الفصل الثاني العرافة

خرجت ريم من غرفتها، لتتفاجيء بوابل من السباب والإهانات، شعرت حينها أنها النهاية.

النهاية التي تضع حدًا لمعانتها مع تلك المرأة.

نظرت إلى والدها، الذي وقف عاجزًا عن قول كلمة واحدة؛ يستطيع بها إسكات الكم الهائل من السباب والشتائم.

وبهدوء ولكنه كان كالبنزين الذي سكب على النار، مرت ريم من أمام زوجة أباها في طريقها لدخول المرحاض قبل أن تخرج، لتبدأ يومًا جديدًا من الهروب من الجحيم.

اشتعلت فايزة(زوجة الأب) غضبًا، وأسرعت إلى ريم، قامت بجذبها للخلف وصفعها على وجهها.

شعرت ريم بالصدمة؛ فهذه هي المرة الأولى التي يقوم أحد بصفعها على وجهها، وضعت يدها على وجنتها، ونظرت إلى والدها الذي وقف عاجزًا مصدومًا هو الآخر مما حدث.

لكنه خشي أن يتصدى لها؛ خوفًا أن تقوم بطلب الطلاق منه، كما هددته من قبل  وليس هذا فحسب، بل مطالبته بالمؤخر المالي الكبير الذي يعجز عن دفعه.

أومأت ريم برأسها، والتفتت عائدة إلى والدها، وقفت أمامه وحدثته قائلة:
—أليس عندك ما تقوله؟! أليس لديك أي رد فعل تجاه ما يحدث معي؟!

طأطأ الأب رأسه لأسفل، بينما أسرعت إليها فايزة لتكمل ما بدئته.

امسكت بذراعها وحدثتها قائلة:
—من اليوم لن تفعلي إلا ما أريده أنا، لن تخرجي من هذا المنزل؛ لتقومي بالتسكع في الشوارع وتجلبي لنا العار.

نظرت ريم في دهشة وذهول وعلقت قائلة:
-العار؟ أنا أجلب لكم العار؟! أتدرين من الذي جلب العار إلى هذا المنزل؟

وقفت فايزة تستمع إلى كلمات ريم التى تتحدث  ودموعها  تنهمر من عيناها الزرقاء وتقول:
—اتدرين من الذي جلب العار إلى هذا المنزل؟ هذا الرجل هو من جلب العار إلى منزلنا هذا؛ عندما أحضرك إلى هنا.

نظر الأب وقد بدى عليه الذهول مما تحدثت به ريم، بينما شرعت زوجة الأب في صفعها للمرة الثانية على وجهها، امسكت ريم بيدها وحدثتها قائلة:
—لم يستطيع أحد أن يصفعني على وجهي، لقد قمتي بصفعي ولن أسمح لكي بإعادتها مرة أخرى حتى أقتص من المرة الأولى.

نظرت زوجة الأب في دهشة، وتعجبت كأنها لا تصدق ما سمعته أذنها، ولكنها سرعان ما صدقت عندما شعرت بالصفعة القوية التي قامت ريم بتسديدها إليها.

وقفت المرأة في ذهول، بينما قامت ريم بثني ذراعها،  وحدثتها قائلة:

—لا تتخيلي أنني سأقف صامتة حيال ما تفعليه معي، ربما في المرة القادمة سأحطم لكي ذراعك هذا إن امتد إلي بسوء.

انهت ريم حديثها، ثم دلفت إلى المرحاض.

وقف الأب في دهشة وذهول مما حدث، أما زوجته فأمسكت بقميصه، وحدثته قائلة:
—لماذا تقف صامتًا حيال ذلك؟! ألم ترى ابنتك وهى تصفعني؟! يبدو أنك من تحرضها على ذلك، وإلا فكيف تجرأت على فعل أمرٍ كهذا؟!

علق الزوج قائلًا:
—الباديء أظلم! لم أحرضها عليكي، بل صفعك لها هو من جرئها عليك.
خرجت ريم من المرحاض، ومرت من أمامهم دون أن تنظر إليهم، دلفت إلى غرفتها وارتدت ملابسها، ثم غادرت المنزل في صمت.

وما إن خرجت من المنزل، أسرعت بالاتصال على صديقتها هيام، واخبرتها قائلة:
—هيام، لقد تركت المنزل، ولن أعود إليه ثانيًا، لنلتقى ونفعل ما قمنا بالاتفاق عليه.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—اخيرًا جاءت ساعة الصفر التي كنت انتظرها منذ وقت طويل، ريم لقد طفح الكيل، وتحملنا الكثير لا بد من وضع نهاية لهذه المعاناة.

علقت ريم قائلة:
—سأنتظرك في المكان الذي اعتدنا أن نتقابل فيه، لا تتأخري لا بد أن نجلس ونخطط للايام القادمة.

انهت ريم حديثها مع صديقتها هيام،  وجلست في أحد المقاهي التي اعتادت الجلوس فيها.

ظل مشهد الصفعة التي تلقتها يتكرر أمام عينيها، شعرت بنيران الغضب تشتعل بجسدها خاصة عندما تذكرت رد فعل والدها حيال ذلك.
فجأة مرت بجوارها إحدى العرافات التي تقوم بقراءة الكف، دنت من أحد رواد المقهى وطلبت أن تقوم بقراءة كف يده.

نظر إليها الرجل، وعنفها ثم قام بدفعها.

وقفت ريم واتجهت صوب المرأة، قامت بمساعدتها على النهوض من الأرض، ثم وقفت تتحدث إلى الرجل الذي قام بدفعها وتقول:
—ليس من حقك دفع هذه المرأة هكذا، لقد عرضت عليك ان تقوم بقراءة الكف الخاص بك، سواء قبلت أم قمت بالرفض هذا من حقك، لكن لا تخرج ما بداخلك من عقد على هذه الضعيفة.

نظر إليها الرجل واشتعل غضبًا ثم علق قائلًا:
—لا أعلم سبب تدخلك في هذا الأمر، هل تربطك بها صلة قرابة؟!

علقت ريم قائلة:
—وهل لا بد من صلة قرابة لادافع عن هذه المرأة؟! قم على الفور بالاعتذار إليها.

ضحك الرجل وعلق قائلًا:
—وماذا إن رفضت الاعتذار لهذه الدجالة الحقيرة؟! 

ريم علقت قائلة:
-إن لم تقوم بالاعتذار إليها ستنال عقابك.

ابتسم الرجل مستنكرًا لحديث ريم، اقترب منها وهمس إليها قائلًا:
—لن اعتذر لتلك الحقيرة، وعلى استعداد لأنال عقابي، ولكن لن اتنازل من ان أناله منك أيتها الجميلة.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—تذكر إنني قد طلبت منك أن تعتذر إليها، وانك قمت بالرفض.

وعلى الفور قامت ريم بدفع الرجل بقوة فسقط أرضًا، تعالت ضحكات الموجودين الذين كانوا يقفون ويشاهدون ما حدث منذ البداية.

شعر الرجل بالغضب المصحوب بالخجل من دفعه وسقوط أرضًا أمام المتواجدون من فتاة.

نهض بسرع وتحدث بغضب قائلًا:
—لو لم تكوني فتاة؛ كنت سأجعلك تندمين على اليوم الذي ولدتي فيه.

ضحكت ريم بسخرية، ثم علقت قائلة:
—هلتذكرت الآن أنك رجل؟ وانه لا يصح لك أن تضرب امرأة، لكن عندما قمت بدفع هذه الضعيفة نسيت كل شيء، يبدو أنك شخص تكيل بمكيالين.

ألتفتت ريم إلى المرأة، وأمسكت بها ثم اجلستها على الطاولة الخاصة بها.

على الجانب الآخر كان معتز يسير بسيارته،ولكن استوقفه ما حدث فتوقف بسيارته وظل يشاهد ما ستسفر عنه هذه المشاجرة.
ظل معتز واقفًا يشاهد ما حدث، ابتسم لما فعلته ريم، واعجب بثقتها بنفسها ومرؤتها.

وبعد أن انتهى الشجار، جلست ريم والمرأة العرافة على الطاولة التي اعتادت الجلوس عليها، استقل معتز سيارته وغادر المكان.

ابتسم آدهم وعلق قائلًا:
—حقًا، هذه هي الفتاة التي يقال عنها إنها فتاة بمائة رجل.

نظر إليه معتز وعلق قائلًا:
—لا انكر أنها احسنت التصرف، ولكن ليس لهذه الدرجة التي تتحدث عنها يا صديقي.

نظر أدهم إلى معتز وعلق قائلًا:
— اعلم أنك تحتقر الفتايات، ولكنني رأيت في عينيك الإعجاب بهذه الفتاة، وبما فعلته بذلك الحقير.

ابتسم معتز وعلق قائلًا:
— إنني على قناعة كاملة أن الفتيات ماكرات ويمكنهم التلاعب بمشاعرك، وأنه يجب عليك ألا تثق بإحداهن، بل يمكنك أن تتخذها للمتعة فقط، على الرغم من ذلك أعجبت بموقف تلك الفتاة، ولكن لنغير هذا الموضوع ونتحدث في ذلك الفرمان الذي أصدره جدي.

ضحك أدهم وعلق قائلًا:
—معك حق ولكن ما الذي ستفعله حيال ذلك الأمر؟
تحدث معتز بغضب وقال:
—لا أعلم هل تقدم جدي فالعمر جعله يفعل أشياء غير منطقية؟!

علق أدهم قائلًا:
-لا داعي لهذا الحديث الآن، لا بد من البحث عن فتاة تقوم بالزواج منها بشكل صوري؛ حتى لا يغضب عليك جدك، ويقوم بسحب أدارة الشركة منك.

اومأ معتز رأسه وتحدث قائلًا:
—لديك الحق، ولكن أين أجد هذه الفتاة؟!

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—معتز الصياد، لا يستطيع أن يجد فتاة تمثل دو، الزوجة أمام الجد، رغم علاقاته العديد بالنساء.

علق معتز قائلًا:
—أدهم، هل جننت؟! لا يمكن أن أتزوج من أيًا منهم؛ حتى لو زواجًا صوريًا، أنا معتز الصياد هل نسيت ذلك؟!

علق آدم قائلًا:
—لقد اتفقنا أن هذا الزواج هو زواجًا صوريًا فقط، فلا داعي للعناد.

معتز الصياد علق قائلًا:
—أدهم، لا بد أن انتقي هذه الفتاة بعناية شديدة، فالجميع سيعلم بنبأ زواجي، وبالطبع سوف يتسائلون عن تلك الفتاة.

وصل معتز الصياد إلى مقر شركة الصياد للأدوية والكيماويات، دلف إلى مكتبه بينما كان أدهم مشغولًا بالبحث عن فتاة مناسبة لتمثيل دور الزوجة.

كلما راى أدهم فتاة إلتقط لها صورة بالكاميرا الخاصة بهاتفه، وبعد ذلك يسرع لعرضها على معتز الذي يقابل ذلك بالرفض.

في المرة الأخيرة دلف أدهم إلى مكتب معتز الذي فوجيء بوجه صديقه متورم، وقف في ذهول وحدثه قائلًا:
-أدهم، ما الذي حدث لك؟!

تألم أدهم بشدة وكان يشتد عليه الألم كلما لمس وجهه بأنامله، ثم تحدث قائلًا:
—لا عليك كله فداءً لك يا صديقي.

تعجب معتز وعلق قائلًا:
—فداءً لي ما الذي فعلته بالخارج أيها المعتوه؟!

علق أدهم قائلًا:
-لم أفعل شيء، فقد رأيت امرأة جميلة، اقتربت منها لألتقط لها صورة؛ حتى أتمكن من إحضارها إليك لعلها تنال اعجابك، ولكنني فوجئت بشخص ضخم أمسك بي من قميصي وتحدث قائلًا:
—ما الذي تفعله؟!

واصل أدهم حديثه قائلًا:
—لم أكذب عليه واخبرته أنني أقوم بالتقاط صورة لتلك الفتاة لعرضها على صديقٍ لي.

نظر إليه معتز وحدثه بغضب قائلًا:
—هل جننت كيف فعلت ذلك أيها المعتوه؟!

تألم أدهم قليلًا،ثم تحدث قائلًا:
-بمجرد أن اخبرته بذلك،أخذ يسدد إلي العديد من اللكمات، لم أشعر بعدها بشيء سوى والعمال يتجمعون حولي في محاولة منهم كي أستعيد وعي.

ضحك معتز وعلق قائلًا:
—أنت تستحق ذلك يا صديقي، لا أحد يفعل ما قمت بفعله.

وصلت هيام إلى المقهى، بحثت عن صديقتها ريم فوجدتها جالسة برفقة امرأة لا تعرفها.

اقتربت منهما وقامت بتحية صديقتها ريم، فأسرعت ريم قائلة:
—سيدتي، هذه أختي وصديقتي هيام.

ثم نظرت إلى هيام وعلقت قائلة:
-حبيبتي، هذه؟!

ابتسمت ضاحكة وعلقت قائلة:
—سيدتي، لم أتشرف بمعرفة اسمك إلى الآن!

ابتسمت المرأة علقت قائلة:
—وداد، أختك وداد.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
-مرحبًا بك يا وداد، ولكن كيف تجلسان معًا دون أن يعرف أحدكم الآخر ؟!

ضحكت ريم وعلقت قائلة:
—سوف أقص لكي ما حدث فيما بعد، ولكن هل أحضرتي معك النقود؟!

أومأت هيام برأسها وعلقت قائلة:
-بالطبع لقد احضرتها، وأحضرت كل شيء سنحتاج إليه.

وقفت المرأه وشرعت في المغادرة، ولكنها قبل ان تغادر علقت قائلة:
—سأغادر، ولكن قبل أن اغادر اود أن أشكرك على كل ما فعلتيه من اجلي، لن أنسى ما فعلتيه مدى الحياة.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—لا داعي للشكر، انتي امرأة تعمل ولا بد من مساعدتك لا التعدي عليكي، ولكن أليس لديك مهنة أخرى غير قراءة الكف هذه؟!

ابتسمت وداد وعلقت قائلة:
—سيدتي، لا أعرف شيئًا أخر، فهذه المهنة متوارثة عن أمي وجدتي وانا ماهرة جدًا في قراءة الكف والفنجان والنرد ايضًا.

تعجبت هيام وعلقت قائلة:
—هل حقًا سيدتي أنتي تجيدين قراءة الكف؟!
ابتسمت المرأة وعلقت قائلة:
—أجل سيدتي، هل تودين أن أقوم بقراءة الكف لكِ؟

هيام بسعادة علقت قائلة:
—بالطبع، تفضلي.

نظرت وداد إلى كف هيام،تغيرت ملامح وجهها ثم تحدثت قائلة:
—سيدتي، اعتذر منكٍ لقد تذكرت شيئًا هامًا وعلى المغادرة.

غادرت المرأة،  نظرت هيام إلى صديقتها، وقد تعجبت من هذه المرأة، وعلقت قائلة:
-يبدو أن هذه المرأة لم تستطيع قراءة كفي فغادرت؛ حتى لا يفتضح أمرها.

ولكن ريم كان لها نظرة أخرى، نظرت إلى صديقتها وحدثتها قائلة:
—انتظري هنا سأعود على الفور.

لحقت ريم بالعرافة، قامت بجذبها من ذراعها وحدثتها قائلة:
—على الرغم من قناعتي التامة أن ما تهزي به ما هو سوى خرافات حتى وإن حدثت صدفة، ولكنني أريد أن أعرف ما الذي رأيتيه وجعل القلق باديًا عليكِ؟!

نظرت العرافة إليها وقد بدى عليها الحزن وعلقت قائلة:
—سيدتي، لم أرى في حياتي شيئًا سيئًا وأخبر به، فأرجوا منك المعذرة.

أصرت ريم أن تعرف ما الذي رأته تلك المرأة؛ حتى ولو بدافع الفضول.

وأمام إلحاح ريم واصرارها اخبرتها المرأة قائلة:
—كف صديقتك ينبأ بأنها لن ترى السعادة في الفترة القادمة،فلن تشعر سوى بالآلام والأوجاع، لن أخبرك بشيء آخر سوى أن صديقتك سترى الجحيم بعينيها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي