26،بداية النهاية

"عودة إلى جوسلين والعقرب"
كانوا جميعاً ملتفين حول جثتين من السجناء، ويأكلونهم في منظر بشع، مقزز، ومقبض، جميعهم حملقوا في "عماد" و"جوسلين"
الذين تمنوا أن ينشق الجبل ويبتلعهم، حاول "عماد" أن يعود للخلف وهو يجر "جوسلين" في يده، لكن فجأة حدث ما صدم الأثنان معاً!

وجدا الغول يقف خلفهم مباشرة، صرخت "جوسلين" بفزع، أرتمت في صدر "عماد" الذي حضنها وأغمض عيناه وهو يتلو الشهادة، لكن لم يحدث شئ، أستغرب "عماد" رفع وجهه من على رأس "جوسلين".

لكنه وجد مشهد غريب، وجد الغيلان كلها تركع أمامه بأحترام، نظرت "جوسلين" كذلك بصدمة! حدق الأثنان في بعضهم، أعتدل "عماد" في وقفته وهو ينظر للغول خلفه بفضول بعدما تلاشى الخوف من قلبه.

أعتدل الغول كذلك، وقف بكل هيمنته وجسده المخيف وقال موجهاً كلامه إلى عماد:
_التحية والسلام إلى وريث عرش الجان.

"عماد" حملق فيه بصدمة وذهول! أيضاً "جوسلين" نظرت إلى "عماد"، هز رأسه نفياً كأنه لا يفهم ما قاله الغول بصوته الغليظ، سأله وهو يحدق فيه بعدم تصديق:
_ماذا؟ ماذا قلت لي للتو؟

أعاد الغول التحية بصوت غليظ مخيف:
_التحية والسلام على وريث الجان.

"عماد" بلع ريقه وهو يرتجف من شعره لأخمص قدميه، سأل الغول مجدداً وهو مرتبك هذه المرة كلياً:
_ماذا تقول يا هذا؟ مع من تتحدث أنت؟ لمن تقول هذا الكلام؟

_لك أنت مولاي.

_مولاك، أنا، مــ، ماذا تقول أنت؟

رد غول أخر من خلف "عماد" وقال بصوت أجش لكنه أخف حدة من هذا الغول:
_أنت وريث عرش "حيزران" ملك الجان، لما أنت متعجب كثيراً مولاي؟

حدقت "جوسلين" فيه بعدم تصديق، نظر له بحدة وصاح فيها:
_لما تنظرين إلي؟ أنهم مجانين، أنا بشر مثلك ولست بجان أو أبن جان، هل تصدقين هؤلاء الملاعيين وتكذبينني؟

قال صوت رخيم من خلفهم بهدوء:
_نعم أنهم محقين، أنت وريث الملك "حيزران".

أنتفضت "جوسلين" من هذا الشخص، نظرت له مع "العقرب" بفزع، لكنه كان رجل عادي جداً، لكن الغريب أن الغيلان كلها أنحنت أمامه برعب، أشار لهم بالإنصراف، ركضوا جميعاً على أيديهم وأرجلهم مثل الكلاب وخرجوا من الكهف جميعاً.

تأهب "عماد" لهذا الغريب الذي ظهر من العدم وفزع "عماد" و"جوسلين"، أقترب منهم لكنهما تراجعا معاً للخلف، أبتسم هذا الغريب وقال لهم:
-لقد أتيت لكم في هيئة بشر كي لا تخافوا مني وخفتم بالرغم من هذا، أعنى لقد خفتم من مجرد غيلان من قاع الأرض، ماذا إذا ظهرت لكم بوجهي الحقيقي.

سخريته أثارت غضب "عماد" قال له بحدة:
_ماذا تكون أنت؟ وما الذي تريده منا بحق السماء؟

رد الغريب بطريقة عملية جداً:
_لقد أتيت إليك برسالة من والدك الملك "حيزران"، يخبرك بأن أشقاءك في خطر ويحتاجون مساعدتك الأن، لقد آن أوان معرفتك الحقيقة، عليك أن تواجه بنفسك

كي تعرف قدراتك، فــمولاي الملك على خضم خوض حرب مع ألد أعداءه، والكل مشغول حالياً بما يحدث بين العشائر، وعليك أن تهتم بنفسك وأنت على وشك الدخول لعالم بنو أركيا المجوس، أنهم أكبر كارهين لوالدك وعشيرتك، لن يتركوك تمر في واديهم مرور الكرام،

عليك أن تستعين بقدراتك كــجان حتى تنتصر عليهم وتستطيع العبور من واديهم، بعد نجاحك في العبور، أبحث عن شقيقاتك "رقيه وعائشة"، وإذا ما أحتجت لمساعدة منا فقط أستدعنا.

تركهم وأختفى، تركهم بعد أن فجر قنبلة موقوتة من الألغاز والتسؤلات الجنونية في عقلهم، "جوسلين" نظرت له برعب، غضب من نظرتها، قال لها بحدة غاضبة:
_لما تنظرين لي هكذا كأنني شبح أمامك؟

أنا مثلك تماماً وتلك ألاعيب الجان ليقلبوننا على بعضنا، وإن أنتظرنا هنا أكثر لربما يظهر واحد أخر ويخبرني بأنك فضائية أو زومبي، أو شبح من سفينة تيتانك مثلاً، هيا يا فتاة دعينا نهرب من هنا قبل أن يأت الغيلان مجدداً.

هزت رأسها له موافقة، لكن قلبها يخبرها بأن هناك سر غامض لم يكشف بعد حول "العقرب" وإن تلك المخلوقات المرعبة لم تكن تكذب بالرغم من صعوبة تصديق حديثهم، لكن المهم الأن أن يخرجوا من هذا الكهف قبل عودة الغيلان وليحدث بعدها ما يحدث.

مسك العقرب يدها وركض بها بداخل تلك الحجرة في الظلام ولا يعرف إلى أين لكن ما يرعبه أكثر الأن، انه بدأ يرى في الظلام وكأنه يرتدي نظارة ليلية حرارية، لم يعد يرى الطريق فقط، بل يرى ما هو أكثر من هذا وهذا ما جعله يتوقف فجأة وهو يحدق بهلع في.

"عودة إلى عائشة وحسن"
خرجنا إلى شارع ومنه إلى أزقة كأننا في بلدة بحق، وصلنا إلى وسط البلدة وسط المنازل والمحلات المغلقة، كنت أتابع كل ما أمر بجواره، وفجأة.

توقفت "عائشة"، تعجبت من أمرها، نظرت لها لكنني أتنفضت مفزوعاً، رأيت إمرأة غريبة الشكل والاطوار تمسك كف يدي،

وعندما تلاقت نظراتنا معاً، قامت اللعينة بعض كف يدي، صرخت بأعلى صوتي من الألم والفزع، حاولت دفعها بعيداً عني، لكنها متشبثة بقوة في يدي كأنها كلب ما ووجد قطعة لحم شهية.

لم أجد حلاً سوى ضربها بقسوة مراراً على رأسها، بالفعل سقطت رأسها على الأرض لكن طقم أسنانها المقزز ظل ممسكاً في كف يدي.

لايزال طقم أسنانها يعض في يدي في شكل مفزع ساخر، رفعت كف يدي وضربته بقوة في الشجرة بجواري، سقط الطقم أرضاً وهو لايزال يعض كأنه آله ولا تود التوقف.

بطبيعة الحال نظرت إلى يدي، صدمت بفتحات كبيرة جداً مكان الأسنان، الدماء تخرج بغزارة من تلك الفتحات سببت لي آلماً كبيراً.

رفعت عيني وأنا أسب وألعن في هذا الشئ الذي تبدل إلى "عائشة"، لكنني حملقت فيها بذهول صادم!

وجدتها تقف ببطء كأنها دمية مايرويت تتحرك بأحبال، وقفت على قدمها، كانت إمرأة من المفترض على هيئتها الغريبة.

لكن وجهها مركب، بمعنى أن أعينها تبدو كأعين الدمى البالية، حول العين فراغ وأعصاب العين ظاهرة بوضوح كأنها أعين مركبة.

الأذن كل واحدة مختلفة عن الأخرى وتم تخيطها في الوجه، الشعر متناقض من عدة ألوان وأحجام كأنه مخيط في فروة رأسها بعشوائيه.

غير أقدمها وأذرعتها، كل واحد مختلف عن الأخر وأيضا تم تخيط الأجزاء من بعضها، رأيت هذا بوضوح بسبب ثيابها الممزقة الرثه.

رأيت تركيبة غريبة أمامي كأنني أرى نسخة من تركيبات العالم المهووس "فرانكشتاين"، حقاً أرتعبت منها أكثر من المستذئبين، الجن، والأطياف التي طاردتني.

كانت تقترب مني ببطء شديد، أنا لم أنتظر حتى تصل إلي، ركضت من أمامها قبل أن تمسك بي ثانية.

ركضت حتى عثرت على منزل متهالك كل نوافذة محطمة، لم أهتم لهذا قفزت بداخله بحركة أستعراضية، وقفت في النافذة أنظر إليها.

وجدتها تسير في الشارع مثل التائهة لا تعرف طريقها، بالضبط ذكرتني بمخلوقات الزومبي الذين يظهرون في أفلام آكلي لحوم البشر.

جلست أرضاً قبل أن تلمحني وتبدأ تطاردني هنا أيضاً، مزقت جزء من قميصي بأسناني، ربطت يدي المجروحة باليد السليمة، كنت أتالم بشدة، شعرت أن يدي تحترق بالفعل.

أعدت رأسي للجدار أستند عليه، لكنني رأيت خيطاً من الدخان آت من الغرفة الداخلية، نهضت بسرعة خوفاً من أن يكون المنزل يحترق.

لكن الأمر الغريب أن هذا ليس بدخان حريق، أنا أعرف هذا الدخان وتلك الرائحة المستنفرة، أنها سجائر أنا واثق من هذا.

سرت ببطء نحو الغرفة ودخلتها بتروي، رائحة السجائر قوية جداً في هذه الغرفة، نظرت حولي كالمجنون ورآيته.

رأيت رجل يجلس على مقعد هزاز قديم، يمسك سيجارة في يده وجريدة في يده الأخرى، حملقت فيه غير مصدق أو مستوعب لما آراه أمامي.

لكن كأنه شعر بي، لف وجهه فجأة وحدق بي، فزعت من شكله، أنه زومبي هو أيضاً، لكن نظراته لي غاضبه كمن تعدى على أملاكه الخاصة.

عدت بقدمي للخلف ببطء شديد، لكنني صدمت في شئ خلفي، نظرت بهلع وجدتها زومبي لإمرأة عجوز، كل وجهها مخيط في بعضه،

لكن قدميها مقطوعتان، وتزحف على بطنها كالثعبان، عدت مجدداً بقدمي للخلف كي أهرب من هذا الجحيم، لكنني صدمت في أحداً أخر.

أستدرت مسرعاً، وجدت إمرأة تقف خلفي، ترتدي زي أبيض قديم جداً يشبه فساتين المنزل للخدم، أيضاً وجهها مخيط في بعضه كل جزء مختلف عن الأخر.

وجدت سكين مطبخ في يدها، لكنها تفعل شئ مقزز مقرف، وجدتها تقطع أحد أصابع يديها الممزقة ببشاعة وتأكل فيه.

الدماء تغرق فستانها الأبيض، ضحكت لي ضحكة بشعة جعلت قلبي ينتفض بين ضلوعي، ظهرت الدماء على أسنانها الشبية بالأنياب لكن معظمها محطم.

شكلها مقرف مقزز أكثر منه مرعب، أنا صرخت في وجهها من قلة حيلتي ونفاذ صبري، لكنها صرخت هي كذلك والأفظع أن فكها السفلي سقط على صدرها وهي تصرخ، أنا أرتعبت منها.

لم أستطع التحمل أكثر، ركضت بأقصى سرعتي حتى أنني ركضت على العجوز التي تزحف نحوي، خرجت للشارع ووجدت العشرات من الزومبي.

كانوا في الشارع بأعداد كبيرة، لكنهم يبدو عليهم الشرود والتوهان، لكنني صرخت بمجرد رؤيتهم، شعرت أنني في يوم الحشر وكل البشر أنتفضوا من قبورهم للحساب.

صراخي الهيستيري جعلهم يصرخون هم أيضاً، وحدث لهم مثلما حدث للمرأة ذات الفستان الأبيض، سقط الفك السفلي على صدورهم.

هل يمكن لأي إنسان بشري عاقل أو مجنون حتى أن يتخيل ما أنا فيه، أنا أقف أمام بشر أو اشباه بشر لكن كلاً منهم أجزاءه مركبة قطع مختلفة.

صراخهم جعل جلد الخد يتمزق وظهرت عظام الوجنتين تحت الجلد، لكن الأبشع أن الدماء في أوجههم مجمدة كأنها تلتصق في العظام واللحم بلاصق الغراء.

صرخت وأنا أركض كــالمجنون حرفياً وأنا أقول بهستريا:
_ماذا يحــــــــدث بحق الجحيم؟ يكفـــــــــــــــي هذا، ماذا تكونون أنتم بحق السمــــــــــــــــــــاء؟

"عودة إلى يوسف ورقيه"
حزنت "رقيه" بشدة وتحطم قلبها، كادت أن تقف لتخرج من الغرفة وتتركهم، لكنها عادت في قرارها وهي تسمع "زين" يقول للشيخ بحزن شديد وإرتباك:
_إذا يا شيخ "محمد" أنا، نحن، أعني إلى متى سنظل هكذا؟

أعني أنني لن أستطيع أن أرد زوجتي لزمتي قريباً، إلى متى سننتظر الفرج؟ ألا تعلم يا شيخنا.

تعجب الشيخ "محمد" من كلام "زين"! سأله بفضول:
_لماذا يا "زين"؟ الم تعود لزوجتك حتى الأن، لماذا يا بني؟

نظر له "زين" بأمل كبير وقال بحماس:
_أتعني أنه يمكنني أن أعيد زوجتي لعصمتي مجددا؟ ألن ترآني مسخ مرعب مجدداً، أنطق بالله عليك يا شيخ.

أبتسم الشيخ "محمد" بمودة وقال له مؤكداً:
_لا تخاف يا بني، لن تراك هكذا مجدداً، هيا توكل على الله عز وجل وأعيدها لعصمتك مرة أخرى،

لا تخاف من شئ لطالما "رقيه" هنا في منزلكم لن يجرؤن على الذهاب خلفكم لمنازلكم، هيا يا بني لا تضيع الوقت أكثر، أحضر زوجتك وأنا سأتصل على مأذون صديق لي، هيا.

"زين" لم يصدق نفسه من الفرحه، أنتفض من مكانه توجه إلى "رقيه" وقبلها من خدها بأمتنان، قشعرت الفتاة من الخجل، لكن "يوسف" غضب من فعله شقيقه.

صاح فيه بأستياء:
_ما خطبك يا "زين"؟ هل الفرحة أطاحت بعقلك أم ماذا؟

"زين" سب شقيقه بمزاح وخرج يركض للشارع وهو ممتلئ سعادة وحماس، لكن "يوسف" رمق "رقيه" بنظرة غاضبة، بادلته بنظرات جافة باردة وتركت الجميع ودلفت لــغرفة شقيقاته البنات.

جلست على الفراش ودخلت في نوبة بكاء جديدة رغم عنها، قالت تعاتب ربها من حزنها وقلة حيلتها قائلة ببكاء:
_لماذا يا ربي؟ لماذا حكمت علي بهذا الحكم القاسي؟

لما علي أن اتحمل زوج قاسي كهذا؟ لما أكتشف حقيقة كوني مسخ غريب هنا وسط الناس الذين أحببتهم من كل قلبي؟ ولما علي أن أتحمل كل هذا؟ إن فكرت في نفسي

وراحتي وأبتعدت عنهم سيهلكون، وإن تحملت قسوة زوجي وذله لي وإهانته في سأجن أنا بكل تأكيد، لما يحدث هذا لي؟ أنا لم يسبق لي وأذيت أحداً في كل حياتي حتى أصاب بتلك اللعنة، لماذا يا ربي لماذا؟

مسحت وجهها بسرعة وهي ترى الباب يفتح، وجدت "رنا" شقيقة زوجها تدخل الغرفة، جلست بهدوء بجوار "رقيه"، نظرت لها "رقيه" بأستغراب وتساؤل.

لكن "رنا" انفجرت في بكاء مرير، تعجبت "رقيه" من أمرها! سألتها بحدة وهي تبكي رغماً عنها مجدداً:
_لما تبكين أنتي الأخرى الأن؟

قالت "رنا" وهي تشهق في البكاء:
_أدعو من كل قلبي أن يكون كلام الشيخ "محمد" حقيقة، أتمنى أن اعود لزوجي يا "رقيه"، لقد أتممت عامي السابع والعشرين وأنا هنا وسط عائلتي أعيش في رعب لا ينتهي،

كم أود لو أستطيع أن أعيش مع "أحمد" زوجي كأي زوجين طبيعين، انام بين يداه، أستيقظ على وجهه في وجهي، أحمل منه وأنجب له الكثير من الأطفل، أتمنى أن أرى طفلاً لي ذات يوم، أنه حلم بعيد جداً يا "رقيه" وأدعو الله كل ليلة أن يتحقق وإلا سأموت من قهرتي على حالي،

لقد تقدم العمر بنا كثيراً أنا وأشقائي، ووالداي يخشيان أن يموتا قبل أن يرايان أي طفل لإيا منا، حقاً انه وضع محزن جداً "رقيه" وأنا في غاية التعاسة والرعب.

بكت المسكينة أكثر وأكثر، شعرت "رقيه" أن مشكلتها مع زوجها تافهة جداً أمام بؤس وحزن تلك الفتاة وكل العائلة.

ضمتها "رقيه" بحنان بالغ، قالت لها بثقة كبيرة:
_أسمعي يا "رنا"، هل تثقين بي؟

هزت "رنا" رأسها بتأكيد بلا تردد، أكملت "رقيه" بثقة أكبر:
_يمكنك أن تعودي لزوجك ومنزلك، يمكنك أن تعيشي معه تحت سقف واحد وستنجبين أجمل أطفال يشبهونك ويشبهون والدتك الجميلة.

نظرت لها وهي تضحك وسط دموعها وقالت بمزاح:
_ما الأمر الأن يا زوجة أخي؟ هل أصبحتي منجمة أو مستبصرة؟ لما تتحدثين بثقة كبيرة هكذا؟

كادت "رقيه أن تتحدث، لكن سمعا جرس باب الشقة، قالت "رنا" بيآس:
_من المؤكد أنها "عبير" زوجة "زين" تعالي نرآها، أنها تعيسة مثلي.

بالفعل خرجت "رقيه" مع "رنا" وجد الجميع منتظر في صالة الشقة، وجدتا المأذون صديق الشيخ "محمد" قد حضر، رحب به والد "زين" وأجلسه بين الجميع، حضر "زين وعبير" خلف المأذون فوراً.

جلس "زين" بجوار المأذون و"عبير" على يساره، فتح المأذون دفتره ليبدأ، لكن "عبير" قالت فجأة موجه كلامها للشيخ "محمد" وهي ترتجف بخوف:
_هل أنت متأكد يا شيخ أنني لن آرى شيئاً يفزعني مرة أخرى؟ أعني هل سيكون كل شئ على ما يرام؟

"زين" نظر لها بحزن كبير، رد الشيخ "محمد" بثقة قائلاً:
_نعم يا أبنتي أنا واثق بأن الأمور ستكون على ما يرام بينكم ولن تري أي شئ يفزعك.

رد "زين" فجأة وهو غاضب:
_لاء يا سيدي، لن أعيد زوجتي على ذمتي، أنها محقة، آسف جداً على تعبك.

أنتفضت "عبير" واقفة وركعت أمام زوجها على ركبتيها وقالت له بتوسل وهي تبكي:
-لا يا "زين" أرجوك، أنا آسفة جداً، لم أقصد قول هذا أرجوك تزوجني مجدداً.

رد عليها وهو في منتهى الحزن والبؤس:
_لا يا "عبير" أنتي محقة في كلامك.

صرخت الفتاة بترجي:
_أستحلفك بالله أن لا تفعل بي هذا، يا أمي تحدثي إلى ولدك أقنعيه، أرجوكم أقنعوه، أنا أريد العودة إليك يا "زين".

مسك "زين" وجهها بين يداه وقال بحزن عميق:
_أفهميني يا "عبير" أنا لن أعيدك إلى حالياً فقط.

نظر إلى شقيقها "أحمد" زوج أخته الذي آتى معهم متمنياً أن يعود هو أيضاً لزوجته "رنا"، أردف "زين" قائلاً موجهاً حديثه إليه:
_يا "أحمد" أنت ستأخذ زوجتك أولاً وتجرب الأمر، فأنت رجل ويمكنك أن تتحمل أن لم يفلح الأمر، لكنني لن أتحمل أن تركض زوجتي عارية خائفة في الشوارع مجدداً.

رد "أحمد" متفهماً:
-عندك حق يا "زين"، حسناً سوف أخذ "رنا" إلى منزلنا وليسترها المولى من عنده.

لكن "عبير" مسكت يد "زين وقالت له بترجي وتوسل شديد وهي تبكي بجنون:
_ستعيدني إليك الأن، لا أهتم أن فلح الامر أم لا، ستعيدني لذمتك يا "زين" وأن رفضت وعاندت معي، أقسم بالله العظيم سأنتحر الليلة والأن ومن فوق تلك العمارة، سأموت أمام عيناك، ولن يوقفني أحداً.

ضحك "زين" رغماً عنه، مسك وجهها مسح دموعها وقال للمأذون وهو يبتسم:
-حسناً يا شيخ "صلاح"، أعد إلى عصمتي تلك الكارثة، فأنا أعرفها جيداً أنها مجنونة وستنفذ تهديدها.

قبل "زين" رأس "عبير" وسندها أجلسها بجواره وهو يضع يداه على كتفها بتملك، نظرت لهم "رقيه" بحسرة شديدة، كم شعرت بالحزن والشفقة على نفسها، لكنها تتمنى السعادة من كل قلبها لهما معاً.

بالفعل تزوج "زين" من "عبير" مجدداً، أخذ "أحمد" شقيقة "زين" وذهب بها إلى منزلهم، لكن "رنا" قبل أن تخرج من منزل عائلتها، نظرت إلى

"رقيه" تريد أن تسألها بصمت عما إذا كان سيفلح الأمر حقا، طمأنتها "رقيه" بنظرة ثقة من عيناها وإشارة من رأسها.

أقتربت منها "رنا" وحضنتها أمام الجميع، همست في أذنها بصوت مرتجف:
-أرجوكي أخبريني أنك متأكدة مئة بالمئة أن زوجي لن يراني مسخ بقرون مرة أخرى، أرجوكي "رقيه" لن أتحمل هذا الموقف مجدداً.

ربتت "رقيه" على كتفها وأكدت لها بهمس قائلة:
_لا تقلقي يا "رنا"، لن أخبرك هذا أن لم أكن واثقة مليون المئة، هيا يا فتاة أذهبي مع زوجك وتمتعي بليلة زفافك المؤجلة، أمتعيه كما ينبغي حتى تعوضيه غيابك وتكافئيه على صبره.

أبتسمت لها وتنهدت "رنا" بأرتياح وخرجت مع زوجها.

"رقيه" قالت لها هذا بكل ثقة لأنها ترآه أمام عيناها في الغرفة المفتوحة أمامها، ينظر الغول الموكل بحراسة "رنا" إلى "رقيه" بكل غضب، غضب لم ترآه فيه أو في الآخرين من قبل.

لكنها تبادله النظرات الغاضبة بنظرات يآس شديدة، تركت الجميع ودخلت غرفة البنات، لم تبكي لكنها تشعر بشفقة قاتلة على نفسها، عشق "أحمد" إلى "رنا" و"زين" إلى "عبير" جعلاها تشعر كم هي رخيصة لا قيمة لها.

شعور قاسي محبط يسبب اليآس والهم لقلب أي إمرأة، جلست "رقيه" على الفراش وهي تتابع الغول بعيناها وهو يبتعد ببطء للخلف كأنه يخاف منها بشدة، لكن نظرات الغضب في عيناه مرعبة.

"رقيه" نظرت له بسخط وقالت له فجأة.


يتبع في الفصل 38
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي