9

دخلت نيهان الى غرفتها وظّبت ملابسها و حوائجها ثم اختارت ملابسها بعد ان انتعشت و أخذت قسطاً من الراحة، ارتدت قميص أبيض على شكل فستان تعلوه سترة بنية و حذاء عالي بني اللون و تركت خصلات شعرها كما هي مموجة ثم وضعت القليل من مساحيق التجميل حيث بدت فاتنة جداً ثم خرجت باتجاه غرفة أمير.

عند وصولها للباب و قبل أن ترن جرس باب غرفة أمير وجدته يخرج و ينظر اليها قائلاً..

_لقد كنتُ قادم اليكِ من الجيد أنكِ أتيتِ.

نيهان: حسناً هيا فلنذهب انا متحمسة.

أقبلَ كمال من خلفهم دون أن يروه قائلاً: و هل ستذهبون من دوني؟

نظرت نيهان بغرابة اليه ثم قالت له: ألم تكن تريد النوم كيف غيّرت رأيك.

اقترب كمال منها و ضربها بخفة على رأسها ثم قال: و هل أتركك لوحدك ثم غمزها..

بينما كانت نبضات قلبها تتسارع باقترابها كل ذلك القرب منها..

كان قلبها يتودد لذلك الشعور الذي تسلل إليه، كان يرتجف باختلاط المشاعر، كان قلبها يشعر و كأنه قد استحل مواطن القصيد، و كأنه بات مسكناً للورود و الفراش و الطيور، كان يشعر بأن الشرايين  و الأوردة المتصلة به ما هي إلا أغصانٌ خضراء مزهرة، ما هي الا أغصان تعانق الضياء و السندس..

نظرت اليه بحياء ثم مسحت كل الشعور و العواطف المتسللة دون استئذان و نظرت اليه و بدأت تضحك  قائلة:

_كنتُ أعلم أنكَ ستأتي.

كمال: و كيف ذلك؟

نيهان: لنقبل بأن الحاسة السادسة أخبرتني، حدثي لا يخطأ.

كمال: همم كم هي جميلة ثقتك.

قاطعهما أمير قائلاً بملل: هيا لنذهب هل سنبقى هنا عالقين بالتحدث!

نيهان: نعم هيا هيا فلنذهب.

كمال: لقد حجزتُ سيارة سنستخدمها طوال فترة مكوثنا هنا.

أمير : أنت رائع يا صاح.

نيهان: إذاً ما هي وجهتنا الأولى.

كمال: سنذهب أولاً لتناول الطعام.

أمير: أفضل وجهة على الاطلاق، هيا فلنذهب.

نيهان: حسناً موافقة هيا لنذهب بسرعة أريد تجربة جميع الاطعمة الهندية في هذه الرحلة.

أمير: هوني عليكِ أطعمتهم حارة جداً أخبركِ من الآن.

نيهان: و من قال لك أنني أملك مشكلة مع الطعام الحار! إن الطعام الحار بالنسبة لي هو أفضل طعام.

ورد كمال اتصال مفاجئ استأذن منهم و عاد لغرفته،كانت أهمية ذلك الاتصال تظهر في ملامحه الجدية المتطربة..

كمال: مرحباً.

_ألم تنهي المهمة بعد؟

كمال: لا لكنني قريب جداً من هدفي.

_لا تماطل في هدفك.

كمال: حسناً.

أغلق الهاتف و نظر من حوله ليتأكد من عدم سماع اتصاله أي أحد ثم خرج من الغرفة الخاصة به و أغلق الباب و اتجه للطابق السفلي حيث كان امير برفقة نيهان هناك، كانا ينتظران عودته.

تغيّرت ملامح كمال الجدية حالاً فور رؤية أمير و نيهان اقترب منهم ثم قال:

_ هيا فلنذهب.

نيهان: لكن أين السيارة.

أخرج كمال زر التحكم بالسيارة و ضغط عليه و هو يقول: ها هي تأتي حالاً.

أمير: اوووه يا سيد كمال ما هذا التحديث.

كمال: جميل أليس كذلك.

في مكان آخر كانت ليلى تجلس بجانب الفتاة الصغيرة على أريكة متواضعة في منزل الطفلة سوزان، كانت تنظر للمنزل فلقد كان منزل ذا جدران مهترئة كان المنزل بارد جداً، كانت متفاجئة جداً بسبب سوء معيشتهم، بدأت تسأل الطفلة سوزان..

ليلى: متى تأتي والدتك يا صغيرتي.

سوزان: هي بالعمل الآن قد تأتي متأخرة قليلاً.

ليلى: لا مشكلة ما رأيك أن نذهب للتسوق قليلاً.

سوزان: لم يسبق لي أن ذهبتُ للسوق مع أمي لذلك أنا سعيدة جداً لأنني سأرافقك.

ليلى: إذاً هيا فلنذهب.

أخذت ليلى الطفلة سوزان في سيارتها الى السوق و بدأت تشتري الكثير من الأشياء من طعام و شراب، ثم دخلت الى الماركت الخاص باللباس و بدأت تختار ملابس مناسبة للطفلة سوزان..

في المطعم حيث كان كل من كمال و أمير و نيهان يجلسون في مطعم هندي شعبي، كانوا ينتظرون قدوم النادل للتعرف على المأكولات المتواجدة.

و بعد عدة دقائق أقبل النادل اليهم و بدأ يتحدث في اللغة الانجليزية..

النادل: أهلاً و سهلاً بكم.

كمال: شكراً لك، هل يمكننا معرفة الأطباق المتوفرة في مطعمكم.

النادل: بالطبع، يوجد لدينا طعام نباتي بالإضافة الى المأكولات البحرية، يوجد أيضاً لدينا زبدة الكاري بالاضافة الى البطاطس مع التوابل الهندية و يوجد لدينا طبق البرياني الشهير، أيضاً يوجد لدينا أصناف من الحلوى التقليدية و منها طبق اللدو.

كمال: جميل، إذاً نريد أن نطلب طبق البرياني بالإضافة لزبدة الكاري و طبق اللدو لثلاثة اشخاص لو سمحت.

اقتربت نيهان من أمير و بدأت تتحدث معه بالهمس قائلة:
_كيف يطلب دون استشارتي، لا أريد تناول طعام به لحوم، أفضل الطعام النباتي فقك.

أمير: لا تقلقي فكمال دائماً ما يأتي الى هنا و هو على دراية تامة بكامل الأطباق الموجودة هنا.

نيهان: همم لماذا لم يخبرني بذلك.

ضحك أمير و بدأ يحك شعره بارتباك قائلاً: أخبرتكِ سابقاً إنه كتوم جداً.

أشاحت نيهان بوجهها عبساً ثم قالت: الآن صدقتك.

بينما كان كمال ينظر اليهم بصمت و هو يضع كفه على خده و يترقب حديثهم الهامس، لاحظ أمير ذلك فغمز بعينيه لنيهان كي تفهم أن كمال قد لاحظ حديثهما لكن نيهان لم تفهم و أكملت  و هي تشيح بوجهها بهمس مسموع بوضوح..

_يا له من شخص جاف، يبتسم مرة بالعام و يضحك مرة في القرن.

كمال: أنا هكذا كما تصفيني؟

لاحظت نيهان أن كمال يسمع صوتها فارتبكت و بدأت تتئتئ قائلة:

نيهان: م م ماذا لم أ أ أفهم!

كمال: أنا جاف إذاً!

نيهان ضحكت بارتباك و هي تقول: ههه لا لا و من قال لك ذلك!

كمال: أنتِ يا آنسة نيهان!

نيهان: ههه لم أقصد إزعاجك.

ثم أرادت تغيير الموضوع و أشارت الى المطعم بارتباك قائلة:
_انظرو لهذا المطعم كم هو جميل و بسيط، بدأت تدق على الطاولة الخشبية و تقول: لم أرى طاولة أجمل من هذه!

ضحك أمير بسبب سداجة نيهان و تعالت قهقهاته.

و بعد مرور خمسة عشر دقيقة أقبل النادل و برفقته الأطعمة الهندية، وضعهم ثم شكروه..

كمال: هيا فلتتذوقو طبق البرياني.

نظرت نيهان و لم تجد أي ملعقة أو شوكة او سكين، ثم رفعت عينيها و نظر الى كمال بنظرة غريبة بينما أمير فهم عليها حالاً فأجابها قبل أن تسأل قائلاً..

أمير: نيهان الطعام الهندي يؤكل باليد.

توسعت عيني نيهان و بدأت ملامح الغرابة تسري في ملامحها ثم قالت: ماذا و كيف ذلك.

نظر اليها كمال و هو يضحك ثم قال لها..
_ انظري الي جيداً..

بدأ يأكل بيده و يعلمها كيفية تناول الطعام باليد، بينما هي كانت تراقبه و تحاول تناول الطعام بيدها كما يفعل..

كمال: هل تعلمين جميع سكان الهند يقولون أن تناول الطعام باليد له مذاق مختلف تماماً.

نيهان بغرابة مرافقة للقهقهة: همم و أين الاختلاف  بالموضوع ههه.

أمير: أنا أيضاً أظن بأن تناول الطعام باليد له مذاق مختلف.

نيهان: لستُ معتادة على ذلك لكن هذا البرياني لذيذ جداً، كيف سأتناوله في تركيا.

ضحك كمال قائلا: عندما نعود سآخذك الى مطعم هندي في منطقتنا.

تفاجئت نيهان و قالت: في منطقتنا؟ أحقاً ما تقول؟!

كمال: نعم هناك مطعم هندي مشهور جداً في منطقتنا.

أمير: نعم سمعتُ به لكنني لم أذهب اليه بعد.

نيهان: همم جميل اتفقنا إذاً، ها قد أنهيتُ طبقي البرياني سأتناول اللدو الآن متحمسة جداً لأجرب مذاقه فشكله بحد ذاته جذبني لتذوقه.

كمال: نعم إنّ اللدو مشهور هنا بشكل كبير و له مذاق خاص و لا يصنع سوى بالهند.

و بعد انتهائهم من تناول الطعام ذهبوا للتجول في أسواق مومباي و ذلك من أجل التعرف أكثر على حضارتهم.


كانوا يتسكعون في طرقات الأسواق المزدحمة، لفت انتباههم وجود الكثير من عربات الأطعمة الشعبية، كانت نيهان تنظر اليهم بشغف، نظرت الى كمال نظرة المترجي ليقبل بذهابهم و تجربتهم لكافة الأطعمة ثم قالت:

_ أرجوك أريد تذوق ما يبيعونه في هذه العربات.

ضحك كمال بسخرية ثم أجابها قائلاً: يسمّون هذه العربات بالكشك يا نيهان.

نيهان بغرابة: و ما هذا الاسم أيضاً.

أمير: لا تستغربي هنا ستجدين كل الغرائب و العجائب و الطرائف.

ثم ضحك أمير بعد أن أنهى جملته.

ركضت نيهان لتجربت الشاي الهندي و قفت تنتظر برفقة أمير و كمال و ما هي الا دقائق حتى تم تحضير الشاي الخاص بهم بدأوا يحتسون الشاي لأول رشفة، بعد أول رشفة صرخت نيهان كالأطفال قائلة لهما:

_واو إنه لذيذ جداً.

كمال: لأنه بحليب.

نيهان: ماذا؟ أحقاً!

كمال: نعم.

أمير: مع ذلك لن اجد شاي ألذ من شاي تركيا.

نيهان: كن صريحاً يا أمير فهذا الشاي ألذ بكثير.

أمير: انا أحب شاي وطني أكثر بكثير.

كمال: حسناً كفى جدال هيا لنذهب.

نيهان: الى أين يا كمال؟

كمال: لنكمل تسوقنا.

أمير: هيا إذاً.

ذهبت نيهان الى الحمام بعد أن استأذنت منهم و عندما خرجت اقترب منها شخص دون أن ترى وجهه و وضع منديل على فمها و أنفها لتغط في نوم عميق..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي