، وأنت أصغرهم لكنك في نفس قوتهم، تذكري واجبك ومهمتك على الأرض "رقيه".

أستيقظت فجأة من النوع وهي تغرق في عرقها، لم تفهم أو تستوعب طبيعة هذا الحلم الغريب، شعرت أنها كانت تحارب أو ما شابه، بدأت نظرتها تتغير تجاه العائلة كلها خاصة زوجها "يوسف"

بالفعل لم تستوعب شئ من هذا الحلم الغريب، لكنها فهمت أن هناك من يحاول أن يوصل إليها رسالة هامه وهي أن تعتني بتلك العائلة ولا تخشي تلك المسوخ أو تهديداتهم لها.

خرجت من غرفتها ولم تجد "يوسف" في المنزل، فهمت أنه غادر إلى العمل في الورشة باكرا كعادته، قضت النهار مع عائلته الفتيات والوالده

دخلت تأخذ شاور دافئ وخرجت بشكلها الطبيعي، كانت "يسر" تخرج من المطبخ، وقفت أمامها وصرخت بهلع، أنتفضت "رقيه" مكانها وهي تسألها بذعر:
_ما الأمر؟ لما تصرخين هكذا؟

تجمعت الأسرة على صراخ "يسر" الكل حملق في "رقيه" بصدمة، صاحت فيهم بذهول:
_ما خطبكم جميعا؟ لما تحملقون في هكذا؟ هل هناك شئ خاطئ في شك--؟

توقفت "رقيه" عن الحديث وهي تضع يدها على وجهها وشعرها، خجلت بشدة وقالت لهم بحرج:
_نعم لم أخبركم من قبل أنني كنت أضع وجه مستعار، هذا فقط كان لأتجنب المشاكل

أنتم تعرفون بالطبع أنني فتاة وحيدة وشكلي هذا كان سيدخلني في مشاكل جمة مع الرجال والجيران، ولكني الأن متزوجة أليس كذلك وأعتقد أنه لا يمكن لأي كان أن يتجرأ ويضايقني وأنا زوجة "يوسف لاشين" أليس كذلك؟

أبتسموا جميعا بثقة، أقتربت الأم منها وقالت لها وهي تربت على شعرها الحرير االطويل جدا:
_بالطبع يا أبنتي، لن يجرؤ أيا كان على مضايقتك، من فضلك لا ترتدي هذا القناع المزيف مرة أخرى مطلقا

لا تخفي هذا الجمال الرباني مهما حدث، لعل وعسى وجهك الجميل هذا يغير الكثير من الأوضاع حاليا.

لم تفهم "رقيه" قصد حماتها، لكنها هزت رأسها إيجابا، أكملت اليوم معهم وأنتهوا من عمل المنزل الروتيني اليومي، ضجرت "رقيه" من الجلوس أمام المسلسلات

أعتذرت منهم وقالت أنها ستوضب غرفتها وتعيد ترتيبها وتعطرها ببعض البخور، وافقوا جميعا، دخلت غرفتها وقررت أن تزيل السجاد وتقوم بمسح الأرضيه

ورشها بالمياه والملح لعل وعسى أن يكره الغيلان هذا ويبتعدا، كان أمل بعيد المنال، لكنها من الملل قررت فعل هذا.

قامت بالفعل بفتح نافذة الغرفة والشرفة، أخرجت السجاد وقالت لنفسها لتضعه قليلا في ضوء الشمس المنعش ريثما تقوم بمسح الأرضية كلها

في الخارج "يوسف" كان أنهى العمل في يده، قرر أن يدخل غرفته يرتاح قليلا بعدها يعود لــعمله، خاصة أنه مستيقظ من بعد أذان الفجر لــينهي هذا العمل، وأتفق مع صاحب الورشة أنه سيركب هذا العمل في اليوم التالي بنفسه.

فتح باب غرفته ودخل، لكنه صدم بالأرضية عارية كليا وصدم أكثر بما يرآه أمام عينه، رآى فتاة تجثو أرضاً على ركبتيها شعرها أصفر طويل، كانت ترفعه في هيئة ذيل الحصان لكنه بالرغم من ذلك تدلى على الأرض وضايقها كثيرا

وقفت لتلفه في كعكة كبيرة كما أعتادت أن تفعل، لكنها صدمت بــ"يوسف" في وجهها، حملق بها وهو يستغرب منها، رأى أنها بالفعل فتاة جميلة جدا ذات أعين رمادية

كــالغيوم وقت الغروب، وجهها أبيض بخدين موردان، شفتاها ملونة بلون الكريز الأحمر الطازج، عاد "يوسف" بقدمه للخلف وهو يحدق بها بصدمة

للحظة ظن بأنها جنية اتت له في شكل ملاك وستتحول في لحظة لــمسخ بشع يفزع قلبه مجددا، سألها بصدمة:
_من أنتي؟ ماذا تفعلين في غرفتي بحق الجحيم؟

حدقت فيه "رقيه" بغضب لأسلوبه الفظ الذي يحدثها به، نسيت شفقتها عليه كليا، قالت له بحدة مماثلة:
_من أنا؟ أنا زوجتك يا سيدي، هل نسيت أنك متزوج مثلا؟

حملق بها بعدم تصديق، لكنه رآى السجاد بطرف عينه على سور الشرفة، حاول أن يغير الموضوع كي لا يظهر أمامها بمظهر الرجل الذي صدم بجمال زوجته المفاجئ

صاح فيها بغضب:
_هل كنتي في الشرفة بهذا الشكل؟ ولماذا بحق الجحيم ترتدين شعر مستعار؟ وتضعين ميكب وعدسات لاصقة ملونه وأنت في المنزل، لما تفعلين هذا أنطقي أفضل لك؟

حدقت فيه بصدمة وتذكرت أنها نزعت تنكرها، قالت له بجفاء:
_ماذا؟ شعر مستعار، عدسات، ميكب، ماذا تقول أنت؟ أن هذا هو شعري الحقيقي وتلك عيناي وأنا لا أضع ميكب أصلا.

أتسعت عيناه بعدم تصديق أقترب منها وحملق فيها عن قرب وقال وهو يرفع حاجبيه بتكبر:
_كيف هذا بحق الجحيم؟ إذا لما كنتي تضعين كل هذا التنكر وكنتي تخرجين به أمام الناس؟ لقد كنتي أشبه بمكب نفايات متحرك

أنا ورفاقي كنا نحتقرك كثيرا ونستهزأ بقبحك وبشاعتك، لما أخفيتي وجهك الحقيقي إذا؟

"رقيه" كانت أشبه بفوهه بركان مشتعلة، نظرت له بعيناها الرمادية نظرات إحتقار وأشمئزاز شديد، قالت له بعصبية وتقزز:
_أنا فعلت هذا بسبب أمثالك، بسبب الرجال العنصريون الذين لا يرون في الفتاة سوي

جسد ووجه ملائكي، أضطررت لأخفاء الوجه الذي وهبني إياه ربي وتنكرت لــسنوات كي لا أقع في مشاكل جمه مع أمثال جنسك ولولا طلبت مني والدتك أن لا أضع

هذا التنكر مجددا لأنني الأن متزوجة منك ولن يجرؤ أيا كان على التحرش بي أو مضايقتي لما كنت سترى وجهي الحقيقي أبدا، لكن تلك هي الحقيقة، هذه هي أنا يا زوجي العزيز.

قالتها بسخرية لاذعة، لكن "يوسف" كان يحدق فيها كــمن تعرض لصعق كهربائي، كأنه لم يستوعب بعد أن هذا هو وجهها الحقيقي.

لكنه رسم التهجم على وجهه مجددا وقال لها بحدة:
_حسنا أيتها المتحاذقة، لما تضعين أحمر شفاه على شفتيكي؟ وكيف تخرجين إلى الشرفة هكذا؟

_أي أحمر شفاه هذا الذي تتحدث عنه؟

_هذا الذي على شفتاك يا مدام.

_ماذا؟ أقسم بأنني لا أضع أي شئ البتة.

"رقيه" في قمة غضبها "يوسف" أيضا كان متعصب، متضايق، غاضب بشدة، أقترب منها أكثر، مسك شفتاها وحاول أن يمسح اللون الأحمر الطبيعي على شفتاها وهو يقول بغيظ:
_إذا ما هذا بحق الجحيم؟

لم يظهر أي أثر علي يده، ألم شفتاها بشدة، حدق فيها بصدمة وقال لها:
_هل حقا شفتاك حمراء لامعة هكذا طبيعي؟

قالت له بألم وهي تمسك شفتاها:
_نعم انها كذلك أقسم بالله.

تركته ودلفت للشرفة متحججة بالسجادة على السور، لكن الحقيقة هي أنها أرادت أن تهرب منه، لان أقترابه منها بهذا الشكل ومسكه لشفتاها بقوة هكذا، أشعلا بداخلها رغبة غريبة

تمنت أن تلقي بنفسها على صدره العريض وأن تقبله، تعجبت من مشاعرها تلك، لانها لم يسبق لها أن شعرت بها، لم تقترب أبدا من رجل إلى هذا الحد ولم تسمح لأحدهم بالإقتراب منها أصلا.

"يوسف" ايضا انتابته تلك المشاعر المتقدة بنيران الرغبة، زفر بضيق عندما أبتعدت عنه، لكنه أنتبه أنها عادت للشرفة مجددا بشكلها هذا

ركض عليها مسرعا ومسكها من شعرها جرها للغرفة بعنف جعلها تصدم من تصرفه وصدمت أكثر عندما قال لها---

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي