4

ذهبَ باتجاه سيارته و بدأ يصب كل غضبه بها، كان يضرب زجاج السيارة بيده بكل غضب مع شهقاته المملوءة بالألم، كانت يده تنزف بشدة دون أن يشعر بها، كان قلبه يتألم بصمت..

أشغلَ محرّك سيّارته و بدأ بالقيادة، ذهب باتجاه وادي ضخم و عندما وصل ركنَ سيارته جانباً و بدأ يمشي في طريق منحدر لوحده حتى وصل الى النهر ليجلس وحيداً على ضفاف النهر.

أما أمير و نيهان فلقد كانا طوال الوقت يبحثون عنه..

نيهان: أنتَ كنتَ صديقه طوال تلك السنوات فكيف لا تعرف مكانه.

أمير: إنّ كمال شخص كتوم جداً، لا يشاطر أي أحد حزنه أو ألمه و دائماً ما يفضل ترك مساحته الشخصية خالية من أي أحد و لذلك لا يمكنني معرفة مكانه.

نيهان بعد أن أدركة ماهية كمال، كانت مصدومة فلقد شاطرها كمال القليل من ألمه فلذلك بدأت نشعر أنها قد تكون مهمة بالنسبة له، صمتت قليلاً بعد أن فكّرت بكمال و قالت لأمير:

_حسناً لنعود فأنا متعبة جداً.

أمير: لن أتمكن من الراحة أبداً لأنني قلق على كمال.

نيهان: اطمئن فكما فهمت إن كمال رجل قوي جداً و متأكدة بأنه بخير هيا فلنذهب عليكَ أخذ قسط من الراحة فلقد تعبتَ جداً لهذا اليوم.

بدا أمير و كأنه يطير فرحاً بسبب ما سمعه من نيهان، فلقد شعر باهتمامها به و حرصها على راحته لكنه لم يرد إظهار ما يشعر به تجاه موقفها فرفض العودة، اقتربت نيهان منه و أمسكت بيده و هي تقول له:

_يكفي يا أمير لا تتعب نفسك اكثر هيا فلنذهب!

أمير بهمس: يبدو أنني سأتبخر!

نيهان: ماذا هل قلت شيئاً ما يا أمير؟

أمير بارتباك: لا لا لم أقل شي، هيا فلنذهب.

نيهان: حسناً إذاً.

كان كمال يتأمل المكان تارة و يمر شريط ذكراه تارة أخرى، كان يبكي تارة و يصرخ تارة اخرى، كان يرمي بألمه الى النهر و ضفافه و أشجاره، ركن في مكانه بسكينة و هدوء عندما مرّ طيف أخيه من أمامه..

كمال: لقد عدت!

_نعم.

كمال بأسى و حيرة مخفض الرأس : كنتُ بحاجة إليك لماذا ذهبت؟ لماذا تركتني لوحدي؟ لا أحد يحبني، كل من يحبني يغادر.

رفع رأسه و إذ بذلك الطيف قد ذهب منذُ زمن، بدأ ينظر الى كل الاتجاهات و كل الاماكن كالمجنون، لمر يرى طيف أخيه مرّة أخرى، توقف و بدأ يركض للأمام تارة و للخلف تارة أخرى كل ما يريده هو إيجاد شقيقه..

نعود لأمير الذي لم يتمكن من النوم كان يفكر بكمال تارة و بنيهان تارة أخرى فلقد كان سعيد للغاية بسبب اهتمامها به..

بدأ شريط ذكراه الذي جمعه مع نيهان يلوح من أمامه حيث كانا في مرحلتهما الاعدادية، رنّ جرس الفرصة و خرج الجميع الى باحة المدرسة و كان قد خرج أمير أولاً للبحث عن نيهان، بحث في كل أرجاء حديقة المدرسة الا أنه لم يجدها فبدأ يسأل أصدقائها عنها..

_كيف حالكم

_أهلاً أمير نحن بخير كيف حالك أنت؟

_بخير لكنني لا أجد نيهان معكم لقد بحثت عنها كثيراً و لم أجدها..

_إنّ نيهان معاقبة بعدم الخروج من الصف لمدة اسبوع.

_لماذا؟

_لأنها لم تتمم واجبها..

كان أمير مستاء جداً بسبب عقاب معلمة الصف لنيهان لذلك ذهب الى جانبها متسللاً بالخفية حيث دخل من نافذة الصف.

عندما رأته نيهان كانت سعيدة جداً و كأنّها ستطير لاحقاً من كثرة الفرح.

نيهان: أيها المجنون ماذا تفعل هنا ستُعاقب ان وجدك أحد من طلاب الصف هنا.

أمير: و هل أتركك لوحدك في وسط الضجر.

نيهان: هيّا فلتذهب.

أمير: حسناً سأذهب.

نيهان بغضب: أحقاً ستذهب و تتركني لوحدي!

أمير: كنتُ أمزح فقط، هيّا لقد احضرتُ الطعام لنأكل معاً..

تلاشى شريط الذكرى ليتلاشى هو أيضاً الى أحلامه التي يسكنها حب طفولته نيهان..

حلّ الصباح و استيقظ أمير ليجد كمال في المطبخ حيث كان يحضّر الفطور فاقترب منه أمير و بدأ الحديث معه بعد أن عانقه..

أمير: أين كنتَ يا رجل لقد بحثتُ عنك برفقة نيهان و لم نجدك.

كمال: كنت في مكاني المعتزل.

أمير: أنت مدين لي بأن تخبرني عن هذا المكان المعتزل الخاص بك!

كمال بقهقهة خفيفة: لن اخبرك!

أمير: حسناً حسناً سأنادي لنيهان.

بعد ان انتهى من جملته سمع قرع جرس الباب و قال:

_ربما نيهان اتت أريت الطيبون عند ذكرهم يظهرون.

كمال: صدقت.

دخلت نيهان بعد أن فتح لها الباب أمير..

نيهان بارتباك : كيف حالك أمير هل نمتَ جيداً أين كمال هل أتى؟

أمير: اوه على مهلك نيهان فلتسألي سؤالاً سؤال.

نيهان بقهقهة: ههه حسناً أعتذر لك.

أمير: لا داعي، المهم أن كمال أتى و هو في المطبخ الآن يعد الفطور.

نيهان بسعادة: أحقاً؟

أمير: نعم.

نيهان: إذاً سأساعدكما.

ثم دخلت المطبخ لترى كمال يطهو البيض، كانت نيهان تنظر الى كمال تارة و تضحك تارة أخرى، كان تضحك بقهقهات مملوءة بالسعادة، توقفت عن الضحك قليلاً لتتكلم مع كمال..

نيهان: قال لي أمير بأنك تعد الفطور إلا أنني لم أصدق ههه لا أصدق عيناي..

أخذت هاتفها و بدأت تلتقط فيديو له و هو يطهو و هي تقول :

_إذاً مديرنا العظيم كمال سويدري يحضر الفطور ههه، لنرى ماذا أعد، هممم هناك بيض و زيتون و بعض الجبن الطاذج..

بينما كمال كان يمعن النظر بها و هي تضحك، كان صامت تماماً إلا أن الابتسامة كانت مرسومة بخطّها العريض في ثغرات وجهه، كان يبدو و كأنه في عالم آخر تماماً.

ليقاطعه أمير الذي كان يحاول إعداد فطائر الجبن دون أي جدوى..

أمير: كماال ربما الفطائر قد احترقت.

بدأ يضحك كمال قائلاً: كم مرّة علّمتك أن تضع الفرن على درجة حرارة متوسطة؟

أمير: حسناً سأتذكر ذلك في المرة المقبلة.

نيهان: حسناً لقد مللت! ماذا أفعل أنا أخبرني!

كمال: فلتضعي الأطباق على مائدة الطعام.

نيهان: اتفقنا.

و بعد ان انتهى الجميع من تناول الطعام ذهبوا الى الشركة..

في المشفى كان والد كمال قد استفاق من العملية حيث أنهم قد أخرجوه من تحت المراقبة، كان والد كمال يسأل طارق عن كمال إلا أن طارق لم يعطه أي جواب نهائياً فلقد كانت جميع عائلة كمال بعيدة عنه إلا والده كان قد التمس لكمال عذره، كان واثق من أنّ كمال بريء تماماً من الاتهامات التي ألحقتها عائلته به.

إنّ والد كمال رجلاً نبيلاً جداً و بسيط، لطالما عاشَ ببساطة و أحبّ فعل الخير، فهو رجل خيّر جداً، كان لديه ثلاثة أبناء و ابنة، كمال و طارق و عمر و زينب، شاء القدر ليفقد احد ابنائه و هو أصغرهم عمر و لذلك اتّهم كمال بموت شقيقه عمر و لذلك ابتعدت العائلة عن كمال و دائماً ما كانت تقابله بالجفاء و الكراهية..


في الشركة..

حيث جمع كمال جميع الموظفين في قاعة الاجتماعات، و كان يبدو عليه القلق و الارتباك، وقف بعد ان جلس الجميع ثمّ قال:

_هناك أمر مهم يجب أن أتناقش به معكم جميعاً..

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي