الفصل الرابع والعشرون والأخير

هنا نظر لها عمار ولم يقدر على التحدث، بينما أخبرها مهاب أن تتركه الآن وسوف تعلم كل ما حدث فيما بعد.

نظرت لهم بغضب، فأخبرها مهاب كي تطمئن أنه حدث سوء تفاهم بينه وبين أبيه.

هنا تحدثت أسماء وقالت:

-هل عدتم في التحدث في العادات؟ هل عدتم في التحدث في الفرق بين الأنثى والذكر؟
لقد كرهت تلك العادات، لقد كرهت القدوم إلى هنا، كنا ننعم بحياة هادئة هناك، ولكنني أعلم عندما قدمت بأن قدومنا لم يمر مر الكرام.

هنا صعق للجميع عندما تحدث أحدهما بصوت جهوري قائلاً:

-هنا سوف تظلين ولن ترحلي، هنا سوف تتبعي كل عاداتنا كما تربيتِ عليها، فإن أردت أن تخرجي فلتخرجي ولن تعودي إلى هنا أبداً، ولتنسي أن لك أهل ولا يحق لك التقرب من تلك القرية، التي لم تحترمي عاداتها.

نظرت له أسماء وقالت بغضب:

- ألم يكفي يا عمي كل تلك السنين! لقد شاهدنا من قسوة وعنف لم نشاهده في أي من العائلات، فأنا لولا عشق عمار لي، لكنت فريسة لشخص آخر لا يعرف إلا عادات عقيمة، لقد كرم الله المرأة وجعل لها مكانة كبيرة، فكيف يحق لك أن تهين المرأة؟

كذلك أنا في نفس المكان الذي سوف يكن به زوجي، فإن أمرني زوجي بالرحيل، فسوف أرحل وأن أمرني بالجلوس فسوف أفعل، فأنا رهن إشارته أطيعه في كل شيء، فلقد وصاني الرسول بأن أطيعه وذكر في الكتاب بأن أطيع زوجي، ولكن لن أطع عادات عقيمة، جعلتنا مثل المسحورين نسير خلفها.

هنا تحدث معها بصوت جهوري قائلاً:

-لقد نسيت أن عليك إحترام الكبير فيما يقوله وتتبعيه وله تخرجي عن طوعه.

فأخبرته بأنها تطيع وتحترم الكبير ولكن ليس في كثير من الأمور، فإنه يطاع في الأمور التي لا تؤذي صاحبها، فيكفي ما رأته طفلتها من قسوة وعنف رغم تغلبها على ذلك، لكنها تعلم بأن طفلتها ما زالت تتذكر جميع الآلام التي مرت بها، وأن طفلتها لا تكره شيئاً مثله، فهي تكره أن يذكر أسمه في أي مكان هي به، وإلا تتحول لحالة من الهياج والصراخ ولا يقدر أحداً على تهدأتها.

فعلي الرغم من أن طفلتها أنثى ولكنها تاج على رأسها الآن فلولا تلك الأنثى ما جلب الرجل، ولماذا يسخرون من الأنثى، وعندما تمرض إحدى النساء يذهبون ويريدون طبيبة أنثى، عندما يريدون أن يعلمون بناتهم، يذهبون إلى المعلمات وليس المعلمين.

إن المجتمع منصفاً قد نصف المرأة وجعلها نصف المجتمع وكذلك بأن هناك كثير من السيدات، تقوم بأدوار الرجال تخرج للعمل كي تجلب ما يسد جوع أطفالها فإن كان الرجل جزءاً من المجتمع، فالمرأة نصفه وعليه أن يعيد حسابته، قبل أن يخسر كل ما حوله.

كان عمار في ذلك الوقت غير قادر على التفوه بشيء فكل ما تحدثت به زوجته صحيح، نابع من قلبها، فهي قد شهدت أشياء كثيرة وتحملت آلام ورغم ذلك لم تتفوه بشيء، ولكن عندما وجدت أن الأذى قد طال زوجها فهي لم تقدر على الصمود وكان عليها أن تنفجر.

فمهما تكون فهي عشق السنين عشق طفولته كانت بجانبه في جميع المراحل ولم تتركه، فعندما شعرت بأن الخطر قد أقترب منه، أصبحت كالبركان الخامد الذي نشط يأكل كل من يأتي بجانبه.

كما شعر الشباب بأن ما تتفوه به لا تتحدث به إلا فتاة ذات عقل وحكمة، تحدثت من كثرة الظلم، فإنها تتحدث و كان كلامها يدخل في قلوبهم وليس عقولهم.

بينما كان مهاب وناصر وعز ينظرون إلى جدهما، كي يروا رد فعله.

كانت المواجهة شرسة أمام جميع أفراد العائلة وشعرت منار وسعاد بالخوف، فلقد كانت أول مرة تتحدث أسماء بتلك الحديث، ولكن منار تعلم أن يجب للصامت أن يثور، لقد أعتقدوا أنها سوف تتحمل هذا الظلم والقسوة مدى الحياة.

لكنها قد وصلت لمرحلة أصبحت غير قادرة على الصمود فيها كذلك كان الجميع ينتظروا رد الفعل، وجاءت اللحظة الفارقة عندما نظر لها عمها وقام بصفعها على وجهها، وأخبرها بأنها لم ترى أي تربية ولكن الخطأ ليس عليها، فالخطأ على زوجها الذي جعلها تتمادى ووقف يشاهد ردها على أبيه.

وأنه سوف يجبره علي أن يطلقها وإلا يعتبر خارج عن طوعه، كانت نظرات الجميع له بحيرة وقلق، لأن عمار أصبح في مكان لا يحسد عليه أما أن يفقدوا عشق سنينه وأما إن يفقد عزوته وأهله.

كان فهد لا يعجبه ما يحدث ولكنه فضل أن يرى ماذا سيفعل عمار؟ فهل سيقبل التحدي ويدافع عن زوجته؟ التي من وجهة نظره أنها لم تخطئ، ولكن كانت تعبر عما بداخلها أم أنه سوف يبيعها كي يرضى والده لم تمر دقائق كثيرة حتى وقف عمار وذهب في إتجاه أسماء، وكانت نظرات الجميع بالقلق خوفاً من أن يطلقها بالفعل ولكنهم قد صدم الجميع.

بينما كانت أميمه تجلس مع بناتها ليعدوا حقائبهم للرحيل غد، أخبرتها ميرال بأنها قد نسيت احضار بعض العطور المميزة، فسوف تذهب على عجالة كي تحضرها وتعود على الفور، بينما أخبرتها اميمه بأن تظل وسوف تذهب هي لجلبها فهي بالفعل سوف تذهب لشراء بعض إحتياجاتها.

بالفعل أخبرتها ميرال بما تحتاجه أرتدت أميمه ملابسها وذهبت لكي تجلب ما تريده، وهي في الطريق لفت نظرها وجود شاب يعنف فتاة فتدخلت على الفور فكان رد الشاب قاسياً بأن هذا لا يعنيها، ولا تتدخل فيما لا يخصها، بينما كانت نظرات الفتاة لها تستنجد بها فأخبرته بأنها لديها بنات ولن تقبل أن يفعل أحدهم ذلك بهم، فأخبرها بأنه زوجها ومن حقه تأديبها.

فنظرت له بغضب قائلة:

- لقد كرمها الله فمن أنت كي تسيء تكريمها؟ كما أن لها حق أن تعبر عن رأيها مثلك، مهما يكون ذلك الموضوع الذي حدث به سوء التفاهم، فإن لديكم منزل تتناقشوا فيه وليس أمام المارة فهذا كما علمنا وتعلمنا.

تحدثت الفتاة وهي تجهش بالبكاء، وأخبرتها أنها قد علمت اليوم أنها سوف تنجب أنثى وعندما علم تحول وجهه إلى الغضب، نظرت له أميمه وأخبرته بأن هذا رزقه قد من الله عليه به، وعليه أن يحسن شكر تلك النعمة كما أن لديها بنات فقط ولكنهم عندها بالدنيا.

الأبنة اليوم سوف تصير أم في المستقبل فهي من ترعاه غد سوف تراه متطلباته سوف لا يشغلها أحداً عنه، فعليه أن يفرح بأنه سوف يجد غداً من تحمله، فاخبرها بأنه يريد ويتمنى طفلاً كي يحمل أسمه يسند عليه عندما يكبر.

فأخبرته أن ينظر حول يتأمل في حال الدنيا فكم أبن عاق حوله؟ كم أبن ألهته الدنيا؟ على عكس الفتاة التي عندما تأتي تحمل بداخلها الحنية، فعليه أن يحمد الله وأن يفرح بما سوف يأتي له.

هنا تدخل أحد المارة وأخبره بأنه لديه ثلاثة أولاد، وجميعهم لديهم بيوت، ولكن لا أحد يأتي له ولا أحد يعلم ماذا يأكل؟ أو ماذا يفعل؟  فإنهم يهاتفونه مرة كل أسبوع، يطمئنون علي حاله، والآن كان يتمنى بأن يرزق بأنثى بعد مرور العمر، لأن لدي أخته أبنة تهتم لشؤونها، وترعاها، ولا تتركها لحظة.

فإنه عليه أن يبشر بأنها قد تأتي من تحمله في دنيته، أبتسمت الفتاه وشكرتهم على نصيحتهم، كما هدأ الشاب وأخبرهم أنه بالفعل سوف يعمل على راحتها حتى تأتي ملكته.

استأذنت أميمه للمغادرة وشكرها الشاب على ذلك الدرس الذي تعلمه على يدها منذ قليل، أعلمته أميمه بأنها قد نشأت في ظروف تكره المراة، ولكنها قد تغلبت عليها، ولذلك لا تفضل أن يعيش أحدهم لحظة مثل ما عاشت، ذهبت أميمة كي تجلب ما تريد وعادت مرة أخرى إلى بناتها وزوجها.

صدم الجميع مما فعل عمار فكان بعضهم يتوقع ما حدث والآخرين لم يتوقعوا ذلك القرار الذي وصل له، فلقد أخذ بيد أسماء وجذابها إلى حضنه، وأخبر أبيه بأنه لن يتخلى عن عشق السنين مهما كانت العواقب، ولن يجعل أبنته تعيش تلك الظروف التي فرضها عليهم.

بالفعل سوف يرحل هو وزوجته ولن يعد مرة أخرى، وأنه لا يحتاج منه أي شيء فيكفيه ما أخذوه من قسوة ، وأن جميع ما تفوهت به زوجته صحيح،
فاليوم المجال للمرأة ولها حرية التعبير عن رأيها، فأخبره أبيه بأنه عليه الرحيل الآن ولا يأتي إلى هنا مرة أخرى.

تدخل مهاب وأخبر والده بأن يهدأ وأن يصلوا لحل وسط فيكفي رحيل ولكنه أخبره بحدة بأنه يصمت ولا يتدخل في الحديث.

بينما حضر شهاب فوجد عمار يتحدث قائلاً:

- سوف أرحل أنا وزوجتي ولكن سوف أعود مرة أخري فلدي حق سوف آتي في يوم من الأيام كي آخذه.

نظر أبيه وأخبره بأنه ليس لديه حقاً فمن يتبع هواه ليس له مكاناً لديه، فأخبرته أسماء بأنها لا تريد شىء، فيكفي أنها سوف تفوز بذاتها هي وأبنتها، وقادرة على تحمل أي شيء في سبيل أن تظل مع زوجها.

هنا تحدث عمار بحدة وأخبره بأنه لديه حق وسوف يأخذه كاملاً، ولن يستطيع أحد على وجه الأرض أن يمنعه في أخذ ذلك الحق، كما أخبر والده بأن لديه ميراث قد كتبته له والدته قبل وفاتها.

نظر له أبيه بصدمة وأخبره بأن والدته كانت لا تمتلك شيئاً لتكتبه له، ولكن قام عمار بإخراج إحدى الأوراق التي تؤكد حديثه، بأن والدته بالفعل قد كتبت له قطعة أرض كانت تملكها والبيت الذي بني عليها.

هنا تذكر أبيه ذلك البيت الذي كانت تعيش فيه والدته، ولكن لم يعتقد بأن ذلك البيت كان مكتوب بأسمها بالفعل.

فأخبره عمار ساخراً بأنه سوف يأتي في أي وقت لبيته ولكن ليس الآن، فهو سوف يرحل ولكن على وعد بالقدوم مرة أخري، ولكن بعد أن يقف على رجله وجذب زوجته وخرج، ولكن قبل أن يخرج وقف أمامه العدلي وأخبره بأن يجعل زوجته تخلع تلك القلادة التي تزين صدرها.

فأخبره عمار بأنها هديه أمه له ولن يأخذ أحد تلك الهدية، كما أخبره بأن والدته قد أعطته بعض المشغولات الذهبية الخاصة بها، لأنها كانت تعلم بأنها سوف لن تكن معه في ما بعد، فأعطتنه إياها تحسباً لأي ظرف.

كما أعلمه بأن ما لديه من ذهب قد أخذه من أسماء فليرده لها فهذا حقها، فأخبره بأنها ليس لديها حق، وأن ذلك الذهب الذي معه قد جلبه من حر ماله، فلا يحق لأحد التصرف به غيره.

هنا أخبره عمار أنه سوف يتركه، ولكن ليس ضعف منه بل كي لا يتذكر شيء عندما يراه.

هنا تحدث شهاب معنفاً إياه على كيفية التحدث مع أبيه كذلك وكذلك كيف يحق لزوجته أن تتفوه مع الأكبر منها بهذا الأسلوب، هنا تدخل عمر قائلاً بسخرية:

- لقد كنت أعتقد بأنك قد جئت كي تطمئن على أبنتك وليس كي تؤيد أباك فيما يفعلوا.

هنا تحدث العدلي متسائلاً ماذا حدث؟ وعن ماذا يتحدث؟ فأخبره عمر إنه ليس الوقت المناسب كي يتكلموا ولكنه لن يصمت أيضاً.

كما أخبر عمار أن داره مفتوحة له في جميع الأوقات له ولزوجته ولأبنته، وأن أراد أي شيء فليهاتفه علي الفور، فيكفي أنه قادراً على رعاية بيته، وحماية أهله عكسه فقد فشل في حماية زوجته.

بالفعل غادر عمار هو وزوجته البلد كانت أسماء تشعر بالحزن فعلى رغم كرهها المجيء إلى تلك البلد، ولكنها عندما منعت من دخولها قد شعرت بإحساس غريب يراودها وكانت تنظر لعمار من حين لآخر، لترى التأثر على وجهه، ولكن كانت تعبير وجهه لا تعبر بشيء.

عندما شعر عمار أن أسماء تؤنب نفسها، نظر لها مبتسماً وأخبرها بأنها لا تساوي فلوس الدنيا، وأنها كل دنيته هي وأبنته، فلم يتخلى عنها أبداً في يوم من الأيام وأن حدث له في يوم من الأيام شيئاً فلا تعود مرة أخرى إلى البلد، مهما كانت ظروف معيشتهم فهو يشعر بقرب أجله.

نظرت له أسماء وأخبرته بأنه سوف يكون بخير، وسوف يتهني بحياته معهم، صمت عمار وعاد للنظر إلى الطريق.

بينما نظرت اسماء إلى الطريق وهي سعيدة باختيار زوجها لها وتفوقه على جميع العادات والصمود أمام أبيه فلأول مرة تراه بتلك القوة فهي قد اكتفت به كي أكمل حياتها معه ومع ابنتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي