3

هرعت ليلى خلفه لتعلم مالذي حصل لكنها لم تستطع اللحاق به أكثر فلقد ركض حالاً الى سيارته و ذهب مسرعاً..

أما أمير فلقد كان طيلة وقته في الشركة مع نيهان، كان يشعر بسعادة عارمة لوجوده بجانب نيهان،فأمير متعلق بنيهان جداً منذ الطفولة، كان يجلس في غرفة الاجتماعات برفقة جميع الموظفين لكن عيناه كانت معلّقة بنيهان فقط، كان يراقبها و ينظر الى طريقة شرحها للعميل،كان يتابع ايماءات وجهها و يتمعن بملامحها،يراقب حركة كفيها أثناء الشرح، يبتسم تارة و يأخذ الأمر بجدية تارةً أخرى.

بينما كانت نيهان مندمجة في شرح رأيها و تصاميمها للعمل، كانت تشعر بارتباك شديد الا انها كانت تجمع نفسها و تشجع نفسها و وجود أمير بجانبها شجعها أكتر على المقاومة و إظهار أفضل ما لديها،و بعد ان انتهى العمل خرج الجميع و بقيت نيهان برفقة أمير، اقتربت من أمير و الحماس كان ظاهر جداً كان كالبريق المتلئلئ في عينيها.

نيهان: كيف كنت أبدو أثناء عرض تصاميمي و إلقاء أفكاري؟

أمير: لقد كنتِ في غاية الروعة و لقد أقنعتِ العميل بشكل رهيب.

نيهان: أحقاً ذلك؟

أمير: نعم لقد كنتِ اسطورة.

اقتربت نيهان بكل فرح من أمير و حضنته ثم قالت له:

_أتشكرك أمير على دعمك لولاك لما تشجعت.

أمير: بين الأصدقاء..

نيهان: لا شكر و لا اعتذار.

أمير: أحسنتِ القول فلتطبقي ما قلته.

نيهان: اتفقنا.

أمير: سأقوم بإجراء مكالمة و سأعود لكِ حالاً.

نيهان: حسناً سأكون بانتظارك.


ذهب أمير ليجري اتصال مع ليلى ليسألها عن كمال و سبب تأخره إلا أنه قبل أن يتصل بها ورده اتصال من كمال..

أمير: أهلاً كمال كنتُ سأتصل بك.

كمال: لا وقت للحديث أرجوك فلتأتي الى مشفى المدينة حالاً.

أمير بقلق و ارتباك: مشفى! ماذا؟ لماذا؟ ماذا حدث؟!

كمال: أمير لا وقت للتحدث أرجوك تعال بسرعة!

أمير: حسناً حسناً أنا قادم!


هرعَ أمير الى نيهان و أخبرها بأمر ذهابه الى المشفى لكنّها اصرت من اجل مرافقته و لذلك قبل أمير مرافقتها معه الى المشفى..


أمّا ليلى فكانت تحاول الاتصال بكمال مراراً و تكراراً إلا أنه لم يكن متفرغ للاجابة فلقد كان في أمس ضعفه و قلقه بسبب إسعاف والده الى المشفى ليتبين لكمال أن والده يعاني من مرض القلب و هو بأمس الحاجة الى عملية جراحية، و الذي زاد من ضعف كمال و قلقه هو أن نتيجة العملية قد تكون سيئة، أي أن نسبة نجاح تلك العملية ضعيفة جداً، كان كمال يجلس لوحده مع والدته و شقيقته زينب، أما أخيه الأكبر طارق كان يمشي ذهاباً و اياباً بسبب قلقه الشديد على والده.


زينب: أمي هل سيكون أبي بخير.

مسحت والدة كمال دموعها و تمالكت نفسها و أخذت بنفس عميق ثم قالت:

_اطمئني أثق أنه سيكون بخير و سيعود لنا بكامل صحته و عافيته يا ابنتي.

كمال: لا تقلقوا سيكون بخير أثق بذلك.

بدأ طارق يصرخ في وجه شقيقه كمال بغضب و هو يقول له و يخاطبه:

_و من قال لك بأننا ننتظر مواساتك، نحن لا نأبه لك، أنت مجرد فرد زائد في هذه العائلة، عندما كنا بحاجتك تخليت عنا و الآن تأتي لمساندتنا!!

كان كمال متجمد تماماً، متجمّد اللسان و الأطراف كان يبدو و كأنه مجرّد قطعة أساس، لم يكن أحد يهتم لمشاعره أو أحاسيسه حتى والدته لم تكن تعطيه أي اهتمام مع أنه قدّم الكثير و الكثير لعائلته.

و المؤسف بأنه تعرض لكل ذلك الت بيخ أمام صديقه أمير و موظفته نيهان فلقد كانا قد وصلا و شاهدا كل ما حدث دون أن ينتبه كمال، اقترب أمير برفقة نيهان من كمال و احتضنه و بدأ يواسيه إلا أن كمال كان لا يزال بارد و جامد اللسان و الأطراف، كان يخفي حزنه داخل صمته..


اقتربت نيهان من كمال و أخذت بيده قائلةً له:

_لنخرج قليلاً!

استجاب كمال لها دون أي كلمة و خرج برفقتها، أما أمير فلقد كان يحاول مواساة والدة كمال و شقيقته زينب.


_في الخارج:

نيهان: يمكنك التنفيس عن غضبك و حزنك و ألمك!

كمال: و بماذا سيفيد ذلك! هل سينهض والدي من جديد إن فعلتُ ذلك، هل سيقدرني و يفتخر بي و يبقى بجانبي، هل سيمنحني الحب الذي افتقدته منذ طفولتي، هل سينهض! هل سينهض!

كان كمال يتكلم و عيناه مليئة بالدموع، كانت عيناه كغزوة قاتلة بل كحرب شرسة، كان صوته المبحوح يبدو عليه التعب و الألم، كان الألم ظاهر بصوته، كان مكسور الظهر، محني القامة و الوتد!

كانت نيهان تنظر اليه بحزن شديد، كانت تحدق به دون أي همس، كانت تريد ترك المجال له لكي ينفس عن غضبه و يفضفض ألمه لكي تقلل من الألم و المعاناة التي يشعر بهما..

نيهان: لنشرب القليل من القهوة.

كمال: قهوة! هل انا في مزاج لشرب القهوة!

نيهان: الا تعلم بأن القهوة تعدّل المزاج.

كمال: أريد عودة والدي فقط.

نيهان: إذاً فلتدعوا له.

كمال: أنا أدعو الله دائماً من أجله، أنا دائماً أحاول أن أكسب محبتهم جميعاً،صدّقيني حاولت، لقد حاولتُ أن أقدم لهم كل ما يسعدهم، أريد حبهم فقط!

نيهان: بعكسي تماماً، انا دائماً ما أسبب لعائلتي الكثير من المشاكل و الكسور، دائماً ما أجرح والدتي، و أغضب أبي..

كمال: لماذا؟

نيهان: لأنني أريد العيش!

كمال: و هل ستعيشين إن فعلتِ ذلك و سببت لهم القلق!

نيهان: أريد أن أثبت نفسي لكنهم لا يسمحون لي بذلك!

كمال: لأنهم يهتمون لأمرك.

نيهان: أظن بأنه من الممكن أن نتبادل الأدوار!

كمال: و كيف ذلك؟

نيهان: أنت تريد الاهتمام و انا اريد الاهمال! ، انت تريد الحب و انا اريد النصر و الحب مع النصر لا يجتمع بتاتاً و العكس صحيح.

كمال: و من قال لكِ أن الحب لا يجتمع مع النصر؟!
في كل مرة تنجح قصة حب يكون النصر وليداً من رحم الحب، فكيف لا يجتمعان!

نيهان: ماذا عن القلوب المحطمة نتيجة ولادة النصر، ماذا عن القلوب المنهكة من التجاهل، ماذا عن القلوب التي لطالما كانت تبادر لوحدها و تقدّم لوحدها و تسعى لوحدها، أين النصر هنا؟

كمال: وجهة نظرك مختلفة تماماً عن وجهة نظري.

نيهان: لا أظن أن هناك أحد ما قد يتمتع بنفس أفكاري و رؤيتي و ذكائي!

كمال: هذا مبالغ به قليلاً أليس كذلك!

صمتت نيهان و هي تنظر لعينيه، كانت تتمعن بالنظر للبريق الذي يسكن عينيه..

نيهان: كيف يمكنني رسم بريق عينيك!

كمال: بريق ماذا؟! لم أفهم!

نيهان: لن تفهم!

قاطعهما نداء أمير لهما، فهرعا اليه ليعرفان ما الجديد..

كمال: مالذي حدث أمير لا تخفني!

أمير: لقد نجحت عملية والدك يا كمال و هو تحت المراقبة الآن.

كمال: أنت جدي أليس كذلك، أعني أحقاً ما أسمعه، أصحيح ما سمعته!

نيهان بسعادة: ألم أخبرك بأن كل شيء سيكون على ما يرام لاحقاً.

ضمّ كفيه الى وجهه و بدأ يشكر الله على سلامة والده ثم هرع الى الداخل، اقترب من والدته ليبشرها الا انها لم تنظر اليه بتاتاً فخرج الى الخارج مرة اخرى و بقي مع كمال و نيهان..


12:00 منتصف الليل

دخل كمال لينظر الى جميع أفراد عائلته الذين كانو يغطون في نوم عميق، مرهقين من مشاعر الخطر، مشاعر الفقد و الألم، كان ينظر اليهم جميعاً بعينيه التي اغرقت بالدموع، ليمر شريط طفولته من أمامه..

كمال الصغير: أمي أود أن أتناول الطعام.

والدة كمال: هل عزيزي جائع!

كمال الصغير: نعم!

والدة كمال: لنأكل إذاً، انظر انظر الى الطائرة انها تأتي (مشيرةً الى الطعام) هيا فلتفتح فمك، أحسنت.

كمال الصغير: أحبك أمي.

والدة كمال: و انا يا صغيري أحبك يا مدللي..

تلاشى شريط الذكرى من امامه ليجلس مقابل والدته النائمة، ثم أمسك يدها و بدأ يجهش في البكاء، كان يبكي كالأطفال.

استيقظت والدته على صوت بكائه، كانت تبكي معه و تنظر اليه و تمسح دموعه..

كمال: امي صدقيني حاولتُ أن أنقذ شقيقي الصغير لم أكن السبب في رحيله صدقيني! أريدك يا أمي أرجوكِ لماذا ابتعدتي عني! أنا لستُ مذنب!

والدة كمال: ابتعد عني!

نظر كمال اليها بحسرة فمهما تحدث و مهما برر لن يقنع والدته و عائلته بما حدث في السابق، مهما حاول أن يثبت لهم لن يصدقوه، لأنهم يعتبروه بأنه المُلام الوحيد، يعتبروه الظالم لا المظلوم، مهما بلغ من جهد لن يتفهموا ما حدث، لن يصغوا اليه، لن يعيروه أي اهتمام...


يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي