13

قاطعهما صوت كعب نيهان أثناء قدومها اليهم، رفعا رأسيهما و بدأوا يختلسون النظر الى نيهان فلقد كانت تبدو غاية في الجمال، كانت عينيها الخضراوتان ساحرتان بينما كان زيها مناسب جداً حيث كان يليق بها بشكل مفرط.

كان كمال و أمير منشغلان في اختلاس النظر اليها بينما هي كانت متعجبة بهما فلقد وصلت و لم يتفوها بأي حرف سوى النظر اليها.

نظرت اليهم نيهان و قالت لهم: و هل أنا ابدوا سيئة لهذا الحد.

أمير: هاا ماذا لا على العكس.

كمال: تبدين جميلة جداً.

نيهان: همم شكراً شكراً على مجاملتكما و كلامكما اللطيف.


و بعد وصولهم الى الحفل جلسوا على طاولتهم المخصصة بهم، بينما كانت جميع الأنظار على نيهان التي كانت متألقة بشكل كبير في ذلك الحفل، أثناء جلوسهم أقبل العميل و تقدم لنيهان برقصة، قبلت نيهان و قامت بآداء الرقص معه بينما كان كمال ينظر بغضب و غيرة شديدة أما أمير فلم يقاوم ذلك و لذلك ذهب اليهم و أمسك بيد نيهان و بدأ يرقص معها.




كان أمير يشعر و كأنه امتلك العالم بمجرد ملامسة يدها و الرقص معها، كان تائه بعيناها و كأنّ عيناها من أكبر البحار التي غرق بها و لن يتمكن من إنقاذ نفسه بمجرد الغرق بها، كانت خصلات شعرها تغطي عيناها و كلما تبعثرت خصلاتها كان يرتبها لأجله، كان يريد الغرق أكثر فأكثر بكل ملامحها، كان قلبه شغوف بها، لقد كانت حلم قلبه.

بينما كانت عينان نيهان معلقة بكمال، كانت تنظر اليه في كل وقت، كانت تريد أن تحظى برقصة مع من اختاره قلبها ببعثرة، لقد كانت تنجذب اليه بطريقة غريبة بغموض غريب، كان تنجذب اليه و كأنها تعرفه منذ زمن و كأن هناك معرفة متينة حصلت سابقاً لدرجة أنها كانت تشعر بأنه من الممكن أن يكون قدرها، لقد أُغرِمت به، لقد أغرمت بنظراته و ابتساماته بغمازاته و بوجهه و بكل ملامحه، لقد اكتشقت أخيراً بأنها غراقة في حبه، حب الوجود، حب المراحل الأولى، حب البدايات السعيدة..

قاطع أمير شرودها أثناء قيامها بالرقص معه قائلاً لها:
_بماذا تحدقين بعد أن التفت للمكان الذي تحدق اليه فلم يجد سوى كمال.

لم يفهم أمير ببادئ الأمر إلا أنّ قلبه طالب بالتفسير و التبرير، طالب بجريمة عينيها التي كانت غارقة بغيره..

أكمل سؤاله قائلاً لها:

_ تنظرين لكمال؟

نيهان أومأت برأسها بنعم ثم قالت له بسعادة عارمة: ربما قد غرقتُ في عشقه يا أمير، صديقة طفولتك وجدت حبها.

توسعت عينا أمير و تزايدت ضربات قلبه، دمعت عيناه ها هو حب حياته يضيع من بين يديه، كل تلك الجهود طوال تلك السنوات ذهبت هباءً منثوراً، كان يريد الصراخ بوجهها كان يريد إظهار غضبه لها، كان يريد تبرير لتحطيم قلبه و كسره، كان يريد أن ينفث عن كل ما يشعر به من غضب بسبب كلامها..

إلا أنه بقي صامت، تجاهل قلبه، تجاهل صوت كسر قلبه، بقي صامتاً محطماً متلفاً ثم قاطعت شروده قائلة:

نيهان: ما رأيك بكمال.

أمير: إنه صديقي.

نيهان بقهقهة: أعلم يا هذا ههه لكن أخبرني عن معدنه.

نظر اليها بحسرة دون أن يشعرها ثم أجابها قائلاً:
_إنه إنسان لطيف صادق و ودود، طوال بقائي معه لم أجد أي تصرف سيء بدر منه، إنه مثال حي لكل رجل خلوق.

قهقهت نيهان: يكفي يا صاح لا تغرمني به أكثر.

كان قلبه يصرخ بصمت، كانت روحه تنكسر بهدوء، كان محطم دون إبداء أي من كل ما يحدث في أعماقه، كان ألم مفجع..

انتهت الموسيقى و انتهت الرقصة، انتهت اللحظة السعيدة الحزينة، انتهت اللحظة الجميلة المؤلمة، انتهت اللحظة التي كانت مليئة بالأمل، انتهت بخسارة ذلك الأمل دون إبقاء أي بصيص منه، انتهى الشعور و بات اللا شعور لينفي الوجود، و ينفي عالم المضي و العثور..

عادا الى طاولتهم و جلست نيهان بجانب كمال تناظر أمير الذي كان يبادلها نظرات الغضب، شعرت بغيرته عليها، شعرت بتعلقه هو أيضاً بها..

هل القلوب تترابط حقاً، هل تتقارب بمجرد الإعجاب، كيف لذلك الحب أن يُخلق، أم أن الحب قد غزى العالم منذ زمن، كيف لتلك الأرواح بالتعطش للاهتمام و الانتهاء بالتعلق، كيف للأشياء الباطنية أن تسيطر على كل ما هو أهم، كيف للقلب أن يطغى على ذكاء العقل..

نظر كمال بغضب اتجاه نيهان ثم قال: هل استمتعتِ بالرقص مع ذلك العميل!

نيهان شعرت بغيرته الشديدة ثم أجابت لتنرفزه أكثر فأكثر: نعم إنها الرقصة الأولى في حياتي التي أسعد بها.

كمال: لنرقص معاً.

نيهان بتكبر: لا أريد لقد تعبت.

كمال: حسناً إذاً.

نظرت نيهان بغضب اليه فلقد ظنت بأنه سيحاول اقناعها بالرقص معه الا أنه اكتفى بقول "حسناً".

نيهان: لنرقص.

كمال: لا أريد.

نيهان: لنرقص معاً فربما ستكون رقصتي معك تاريخية بالنسبة لك.

ضحك كمال ثم قال: كفاكِ غرور.

نيهان: هيا كفاك فلنرقص.

كمال: حسناً.

بينما أمير كان يستمع لكل حديثهم بكسرة و جرح عميق إلا أنه بيّن لهم بأنه مشغول في هاتفه..

صعدا لمنصة الرقص، أمسك كمال بيدها و اليد الأخرى التف خصرها بها، بينما كانت يد نيهان الاخرى ملتفة بعنقه، كانا ينظران لعينين بعضهما البعض، نظرة المغرومين، نظرة العاشقين، نظرة الهائمين، كانا غارقان ببعضها البعض، كانا غارقان بالتفاصيل الصغيرة و الكبيرة، كان الحب ظاهر من أعينهما، اقترب كمال من نيهان أثناء رقصهم و كذلك اقتربت نيهان منه و قبّلا بعضهما البعض دون أن يشعرا بوجود أي أحد و كأنهما امتلكا العالم، و كأن العالم أصبح في قبضة يدهما، عالم الحب و العشق، عالم الطمئنينة..

كانا مغمضين العينين لكن بعد انتهاء الاغنية استفاقا لتتوسع عيناهما من أثر الصدمة، ثم اقترب كمال من نيهان و عاد ليقبلها من وجنتها ثم أمسك بيدها و عادا معاً الى الطاولة المخصصة بهما..

عندما عادا جلسا دون أن يعيا بأن أمير لم يكن موجود، نظرت نيهان اتجاه كمال و بدأت تحدق به دون أن تعي، بينما كان كمال هو أيضاً يبادلها النظرات ثم قاطع تلك النظرات قائلاً..

كمال: هل نذهب لنمشي قليلاً.

نيهان: نعم فلنذهب فلقد مللت من هنا.

كمال: اتفقنا، لكنني لا أجد أمير..

نيهان: ربما انشغلَ بشيء ما، يأتي لاحقاً لا تقلق.

كمال: أنا جائع.

نيهان: و انا أيضاً.

كمال: اذاً فلنذهب لمطعم ما و نتناول الطعام.

نيهان: اتفقنا، لكنني أريد أن أتناول طبقي المفضل.

كمال: الباستا.

نيهان: همم جميل لم تنسى طبقي المفضل.

كمال: و أنتِ هل نسيتِ طبقي المفضل.

نيهان: و كيف لي أن أنسى إن طبقك المفضل هو طبق السمك المشوي.

كمال: صحيح ههه.

بينما كان أمير لوحده يصارع نفسه و لحظاته و شريط ذكراه، و كل ذكريات طفولته التي لم تخلو أبداً من وجود نيهان، لقد حارب نفسه لأجلها و صنع كل شيء لأجلها، صنع من نفسه رجل ناجح و محب، حاول كثيراً لأجلها إلا أنّ حبه كان من طرف واحد فقط..

قد يكون تحطم القلب مجرد تعبير مجازي إلا أنه يعني الكثير، و يحمل الكثير بنفس الآن، القلب المحطم هو وحده من يعيد شتاته هو وحده الذي يقسو إلى حد التصلب، تحطم القلب مؤلم، مؤلم جداً و مرهق، و كأن الأنفاس لها صلة متينة بالقلب، و كأنها متصلة قلباً و قالباً، وريداً و شرياناً، تحطم القلب يجلب كل مأساة العالم في حضرة الكسير الجريح..


كان كل ما يريده هو التخلص من ذاكرته، التخلص من كل ما عاشه من لحظات، التخلص من كل تلك الآمال الكاذبة التي لطالما أحيت قلبه و مشاعره، كان يريد التخلص من كل شيء مترابط..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي