26

أقبلت الشرطة من أجل حمل جثة والد نيهان من بين يديها، كانت تصرخ في وجههم بانهيار و خوف و ارتباك و تطلب منهم أن يدعوه في حضنها قائلة. .

_دعوه و شأنه إنه سيستعيد وعيه قريباً فقط انتظرو قليلاً، لا تقتربو منه إنه نائم لا يحب أن يزعجه أحد، انه ابي انا ابتعدوا عنه ، ابتعدوا عنه ماذا دهاكم لن اسمح لكم بلمس شعرة واحدة منه، هيا فلتبتعدوا، لا أود الابتعاد عنه، لن أسمح لكم ، هيا ابتعدوا عن والدي..

بدأت تصرخ أكثر فأكثر فلقد كانت تظن انه سيستيقظ بمجرد سماع صراخها كم كانت في طفولتها، الا أن كل ذلك بات بلا جدوى..

بدأ شريط الذكرى يمر من أمامها، كانت كل ذكراها تحتوي على صورة والدتها فلطالما كان السند الذي لم يميل بتاتاً بالنسبة لها، كانت تتذكره و تبكي و تحتضنه ثم تلامس وجهه و تداعبه كما كانت فعل في طفولتها..

تمنت لو أن والدها ينهض و يبدأ في تدليلها و حبها كما كان في السابق، تمنت أن تبقى بجانبه طوال حياتها، لم تكن مصدقة لما يجري، لم تكن مستوعبة كل تلك المجريات الحديثة التي تحصل في حياتها..

و ما هي الا دقائق حتى أغمي على نيهان و وقعت أرضاً دون أن تشهر ركض اليها أمير حملها بين يديه و ذهب بها نحو سيارة الاسعاف، بينما كمال بقي مصدوم في مكانه، فلقد أصبح ابن قاتل بعد الآن ، كان يشعر بالندم الشديد بسبب وضع نيهان في مثل هذا الموقف الصعب، لقد خسرت الكثير في هذه الحرب ، لقد جُرِحت و تألمت كثيراً لقد فقدت كل شيء في ليلة و ضحاها ، كانت فتاة لا تعترف بشيء اسمه الهم أو الغم، كانت فتاة لا تجيد سوى الضحك و الابتسام ، كانت فتاة تليق بالسعادة الدائمة، كانت فتاة طيبة لا تستحق كل هذه الآلام و المواجع ، كانت فتاة تشبه الشمس ايجابية ضحوكة و مشرقة، لقد انطفأت خلال لحظات فقط، صوت رصاصة واحدة أخذت أعز ما تملك، أخذت والدها و دفئه و حنانه، حتى لو لم يكن والدها الحقيقي الا أنه كان مثال لجميع الآباء، كان محب حنون رحيم القلب، لقد انطفئت كل السعادة في عينيها و باتت تظهر الشحوب و تجاهيد الأرق و الألم على وجهها، كان مغمى عليها و مع ذلك ملامح وجهها كانت متألمة و موجوعة، منكسرة و مجروحة..

لم يحتمل كمال كل ذلك، لم يحتمل أنه السبب فعلاً في كل شيء سيء حصل معها، لم يكن قادر على تقبل الواقع، حمل نفسه كل المسؤولية، كان يشعر بالاختناق و الرغبة في الموت و الخلاص، كان يريد تخليص نفسه من كل العبئ الذي يحمله و الثقل الذي يشعر به، كان يريد التخلص من نفسه قبل كل شيء ، أراد أن ينتهي من هءا العالم الظالم المليء بالألم و المواجع، أراد التخلص من كل شيء ، لقد كان يشعر بندم مؤلم و مرهق لدرجة عصيبة


ذلك الندم دائماً ما يشعرنا بالثقل، يملئ قلوبنا بالهم و الأسى، تأنيب الضمير دائما ما يوتر أعصابنا و يؤرقنا، دائماً ما نشعر بثقل الأيام كالجبال على أكتافنا..


كان كمال غير مستوعب لأي شيء حدث، كان يحاول التفريغ من مشاعره ليعلم و يستوعب، ليفهم و يقدر الموقف، هرع الى البكاء، كان يبكي بحرقة و ألم ..

_ و هل الرجال تبكي؟

_ نعم تبكي و لمَ لا تبكي؟ أليس لهم الحق في البكاء، أليس لديهم الحق بالتنفيث عن كل ما يشعرون به، أليس لهم الحق بإفراغ كل مشاعرهم و أحاسيسهم المؤلمة، أو ليس البكاء يخفف من العبئ و التراكمات التي تسكن أعماقنا و التي تستنذف طاقاتنا، تلك التراكمات التي تؤرقنا و تزيد من فسحة الظلام التي في داخلنا، تلك التراكمات التي تملئ أعماقنا بالسموم و المواجيع و الآلام، تلك التراكمات الغارقة في ظلام الأيام و اللحظات و الساعات و الدقائق و الثواني، تلك التراكمات الموجعة المظلمة..

توجه كمال الى المستشفى و هو منهار بالكامل، كان كل ما يريده هو الاطمئنان على نيهان، دخل غرفتها الخاصة بها في المشفى، حلس بجانبها و أمسك بيدها و بدأ يجهش بالبكاء بينما أمير دخل بهدوء فسمع بكاء كمال و اجهاشه، توجه نحو كمال و وضع يده على كتف كمال ثم بدأ يحادثه قائلاً..

أمير: لا تقلق ستكون بخير.

كمال: انا السبب في كل شيء.

أمير: لستَ السبب، عاداتنا هي السبب.

كمال: لا يمكنني أن أنظر الى أعين نيهان بعد الآن بأي وجه سأنظر لها؟ كيف سأنظر لها و أبي هو قاتل والدها، كيف سأبرر لنفسي قبل أن أبرر لها، كيف أسمح لقلبي بأن يداوم على حبها، كيف أمنع قلبي من الاقتراب منها بعد الآن؟

أمير: صدقني انها متعلقة بك كثيراً و لا يمكنها العيش من دونك، انها تحبك، تحبك أنت فقط، انها تعشقك و تقلق عليك و تتألم لألمك وتؤرق لأرقك، و من المستحيل أن تتحسن إن رأتك في هذا الحال.

كمال: هل تواسيني حقاً و انا من سرقت حب حياتك و طفولتك؟

أمير: لقد أدركتُ مؤخراً بأنني سأبقى الصديق المفضل لنيهان دائماً، و لن أتمكن من تخطي حاجز الصداقة فقلب نيهان معلق بك وحدك، لقد ملكت قلبها أنت فقط و يا لك من محظوظ يا كمال..

أقبلت الشرطة من أجل حمل جثة والد نيهان من بين يديها، كانت تصرخ في وجههم و تطلب منهم أن يدعوه في حضنها قائلة..

_دعوه و شأنه إنه سيستعيد وعيه قريباً فقط انتظرو قليلاً، لا تقتربو منه إنه نائم لا يحب أن يزعجه أحد، انه ابي انا ابتعدوا عنه..

و ما هي الا دقائق حتى أغمي على نيهان و وقعت أرضاً دون أن تشهر ركض اليها أمير حملها بين يديه و ذهب بها نحو سيارة الاسعاف، بينما كمال بقي مصدوم في مكانه، فلقد أصبح ابن قاتل بعد الآن، كان يشعر بالندم الشديد بسبب وضع نيهان في مثل هذا الموقف الصعب، لقد خسرت الكثير في هذه الحرب، لقد جُرِحت و تألمت كثيراً لقد فقدت كل شيء في ليلة و ضحاها، كانت فتاة لا تعترف بشيء اسمه الهم أو الغم، كانت فتاة لا تجيد سوى الضحك و الابتسام، كانت فتاة تليق بالسعادة الدائمة، كانت فتاة طيبة لا تستحق كل هذه الآلام و المواجع، كانت فتاة تشبه الشمس ايجابية ضحوكة و مشرقة، لقد انطفأت خلال لحظات فقط، صوت رصاصة واحدة أخذت أعز ما تملك ، أخذت والدها و دفئه و حنانه، حتى لو لم يكن والدها الحقيقي الا أنه كان مثال لجميع الآباء، كان محب حنون رحيم القلب، لقد انطفئت كل السعادة في عينيها و باتت تظهر الشحوب و تجاهيد الأرق و الألم على وجهها، كان مغمى عليها و مع ذلك ملامح وجهها كانت متألمة و موجوعة ، منكسرة و مجروحة. . .

لم يحتمل كمال كل ذلك ، لم يحتمل أنه السبب فعلاً في كل شيء سيء حصل معها، لم يكن قادر على تقبل الواقع، حمل نفسه كل المسؤولية ، كان يشعر بالاختناق و الرغبة في الموت و الخلاص ، كان يريد تخليص نفسه من كل العبئ الذي يحمله و الثقل الذي يشعر به، كان يريد التخلص من نفسه قبل كل شيء . .


ذلك الندم دائماً ما يشعرنا بالثقل، يملئ قلوبنا بالهم و الأسى، تأنيب الضمير دائما ما يوتر أعصابنا و يؤرقنا، دائماً ما نشعر بثقل الأيام كالجبال على أكتافنا. . .


كان كمال غير مستوعب لأي شيء حدث، كان يحاول التفريغ من مشاعره ليعلم و يستوعب، ليفهم و يقدر الموقف، هرع الى البكاء ، كان يبكي بحرقة و ألم . . .

_ و هل الرجال تبكي ؟

_ نعم تبكي و لمَ لا تبكي ؟ أليس لهم الحق في البكاء، أليس لديهم الحق بالتنفيث عن كل ما يشعرون به ، أليس لهم الحق بإفراغ كل مشاعرهم و أحاسيسهم المؤلمة، أو ليس البكاء يخفف من العبئ و التراكمات التي تسكن أعماقنا و التي تستنذف طاقاتنا، تلك التراكمات التي تؤرقنا و تزيد من فسحة الظلام التي في داخلنا، تلك التراكمات التي تملئ أعماقنا بالسموم و المواجيع و الآلام ، تلك التراكمات الغارقة في ظلام الأيام و اللحظات و الساعات و الدقائق و الثواني ، تلك التراكمات الموجعة المظلمة . .

_ تبكي و لمَ لا تبكي ؟ أليس لهم الحق في البكاء، أليس لديهم الحق بالتنفيث عن كل ما يشعرون به ، أليس لهم الحق بإفراغ كل مشاعرهم و أحاسيسهم المؤلمة، أو ليس البكاء يخفف من العبئ و التراكمات التي تسكن أعماقنا و التي تستنذف طاقاتنا، تلك التراكمات التي تؤرقنا و تزيد من فسحة الظلام التي في داخلنا، تلك التراكمات التي تملئ أعماقنا بالسموم و المواجيع و الآلام ، تلك التراكمات الغارقة في ظلام الأيام و اللحظات و الساعات و الدقائق و الثواني ، تلك التراكمات الموجعة المظلمة . .


توجه كمال الى المستشفى و هو منهار بالكامل، كان كل ما يريده هو الاطمئنان على نيهان ، دخل غرفتها الخاصة بها في المشفى، حلس بجانبها و أمسك بيدها و بدأ يجهش بالبكاء بينما أمير دخل بهدوء فسمع بكاء كمال و اجهاشه ، توجه نحو كمال و وضع يده على كتف كمال ثم بدأ يحادثه قائلاً..

أمير: لا تقلق ستكون بخير.

كمال: انا السبب في كل شيء.

أمير: لستَ السبب، عاداتنا هي السبب.

كمال: لا يمكنني أن أنظر الى أعين نيهان بعد الآن بأي وجه سأنظر لها؟ كيف سأنظر لها و أبي هو قاتل والدها، كيف سأبرر لنفسي قبل أن أبرر لها، كيف أسمح لقلبي بأن يداوم على حبها، كيف أمنع قلبي من الاقتراب منها بعد الآن؟

أمير: صدقني انها متعلقة بك كثيراً و لا يمكنها العيش من دونك، انها تحبك، تحبك أنت فقط، انها تعشقك و تقلق عليك و تتألم لألمك وتؤرق لأرقك، و من المستحيل أن تتحسن إن رأتك في هذا الحال.

كمال: هل تواسيني حقاً و انا من سرقت حب حياتك و طفولتك؟

أمير: لقد أدركتُ مؤخراً بأنني سأبقى الصديق المفضل لنيهان دائماً، و لن أتمكن من تخطي حاجز الصداقة فقلب نيهان معلق بك وحدك، لقد ملكت قلبها أنت فقط و يا لك من محظوظ يا كمال..

و بعد مرور عدة أيام استفاقت نيهان، الا أنها كانت في حالة لا يرسى لها، بقي كل من كمال و أمير يعتنون بها، جلس كمال يعتذر لها و هو يبكي و يتوسل لها من أجل أن تسامحه بينما قابلته بالعناق، هي لم تلمه بتاتاً، لقد أحبته بصدق و تؤمن بأنه بريء من كل ما يشعر به حيال نفسه..

استفاقت ليلى بعد معاناة كبيرة و تعب و جهد كبير من الأطباء الموجودين في القسم، تم نقلها لغرفة قريبة جداً من غرفة نيهان، بدأت نيهان تذهب و تتردد دائماً لغرفة والدتها ليلى، لقد أصبحت تناديها أمي، و بدأت تهتم بها كثيراً..

و بعد مرور عدة أيام تم نقل كل من ليلى و نيهان الى المنزل، قررت ليلى أن تبقى في جوار ابنتها نيهان دائماً بينما بقي كمال أيضاً في رفقتهما، أرادت أن تعوضهما عن كل ما سبق، أرادت أن تعوض نيهان عن حنان الأم الذي لم تشعر به بتاتاً بسبب والدتها التي ربتها من أجل المال..

في المنزل:

نيهان: أمي هل أضع الزهور هنا.

كمال: لا ضعيها هنا.

ليلى: حسناً يا نيهان ضعيها أينما تريدين.

كمال: أين ستضعيها إذاً هاتِ لنرى.

نيهان: سأضعها في المكان الذي طلبت مني أن أضعها به.

كمال: هممم أحببتُ ذلك.

نيهان: بالطبغ ستحب ذلك فهذا ما تحبه انت، تحب استجابتي لك فقط في كل شيء.

كمال: احبك.

نيهان: و انا أيضاً.

بينما أمير سافر للولايات المتحدة بعد فترة وجيزة بسبب انشاء عمل خاص به..

كمال: لا يمكنني أن أنظر الى أعين نيهان بعد الآن بأي وجه سأنظر لها؟ كيف سأنظر لها و أبي هو قاتل والدها، كيف سأبرر لنفسي قبل أن أبرر لها، كيف أسمح لقلبي بأن يداوم على حبها، كيف أمنع قلبي من الاقتراب منها بعد الآن؟

أمير: صدقني انها متعلقة بك كثيراً و لا يمكنها العيش من دونك، انها تحبك، تحبك أنت فقط، انها تعشقك و تقلق عليك و تتألم لألمك وتؤرق لأرقك، و من المستحيل أن تتحسن إن رأتك في هذا الحال.

كمال: هل تواسيني حقاً و انا من سرقت حب حياتك و طفولتك؟

أمير: لقد أدركتُ مؤخراً بأنني سأبقى الصديق المفضل لنيهان دائماً، و لن أتمكن من تخطي حاجز الصداقة فقلب نيهان معلق بك وحدك، لقد ملكت قلبها أنت فقط و يا لك من محظوظ يا كمال..

و بعد مرور عدة أيام استفاقت نيهان، الا أنها كانت في حالة لا يرسى لها، بقي كل من كمال و أمير يعتنون بها، جلس كمال يعتذر لها و هو يبكي و يتوسل لها من أجل أن تسامحه بينما قابلته بالعناق، هي لم تلمه بتاتاً، لقد أحبته بصدق و تؤمن بأنه بريء من كل ما يشعر به حيال نفسه..

استفاقت ليلى بعد معاناة كبيرة و تعب و جهد كبير من الأطباء الموجودين في القسم، تم نقلها لغرفة قريبة جداً من غرفة نيهان، بدأت نيهان تذهب و تتردد دائماً لغرفة والدتها ليلى، لقد أصبحت تناديها أمي ، و بدأت تهتم بها كثيراً..

و بعد مرور عدة أيام تم نقل كل من ليلى و نيهان الى المنزل، قررت ليلى أن تبقى في جوار ابنتها نيهان دائماً بينما بقي كمال أيضاً في رفقتهما، أرادت أن تعوضهما عن كل ما سبق ، أرادت أن تعوض نيهان عن حنان الأم الذي لم تشعر به بتاتاً بسبب والدتها التي ربتها من أجل المال..

في المنزل:

نيهان: أمي هل أضع الزهور هنا.

كمال: لا ضعيها هنا .

ليلى: حسناً يا نيهان ضعيها أينما تريدين .

كمال: أين ستضعيها إذاً هاتِ لنرى.

نيهان: سأضعها في المكان الذي طلبت مني أن أضعها به.

كمال : هممم أحببتُ ذلك .

نيهان : بالطبغ ستحب ذلك فهذا ما تحبه انت ، تحب استجابتي لك فقط في كل شيء .

كمال : احبك .

نيهان : و انا أيضاً . . .

بينما أمير سافر للولايات المتحدة بعد فترة وجيزة بسبب انشاء عمل خاص به..

و هكذا عاش الجميع بهناء و سعادة..

استودعناكم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي