2

دخل أمير ليرى ماذا حدث لنيهان فلقد كانت تصرخ و كأنها مرتعبة من شيءٍ ما، و بعد أن دخل رأى نيهان تقف على الطاولة التي في وسط غرفة الاستقبال و كانت تلف نفسها و تلتحف بلحاف ضخم كان قد غطى جميعها،كانت ترتجف و تشير بسبابتها نحو الأرض، تفاجئ بذلك و هو يحاول أن يعي ماذا حدث بالضبط، مالذي جعل نيهان تقف بهذا الشكل، كان يبدو على أمير علامات التعجب و الاستغراب و هو يقول:

_ماذا حدث نيهان أخبريني فأنا لن أفهم بإشارتك هذه!

بدأت تتحدث و هي تتأتئ: إنها فأ فأ فأرة!!!

أمير:ماذا؟

بدا وجه أمير أصفر اللون حيث بدت عليه علامات الخوف ثم ركض حالاً نحو نيهان و وقف بجانبها على الطاولة و بدأ يصرخ هو الآخر، أما نيهان فكانت تشتاط غضباً و هي تنظر الى أمير بشكل مذري ثمّ خاطبته؛

نيهان: لقد استنجدتُ بك أيها الذكي!

أمير: ألا تعلمين أنني أخاف الفئران!

نيهان: لقد ظننتُ أنك تغيّرت و أصبحتَ رجلاً فعلاً، هذه العضلات المفتولة مجرّد مظهر أليس كذلك؟

أمير: ومن قال أن الرجال لا تهاب الفئران.

نيهان بغضب: اووه يكفي كيف سنخرج من هذه الورطة؟

أمير:سأتصل بكمال.

نيهان: أين هو الآن؟

أمير: في شقتنا.

نيهان: فلنناديه بأعلى أصواتنا لماذا علينا الاتصال أيها الذكي، إنك لم تتغير قط!

أمير: حسناً حسناً لنبدأ معاً.

و بدأوا بالصراخ و ذلك لأجل أن يسمعهم كمال الذي كان يستمع للموسيقة الصاخبة و هو يفكر بشراسة نيهان في أول لقاء، كان يتذكر ملامحها، عيناها و خصلات شعرها البنية،و الشامة التي في عنقها التي أعطتها نوع من التمييز..

أما أمير و نيهان فلقد تعبا من الصراخ دون جدوى..

نيهان: حسناً فلتتصل به أريد أن أخرج من هناا!

أمير:حسناً إذاً كنتُ المحق من البداية، هل تعترفي بذلك؟!

نيهان: اوه حسناً حسناً أنا أعترف بذلك أيها المتطفل.

وضع أمير يده على أذنه بهدف الإنصات ثمّ قال لها:ماذا قلتِ يا نيهان لم أسمع؟!

نيهان: قلتُ بأنّك المحق من البداية، أنتَ دائماً محق يا سيّدي! هل رضيت الآن؟

أمير: همممم نوعاً ما مقبو

نيهان: هيا فلتتصل بالسيد كمال لا أريد البقاء هنا،انظر لهذه الفأرة لا زالت تقف و تنظر الينا و لم تتحرك قط!
انظر الى عيناها اللئيمتان!

أمير: لماذا تجعلينني أنظر إليهااا!!

نيهان: حسناً لا تنظر هيّا فلتتصل بكمال.


اتصّل أمير بكمال و عندما أجاب كمال على الاتصال كان أمير يصرخ و يطلب من كمال المجيء الى الشقة المجاورة أما كمال فلقد حافظ على هدوئه و برودة أعصابه و اتجه نحو الشقة المجاروة لشقته، و عندما وصل دخل و رأى ما رآه، كان متفاجئ بشكل باهت، كان ينظر اليهما بنظرة مروعة قاطع نظره و تفكيره صراخ أمير و نيهان من جديد..

كمال: ماذا هناك؟لماذا تقفان كالأشباح على الطاولة؟

نيهان و أمير معاً: فأ فأ فأررررة!

كمال: أين هي؟

نيهان و هي تشير بسبابتها المرتجفة و بصوتٍ متقطع: هناااك!


ذهب كمال الى النقطة التي تشير اليها نيهان و أمسك الفأرة بيده بينما كان عينان نيهان و أمير تتوسع من إثر صدمتهما.

نيهان:هل أنت إنسان عاقل أم مجنون كيف تمسك الفأرة بهذا الشكل؟!

كمال: لو كانت حقيقية لما أمسكتُ بها!

نيهان و أمير معاً: ماذاااا؟

أمير: أحقاً ليست بحقيقية!؟

كمال: إنها دمية ابن صديقي!

نيهان بصدمة عارمة: دميةةة!!

نظرت نيهان لنفسها بعد أن احمرّت خجلاً من مظهرها و خوفها الذي لم يكن في مكانه الصحيح بتاتاً ثمّ نزلت من أعلى الطاولة و هي تنظر الى كمال بخجل ثمّ تنظر ثانيةً إلى أمير الذي كساه الحياء و الخجل و الحرج فأيضاً نزل هو الآخر من أعلى الطاولة و بدأ ينظر الى نيهان و هو يشير اليها و يخاطب كمال.

_إنّها نيهان هي من أخافتني!

نيهان: لقد ظننتُ بأنها حقيقية فإنها تبدو فعلاً كالفأرة الحقيقية!

كمال: في البناء لا يوجد فئران اطمئني و الا لما كان أمير ينام بسلام حتى اليوم.

أمير: حسناً حسناً لننهي الموضوع هنا و مجدداً الأغلب يخافون من الفئران كم مرة سأشرح لكما!

كمال: حسناً حسناً العشاء جاهز لنذهب الى شقتي و نتشاكر تناوله.

أمير: اتفقنا.

نيهان: نعم فأنا جائعة!

أمير: إذاً هيا لنذهب!

كان كمال ينظر تارة الى نيهان و يضحك تارةً أخرى و هو على مائدة الطعام، كان يفكر بشراستها عندما كانا في الطائرة معاً و يقارنها بموقف الخوف الذي شاهده، كان يتمعن بها دون أن تلاحظ، كان يتعقب ملامحها و حركاتها، كان ينظر اليها و هي تأكل و تشرب، ثمّ سعلت فجأة فأخذ كوب من الماء و مدّه لها ليصطدم بكوب الماء من أمير، لقد قدّما لها الماء بنفس اللحظة، بينما اختارت و فضّلت كوب الماء من أمير على كوب الماء من كمال بعد ان احمرّت وجنتاها خجلاً من الموقف المحرج و قامت بشكرهما.

في مكان مختلف و بعيد عن كمال و نيهان و أمير، كانت سيّدة بيضاء ذات شعر أشقر طويل ناعمة الوجه و الملامح، كانت تجلس في حديقة قصرها مع زوجها تنظر اليه بغضب و تحادثه قائلة له:

_دلالك لابنتك أفسدها، كيف لها أن تذهب دون إخباري!

أجابها زوجها قائلاً: لقد أخبرتني لي و هذا يكفي.

_و من قال لك بأنه يكفي! هل أنا مجرد حبر على ورق!هل أنا والدتها بالاسم فقط!

_أنتِ متملكة جداً و نيهان ابنتي لا تحب أفكارك و أفعالك و تقييدك لها!

_هل أنا التي عليها الحق فقط!

_فلننهي هذه المسألة سأذهب للنوم.

ذهب كلاً من كمال و أمير الى النوم أما نيهان فذهبت لتوظب أشيائها بعد ان انتقلت حديثاً الى الشقة المجاورة لشقة كمال و أمير، و بعد ان انتهت من توظيب الأشياء رمت بجسدها المرهق على السرير فلقد أنهكها التعب بعد السفر و التنقل، كانت عيناها معلقتان في السقف تفكر بالحال الذي أوصلها للغربة و التنقل لوحدة فلطالما كانت تحاول البحث عن نجاحها دون اسم والدها او غنائها فلقد كان والدها من أغنى رجال تركيا إلا أنها لم تشأ أن تنجح بواسطة اسم والدها و ثرائه و لذلك أخذت إذنه لتذهب و تبدأ العمل بنفسها و بالمجال الذي لطالما أحبته، المجال الذي لطالما شغفها حبه ألا و هو مجال تصميم الأزياء فهي مبدعة بهذا المجال.

أما كمال فلقد كان يفكر بطفولته التي لطالما كانت صعبة جداً، فكمال من الطبقة المتوسطة كان والده يعمل في الحلاقة برفقة أخيه طارق، كان لديهم منزل بسيط جداً إلى أن شاء القدر و تخرّج كمال بدرجات عالية في إدارة الأعمال و بدأ عمله لوحده و شقّ طريقه الى أن وصل لهدفه.

بينما كان أمير يفكر بنيهان و اللحظات التي جمعتهم منذ الطفولة الى الآن، كان يبتسم تارة و يضحك ضحك هستيري تارة أخرى فنيها تأخذ مكاناً وثيقاً في قلبه.

حلّ الصباح و بدأ العمل، كانت نيهان تنتظر الحافلة العامة و اذ بكمال و أمير يذهبان الى جانبها بسيارتهما..

كمال: ماذا تفعلين هنا؟

أمير: لقد بحثتُ عنكِ كثيراً من أجل تناول الإفطار و اذ بي أجدكِ هنا!

نيهان: انتظر الحافلة كي لا أتأخر على العمل.

كمال: من الآن فصاعداً تأتين معنا.

نيهان: حسناً شكراً لرعايتكما بي.

أمير: لا شكر على واجب.

كمال: بالمناسبة لقد أحضرتُ فطورك معي، خذيه إنه بجانبك.

نيهان بعد ان احمرّت خجلاً بسبب إهتمام كمال الظاهر:شكراً لك.

كمال: العفو تناوليه الآن.

أمير: نعم لأن استراحة العمل لن تكفي لتناول الطعام.

كمال: بالضبط.

نيهان: حسناً شكراً لكما.

أمير: اليوم سيأتي عميل جديد ليشاهد أعمالك يا نيهان.

نيهان: اوه حقاً لم أكن أعلم بذلك!وترتني الآن!

كمال: لا داعي للتوتر كل ما عليكِ هو طرح تصاميمك و أفكارك.

أمير: نعم أرجوكِ لا تقلقي فأنتِ كفئ لهذا العمل.

نيهان: شكراً أمير على اطرائك،أتمنى أن أنجح في هذا العمل.

كمال: ستنجحين لا تقلقي.

نيهان: آمل ذلك.


و بعد ان وصلوا نزل أمير و نيهان أما كمال فلقد أخبرهم أن لديه عمل مهم، ذهب بسيارته الى ليلى، ليلى امرأة بعمر والدته يحترمها كثيراً فهي طيبة القلب و مريحة جداً، جميلة المظهر، ناعمة الملامح بيضاء و شعرها مجعد قصير لديها شامة أعلى فمها هذا ما يزيدها تفرداً و تميزاً، كان كمال يزورها من حين لآخر فهي وحيدة لا تملك أي أبناء أو أقارب و لذلك تعتبر كمال كابنها و هو عزيز عليها جداً.

عندما وصل شعرت ليلى بوصوله فهي تملك رابط غريب جداً يجمعها بكمال فهي دائماً ما تشعر به، بحزنه و فرحه، بقلقه و توتره، هي مثالية للتفهم بطريقة عجيبة.

نهضت و نزلت الى الطابق السفلي لتستقبله..

ليلى: اوه كمال كنتُ أعلم بأنك ستأتي اليوم.

كمال: دائماً تعلمين بقدومي أتسائل إن كنتي قد وضعتي من يراقبني خطوة خطوة ههه.

ليلى بقهقهة خفيفة: ههه ليس الى هذا الحد يا كمال.

كمال: أخبريني كيف حالك؟

ليلى: بأفضل حال تفضل و لتجلس لقد أحضرت لك قالب من الحلوى.

كمال: اووه كم انا محظوظ!


و ما هي الا دقائق حتى وردته مكالمة و بعد أن أجاب على المكالمة بدأ في الركض نحو سيارته..

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي