7

كان جرس الإنذار قد تم إصداره بسبب تقلبات الجو، بدأ كابتن الطائرة يحذر الجميع بشد حزام الأمان و اخذ الاحتياط..

كانت نيهان ترتعش خوفاً، كانت تمسك بيد كمال و تشد بقبضتها عليها..

نيهان: كمال ماذا يحدث؟

كمال: لا تقلقي هذه مجرد أوامر للاحتياط، لن يحدث شيء صدقيني.

كان أمير يناظر نيهان من بعيد، كان يلاحظ خوفها و قلقها و توترها، كان يريد النهوض اليها و احتضانها لتطمئن، كان يفكر باطمئنانها فقط!

حاول النهوض، بدأ بفك حزام الأمان ثم نهض إليها، كانت جميع مضيفات الطائرة يحذرونه و يمنعوه عن الذهاب الى نيهان، لم يأبه بأي احد منهن، ركض اليها و أمسك بيدها قائلا..

أمير: لن يحدث شيء يا نيهان صدقيني!

نيهان: انا خائفة.

أمير: لا تخافي أنا هنا.

ثم أقبلت مديرة المضيفات و المسؤولة عن الأمن بدأوا بالصراخ على امير طالبين منه العودة الى مكانه الا أنه رفض العودة قائلاً..

_لا يمكنني العودة.

كمال: أريد جناح خاص.

مضيفة الطيران: يتوفر لدينا الآن جناح فارغ للدرجة الذهبية.

أمير: اتفقنا إذاً.

مضيفة الطيران: سيكون دفع الاجرة عند الهبوط في المطار.

كمال: لا مشكلة.

كان كمال يناظر أمير و يلاحظ خوفه و قلقه على نيهان، كان مصعوق باهتمامه الشديد بها، هنا أدرك كمال بشعور أمير تجاه نيهان، نهض من مكانه و أمسك بيد نيهان و ربّت على كتف أمير ليطمئنه..

اتجها برفقة نيهان التي كان أمير يحتضنها بيده و يطمئنها، كانت نيهان ترتجف دون أي شعور سوى ذلك الخوف و الرعب، مشوا سوياً حتى وصلوا الى الجناح الخاص ذا التذكرة الذهبية، عندما وصلو جلست نيهان بجانب أمير، كانت تتكأ عليه ساندةً رأسها على كتفه، بدأ شعور الأمان يتسلل الى قلبها و روحها، بدأت تشعر بالاطمئنان فهناك من يساندها، هناك من بجانبها، كانت تنظر تارة لأمير الذي يهتم بها بشكل دائم منذ الصغر و تارةً أخرى كانت تنظر الى كمال الذي يجذبها بشكل غريب و ساحر...

أمير: هل تشعرين بتحسن؟

نيهان هزت برأسها مجيبةً: نعم شكراً على وقوفك بجانبي دائماً.

أمير: متى ستتخلصين من هذا الخوف و نوبات الهلع.

ضحكت نيهان: لن أتخلص منها بما أنك بجانبي.

أمير: انا الى جانبك دوماً، انا بجانبك اليوم و غداً و كل يوم، أنا بجانبك ما دمتُ حيّ.

نيهان: اووه كم هذا لطيف يا شاعري العظيم.

ضحك أمير و نظر الى كمال قائلاً:
_ألن تمدحني أيضاً.

كمال: بالطبع بعد أن تخرج حاسبك المحمول و تبدأ بالعمل.

أمير: حتى في الترحال هناك عمل!

كمال: هيا نيهان فلتستيقظي علينا العمل على بعض التصاميم.

أمير: لكنها متعبة!

كمال: و هل ستقضي كل الرحلة على هذا الوضع، يجب أن تتأقلم، هيا انهضي.

نهضت نيهان ثم أخذ جهاز التحكم الخاص بالستائر و ضغط على زر إزالة الستائر حتى ظهرت الغيوم و زراق السماء من كل اتجاه داخل الجناح، هنا بدأت نيهان تنظر بخوف..

أمير: كمال ماذا تفعل أنت ستخاف من جديد!

كمال: الى متى ستبقى رهن هذا الخوف و الرهاب عليها أن تعتاد و تواجه و تتحدى مخاوفها.

بدأ يخاطب نيهان:

_انظري لجمال المنظر و الهدوء، تمتعي بلون السماء المزينة بالغيوم، تحدي هذا الخوف.

كانت نيهان تنظر من حولها بارتباك الا أن المنظر كان قد أخذها لعالم آخر تماماً، كان منظر يجلب الراحة النفسية و السرور و لذلك أرادت فعلاً التخلص من ذلك الخوف و القلق اللذان يداهمان رأسها..

نيهان: لن أخاف من بعد الآن سأعتاد على ذلك شكراً لكما.

أمير: أحسنتِ، و الآن أريد النوم قليلاً فالطريق لا يزال طويلاً.

كمال: انا سأكمل العمل.

نيهان: سأساعدك في العمل.

أمير: حسناً تصبحون على خير نلتقي عند الوصول.

نيهان: انهض لن أسمح لك بالنوم.

ضحك أمير قائلاً: حسناً يا سيدتي لن أنام.

نيهان: ههه احسنت يا طالبي المجيب.

أمير: و متى كنتُ طالبك أنا من كنتُ أقوم بواجباتك المنزلية.

نيهان بقهقهة سعيدة: حان وقت تبديل الأدوار.

كمال: يكفي هيا فلنبدأ بالعمل.


في مكان آخر حيث منزل عائلة كمال، كان والد كمال يجلس برفقة والدة كمال و أخيه طارق..

والد كمال: أهناك أخبار عن كمال.

طارق: لماذا تأكل همه و هو غير مهتم بك أصلاً!

والدة كمال: يكفي يا طارق والدك متعب لا تتعبه أكثر.

طارق: طبعاً فكمال الوحيد هو مصدر راحته أليس كذلك.

والدة كمال: طارق فلتذهب الى عملك.

طارق: سأذهب حالاً لأنني لو بقيت أتحدث في سيرة السيد كمال أكثر سأختنق.

رحل كمال و بقي والدا كمال، كانت والدة كمال تشعر بحسرة كبيرة بسبب افتراق الاخوة فطارق لا يطيق ذكر اسم كمال، كانت تشعر بألم بعدها عن ابنها كمال لكنها بنفس الوقت كانت تحمل معاناة فقدانها لابنها الآخر بسبب كمال كما يزعمون، أما والد كمال فكان يتألم أكثر بسبب عائلته المشتتة، كان يتألم بسبب فراقه الغير مبرر عن كمال الذي تم ابعاده عنه بظلم و مكر..

دخلت والدة كمال الى غرفتها و بدأت تخرج البومات الصور القديمة، كانت تعتبر تلك الألبومات الذكرى الوحيدة لسعادة كانت يوماً ما تعانق أسرتها..

بدأت تنظر لصور زفافها و صور أطفالها، كانت تبكي تارة و تضحك تارة أخرى، أوقفتها صورة جماعبة لكل أفراد عائلتها، صورة كانت قد جمعت كل أبنائها في آن واحد و مكان واحد، كانت لحظة واحدة و لم تتكرر بعدها كانت آخر صورة في الالبوم، و ختامها مسك..

لم ترد إخبارة الصورة بما حدث في تلك العائلة السعيدة لقد أرادت أن تبقى الصورة سعيدة كما هي دون ألم او مواجع، لم ترد القضاء على آخر صورة سعيدة، لم ترد أن تؤلم الصورة..

نعود الى كمال و نيهان و أمير الذين كانوا يعملون على انهاء التصاميم لأجل عرضها للعميل..

نيهان: لقد تعبت.

أمير: فلتنامي قليلاً سأكمل عنك.

كمال: لنأخذ قسطاً من الراحة فأمامنا وقت طويل لنصل.

أمير: اتفقنا سأنام إذاً.

نيهان: مرحى و انا سأنام أيضاً.

كمال: اذاً لأنام أيضاً.


في مكان آخر حيث ليلى، كانت ليلى تجلس لوحدها كالعادة في الحديقة التي اعتادت على الذهاب اليها بسبب قربها من منزلها، رأت طفلة صغيرة تلعب بسعادة، كانت تنظر اليها و تتذكر طفلة في مخيلتها ثم قالت:

_هذه الصغيرة تشبه نيهان كثيرة نفس طريقة الضحك و اللعب، نفس النشاط و الايجابية..

أقبلت اليها تلك الفتاة و قالت لها:
_مرحباً

ليلى: اهلاً يا صغيرة ما اسمك.

_اسمي سوزان.

ليلى: اسمك جميل جداً.

الطفلة سوزان: و ما هو اسمك يا خالة.

ليلى: اسمي ليلى.

الطفلة سوزان: اسمك جميل أيضاً.

ليلى: هل تعلمين بأنكِ تُشبهين ابنة أختي الصغرى، كانت مثلك تماماً.

الطفلة سوزان: أحقاً هناك من يشبهني؟

ليلى: جميعنا لدينا من يشبهنا، لقد خلق الله من الشبه أربعين.

الطفلة سوزان بعجب: أربعين!

ليلى: نعم أربعين.

الطفلة سوزان: نحن نسكن هنا بالقرب من هذه الحديقة..

و فجأة وقعت الطفلة قبل أن تكمل كلماتها..


ذهبت ليلى لتُسعف تلك الطفلة الصغيرة الى المشفى لكنها أرادت أولاً أن تسأل احداً ما عن معارفها و بنفس الوقت كانت خائفة جداً على صحة الفتاة و خاصةً بأن حالتها حالة اسعافية لذلك اتصلت بالاسعاف حالاً..

و ما هي الا دقائق معدودة حتى وصلت سيارة الاسعاف ذهبت ليلة برفقة الفتاة الى المشفى..

كانت ليلى تنتظر الطبيب لتطمئن على الفتاة الصغيرة سوزان كان القلق ظاهر عليها، و ما هي الا بضعة دقائق حتى خرج الطبيب، ركضت اليه ليلى مسرعة لتسأله عن صحة الفتاة و سبب إغمائها..

ليلى: أرجوك يا حضرة الطبيب طمأنني على صحة الفتاة.

الطبيب: هل أنتِ والدة الطفلة.

ليلى: لا لقد رأيت الفتاة في الحديقة أثناء حوارنا وقعت أرضاً مغمى عليها.

الطبيب: ما حصل لها هو بسبب سوء التغذية، و يبدو أن الفتاة لم تأكل اي شيء لأيام عدة.

ليلى باستغراب: ماذا أيعقل ذلك.

الطبيب: نعم هذا واضح جداً الفتاة تعاني من نقص الكثير من الفيتامينات و لذلك أغمى عليه و لأزيدك من الشعر بيت فبحسب التحاليل فلقد تبين معنا أنها تعاني من فقر الدم و كل ذلك بسبب سوء التغذية.

ليلى بصدمة: يا لها من مسكينة.

الطبيب: سننتظر الى حين استيقاظها لنعرف كيف يمكننا ان نصل لعائلتها فلا تمتلكِ أي معلومات عن عائلتها.

ليلى: لقد أردتُ البحث عن عائلتها لكنني خفت أن أتأخر في اسعافها.

الطبيب: لا عليكِ ستكون بخير على الأدوية.

ليلى: شكراً لك يا حضرة الطبيب.

بعد ذهاب الطبيب جلست ليلى في قاعة الانتظار تنتظر موعد استيقاظ الطفلة سوزان.


في الطائرة:

كان كل من أمير و كمال يغطون في نوم عميق إلا أن نيهان لم تستطع النوم بقيت تنظر الى السماء من نوافذ الطائرة كانت تحاول الاعتياد على ذلك، كانت تريد أن تعمل بنصيحة كمال، كانت تريد تحدي مخاوفها، و فجأة نهض كمال و جلس و بدأ ينظر اليها قائلاً..

كمال: ألم تتمكني من النوم أليس كذلك؟

نيهان: نعم لم أتمكن من النوم ماذا عنك؟

كمال: لم أتمكن من النوم أيضاً.

نيهان: لماذا؟

كمال: كنتُ أفكر بوالدي.

نيهان: ألم تلتقي به قبل مجيئك؟

كمال: لا.

نيهان: همم إذاً فلتصلح هذا الخطأ.

كمال: و كيف ذلك؟

نيهان: عندما نصل الى المطار حاول أن تتصل بوالدك و تتحدث إليه.

كمال: لا أظن بأنه سيجيب.

نيهان: سيجيب.

كمال: و ما هذه الثقة؟

نيهان: قالت لي شقيقتك بأن والدك عندما استيقظ في المشفى أول من سأل عنه هو أنت.

كمال: و متى تحدثتي الى زينب؟

نيهان: لقد تحدثنا و اصبحنا أصظقاء أيضاً.

كمال بغرابة: كم انتِ اجتماعية.

ضحكت نيهان بسعادة و قالت:
_انا اجتماعية أكثر مما تظن.

كمال باهتمام: هممم جميل.

نيهان: أراكَ مهتم بمعرفة بعض التفاصيل عني.

كمال و هو يضحك: و من قال لكِ ذلك.

نيهان بطفولية و هي تشير اليه بسبابتها: هذه الضحكة أخبرتني.

كمال: همم إذاً فلتخبريني عنكِ أولاً.

نيهان: هئ أنتَ من شتخبرني عنك أولاً.

كمال: حسناً لنلعب لعبة الأسئلة بما أن طريقنا طول.

نيهان: همم أوافقك الرأي ربما نستمتع قليلاً.

كمال: اتفقنا إذاً سأبدأ أنا.

نيهان: اتفقنا، فلتبدأ.

كمال: إذاً ما هو لونك المفضل؟

نيهان: الأرجواني و أنت؟

كمال: جميل، الأسود، إنني افضل الأسود.

نيهان: همم أنيق، ما هو طعامك المفضل؟

كمال: السمك المشوي و أنتِ؟

نيهان: هممم لذيذ، أنا أفضل الباستا.

كمال: جميل، ما هو نوعك المفضل من الزهور.

نيهان: الأزهار الأرجوانية.

كمال: همم جميل. إذاً ما هو أكثر موقف سعيد في حياتك؟

نظرت نيهان الى كمال بغضب..





يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي